السبت، 6 مايو 2023

كتاب من هنا نبدأ وفي الجنة نلتقي{إن شاء الله اللهم إنا نسألك الجنة} لعبد المحسن بن عبد الرحمن

كتاب من هنا نبدأ وفي الجنة نلتقي{إن شاء الله اللهم إنا نسألك الجنة} لعبد المحسن بن عبد الرحمن  

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة بقلم فضيلة الشيخ العلامة

عبد القادر الأرناؤوط

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

وبعد: فهذه رسالة جمعها الأخ في الله عبد المحسن بن عبد الرحمن بن عبد المحسن، وجعل عنوانها (من هنا نبدأ وفي الجنة الملتقى إن شاء الله) جمع فيها بعض الفوائد من القرآن الكريم والسنة المطهرة وأقوال العلماء وبعض الأشعار التي فيها الحكم والمواعظ كما قال رسول الله r: «إن من الشعر لحكمة، وإن من البيان لسحرًا» وفيها من النصائح التي تهم الشباب في سلوكهم وتصرفاتهم في حياتهم، وأنه ينبغي على الشاب أن يصحب أهل الخير ليقتدي بهم، ولا بد للإنسان من أسوة حسنة يأتسي بها وقدوة صالحة يقتدي بها، وأسوتنا نحن المسلمين في كل شأن من شؤون حياتنا رسول الله r الذي أرسله الله تعالى رحمة للعالمين، وقدوة الصراط المستقيم، وهم الفرقة الناجية، وهم أهل السنة والجماعة الذي ينبغي أن يقتدى بهم وهم الذين مدحهم الله تعالى بقوله: }مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا{ فجزى الله تعالى هذا المؤلف خيرًا حيث شق الطريق للشباب الناشئ الذي يحتاج إلى الذكرى والموعظة. قال تعالى في كتابه لرسوله r: }وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا{، جعلنا الله تعالى ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، لنكون يوم القيامة }مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا{.

ونسأل الله تعالى أن يثبتنا على دينه وشرعه وشريعته، وأن يوفقنا لاتباع سنة رسوله، إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

عبد القادر الأرناؤوط

1 شعبان 1414ﻫ

 

 

* * * *
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الكريم الوهاب، الرحيم التواب، غافر الذنب وقابل التوب، شديد العقاب، ذي الطول لا إله إلا هو، يحب التوابين ويحب المتطهرين، ويغفر للمخطئين المستغفرين، ويمحو بحلمه إساءة المذنبين، ويقبل بعفوه اعتذار المعتذرين، لا إله إلا هو إله الأولين والآخرين، وديان يوم الدين، وصلى الله وسلم على خير عباده أجمعين وعلى صحابته والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم يا مصلح الصالحين.. أصلح فساد قلوبنا.. واستر في الدنيا والآخر عيوبنا.. واغفر بعفوك ورحمتك ذنوبنا، وارحم في موقف العرض عليك ذل مقامنا.

يا رب...

يا رب عفوك لا تأخذ بزلتنا

 



 

 

واغفر أيارب ذنبًا قد جنيناه

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

أما بعد:

فيا أخي الغالي..

إن تجد عيبًا فسد الخللا



 

جل من لا عيب فيه وعلا




لا نطلب منك جزاًء إلا الدعاء، وخصني وكل مريض بدعوة بالشفاء.

أخي رعاك الله.. أختي في الله:

الإنسان قد يولد مرة واحدة وقد يولد مرتين.. نعم يولد مرتين.

أما الميلاد الأول فهو يوم يخرج من ظلمات رحم أمه إلى نور الدنيا.. وذلك ميلاد يشترك فيه كل البشر.. المسلمون والكفار.. الأبرار والفجار.. بل وتشترك فيه الحيوانات أيضًا.

أما الميلاد الثاني فهو يوم يخرج من ظلمات المعصية إلى نور الطاعة، وهذا الميلاد خاص بمن وفقه الله من البشر لطريق الهداية ومسلك الاستقامة. وقد صور الله – عز وجل – هذا الميلاد بقوله }أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا{.

إنه ميلاد لا يتقيد بعمر.. فقد تولد في أي عمر.. وهنيئًا لك إن لم يسبق الموت ميلادك هذا.

ابن ادم..

ولدتك أمك يا ابن آدم باكيًا



 

والناس حولك يضحكون سرورًا

فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا

 

 

في يوم موتك ضاحكًا مسرورًا




إنه ميلاد ليس له سبب معين... ولكنه شيء يهز نفسك هزًا.. شيء يشعرك بأنك ما خلقت عبثًا ولن تترك سدى ولا هملاً.

نعم هو هزة .. فاستيقاظ من غفلة .. فمحاسبة للنفس .. فدمعة على الخد .. فسجود لله من ذلك العبد ...

فثبات([1])... نسأل الله الثبات .. حتى يدخلنا ربنا برحمته جنة عرضها كعرض الأرض والسموات.

ولكن أخي هذا الميلاد لا يولده أي إنسان... إنما يولده بعد توفيق الله .. من أخذ بالأسباب .. وقد تأتيه الأسباب.

قد يكون كافرًا فيسلم .. وقد يكون مسلمًا مبتعدًا عن الله فيعود إلى الله.. ويكون مستقيمًا فيجدد الميلاد.

فلا إله إلا الله ما ألذه من ميلاد .. ذلك الميلاد.

ولا إله إلا الله ما أسعده من مولود .. ذلك المولود.

ولا إله إلا الله ما أفضلها من أيام .. تلك الأيام.

يوم يتمرد الإنسان عن الانقياد للشيطان.

يوم يرتبط الإنسان بالله الواحد الديان.

يوم يذوق الإنسان حلاوة الإيمان.

يوم تذرف بالدموع العينان.

يوم يلهج بذكر الله اللسان.

يوم تتنزه الأذنان عن سماع المعازف والألحان..

ومزمار الشيطان.. وتستبدلها بكلام الواحد المنان.

فيا أخي المسلم:

يا من خلقك ربك فسواك.. وهو الذي رزقك وكساك.. وأطعمك وسقاك.. ومن كل خير سألته أعطاك .. ومع ذلك عصيت وما شكرت.. وأذنبت وما استغفرت.. تنتقل من معصية إلى معصية.. ومن ذنب إلى ذنب.. كأنك ستخلد في هذه الدنيا ولن تموت.

تبارز الله بالمعاصي والذنوب.. غافلاً ساهيًا عن علام الغيوب.. فليت شعري متى تتوب.. متى تتوب..

أتتوب عند هجوم هادم اللذات؟!! أتتوب عند الممات؟!!

وهل تظن يقبل منك ذلك في تلك اللحظات؟!!

استمع إلى من أنعم عليك وهو يتحدث عن أولئك الذين بارزوه بالذنوب والمعاصي.. ولم يخشوا يومًا يؤخذ فيه بالأقدام والنواصي.. انظر ماذا يقول الله عنهم: }حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ{ لماذا تتمني الرجعة يا هذا؟ }لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ{ فيقال له توبيخًا: }كَلَّا{ نعم كلا فقد أمهلناك.. كلا فقد تركناك فتماديت.. وما رجعت وما باليت }كَلَّا{ فقد انتهى الوقت }كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ{.

قد تقول.. ماذا أفعل؟؟ ماذا أصنع؟؟ أذنبت كثيرا.. عصيت كثيرا..

أقول لك أخي عجل..عجل ما دام الباب مفتوحا.

نعم لا يزال باب التوبة مفتوحًا لك.

يقول r: «إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر»([2])، و«التائب من الذنب كمن لا ذنب له»([3]) وأبشرك ببشارة الله لك .. ولكل المذنبين التائبين.. اسمعها في قول الله تعالى: }إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا{.

فيا إخواني...

يا معشر العاصين جود واسع



 

عند الإله لمن يتوب ويندما

يا أيها العبد المسيء إلى متى

 

 

تفني زمانك في عسى ولربما

بادر إلى مولاك يا من عمره

 

 

قد ضاع في عصيانه وتصرما

واسأله توفيقًا وعفوا ثم قل

 

 

يا رب بصرني وزل عني العما




عجل يا أخي عجل ولا تجعل للشيطان إليك سبيلاً.. عجل يا أخي عجل قبل }أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ{.

عجل يا أخي عجل واعلم أن الله يفرح بتوبتك إذا تبت..

عجل يا أخي عجل واعلم أن الله يحبك إذا رجعت إليه وأنبت...

لا تجعل ذنوبك خندقًا يحاصرك ويمنعك من التوبة ([4]).

قد تقول..

ولكني أخاف استهزاء أصحاب السوء.

أقول لك يا من قلت هذا الكلام .. أين أنت عن بلال – رضي الله عنه – الذي لما أعلن إسلامه سحبه سيده أمية بن خلف «عليه من الله ما يستحق» على وجهه في لهيب الشمس التي تحرق الأجساد حرقًا .. ووضع على صدر بلال صخرة عظيمة.. ولك أخي أن تتصور حال بلال.. كان أمية بن خلف يقول لهذا المؤمن: تموت على هذا الحال أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى.

ماذا قال بلال أمام هذا الابتلاء العظيم الذي لا يصبر عليه إنسان .. إلا من وفقه الله..

كان يقول – رضي الله عنه وأرضاه -: أحد أحد.. أحد أحد..

صفعه أبو جهل «قبحه الله» على وجهه فرد عليه رد الواثق بنصر الله.. أحد.. أحد.. }قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ{.

يقول له الجلادون الموكلون بتعذيبه قل غير هذه الكلمة فيجيبهم: لا أحسن غيرها.

ثم عذب بلال – رضي الله عنه – عذابًا شديدًا حتى أعتقه أبو بكر – رضي الله عنه-.

سئل بلال بعد ذلك...

كيف صبرت على هذا العذاب؟؟

اسمع الإجابة.. أخي واعتبر؟؟

قال بلال: مزجت مرارة العذاب بحلاوة الإيمان فطغت حلاوة الإيمان على مرارة العذاب ولم أعد أشعر بالعذاب.

الله أكبر

وإذا كانت النفوس كبارًا



 

تعبت في مرادها الأجسام




فأين أنت عن بلال؟

أم أين أنت عن رسول الله r قبل بلال وهو الذي أدميت قدماه الشريفتان بأبي هو وأمي بعدما رجمه أهل الطائف بالحجارة عندما ذهب لدعوتهم إلى الإسلام فصبر وقال: «اللهم أهد قومي فإنهم لا يعلمون».. ووُضِع سلا الجزور على ظهره وهو ساجد فصبر..

قيل له: ساحر؛ فصبر.. قيل له: كاهن؛ فصبر.. قيل له: كذاب؛ فصبر.. قيل له: مجنون؛ فصبر..

أخي .. ماذا حدث بعد ذلك؟.. مات بلال.. ومات أمية بن خلف.. ومات أبو جهل.. ولكن.

أمية بن خلف في النار.. وأبو جهل في النار.

أما المؤمن الصادق الصابر بلال فمصيره مختلف.. قال r مخاطبًا بلال: «حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة»([5]).

الله أكبر: أي جائزة أعظم من أن يعرف إنسان أنه من أهل الجنة وهو لا يزال يعيش في هذه الدنيا.

اسمع إجابة بلال.. قال: «ما عملت عملاً أرجى عندي من أني لم أتطهر طهورًا في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي»(1).

صبر الصابرون .. وفاز المتقون.. وخسر هنالك المبطلون .. المعاندون .. المستهزئون.

هؤلاء هم قدوتك فأين أنت عنهم.

لا تهتم يا أخي باستهزاء بعض الناس منك إذا اهتديت ولا يعيقك هذا فإنهم إن لم يتوبوا فموعدهم الآخرة }إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ{.

ولا تظن أخي التائب أن طريق الجنة مفروش بالورود والرياحين فقد «حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات»... كما قال r ([6]).

أسأل الله لي ولك الثبات فإن الابتلاء والامتحان لا يسلم منه أحد من المؤمنين.

كما أسأله أن لا نكون من الناس الذين قال الله فيهم: }وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ{.

* * * *
أخي المسلم إني أدعوك دعاء الصادق معك المحب لك إلى أن تنظر في نفسك هل أنت تسير في طريق مستقيم؟.. أم أنت كالذي كلما سلك طريقًا صده هواه وقرين السوء
}كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى{.

أجب نفسك بنفسك

أخي قال r لرجل وهو يعظه: «اغتنم خمسًا قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك» ([7]).

فاسلك طريق المتقـ

 

ـين وظن خيرًا بالكريم

واذكر وقوفك خائفًا

 

والناس في أمر عظيم

إما إلى دار الشقا

 

وة أو إلى العز المقيم

فاغنم حياتك واجتهد

 

وتب إلى الرب الرحيم

قال بعض السلف: لا تغتر بدار لا بد من الرحيل عنها، ولا تخرب دارًا لا بد من الخلود فيها.

فيا قوم }يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآَخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ * مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ{.

ولك أن تتصور نفسك يا عبد الله إن كنت من المطيعين لرب العالمين وأنت في الجنة دار المتقين الأبرار بعد أن رحمك العزيز الغفار.

تلك الدار التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، واقرأ إن شئت قوله تعالى: }فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{.

تصور نفسك يوم يقال لك وأنت مع أهلها: }ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ{.

أهل الجنة أخي... }تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ{.

أهل الجنة أخي... }فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ{.

أهل الجنة أخي... }فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ{.

أهل الجنة أخي... }يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ{.

أهل الجنة أخي... }فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ{.

أهل الجنة أخي... }وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ{.

وطعامهم ما تشتهيه نفوسهم



 

ولحوم طير ناعم وسمان

لحم وخمر والنسا وفواكه

 

 

يا شبعة كملت لذي الإيمان

لحم وخمر والنسا وفواكه

 

 

والطيب مع روح ومع ريحان




الجنة أخي... }فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ...{.

أخي يا من تحب الله والجنة «من يدخل الجنة ينعم ولا يبأس، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه» قال ذلك الحبيب r ([8]).

وقال أيضًا: «إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله – عز وجل-: تريدون شيئًا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا، ألم تدخلنا الجنة، وتنجنا من النار! قال: فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئًا أحب إليهم من النظر إلى ربهم»، ثم تلا هذه الآية: }لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ{ ([9]).

فيا لها من لذة تلك اللذة.. ويا له من نعيم ذلك النعيم }لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ{.

وجنات عدن زخرفت ثم أزلفت



 

لقوم على التقوى دواما تبتلوا

بها كل ما تهوى النفوس وتشتهي

 

 

وقرة عين ليس عنها تحول




أخي لقد حرك الداعي إلى الله وإلى دار السلام النفوس الأبية، والهمم العالية، وأسمع منادي الإيمان من كانت له أذن واعية، وأسمع الله من كان حيًا فهزه السماع إلى منازل الأبرار وحدا به في طريق سيره فما حطت به رحاله إلا بدار القرار ([10]).

فكن بقلبك.. بكلك مع القوم الذين قال الله فيهم: }وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ{. وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.

}وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ{.

فيا من ظلم نفسه بتسويف التوبة.

عليك أن تتصور نفسك يا عبد الله إن مت على غير توبة...

تخيل نفسك وأنت في أودية جهنم تهيم.. ومن طعامها تأكل صباحًا ومساًء... تصور نفسك إن مت على المعاصي والذنوب... تصور نفسك هل يتحمل جسمك هذا العذاب؟([11]).

قال الله تعالى: }وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآَيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى{.

تصور ذلك الأعمى وهو سيحب على وجهه في نار حرها شديد، وقعرها بعيد، وطعام أهلها الزقوم وشرابهم فيها الصديد } يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ {.

يسحب على وجهه في نار }وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ{.

النار... وما أدراك ما النار:

سوداء مظلمة شعثاء موحشة



 

دهماء محرقة لواحة البشر

فيها العقارب والحيات قد جعلت

 

 

جلودهم كالبغال الدهم والحمر

لها إذا ما غلت فور يقلبهم

 

 

ما بين مرتفع منها ومنحدر

يا ويلهم تحرق النيران أعظمهم

 

 

بالموت شهوتهم من شدة الضجر

وكل يوم لهم في طول مدتهم

 

 

نزع شديد من التعذيب والسعر

فيها غلاظ شداد من ملائكة

 

 

قلوبهم شدة أقسى من الحجر

فيها السلاسل والأغلال تجمعهم

 

 

مع الشياطين قسرًا جمع منقهر




فتذكروا رحمكم الله }إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ{.

تذكر أخي }يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا{ ولكن بعد ماذا؟؟؟

أهل النار: }لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ * لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ{.

أهل النار: }وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ{.

«ينشئ الله سحابة سوداء مظلمة فيقال: يا أهل النار أي شيء تطلبون؟ فيذكرون بها سحابة الدنيا، فيقولون: يا ربنا الشراب فتمطرهم أغلالاً تزيد في أغلالهم، وسلاسل تزيد في سلاسلهم، وجمرًا تلتهب عليهم»([12]).

}وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ{.

أهل النار... }لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ{.

أهل النار... }يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ * سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ{.

أهل النار... }قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ{.

أهل النار... }وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآَيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ{.

استمع إليهم }وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ{. }قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ{.

ينادون.. فانظر من ينادون }وَنَادَوْا يَا مَالِكُ{ ومالك هو خازن النار }وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ{.

إخواني }وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا{.

إذا مد الصراط على جحيم



 

تصول على العصاة وتستطيل

فقوم في الجحيم لهم ثبور

 

 

وقوم في الجنان لهم مقيل

وبان الحق وانكشف الغطاء

 

 

وطال الويل واتصل العويل




فتفكر الآن مادمت في زمن الإمكان فيما يحل بك من الفزع إذا رأيت الصراط ودقته، ثم وقع بصرك على سواد جهنم من تحته، ثم قرع سمعك شهيق النار وتغيظها وزفيرها، وقد كلفت أن تمشي على الصراط مع ضعف حالك، واضطراب قلبك.

والخلائق أمامك يسيرون عليه؛ فناج مسلم، ومخدوش مرسل، ومكردس على وجهه في نار جهنم. }فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ{.

أخي ..

مساكين أهل الذنوب أطاعوا الشيطان، وعصوا الرحمن..

مساكين أهل الذنوب جلت كروبهم وعظمت خطوبهم، وكبرت عيوبهم، وأحصيت عليهم في الكتاب ذنوبهم..

مساكين أهل الذنوب عصوا الجبار بالليل والنهار، وبذلوا مهجهم لعذاب النار، وسودوا صحفهم بالخطايا والأوزار ..

مساكين أهل الذنوب غفلوا عن الطاعة، وخسروا أنفسهم قبل قيام الساعة ([13]).

فيا من أغرتك دنيا دنيئة لا تساوي عند الله جناح بعوضة فاشتريتها وبعت جنة عرضها كعرض السموات والأرض... مثل نفسك قبل واقفًا يوم الحساب والجزاء.

 

مثل وقوفك يوم الحشر عريانًا



 

مستعطفًا قلق الأحشاء حيرانا

النار تزفر من غيظ ومن حنق

 

 

على العصاة وتلقى الرب غضبانا

إقرأ كتابك يا عبدي على مهل

 

 

وانظر إليه ترى هل كان ما كانا

لما قرأت كتابًا لا يغادر لي

 

 

ما كان سرًا وما قد كان إعلانا

قال الجليل خذوه يا ملائكتي

 

 

مروا بعبدي إلى النيران عطشانا




فانظر لنفسك يا مسكين يا ضعيف الإيمان واليقين قبل حلول الندم وزوال النعم ونزول النقم حيث لا ينفع الندم، فاستعد للسؤال، وتهيأ للجدال، قال الله الكبير المتعال: }يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ{.

يوم تنظر أيمن منك فلا ترى إلا ما قدمت تنظر أشأم منك فلا ترى إلا ما قدمت ... تنظر أمامك فلا ترى إلا النار... فاتق النار أخي.. فاتق النار.

في ذلك اليوم }يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ{.

 

عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: سمعت رسول الله r يقول: «يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً» قلت: يا رسول الله النساء والرجال جميعًا ينظر بعضهم إلى بعض؟ قالت: قال: «يا عائشة الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض». رواه البخاري ومسلم.

في ذلك اليوم تدنو الشمس من رؤوس الخلائق حتى تكون على مقدار ميل.

وفي ذلك اليوم «سبعة يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه» ([14]).

فيا أخي...

تذكر يوم تأتي الله فردًا



 

وقد نصبت موزاين القضاء

وهتكت الستور عن المعاصي

 

 

وجاء الذنب منكشف الغطاء




وتذكر قبل ذلك يوم ينفخ في الصور ويبعثر ما في القبور ويحصل ما في الصدور }إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ{.

أخي ثبتك الله على طاعته ... تفكر في تلك القبور التي ستخرج منها يوم البعث والنشور ... تنبه قبل الرحيل إلى تلك الحفر والدور.

نعم...

تنبه قبل الموت إن كنت تعقل



 

فعما قريب للمقابر تحمل

وتمسي رهينًا في القبور وتنثني

 

 

لدي جدث تحت الثرى تتجندل

فريدًا وحيدًا في التراب، وإنما

 

 

قرين الفتى في القبر ما كان يعمل




الله أكبر.. أخي تصور نفسك وجسمك في ظلمة القبر ممدود..

الله أكبر.. أخي كيف بك إذا جاورت أصحاب اللحود...

الله أكبر.. أخي ماذا ستفعل إذا جاء فيه الدود... فأكل من جسمك... ونهش من لحمك.. ونخر في عظمك..

الله أكبر.. أخي ماذا ستفعل إذا جاءك قبل ذلك الملكان.. فأجلساك.. وانتهراك، وسألاك.. من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ قد تستطيع الإجابة الآن.. ولكن في تلك الحفرة.. في ذلك القبر.. في الظلام .. ستكون الإجابة صعبة جدًا إلا على من وفقه الله وثبته في دنياه.

فمن قائل ربي الله، وديني الإسلام، ونبي محمد r.

وقائل هاه .. هاه .. هاه، لا أدري سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته.

أخي قال رسول الله r: «إنما القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار»([15]).

في القبر لا جليس إلا الأعمال. فانظروا يا إخواني في أنفسكم ماذا قدمتم لتلك الحفر المظلمة؟

إخواني.. ألا وإن في تلك القبور ليلة لا ككل الليالي.. ليلة بكي منها العلماء.. وشكي منها الحكماء.. وأنشد فيها الشعراء ... قال أحدهم يصف تلك الليلة.

إني أبثك من حديثي

 

والحديث له شجون

فارقت موضع مرقدي

 

يومًا ففارقني السكون

قل لي فأول ليلة

 

في القبر كيف ترى أكون؟!([16])

روى ابن ماجة والترمذي من حديث هانئ مولى عثمان قال: كان عثمان إذا وقف على قبر يبكي حتى يبل لحيته فقيل له: تذكر الجنة والنار ولا تبكي، وتبكي من هذا؟ قال: إن رسول الله r قال: «إن القبر أو منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشد».

وخيل لنفسك يا ابن آدم قبل ذلك كله وقد أخذت من فراشك إلى لوح مغتسلك.. فغسلك الغاسل.. وألبسك الأكفان.. وأوحش منك الأهل والجيران.. وبكى عليك الأحباب والإخوان..

فلنبك على أنفسنا قبل أن يبكى علينا.

ولنحمل أنفسنا على الطاعة قبل أن نحمل على الرقاب..

أخي: يا من أعزك الله بالإسلام...

أنت تعرف أن بداية تلك الرحلة هي لحظات..

لحظات قد مرت على كل من سكن القبور.. وستمر على كل حي حتى من سكن القصور..

لحظات أزعجت قلوب الخائفين..

لحظات حيرت إفهام العارفين..

لحظات أبكت عيون العابدين..

لحظات أذلت أعناق المتجبرين..

لحظات هي النهاية والبداية..

نعم نهاية الحياة وبداية الآخرة.. نهاية العمل وبداية الجزاء.

لنستمع إلى القرآن وهو يقص علينا قصة هذه اللحظات... بل يقص علينا قصة تلك الرحلة كلها }كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ{.

فيا ليت شعري ما حالي وحالك إذا جاءتنا تلك اللحظات ونزل بنا الأنين والغمرات.. نعم ونزل بنا هادم اللذات ومفرق الجماعات ومنغص الشهوات.. أعاننا الله وإياك على هذا الخطب العظيم.. وأوقع الدنيا من قلبي وقلبك موقعها من قلوب المتقين.

أخي.. ارجع بك إلى الوراء قليلاً وأنقلك إلى أحد المساجد لأصف لك قصة هذه اللحظات مع أحد الصالحين الذين لم أعرف عنه إلا حب هذا الدين.

إنه الشيخ قاسم إمام أحد المساجد في مدينة الرياض..

ففي يوم الخميس ليلة الجمعة الموافق الثاني والعشرين من ربيع الأول لعام 1411ﻫ دخل الشيخ مسجده وكبر ليصلي ركعتين تحية المسجد بعد أذان العشاء ... ثم تقدم ليلقي درسًا على عادته بين الأذان والإقامة... وبعد انتهاء الدرس أقام المؤذن للصلاة... ثم كبر الشيخ وكبر المأمومون خلفه ... ثم شرع في الفاتحة .. ثم قرأ في سورة الكهف حتى وصل قوله تعالى: }وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا * وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ{.

وهنا ... سكت!! بادره بعض المأمومين بالفتح عليه ظانين أنه نسي باقي الآية... وسكت بعضهم... وما علم الجميع أنه كان على موعد ... ولكن كان موعدًا مع الموت... نعم أتاه ملك الموت ليقبض روحه وهو على أحسن حال.. وهي يصلي بالناس، بدأ الشيخ يضطرب يمينًا وشمالاً وأمامًا وخلفًا، قال من كان خلفه مباشرة: حاولت أن أتفادى وقوعه بإمساكه.. فلم أستطع إلى ذلك سبيلاً.. فإذا به يخر على قفاه مشيرًا بأصبعه السبابة إلى السماء وهو يتمتم بكلام غير واضح... قطع بعض المصلين صلاتهم... حملوه إلى أقرب مستشفى.. كشف عليه بعض الأطباء فقالوا: قد فارق الحياة قبل مدة بسيطة تقدر بالزمن الذي كان يصلي فيه.

غفر الله لك يا أبا محمد وأسأل الله – عز وجل – أن يبعثك من قبرك وأنت تصلي... كيف لا والرسول r يقول كما في صحيح مسلم: «يبعث كل عبد على ما مات عليه».

وذكر أحد الدعاة المعروفين قصة عكس هذه القصة.. قصة يدمى لها القلب حزنًا وتدمع لها العين ألمًا.

إنها قصة رجل كان مدمنًا للخمر.. ومختصر القصة أن هذا الرجل ذهب إلى أحد البلاد المعروفة بالفساد.. وهناك في شقته بدأ يعب من الخمر عبًا .. شرب قارورة ثم أتبعها بالثانية ثم أتبعها بالثالثة وهكذا حتى شعر بالغثيان فذهب إلى دورة المياه ليتقيأ .. أتدري أين كان رأسه؟! كان رأسه في مصرف النجاسات «المرحاض»([17]).

إخواني...

لا دار للمرء بعد الموت يسكنها



 

إلا التي كان قبل الموت يبنيها

فإن بناها بخير طاب مسكنه

 

 

وإن بناها بشر خاب بانيها




فلا تضيعوا أعماركم في غير طاعة ربكم }وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ{.

فدونك فاصنع ما تحب فإنما



 

غدًا تحصد الزرع الذي أنت زارع




أخي...

تأدب بآداب الشريعة واستقم



 

وقل: يا إله العرش إني راجع

ويا واهب الخيرات هب لي هداية

 

 

فما غير فقدان الهداية قاطع

أقل عثرتي عفوًا ولطفًا ورحمة

 

 

فما لجميل الصنع غيرك صانع




قال تعالى: }مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{.

 

أخي الحبيب...

إني أدعوك إلى اللحاق بركب منتهاه الجنة بعد رحمة الله ... فإن أردت أن تلحق بأهله فتيقظ نعم تيقظ، واجعل ربك يحبك.

قد يتبادر إلى ذهنك سؤال:

كيف يحبني ربي؟

أتركك مع ابن قيم الجوزية وهو يجيبك على هذا السؤال: قال – رحمه الله -: «فصل في الأسباب الجالبة للمحبة والموجبة لها وهي عشرة».

أحدها: قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه وما أريد به.

الثاني: التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض فإنها توصله إلى درجة المحبوبية بعد المحبة.

الثالث: دوام ذكره على كل حال، باللسان والقلب والعمل والحال فنصيبه من المحبة على قدر نصيبه من هذا الذكر.

الرابع: إيثار محابه على محابك عند غلبات الهوى. والتسنم إلى محابه وإن صعب المرتقى...

الخامس: مطالعة القلب لأسمائه وصفاته ومشاهدتها ومعرفتها وتقلبه في رياض هذه المعرفة ومباديها.

السادس: مشاهدة بره وإحسانه وآلائه ونعمه الباطنة والظاهرة فإنها داعية إلى محبته.

السابع: وهو من أعجبها.. انكسار القلب بكليته بين يدي الله تعالى.

الثامن: الخلو به وقت النزول الإلهي – في الثلث الأخير من الليل – لمناجاته وتلاوة كلامه والوقوف بالقلب والتأدب بأدب العبودية بين يديه ثم ختم ذلك بالاستغفار والتوبة.

التاسع: مجالسة المحبين الصادقين.

العاشر: مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عز وجل([18]).

هذه عشرة أسباب تجلب لك محبة الله – عز وجل - .. وهنيئًا لمن أحبه الله.

أخي .. أعطني يدك وتعال معي نسير على هذا الطريق علنّا نفوز بمحبة الله والجنة..

فوالله إني أحب الجنة لك كما أحبها لنفسي.

أيها الحبيب المحب... لقد بدأ قلمي يتعثر.. ولساني يتلعثم.. وفكري يتوه.. وأنا أقولها لك بصراحة أنني لا أستطيع أن أعبر عن مقدار هذا الحب.

 

وفي ختام رسالتي هذه لا أملك لك إلا الدعاء ... فاللهم اغفر لي ولأخي وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ... اللهم ثبت قلبي على دينك } رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا{.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.

والسلام عليكم ورحمة الله،،،،

أخوكم

عبد المحسن بن عبد الرحمن

ص.ب 55695 الرياض 11544 .
الفهرس
مقدمة فضيلة الشيخ =الإنسان قد يولد مرتين

كيف صبرت على هذا العذاب؟؟ لا تهتم/فكن بقلبك/كيف يحبني ربي؟
الفهرس 

([1]) قد استقيت بعض العبارات من كتيب الميلاد الجديد للأخ إبراهيم الغامدي.

([2]) رواه ابن ماجة والترمذي وقال: حديث حسن.

([3]) رواه ابن ماجة والطبراني.

([4]) وأنصحك باستماع شريط (رسالة من القلب) للداعية الموفق والخطيب الملهم عبد الوهاب بن ناصر الطريري، كما أنصحك باستماع شريط «أن تقول نفس يا حسرتا» للشيخ الفاضل والداعية الوعظ محمد المختار الشنقيطي.

([5]) رواه البخاري ومسلم.

([6]) رواه البخاري ومسلم.

([7]) رواه الحاكم وقال صحيح على شرطهما.

([8]) كما في صحيح مسلم.

([9]) رواه مسلم والترمذي والنسائي.

([10]) زاد المعاد لابن القيم ج2 ص60 طبعة دار الفكر.

([11]) من شريط «تذكروا» للشيخ عبد الله الحماد الرسي، وهو شريط عجيب، ولعل الشيخ يقصد بكلمتي «صباحًا ومساءً» أي طوال الوقت وإلا فجهنم سوداء مظلمة لا نور فيها.

([12]) رواه الطبراني. عن يعلى بن منبه ورفعه إلى النبي r وروى موقوفًا عليه وهو أصح «الترغيب والترهيب» للمنذري.

([13]) بستان الواعظين – لابن الجوزي ص 177.

([14]) رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

([15]) رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب.

([16]) بستان الواعظين، ص265، وشريط «أول ليلة في القبر» لفضيلة الشيخ العلامة عائض بن عبد الله القرني.

([17]) والقصة موجودة في شريط وكتيب جلسة على الرصيف لصاحب الفضيلة الشيخ الطيب المطيب سلمان بن فهد العودة.

([18]) مدارج السالكين، ج3، ص17، 18.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق