السبت، 6 مايو 2023

فضل أبي اسحاق سعد بن أبي وقّاص ابن عساكر

فضل أبي اسحاق سعد بن أبي وقّاص

ابن عساكر

1-ذكر ياقوت الحموي أن الحافظ بن عساكر أملى أربعمائة مجلس وثمانية مجالس في فن واحد[1].

ومن فضل الله أن عدداً من هذه المجالس حفظته لنا قاعة المخطوطات في المكتبة الظاهرية بدمشق. وثائق تراثية هامة تجمع صفة القدم، وجودة الخط. وصحة السماع.

وكل مجلس من هذه المجالس يتناول فكرة واحدة، قد تخص جماعة، أو فرداً، أو شهراً، أو يوماً، فهناك، مجلس في فضل شهر رمضان[2]

ومجلس في فضل يوم عرفة[3].

ومجلس في ذم من لا يعمل بعلمه، ومجلس في ذم قرناء السوء[4]،

ومجلس في فضل عبد الله بن مسعود[5]

وهكذا.

والمجلس الذي أقدمه للقراء هو المجلس (238)، وهو من أهم هذه المجالس لأنه يتحدث عن صحابي من خيرة الصحابة هو "سعد بن أبي وقاص".

 

2-لن أعّرف بالحافظ الكبير صاحب تاريخ دمشق، والذي أملى هذه المجالس في مسجد بني أمية الكبير مستنداً إلى سارية من سواري هذا المسجد وحوله سامعوه بأيديهم الكراريس والأقلام. فقد كتب الكثير عن علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي، ابن عساكر[6].

أما الرجل الذي تحدث ابن عساكر عن فضائله فسأقتطف تعريفاً به من تاريخ دمشق وبعض الكتب الهامة التي تحدثت عنه:

3-سعد بن أبي وقاص –واسم أبي وقاص مالك- بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي، أبو اسحاق القرشي الزهري المكي، أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد السابقين الأولين، وأحد من شهد بدراً والحديبية، وأول من رمى بسهم في سبيل الله. كان رأس مَنْ فتح العراق، وواحداً من الستة أهل الشورى.

قال فيه عمر رضي الله عنه: "إن أصابته الا مرة فذاك وإلا فليُستعَن به". ولي الكوفة لعمر. وهو الذي كوفها. باهى به رسول الله r فقال: "هذا خالي فليرني امرؤ خاله" ودعا له فقال: "اللهم سدد رميته، وأجب دعوته". فكان مجاب الدعوة، وأخباره في ذلك كثيرة مشهورة.

ولم يكن سعد كثير صلاة ولا صيام، ولكن ما شئت من أخلاق المؤمن القوي الذي يذكر ربه في قلبه، ويطفح ذكره على لسانه، فلا يشتم أحداً، ولا يؤذي أحداً، ولا يحمل غلاً على أحد. بصدق النية، وبصحة العزيمة في الدفاع عن الإسلام والمسلمين استحق سعد رضي الله عنه بشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم له بالجنة، ولم يكن رسول الله ينطق عن الهوى، فقد عرف التاريخ موقفاً لسعد لا يجارى أيام محنة المسلمين، وفتنتهم الكبرى زمن عثمان، لم يتبع نفسه هواها، وهو يعلم أنه أحق من بقي بالخلافة. جاءه ابن أخيه هاشم ابن عقبة. فقال: ها هنا مائة سيف يرونك أحق بهذا الأمر، فقال: أريد منها سيفاً واحداً إذا ضربت به المؤمن لم يصنع شيئاً، وإذا ضربت به الكافر قطع". وقال: ألا لعن الله من لعن علياً، ألا لعن الله من لعن عثمان، إنهما الفئتان اللتان قال الله فيهما "حتى تفيء إلى أمر الله". وحين عاد عمار بن ياسر من مصر في محنة عثمان كان سعد شاكياً، فاستدعاه وقال له فيما قال: "ويحك يا أبا اليقظان إن كنت فينا لمن أهل الخير، فما الذي بلغني من سعيك في فساد بين المسلمين، والتأليب على أمير المؤمنين؟ أمعك عقلك، أم لا؟!"، وقال له: "ويحك، حين كبر سنك، ورق عظمك، ونفد عمرك، فلم يبق منك إلا ظمء كظمء الحمار خلعت ربقة الإسلام من عنقك، وخرجت من الدين عرياناً كما ولدتك أمك؟!".

وهكذا نرى أن سعداً لم يكن طرفاً في خصومة، ولم يفضل في إصلاح البين فئة على فئة. لزم بيته لا رغبة في السلامة، وهو أول من يضحي بنفسه في سبيل الله حين تقتضي مصلحة الأمة ذلك، ولكنه كان ينظر إلى الطرفين المتنازعين ونفسه تكاد تتمزق من الألم، يريد أن يوحد الشمل، ويجمع الكلمة، ويدفع الشبهات، ويبعد الأمة عن مهاوي الضلالة، ويجنبها الهلكة.ولعل خير ما يلخص لنا صورة سعد وموقفه من الأمة قول عمر رضي الله عنه حين سئل عنه: "تركته في ولايته أكرم الناس مقدرة، وأقلهم قسوة، هو لهم كالأم البرة، يجمع لهم كما تجمع الذرة، أشد الناس عند البأس، وأحب قريش إلى الناس".ومن جمع في نفسه مثل هذه الصفات، وأعطى الأمة مثل هذا العطاء جدير أن تملى فضائله في مجلس ليرى فيها الناس جميعاً صورة المؤمن القوي الذي عرف حدود الله حق معرفتها[7].

4-يبدو لنا هذا المجلس على جانب كبير من الأهمية حين نقرأ سماعه على المصنف سنة 544. وهذا يعني أن الحافظ ابن عساكر أملى مجلسه قبل أن يتم تأليف التاريخ ويتصدر لتسميعه في مجالس عامة.

وشيء آخر يزيد في أهمية هذا المجلس وهو أن القاسم ابن الحافظ الكبير سمعه على والده مع عدد من علماء ذلك العصر منهم: هبة الله بن محفوظ بن صصري وولده أبو المواهب، وهؤلاء الثلاثة سيكون لهم شأن كبير في سماع التاريخ على الحافظ وتسميعه بعد وفاته.

وسبب ثالث يجعلنا نعتبر مجلس ابن عساكر هذا قطعة أثرية نفيسة هو أنه سمع على القاسم سنة 573، وكتبه بخطه حين سمعه على والده سنة 544.

وإذا تذكرنا أن الحافظ ترجم سعداً ترجمة مستفيضة في التاريخ، وعدنا إلى تلك الترجمة نقلب صفحاتها فإننا سنجد ما جمعه ابن عساكر في هذا المجلس مبثوثاً متفرقاً في جوانب تلك الترجمة. وما دامت هذه الفضائل قد جمعت وأمليت قبل أن يتم تأليف التاريخ وقبل أن يملى في مجالس عامة فيمكننا أن نقول: إن هذا المجلس لبنة صغيرة من تلك اللبنات الكثيرة التي ضم الحافظ بعضها إلى بعض ليؤلف منها تاريخه الكبير.

يضم هذا المجلس(9) فضائل،

هي خلاصة ما ذكرته المصادر في سيرة هذا الصحابي الجليل، إنها ليست كثيرة من حيث العدد، ولكنها كبيرة من حيث المعنى، قصد فيها الحافظ إلى التركيز والإيجاز، فقد اختار من الطرق الكثيرة التي تصله بالخبر طريقاً واحداً، كذلك فإنه اختار من هذه الفضائل أكثرها دلالة على شخصية سعد التي حفظها له التاريخ، ولهذا فإن المجلس الذي أقدمه للقراء يشغل الأوراق  (114-117) في المجموع 103 أوراقه من القطع الصغير، مسطرة الورقة (21) سطراً، وينتهي بالسماعات مسلسلة حسب تاريخها.

5-لقد كان مجلس الإملاء في عصر ابن عساكر بمثابة الدرس في عصرنا الحاضر، يكثف فيه المدرس ما يريد أن يلقيه على مسامع تلامذته، وإذا كان المدرس الماهر هو الذي يوشح درسه بالملح والطرف ليدفع بها الملل عن نفوس تلامذته، فإن ابن عساكر، كان يختم مجلس الإملاء بأبيات من الشعر تجدد عند سامعيه الرغبة في مجلس قادم في أسبوع قادم، ولكن الأبيات التي ختم بها مجلسه هذا  لم تكن قوية اللفظ عميقة المعنى ولم يكن فيها من المقومات الفنية ما يجعلها جديرة بمدح مثل هذا الصحابي الكبير.

والخلاصة التي نصل إليها هي أن المجالس الكثيرة التي أملاها ابن عساكر انتقى موضوعاتها من التاريخ وأن ما جمعه في هذا المجلس سواء أكان حديثاً عن الرسول r ، أما مما أثر عن السلف الصالح نجده مبثوثاً متفرقاً في تاريخ دمشق بشكل عام، وفي ترجمة سعد بشكل خاص. ومن الطرق ذاتها التي تلقى بواسطتها أخباره في هذا المجلس؛ غير الأبيات.

ولئن كانت الترجمة في التاريخ تتناول جوانب متعددة من حياة المترجم تلخص حياته، وتختصر سيرته في محيطه وبيئته، فإن مجلس الإملاء كان يتناول فكرة واحدة يقلب الحافظ جوانبها لتكون شاملة أكثر ما يكون الشمول واضحة أحسن ما يكون الوضوح.

ولو حاولنا سبر أعماق هذه المجالس التي وصلت إلينا لوجدناها بمجملها تبرز الفضائل، وترغب بالتمسك بها، وتنفر من الرذائل وتحث على الابتعاد عنها.وبكلمة مختصرة فإن مجالس الإملاء كانت دروساً في الوعظ والإرشاد، وغاية ممليها الإصلاح الاجتماعي، وتثبيت أسس المجتمع السليم الذي يقوم على مكارم الأخلاق.


بسم الله الرحمن الرحيم

رب أعن ويسر برحمتك

أخبرنا(1) المشايخ أبو سعد إسماعيل بن أحمد بن عبد الملك، وأبو عبد الله الحسين ابن أحمد بن علي، وأبو القاسم زاهر بن طاهر قالوا: أنا أبو بكر أحمد بن منصور البزاز.

ح وأخبرنا(2) الشيخ أبو عبد الله الحسين بن عبد الملك الخلاّل، أنا أبو عثمان سعيد بن أحمد العيار.قالا: أنا أبو الفضل عبيد الله بن محمد بن عبد الله، أنا أبو العباس محمد بن اسحاق ابن إبراهيم الثقفي السراج، نا قتيبة بن سعد، نا الليث بن سعد، عن يحيى وهو ابن سعيد، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة.

[1] أن عائشة رضي الله عنها قالت: سهر رسول الله r ، مَقدمه المدينة ليلة، فقال: "ليت رجلاً صالحاً من أصحابي يحرسني الليلة قالت: فبينا نحن كذلك إذ سمعنا خشخشة سلاح، فقال: من هذا؟" فقال: سعد بن أبي وقاص، رضي الله عنه، فقال له رسول الله r: ما جاء بك؟" فقال سعد: وقع في نفسي خوف على رسول الله r، فجئت أحرسه. فدعا له رسول الله r ثم نام.

رواه مسلم والترمذي والنسائي عن قتيبة.

-ج-

أخبرنا(3) الشيخ أبو سهل محمد بن إبراهيم المزكي، أنا إبراهيم بن منصور سبط بحرويه، أنا محمد بن إبراهيم ابن المقرئ، أنا أحمد بن علي بن المثنى، نا أبو خيثمة، نا الحسن بن موسى، نا زهير، نا سِماك بن حرب، حدثني مصعب بن سعد، عن أبيه رضي الله عنه.

[2] أنه نزلت فيه آيات من القرآن، قال: حلفت أم سعد أن لا تكلمه أبداً حتى يكفر بدينه، ولا تأكل، ولا تشرب. قالت(4): زعمت أن الله أوصاك بوالديك، وأنا أمك، وأنا أولى بهذا. قال: مكثت ثلاثاً حتى غشي عليها من الجهد. فقام بُني لها يقال له عُمارة فسقاها. قال: فجعلت تدعو على سعد، فأنزل الله عز وجل هذه الآية في القرآن: ) ووصَّينا الإنسانَ بوالديه حُسناً((5) "وإنْ جاهداك على أن تُشرِك بي ما" وفيها(6) –وصاحبهما في الدنيا معروفاً(7) قال: وأصاب رسول الله r غنيمة عظيمة، فإذا فيها سيف، فأخذته فأتيت به الرسول r فقلت: نفِّلني هذا السيف، فأنا ممن قد علمت. فقال: رده من حيث أخذته. قال: فرجعت به، ثم رجعت بعد ذلك فراجعته، فقال: "رده من حيث أخذته". فأنزل الله عز وجل: )يسألونَكَ عن الأنفالِ(8)..(. ومرضت فأرسلت إلى رسول الله r، فأتاني، فقلت: دعني أقسم مالي حيث شئت. فأبى. قلت: فالنصف. فأبى، قلت: فالثلث، فسكت. فكان بعد الثلث جائزاً. وأتيت على نفر من الأنصار والمهاجرين، فقالوا: تعال نطعمك ونسقيك خمراً- وذلك قبل أن تحرم الخمر- فأتيتهم في حُش- والحُش البستان- فإذا رأس من جزور مشوي عندهم، وزق من خمر. قال: فأكلت، وشربت معهم. قال: فذكرت الأنصار والمهاجرين فقلت: المهاجرون خير من الأنصار. قال: فأخذ الرجل لَحي الرأس فضربني به، فجرح بأنفي. فأتيت رسول الله r، فأخبرته، فأنزل الله، عز وجل فيَّ –يعني نفسه- شأن الخمر: )إنَّما الخمرُ والميسِرُ، والأنصابُ، والأزلامُ رِجسٌ من عمل الشيطانِ(9)( الآية.

رواه مسلم عن أبي خَيثمة.

-ج-

أخبرنا(10) الشيخ أبو المظفر عبد المنعم بن عبد الكريم بن هوازن القشيري، أنا أبي ح وأخبرنا المشايخ أبو بكر عبيد الله بن جامع بن الحسن بن علي الفارسي وأبو شعيب(11) سعيد بن الحسين بن إسماعيل الريوندي الجوهري، وأبو الحسن كمشتكين بن عبد الله الرومي الرشيدي الخصي بنيسابور، قالوا: أنا أبو القاسم الفضل بن عبد الله بن المحب.قالا: أنا أحمد بن محمد الخفاف الزاهد، أنا محمد ابن اسحاق الثقفي، نا محمد بن الصباح، أخبرنا جرير – قال الثقفي: وثنا زياد بن أيوب، نا جريرعن عبد الملك –يعني بن عمير- عن جابر بن سمرة، قال: [3] شكا أهل الكوفة سعداً إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، فقالوا: لا يُحسن أن يصلي. فذكر عمر ذلك له، فقال: أما صلاة رسول الله r فقد كنت أصلي بهم. قد كنت أركد في الأوليين، وأحذف في الأخريين. فقال: ذاك الظن بك أبا اسحاق. قال: فبعث به من سأل عنه. قال: فطيف به في مساجد الكوفة، فلم يقل إلا خير، حتى انتهى إلى مسجد بني عبس، فقال رجل منهم يقال له أبو سعدة: اللهم إنه كان لا ينفر في السرية، ولا [3] يقسم بالسوية، ولا يعدل في الرعية. فغضب سعد، فقال: اللهم إن كان كاذباً فأطل عمره، وأشد فقره، واعرض عليه الفتن.قال عبد الملك: فرأيته شيخاً كبيراً ما يجد شيئاً، يسأل: كيف أنت أبا سعدة فيقول: شيخ كبير مفتون. أصابته دعوة سعد.

متفق على صحته. رواه مسلم عن قتيبة، واسحاق عن جرير.

-ج-

أخبرنا(12) الشيخ أبو الفتح يوسف بن عبد الواحد بن محمد الباقِلاني، أنا شجاع بن علي بن شجاع، أنا محمد بن اسحاق الحافظ، أنا أحمد بن محمد بن إبراهيم نا محمد بن إسماعيل، نا إبراهيم بن محمد بن يحيى الشجري، نا أبي، عن موسى –عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن سعد رضي الله عنه. [4] أن النبي r ، قال: "اللهم سدد رميته، وأجب دعوته".

-ج-

أخبرنا(13) الشيخ أبو عبد الله الحسين بن عبد الملك الأديب، أنا أبو طاهر أحمد بن محمود الثقفي، أنا أبو بكر محمد بن إبراهيم العاصمي، أنا محمد بن الحسن بن قتيبة، نا حرملة بن يحيى، نا ابن وهب، أخبرني حيوة، أخبرني عقيل، عن ابن شهاب، حدثني من لا أتهم –عن أنس رضي الله عنه قال: [5] بينا نحن جلوس عند رسول الله r ، فقال رسول الله r: "يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة"، فطلع سعد بن أبي وقاص، حتى إذا كان الغد قال رسول الله r مثل ذلك، قال: فطلع سعد بن أبي وقاص على مرتبته الأولى، حتى إذا كان الغد قال رسول الله r مثل ذلك، فطلع سعد بن أبي وقاص على مرتبته، فلما قام رسول الله r ثار عبد الله ابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، فقال: إني غاضبت أبي، فأقسمت ألا أدخل عليه ثلاث ليال، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تحل يميني فعلت.قال أنس: فزعم عبد الله بن عمرو أنه بات معه ليلة حتى كان مع الفجر، فلم يقم من تلك الليلة شيئاً، غير أنه إذا انقلب على فراشه ذكر الله وكبَّره حتى يقوم مع الفجر، فإذا صلى المكتوبة أسبغ الوضوء وأتمه ثم يصبح مفطراً.قال عبد الله بن عمرو: فرمقته [4] ثلاث ليال وأيامهن لا يزيد على ذلك غير أني لا أسمعه يقول إلا خيراً. فلما مضت الليالي الثلاث وكدت أحتقر عمله، فقلت، إنه لم يكن بيني وبين أبي غضب، ولا هجرة، ولكني سمعت رسول الله r ، قال ذلك فيك ثلاث مرات في ثلاثة مجالس: "يطلع عليكم رجل من أهل الجنة". فاطلعت أولئك المرات الثلاث، فأردت أن آوي إليك حتى أنظر ما عملك فاقتدي بك، فلم أرك تعمل كثير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله r؟ فقال: ما هو إلا الذي قد رأيت. قال: فلما رأيت ذلك انصرفت عنه، فدعاني حين وليت، فقال: ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجد في نفسي سوءاً لأحد من المسلمين، ولا أقوله. قال: هذه التي بلغت بك، وهي التي لا أطيق.

أخبرنا(14) الشيخ أبو القاسم هبة الله بن محمد بن الحصين، أنا الحسن بن علي التميمي.

ج وأخبرنا الشيخ أبو علي الحسن بن المظفر بن السِّبط، أنا الحسن بن علي الجوهري.قالا: أنا أحمد بن جعفر بن حمدان، نا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، نا أبو بكر الحنفي عبد الكبير بن عبد المجيد، نا بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد. [6] أن أخاه عمراً انطلق إلى سعد في غنم له خارجاً من المدينة. فلما رآه سعد قال: أعوذ بالله من شر هذا الراكب. فلما أتاه قال: يا أبه، أرضيت أن تكون أعرابياً في غنمك، والناس يتنازعون في الملك بالمدينة؟! فضرب سعد صدر عمرو وقال: اسكت، إني سمعت رسول الله r يقول: "إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي".

رواه مسلم عن اسحاق، وغيره عن أبي بكر الحنفي.

-ج-

أخبرنا(15) الشيخ أبو الحسن علي بن أحمد بن قبيس، أنا أبو نصر الحسين بن محمد بن طلاب الخطيب، أنا أبو بكر محمد بن أحمد بن عثمان ابن أبي الحديد، أنا محمد ابن جعفر الخرائطي، نا محمد بن غالب بن حرب، تمتام، نا عبد الله بن عمرو أبو معمر، نا عبد الوارث، نا محمد بن جحادة، حدثني نعيم بن أبي هند، عن أبي حازم، عن حسين ابن خارجة، قال: [7] لما كانت الفتنة الأولى أشكلت علي، فدعوت الله أن يريني طريقاً من الحق أتمسك به. قال: فأريت الدنيا والآخرة[5] وبينهما حائط ليس جد طويل، وإذا حير، فقلت: لو تشبثت من هذا الحائط لعلي أهبط إلى قتلى أشجع فيخبروني، فهبطت إلى أرض ذات شجر، فإذا أنا بنفر جلوس، فقلت: أنتم الشهداء؟ قالوا: نحن الملائكة فقلت: فأين الشهداء؟ قالوا: تقدم أمامك إلى الدرجات العلى؛ فتقدمت أمامي فإذا أنا بروضة الله، عز وجل، أعلم ما بها من الحسن، فدنوت، فإذا أنا بمحمد، -وإبراهيم صلى الله عليهما وسلم وإذا محمد يقول لإبراهيم صلى الله عليهما: "استغفر لأمتي"، فقال إبراهيم: إنك ما تدري ما أحدثوا بعدك، إنهم أراقوا دماءهم، وقتلوا إمامهم؛ ألا فعلوا كما فعل خليلي سعد. قال: قلت: قد رأيت، لألقين سعداً، ولأنظرن في أي الفريقين هو فأكون معه. قال: فغدوت إلى سعد، فلقيته، فقصصت عليه. فو الله ما أكبره فرحاً، وقال: خاب من لم يكن له إبراهيم خليلاً، فقلت: مع أي الفريقين أنت؟ فقال: ما أنا مع واحد منهما. قلت: فما تأمرني؟ قال: لك غنم؟ قلت: لا، قال: فاشتر غنماً فكن فيها حتى تنجلي هذه الفتنة.

-ج-

أخبرنا(16) الشيخ أبو بكر محمد بن عبد الباقي، أنا الحسن بن علي الجوهري، أنا محمد بن العباس الخزاز، أنا أحمد بن معروف الخشاب، أنا الحسين بن الفهم، نا محمد بن سعد، أنا إسماعيل بن إبراهيم الأسدي، عن أيوب، عن محمد، قال: [8] نبئت أن سعداً كان يقول: ما أزعم أني بقميصي هذا أحق مني بالخلافة، قد جاهدت إذ أنا أعرف الجهاد، ولا أبخع نفسي ان كان رجلاً(17) خيراً مني، لا أقاتل حتى تأتوني بسيف له عينان، ولسان، وشفتان، فيقول: هذا مؤمن، وهذا كافر.

-ج-

وأخبرنا(18) الشيخ أبو بكر قال: قرئ على إبراهيم بن عمر البرمكي وأنا حاضر، أنا عبد الله من إبراهيم بن أيوب بن ماسي، نا أبو مسلم الكجي، نا محمد بن عبد الله الأنصاري، نا ابن عون، قال: أنبأني محمد بن محمد بن الأسود، عن عامر ابن سعد، قال: [9] بينما سعد يمشي إذ مر برجل، وهو يشتم علياً، وطلحة، والزبير، رضي الله عنهم، قال: فقال له سعد: إنك لتشتم قوماً قد سبق لهم من الله ما سبق، والله لتكفن عن سبهم(19) أو لأدعون الله عليك. قال: يخوفني: كأنه نبي![6] فقال سعد: اللهم إن كان هذا يسب أقواماً قد سبق لهم منك ما سبق فاجعله اليوم نكالاً. قال: فجاءت بُختية(20)، وأفرج الناس لها، فتخبطته. قال: فرأيت الناس يتبعون سعداً، يقول: استجاب الله عز وجل، لك أبا إسحاق.

أحبّ سعد بن أبي وقاص حباً شديداً ليس ذا انتقاص

وأرتجي بحبه خلاصي من هول يوم العرض والقصاص

لأنه في الدين ذو إخلاص جاهد كل جاحد خراص

من الأداني ومن الأقاصي لمَّا رأى المجوس في اعتياص

أناخ بالبلدان والصياصي حتى اغتدت مقفرة العراص

وأورث المطيع أرض العاصي وقطع الأعناق والنواصي

ولم يكن للفرس من مناص من بأس ذاك الأسد القناص

 

1-سمع هذا المجلس من لفظ ممليه الشيخ الإمام الحافظ الثقة العالم جمال السنة أبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي أيده الله. وقرأه عليه ولده أبو محمد القاسم، والمشايخ أبو عبد الله محمد بن داود الحنفي والعالم أبو يحيى علي بن عبد القادر الفاسي، وأبو الحسين أحمد، وأبو المعالي محمد ابنا وهب بن سلمان البلخي في آخرين.

وكاتب السماع هبة الله بن محفوظ بن الحسن بن محمد بن صصرى التغلبي الشافعي، وولده أبو المواهب نصر الله بن هبة الله.الرابع من شعبان سنة أربع وأربعين وخمسمائة بالمسجد الجامع بدمشق عمره الله تعالى. وصح وثبت.

2-سمع جميع هذا المجلس على الشيخ الإمام العالم الثقة الحافظ ناصر الدين شمس الحفاظ، ناصر السنة محدث الشام أبي محمد القاسم ابن الإمام الحافظ أبي القاسم علي ابن الحسن بن هبة الله الشافعي رضي الله عنه بقراءة الشيخ أبي جعفر أحمد بن علي بن أبي بكر القرطبي ولداه محمد وإسماعيل وفتاه فرج الحبشي، والقاضي أبو القاسم الحسين بن هبة الله بن محفوظ بن صصرى، وأبو منصور أحمد بن محمد بن صصرى، وعبد الرحمن بن أبي منصور بن نسيم، وهبة الله بن أحمد بن محمد بن عساكر وابن عمه مسعود بن عبد الرحمن، وعلي بن عمر بن عثمان، وعلي بن... وابنه أحمد، وأبو طالب بن علي بن أبي الفرج الكتاني، وعبد العزيز بن غسيان [10] بن سليمان، وأبو علي حسن بن علي بن عبد الوارث، وأحمد بن عبد الرحمن بن أبي القاسم، وأبو موسى عيسى بن موسى الرندي. وعلي بن تميم بن عبد السلام المالقي، وعبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن المؤدب، وإبراهيم بن سلميان بن إبراهيم الصنهاجي ويوسف بن أبي الفرج بن مهذب، وعمر بن عيسى بن معالي، وعمر بن يوسف بن يحيى المقدسي، وابناه يوسف وعبد الله، ومحمد، وعبد الله أبناء عبد الغالب الأموي، وعلي بن أبي... بن عون المتطبب، وعبد الملك بن... الدين بن عبد الملك القرطبي، وإسماعيل ابن محمد بن عبد الملك الموصلي، وأبو القاسم علي بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد... وشويخ بن هادي التاج، وعبد الباقي...عبد الكبير، وكاتب السماع الحسن بن الحسين بن محمد بن عبد الرحمن الأزدي، وذلك... في سنة.

والحمد لله وحده، وصلى الله على محمد النبي وآله وصحبه وسلم تسليماً إلى يوم الدين- وهو حسبي ونعم الوكيل.

3-سمعه مني ابني أبو القاسم، وأحمد بن حورية وكتب القاسم بن علي بن الحسن في يوم السبت ثامن وعشرين شوال سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة.

الحواشي:

(1)أخرجه ابن عساكر من هذا الطريق في التاريخ (م 11 ق88- أخبار سعد بن أبي

وقاص)، وأخرجه البخاري في الجهاد (2729)، باب الحراسة في الغزو، والتمني

(6804)، باب قوله r: ليت كذا وكذا، ومسلم في الفضائل (2410) باب فضل سعد،

والترمذي، في المناقب (3757)، باب مناقب سعد، والحاكم في المستدرك 3/501،

والذهبي في سير أعلام النبلاء 1/102.

(2)ذكرت في المقدمة أن هذا المجلس كتب بخط القاسم ابن المصنف، وهذا الحرف (ج)

سنجده فوق ألفاظ التحديث، وهذا يعني أن للقاسم إجازة برواية هذه الأخبار من

شيوخ أبيه.

(3)أخرجه أحمد 1/181-182، ومسلم في الجهاد (1748)، باب الأنفال، مختصراً،

ومطولاً في الفضائل، (1748) باب فضل سعد، والترمذي، ومن سورة العنكبوت

(3188)، ومن سورة الأنفال (3080)، وأبو داود في الجهاد (3740).

(4)في الأصل: "قال".

(5)سورة العنكبوت 29 من الآية 8.

(6)في الأصل: "وفيه"، والصواب من المسند.

(7)سورة لقمان 31 من الآية 15.

(8)سورة الأنفال 8 من الآية 1.

(9)سورة المائدة 5 من الآية 90.

(10)أخرجه ابن عساكر من هذا الطريق في التاريخ (م 11 ق 99-100)، وفي مشيخة

167 ب من طريق السراج عن قتيبة بن سعيد، نا هشيم، عن عبد الملك –وأحمد في

المسند 3/58، 61 (1510، 1518)، والطيالسي برقم (217)، والبخاري في الأذان

(755)، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلاة كلها، و (758)، و (770)

باب يطول في الأوليين ويحذف في الآخرين، ومسلم في الصلاة (453)، باب القراءة

في الظهر والعصر، والنسائي 2/217، باب الركود في الأوليين. وأبو داود في

الصلاة (803)، باب تخفيف الأخرين، والذهبي في سير أعلام النبلاء 1/113.

(11)كذا في الأصل، وفي التاريخ ومشيخة ابن عساكر 72 آ: "سعد".

(12)أخرجه ابن عساكر من هذا الطريق في التاريخ (م 11 ق 97)، وقال: "هذا حديث

غريب من حديث إسماعيل، وموسى هذا يقال إنه ابن عقبة، وقيل: موسى ابن يعقوب

الزمعي".

(13)أخرجه ابن عساكر من هذا الطريق في التاريخ (م 11ق90)، والذهبي في سير

أعلام النبلاء 1/109، وصاحب الكنز برقم (3716) من طريق ابن عساكر.

(14)أخرجه ابن عساكر في التاريخ (م 11 ق109) من طريق آخر، وأحمد في المسند

1/168، ومسلم (2965) في الزهد، وأبو نعيم في حلية الأولياء 1/94، والذهبي في

سير أعلام النبلاء 1/102.

(15) أخرجه ابن عساكر من هذا الطريق في التاريخ (م 11 ق118).

(16)أخرجه ابن عساكر من هذا الطريق في التاريخ (م 11 ق109)، وابن سعد 3/143،

والطبراني في الكبير [322]، وأبو نعيم في الحلية 1/94، والذهبي في سير أعلام

النبلاء 1/118، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 1/299.

(17)هذه رواية الأصل، وتوافقها رواية سير أعلام النبلاء، وفي الطبقات

والتاريخ "رجل".

(18)أخرجه ابن عساكر من هذا الطريق في التاريخ (م 11 ق103).

(19)في التاريخ: "شتمهم".

(20)البُختية: الإبل الخراسانية. دخيل في العربية، أعجمي معرب.

[1] انظر معجم الأدباء 13/81.

[2] هو المجلس 405 مخطوط في الظاهرية مجموع 81.

[3] مخطوط في الظاهرية عام 4496 (1-6).

[4] نشره والذي قبله الأستاذ مطيع الحافظ دار الفكر 1399 هـ 1979م.

[5]حققته سكينة الشهابي وهو قيد النشر.

[6]يراجع في ذلك ابن عساكر في ذكرى مرور تسعمائة سنة على ولادته 499-1979،

ومقدمة المجلدة الأخيرة من التاريخ تحقيق كاتبة هذه الأسطر.

[7] يراجع تفصيل ما أوجزته في تاريخ دمشق (مصورة دار الكتب 11/60-119، وكولومبيا 153 ق 96، وسير أعلام النبلاء 1/92، والإصابة 2/33، وتراجع أخبار سعد (ض) وفضائله في: طبقات ابن سعد 3/137 ونسب قريش 94، وطبقات خليفة 15، 126، وتاريخ خليفة 22 3، والتاريخ الكبير 4/43، والتاريخ الصغير 1/99، وحلية الأولياء 1/92، والاستيعاب 2/606، وتاريخ بغداد 1/144 وأسد الغابة 2/366، وتاريخ الإسلام 2/281، والعبر 1/60، والعقد الثمين 4/537 وتهذيب التهذيب 3/483، والنجوم الزاهرة 1/ 147، وتاريخ الخلفاء 250، وشذرات الذهب 1/61.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق