ج1وج2. تاريخ الطبري
ج1 تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: 310هـ)
الجزء الأول ثم الثاني
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله الأول قبل كل أول، والآخر بعد كل آخر، والدائم بلا زوال، والقائم على كل شيء بغير انتقال، والخالق خلقه من غير اصل ولا مثال، فهو الفرد الواحد من غير عدد، وهو الباقي بعد كل أحد، إلى غير نهاية ولا أمد له الكبرياء والعظمه، والبهاء والعزه، والسلطان والقدرة، تعالى عن أن يكون له شريك في سلطانه او في وحدانيته نديد، أو في تدبيره معين أو ظهير، أو أن يكون له ولد، أو صاحبه او كفء أحد، لا تحيط به الأوهام، ولا تحويه الأقطار، ولا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ، وهو يدرك الأبصار، وهو اللطيف الخبير.
أحمده على آلائه، وأشكره على نعمائه، حمد من أفرده بالحمد، وشكر من رجا بالشكر منه المزيد، وأستهديه من القول والعمل لما يقربني منه ويرضيه، وأومن به إيمان مخلص له التوحيد، ومفرد له التمجيد.
وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده النجيب، ورسوله الأمين، اصطفاه لرسالته، وابتعثه بوحيه، داعيا خلقه إلى عبادته، فصدع بأمره، وجاهد في سبيله، ونصح لأمته، وعبده حتى أتاه اليقين من عنده، غير مقصر في بلاغ، ولا وان في جهاد، صلى الله عليه أفضل صلاة وأزكاها، وسلم
أما بعد، فإن الله جل جلاله، وتقدست أسماؤه، خلق خلقه من غير ضرورة كانت به إلى خلقهم، وأنشأهم من غير حاجة كانت به إلى إنشائهم، بل خلق من خصه منهم بامره ونهيه، وامتحنه بعبادته، ليعبدوه فيجود عليهم بنعمه، وليحمدوه على نعمه فيزيدهم من فضله ومننه، ويسبغ عليهم فضله وطوله، كما قال عز وجل: «وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ» .
فلم يزده خلقه إياهم- إذ خلقهم- في سلطانه على ما لم يزل قبل خلقه إياهم مثقال ذرة، ولا هو إن أفناهم واعدمهم ينقصه افناؤه إياهم ميزان شعره، لأنه لا تغيره الأحوال، ولا يدخله الملال، ولا ينقص سلطانه الأيام والليال، لأنه خالق الدهور والأزمان، فعم جميعهم في العاجل فضله وجوده، وشملهم كرمه وطوله، فجعل لهم أسماعا وأبصارا وأفئدة، وخصهم بعقول يصلون بها الى التمييز بين الحق والباطل، ويعرفون بها المنافع والمضار، وجعل لهم الأرض بساطا ليسلكوا منها سبلا فجاجا، والسماء سقفا محفوظا، وبناء مسموكا، وأنزل لهم منها الغيث بالإدرار، والأرزاق بالمقدار، واجرى لهم فيها قمر الليل وشمس النهار يتعاقبان بمصالحهم دائبين، فجعل لهم الليل لباسا، والنهار معاشا، وخالف- منًّا مِنْه عليهم وتطولا- بين قمر الليل وشمس النهار، فمحا آية الليل وجعل آية النهار مبصرة، كما قال جل جلاله وتقدست أسماؤه: «وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا
مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا» .
وليصلوا بذلك إلى العلم بأوقات فروضهم التي فرضها عليهم في ساعات الليل والنهار والشهور والسنين، من الصلوات والزكوات والحج والصيام وغير ذلك من فروضهم، وحين حل ديونهم وحقوقهم، كما قال عز وجل: «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ» ، وقال: «هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ» .
إنعاما منه بكل ذلك على خلقه، وتفضلا منه به عليهم وتطولا، فشَكَره على نعمه التي أنعمها عليهم من خلقه خَلْق عظيم، فزاد كثيرا منهم من آلائه وأياديه، على ما ابتدأهم به من فضله وطوله، كما وعدهم جل جلاله بقوله: «وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ» ، وجمع لهم الى الزيادة التي زادهم في عاجل دنياهم، الفوز بالنعيم المقيم، والخلود في جنات النعيم، في آجل آخرتهم وأخر لكثير منهم الزيادة التي وعدهم فمدهم الى حين مصيرهم اليه ووقت قدومهم عليه، توفيرا منه كرامته عليهم يوم تبلى السرائر وكفر نعمه خلق منهم عظيم، فجحدوا آلاءه وعبدوا سواه، فسلب كثيرا منهم ما ابتدأهم به من الفضل والإحسان، وأحل بهم النقمة المهلكة في العاجل، وذخر لهم العقوبة المخزية في الآجل، ومتع كثيرا منهم بنعمه ايام حياتهم استدراجا منه لهم، وتوقيرا منه عليهم أوزارهم، ليستحقوا من عقوبته في الآجل ما قد أعد لهم.
نعوذ بالله من عمل يقرب من سخطه، ونسأله التوفيق لما يدني من رضاه ومحبته.
قال أبو جعفر: وأنا ذاكر في كتابي هذا من ملوك كل زمان، من لدن ابتدأ ربنا جل جلاله خلق خلقه إلى حال فنائهم، من انتهى إلينا خبره ممن ابتدأه الله تعالى بآلائه ونعمه فشكر نعمه، من رسول له مرسل، أو ملك مسلط، أو خليفة مستخلف، فزاده إلى ما ابتدأه به من نعمه في العاجل نعما، وإلى ما تفضل به عليه فضلا، ومن أخر ذلك له منهم، وجعله له عنده ذخرا ومن كفر منهم نعمه فسلبه ما ابتدأه به من نعمه، وعجل له نقمه ومن كفر منهم نعمه فمتعه بما أنعم به عليه إلى حين وفاته وهلاكه، مقرونا ذكر كل من أنا ذاكره منهم في كتابي هذا بذكر زمانه، وجمل ما كان من حوادث الأمور في عصره وأيامه، إذ كان الاستقصاء في ذلك يقصر عنه العمر، وتطول به الكتب، مع ذكري مع ذلك مبلغ مدة أكله، وحين أجله، بعد تقديمي أمام ذلك ما تقديمه بنا أولى، والابتداء به قبله أحجى، من البيان عن الزمان: ما هو؟ وكم قدر جميعه، وابتداء أوله، وانتهاء آخره؟ وهل كان قبل خلق الله تعالى إياه شيء غيره؟ وهل هو فان؟ وهل بعد فنائه شيء غير وجه المسبح الخلاق، تعالى ذكره؟
وما الذي كان قبل خلق الله إياه؟ وما هو كائن بعد فنائه وانقضائه؟ وكيف كان ابتداء خلق الله تعالى إياه؟ وكيف يكون فناؤه؟ والدلالة على أن لا قديم إلا الله الواحد القهار، الذي له ملك السموات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى بوجيز من الدلالة غير طويل، إذ لم نقصد بكتابنا هذا قصد الاحتجاج لذلك، بل لما ذكرنا من تاريخ الملوك الماضين وجمل من أخبارهم، وأزمان الرسل والأنبياء ومقادير أعمارهم، وأيام الخلفاء السالفين وبعض سيرهم، ومبالغ ولاياتهم، والكائن الذي كان من الأحداث في أعصارهم ثم أنا متبع آخر ذلك كله- إن شاء الله وأيد منه بعون وقوة- ذكر صحابه نبينا محمد ص وأسمائهم وكناهم ومبالغ أنسابهم ومبالغ أعمارهم، ووقت وفاة كل إنسان منهم، والموضع الذي كانت به وفاته ثم متبعهم ذكر من كان بعدهم من التابعين لهم بإحسان، على نحو ما شرطنا من ذكرهم ثم ملحق بهم ذكر من كان بعدهم من الخلف لهم كذلك، وزائد في أمورهم للإبانة عمن حمدت منهم روايته، وتقبلت أخباره، ومن رفضت منهم روايته ونبذت أخباره، ومن وهن منهم نقله، وضعف خبره وما السبب الذي من أجله نبذ من نبذ منهم خبره، والعلة التي من أجلها وهن من وهن منهم نقله.
وإلى الله عز وجل أنا راغب في العون على ما أقصده وأنويه، والتوفيق لما ألتمسه وأبغيه، فإنه ولي الحول والقوة، وصلى الله على محمد نبيه وآله وسلم تسليما.
وليعلم الناظر في كتابنا هذا أن اعتمادي في كل ما أحضرت ذكره فيه مما شرطت أني راسمه فيه، إنما هو على ما رويت من الأخبار التي أنا ذاكرها فيه، والآثار التي أنا مسندها إلى رواتها فيه، دون ما أدرك بحجج العقول، واستنبط بفكر النفوس، إلا اليسير القليل منه، إذ كان العلم بما كان من أخبار الماضين، وما هو كائن من أنباء الحادثين، غير واصل إلى من لم يشاهدهم ولم يدرك زمانهم، إلا بأخبار المخبرين، ونقل الناقلين، دون الاستخراج بالعقول، والاستنباط بفكر النفوس فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه، أو يستشنعه سامعه، من أجل أنه لم يعرف له وجها في الصحة، ولا معنى في الحقيقة، فليعلم انه لم يؤت في ذلك من قبلنا، وإنما أتى من قبل بعض ناقليه إلينا، وإنا إنما أدينا ذلك على نحو ما أدي إلينا
(1/8)
القول في الزمان ما هو
قال ابو جعفر: فالزمان هو ساعات الليل والنهار، وقد يقال ذلك للطويل من المدة والقصير منها، والعرب تقول: أتيتك زمان الحجاج أمير، وزمن الحجاج أمير- تعني به: إذ الحجاج أمير وتقول: اتيتك زمان الصرام وزمن الصرام- تعني به وقت الصرام ويقولون أيضا: أتيتك أزمان الحجاج أمير، فيجمعون الزمان، يريدون بذلك أن يجعلوا كل وقت من أوقات إمارته زمانا من الأزمنة، كما قال الراجز:
جاء الشتاء وقميصي أخلاق ... شراذم يضحك منه التواق
فجعل القميص أخلاقا، يريد بذلك وصف كل قطعة منه بالإخلاق، كما يقولون: أرض سباسب، ونحو ذلك.
ومن قولهم للزمان: زمن قول أعشى بني قيس بن ثعلبة:
وكنت امرا زمنا بالعراق ... عفيف المناخ طويل التغن
يريد بقوله: زمنا زمانا، فالزمان اسم لما ذكرت من ساعات الليل والنهار على ما قد بينت ووصفت
(1/9)
القول في كم قدر جميع الزمان من ابتدائه إلى انتهائه وأوله إلى آخره
اختلف السلف قبلنا من أهل العلم في ذلك، فقال بعضهم: قدر جميع ذلك سبعة آلاف سنة.
ذكر من قَالَ ذَلِكَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قال: الدنيا جمعة من جمع الآخرة، سبعة آلاف سنه، فقد مضى سته آلاف سنه ومائتا سَنَةٍ، وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَيْهَا مِئُونَ مِنْ سِنِينَ، لَيْسَ عَلَيْهَا مُوَحِّدٌ.
وَقَالَ آخَرُونَ: قَدْرُ جَمِيعِ ذَلِكَ سِتَّةُ آلافِ سَنَةٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: قَالَ كَعْبٌ: الدُّنْيَا سِتَّةُ آلافِ سَنَةٍ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ، قال: حدثنا اسمعيل بن عبد الكريم، قال: حدثني عبد الصمد بن معقل، أنه سمع وهبا يقول: قد خلا من الدنيا خمسه آلاف سنه وستمائه سنه، وانى لأَعْرِفُ كُلَّ زَمَانٍ مِنْهَا، مَا كَانَ فِيهِ من الملوك والأنبياء قلت لِوَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: كَمِ الدُّنْيَا؟ قَالَ: سِتَّةُ آلاف سنه
(1/10)
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذَلِكَ مَا دَلَّ عَلَى صِحَّتِهِ الْخَبَرُ الْوَارِدُ عن رسول الله ص، وَذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَعَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: [سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ: أَجَلُكُمْ فِي أَجَلِ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، مِنْ صَلاةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ] .
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عمر، قال: [سمعت النبي ص يَقُولُ: أَلا إِنَّمَا أَجَلُكُمْ فِي أَجَلِ مَنْ خَلا مِنَ الأُمَمِ، كَمَا بَيْنَ صَلاةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ] .
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ابْنُ أُخْتِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، أَبُو الْيَقْظَانِ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: [قَالَ رَسُولُ الله ص: مَا بَقِيَ لأُمَّتِي مِنَ الدُّنْيَا إِلا كَمِقْدَارِ الشَّمْسِ إِذَا صُلِّيَتِ الْعَصْرُ] .
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، قَالَ: سَمِعْتُ سَلَمَةَ بْنَ كُهَيْلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: [كُنَّا جُلُوسًا عند النبي ص وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ عَلَى قُعَيْقِعَانَ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَقَالَ:
مَا أَعْمَارُكُمْ فِي أَعْمَارِ مَنْ مَضَى إِلا كَمَا بَقِيَ مِنْ هَذَا النَّهَارِ فِيمَا مَضَى مِنْهُ] .
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى- قال ابن بشار: حدثنى خلف ابن مُوسَى، وَقَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ مُوسَى- قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص خَطَبَ أَصْحَابَهُ يَوْمًا- وَقَدْ كَادَتِ الشَّمْسُ أَنْ تَغِيبَ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلا شِقٌّ يَسِيرٌ-[فقال: والذى
(1/11)
نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا بَقِيَ مِنْ دُنْيَاكُمْ فِيمَا مَضَى مِنْهَا إِلا كَمَا بَقِيَ مِنْ يَوْمِكُمْ هَذَا فِيمَا مَضَى مِنْهُ، وَمَا تَرَوْنَ مِنَ الشَّمْسِ إِلا الْيَسِيرَ] .
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قال: [قال النبي ص عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ: إِنَّمَا مَثَلُ مَا بَقِيَ مِنَ الدُّنْيَا فِيمَا مَضَى مِنْهَا كَبَقِيَّةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِيمَا مَضَى مِنْهُ] .
حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ وَأَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: [قَالَ رسول الله ص: بعثت انا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ- وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى] .
حَدَّثَنَا أَبُو كريب، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ ابى هريرة، عن النبي بِنَحْوِهِ.
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْوَالِبِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: [قَالَ رسول الله ص: بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ] .
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَثَّامُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْوَالِبِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، [قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى إِصْبَعَيْ رَسُولِ الله ص- وَأَشَارَ بِالْمُسَبِّحَةِ وَالَّتِي تَلِيهَا- وَهُوَ يَقُولُ:
بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَذِهِ مِنْ هَذِهِ] .
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: حدثنا فطر، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْوَالِبِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سمره، قال: [قال رسول الله ص: بُعِثْتُ مِنَ السَّاعَةِ كَهَاتَيْنِ]- وَجَمَعَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السبابة والوسطى
(1/12)
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: [قال رسول الله ص: بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ] قَالَ شُعْبَةُ:
سَمِعْتُ قَتَادَةَ يَقُولُ فِي قَصَصِهِ: كَفَضْلِ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى، قَالَ: لا أَدْرِي أَذَكَرَهُ عَنْ أَنَسٍ أَوْ قَالَهُ قَتَادَةُ.
حَدَّثَنَا خَلادُ بْنُ أَسْلَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مالك، قال: [قال رسول الله ص: بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ] .
حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النبي ص مِثْلَهُ، وَزَادَ فِي حَدِيثِهِ:
وَأَشَارَ بِالْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةِ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ، عَنِ الأوزاعي، قال: حدثنا اسمعيل بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَدِمَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَلَى الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَقَالَ له الوليد: ماذا سمعت رسول الله ص يَذْكُرُ بِهِ السَّاعَةَ؟ قَالَ: [سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ:
أَنْتُمْ وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ،] وَأَشَارَ بِإِصْبَعَيْهِ.
حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، قَالَ: حدثنا الأوزاعي، قال: حدثنى اسمعيل بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَدِمَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَلَى الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَقَالَ لَهُ الْوَلِيدُ: مَاذَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص يَذْكُرُ بِهِ السَّاعَةَ؟ [قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يقول: أنتم والساعة كتين] .
حَدَّثَنِي ابْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْبَرْقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ،
(1/13)
عن الأوزاعي، قال: حدثنى اسمعيل بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَدِمَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَلَى الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَعْبَدٌ، حَدَّثَ أَنَسٌ، [عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ص أَنَّهُ قَالَ: بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ،] وَقَالَ بِإِصْبَعَيْهِ: هَكَذَا.
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: [قَالَ رَسُولُ الله ص:
بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ:] السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى قَالَ أَبُو مُوسَى: وَأَشَارَ وَهْبٌ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ وَقَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: [قَالَ رسول الله ص: بعثت انا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ،] وَقَرَنَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الفضيل بن سليمان، حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ سعد، قال: [رايت رسول الله ص قَالَ بِإِصْبَعَيْهِ هَكَذَا، الْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِي الإِبْهَامَ: بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ] .
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الأَدَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ [سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ ان رسول الله ص قَالَ: بُعِثْتُ وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ- وَضَمَّ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ الْوُسْطَى، وَالَّتِي تَلِي الإِبْهَامَ- وَقَالَ: مَا مَثَلِي وَمَثَلُ السَّاعَةِ إِلا كَفَرَسَيْ رِهَانٍ، ثُمَّ قَالَ: مَا مَثَلِي وَمَثَلُ السَّاعَةِ إِلا كَمَثَلِ رَجُلٍ بَعَثَهُ قَوْمٌ طَلِيعَةً، فَلَمَّا خَشِيَ أَنْ يُسْبَقُ أَلاحَ بِثَوْبِهِ: أُتِيتُمْ، أُتِيتُمْ، أَنَا ذَاكَ أَنَا ذَاكَ] .
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: [قَالَ رَسُولُ الله ص:
بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ،] وَجَمَعَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ
(1/14)
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: [قَالَ رسول الله ص: بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ هَكَذَا،] وَقَرَنَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ: الْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِي الإِبْهَامَ.
حَدَّثَنِي ابْنُ عَبْدِ الرحيم البرقي، عن سهل بن سعد، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: [قَالَ رَسُولُ الله ص: بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ،] وَجَمَعَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ.
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ الْمُهَاجِرِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: [سَمِعْتُ رسول الله ص يَقُولُ: بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ جَمِيعًا، إِنْ كَادَتْ لِتَسْبِقَنِي] .
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ هَيَّاجٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدَةُ بْنُ الأَسْوَدِ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شداد الفهري، [عن النبي ص أَنَّهُ قَالَ: بُعِثْتُ فِي نَفْسِ السَّاعَةِ، سَبَقْتُهَا كَمَا سَبَقَتْ هَذِهِ هَذِهِ،] لإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى، وَوَصَفَ لَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَجَمَعَهُمَا.
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نَصْرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي جبيرة، قال: [قال رسول الله ص: بُعِثْتُ مَعَ السَّاعَةِ كَهَاتَيْنِ، - وَأَشَارَ بِإِصْبَعَيْهِ الْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةِ- كَفَضْلِ هَذِهِ عَلَى هَذِهِ] .
حَدَّثَنَا تَمِيمُ بْنُ الْمُنْتَصِرِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ شُبَيْلِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي جُبَيْرَةَ، عَنْ أَشْيَاخٍ مِنَ الأَنْصَارِ، قَالُوا:
(1/15)
[سمعنا رسول الله ص يَقُولُ: جِئْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ هَكَذَا]- قَالَ الطَّبَرِيُّ: وَأَرَانَا تَمِيمٌ، وَضَمَّ السَّبَّابَةَ وَالْوُسْطَى وَقَالَ لَنَا: أَشَارَ يَزِيدُ بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَضَمَّهُمَا-[وَقَالَ: سَبَقْتُهَا كَمَا سَبَقَتْ هَذِهِ هَذِهِ فِي نَفْسِ من الساعة، او في نَفْسَ السَّاعَةِ] .
فمعلوم إذ كان اليوم أوله طلوع الفجر وآخره غروب الشمس، وكان صحيحا عن نبينا ص، ما رويناه عنه قبل، أنه قال بعد ما صلى العصر: ما بقي من الدنيا فِيمَا مَضَى مِنْهَا إِلا كَمَا بَقِيَ مِنْ يومكم هذا فيما مضى منه.
وأنه قال لأصحابه: بعثت أنا والساعة كهاتين- وجمع بين السبابة والوسطى- سبقتها بقدر هذه من هذه، يعني الوسطى من السبابة وكان قدر ما بين اوسط اوقات صلاه العصر- وذلك إذا صار ظل كل شيء مثليه- على التحري إنما يكون قدر نصف سبع اليوم، يزيد قليلا أو ينقص قليلا، وكذلك فضل ما بين الوسطى والسبابة، إنما يكون نحوا من ذلك وقريبا منه.
وكان صحيحا مع ذلك عن رسول الله ص ما حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ:
حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا ثعلبه الخشني صاحب النبي ص يقول: [ان رسول الله ص قَالَ: لَنْ يُعْجِزَ اللَّهُ هَذِهِ الأُمَّةَ مِنْ نصف يوم،] وكان معنى قول النبي ذلك أن لن يعجز الله هذه الأمة من نصف يوم الذي مقداره ألف سنة- كان بينا أن أولى القولين- اللذين ذكرت في مبلغ قدر مدة جميع الزمان، اللذين أحدهما عن ابن عباس، والآخر منهما عن كعب- بالصواب، وأشبههما بما دلت عليه الأخبار الوارده عن رسول الله ص قول ابن عباس، الذي روينا عنه أنه قال: الدنيا جمعة من جمع الآخرة سبعة آلاف سنه
(1/16)
وإذ كان ذلك كذلك، وكان الخبر عن رسول الله ص صحيحا أنه أخبر عن الباقي من ذلك في حياته انه نصف يوم، وذلك خمسمائة عام، إذ كان ذلك نصف يوم من الأيام التي قدر اليوم الواحد منها ألف عام- كان معلوما أن الماضي من الدنيا الى وقت قول النبي ص ما رويناه عن أبي ثعلبة الخشني عنه، كان قدر سته آلاف سنه وخمسمائة سنة، أو نحوا من ذلك وقريبا منه والله أعلم.
فهذا الذي قلنا- في قدر مدة أزمان الدنيا، من مبدأ أولها إلى منتهى آخرها- من أثبت ما قيل في ذلك عندنا من القول، للشواهد الدالة التي بيناها على صحة ذلك.
وقد روي عن رسول الله ص خبر يدل على صحة قول من قال: إن الدنيا كلها ستة آلاف سنة، لو كان صحيحا سنده لم نعد القول به إلى غيره، وذلك ما حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ الْقَزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ ابن عبد الوارث، حدثنا زبان، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هريرة، ان [رسول الله ص قَالَ: الْحُقْبُ ثَمَانُونَ عَامًا، الْيَوْمُ مِنْهَا سُدُسُ الدُّنْيَا] .
فبين في هذا الخبر أن الدنيا كلها ستة آلاف سنة، وذلك أن اليوم الذي هو من أيام الآخرة إذا كان مقداره ألف سنة من سني الدنيا، وكان اليوم الواحد من ذلك سدس الدنيا، كان معلوما بذلك أن جميعها ستة أيام من أيام الآخرة، وذلك ستة آلاف سنة.
وقد زعم اليهود أن جميع ما ثبت عندهم- على ما في التوراة مما هو فيها من لدن خلق الله آدم إلى وقت الهجرة، وذلك في التوراة التي هي في ايديهم اليوم- اربعه آلاف سنه وستمائه سنة واثنتان وأربعون سنة، وقد ذكروا تفصيل ذلك بولادة رجل رجل، ونبي نبي، وموته من عهد آدم إلى هجرة نبينا محمد ص
(1/17)
وسأذكر تفصيلهم ذلك إن شاء الله، وتفصيل غيرهم ممن فصله من علماء أهل الكتب وغيرهم من أهل العلم بالسير وأخبار الناس إذا انتهيت إليه إن شاء الله.
وأما اليونانية من النصارى فإنها تزعم أن الذي ادعته اليهود من ذلك باطل، وأن الصحيح من القول في قدر مدة أيام الدنيا- من لدن خلق الله آدم إلى وقت هجره نبينا محمد ص على سياق ما عندهم في التوراة التي هي في ايديهم- خمسه آلاف سنه وتسعمائة سنة واثنتان وتسعون سنة وأشهر وذكروا تفصيل ما ادعوه من ذلك بولادة نبي نبي، وملك ملك، ووفاته من عهد آدم إلى وقت هجره رسول الله ص، وزعموا أن اليهود إنما نقصوا ما نقصوا من عدد سني ما بين تاريخهم وتاريخ النصارى دفعا منهم لنبوه عيسى بن مريم ع إذ كانت صفته ووقت مبعثه مثبتة في التوراة وقالوا: لم يأت الوقت الذي وقت لنا في التوراة أن الذي صفته صفة عيسى يكون فيه، وهم ينتظرون- بزعمهم- خروجه ووقته.
واحسب أن الذي ينتظرونه ويدعون أن صفته في التوراة مثبتة، هو الدجال الذي وصفه رسول الله ص لأمته، وذكر لهم أن عامة أتباعه اليهود، فإن كان ذلك هو عبد الله بن صياد، فهو من نسل اليهود.
وأما المجوس فإنهم يزعمون أن قدر مدة الزمان من لدن ملك جيومرت إلى وقت هجرة نبينا ص ثلاثة آلاف سنة ومائة سنة وتسع وثلاثون سنة، وهم لا يذكرون مع ذلك نسبا يعرف فوق جيومرت، ويزعمون أنه آدم أبو البشر، ص وعلى جميع أنبياء الله ورسله.
ثم أهل الأخبار بعد في أمره مختلفون، فمن قائل منهم فيه مثل قول المجوس، ومن قائل منهم إنه تسمى بآدم بعد أن ملك الأقاليم السبعة، وأنه إنما هو جامر بن يافث ابن نوح، كان بنوح ع برا ولخدمته ملازما، وعليه حدبا شفيقا، فدعا الله له ولذريته نوح- لذلك من بره به وخدمته له- بطول العمر، والتمكين في
(1/18)
البلاد، والنصر على من ناوأه وإياهم، واتصال الملك له ولذريته، ودوامه له ولهم، فاستجيب له فيه، فأعطى جيومرت ذلك وولده، فهو ابو الفراس، ولم يزل الملك فيه وفي ولده إلى أن زال عنهم بدخول المسلمين مدائن كسرى، وغلبة أهل الإسلام إياهم على ملكهم.
ومن قائل غير ذلك، وسنذكر إن شاء الله ما انتهى إلينا من القول فيه إذا انتهينا إلى ذكرنا تاريخ الملوك ومبالغ أعمارهم، وأنسابهم وأسباب ملكهم
(1/19)
القول في الدلالة على حدوث الأوقات والأزمان والليل والنهار
قد قلنا قبل إن الزمان إنما هو اسم لساعات الليل والنهار، وساعات الليل والنهار إنما هي مقادير من جري الشمس والقمر في الفلك، كما قال الله عز وجل:
«وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ» .
فإذا كان الزمان ما ذكرنا من ساعات الليل والنهار، وكانت ساعات الليل والنهار إنما هي قطع الشمس والقمر درجات الفلك، كان بيقين معلوما أن الزمان محدث والليل والنهار محدثان، وان محدث ذلك الله الذي تفرد بإحداث جميع خلقه، كما قال: «وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ» .
ومن جهل حدوث ذلك من خلق الله فإنه لن يجهل اختلاف أحوال الليل والنهار، بأن أحدهما يرد على الخلق- وهو الليل- بسواد وظلمة، وأن الآخر منهما يرد عليهم بنور وضياء، ونسخ لسواد الليل وظلمته، وهو النهار.
فإذا كان ذلك كذلك، وكان من المحال اجتماعهما مع اختلاف أحوالهما في وقت واحد في جزء واحد- كان معلوما يقينا أنه لا بد من أن يكون أحدهما كان قبل الآخر منهما، وأيهما كان منهما قبل صاحبه فإن الآخر منهما كان
(1/20)
لا شك بعده، وذلك إبانة ودليل على حدوثهما، وأنهما خلقان لخالقهما.
ومن الدلالة أيضا على حدوث الأيام والليالي أنه لا يوم إلا وهو بعد يوم كان قبله، وقبل يوم كائن بعده، فمعلوم أن ما لم يكن ثم كان، أنه محدث مخلوق، وأن له خالقا ومحدثا.
واخرى، أن الأيام والليالي معدودة، وما عد من الأشياء فغير خارج من أحد العددين: شفع أو وتر، فإن يكن شفعا فإن أولها اثنان، وذلك تصحيح القول بأن لها ابتداء وأولا، وإن كان وترا فإن أولها واحد، وذلك دليل على أن لها ابتداء وأولا، وما كان له ابتداء فإنه لا بد له من مبتدئ، هو خالقه
(1/21)
القول في هل كان الله عز وجل خلق قبل خلقه الزمان والليل والنهار شيئا غير ذلك من الخلق قد قلنا قبل: إن الزمان إنما هو ساعات الليل والنهار، وإن الساعات إنما هي قطع الشمس والقمر درجات الفلك.
فإذا كان ذلك كذلك، وكان صحيحا عن رسول الله ص ما حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي سَعْدٍ الْبَقَّالِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- قَالَ هناد: وقرات سائر الحديث على ابى بكر- ان اليهود أتت النبي ص فَسَأَلَتْهُ عَنْ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ فَقَالَ: خَلَقَ اللَّهُ الأَرْضَ يَوْمَ الأَحَدِ وَالاثْنَيْنِ، وَخَلَقَ الْجِبَالَ يَوْمَ الثُّلاثَاءِ وَمَا فِيهِنَّ مِنْ مَنَافِعَ، وَخَلَقَ يوم الأربعاء الشجر والماء والمدائن والعمران والخراب، فهذه اربعه، ثم قال: «قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ» ، لِمَنْ سَأَلَ قَالَ: وَخَلَقَ يَوْمَ الْخَمِيسِ السَّمَاءَ، وَخَلَقَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ النُّجُومَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْمَلائِكَةَ، إِلَى ثَلاثِ سَاعَاتٍ بَقِيَتْ مِنْهُ، فَخَلَقَ فِي أَوَّلِ سَاعَةٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلاثِ السَّاعَاتِ الآجَالَ مَنْ يَحْيَا وَمَنْ يَمُوتُ، وَفِي الثَّانِيَةِ أَلْقَى الآفَةَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مِمَّا يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ، وَفِي الثَّالِثَةِ آدَمَ وَأَسْكَنَهُ الْجَنَّةَ، وَأَمَرَ إِبْلِيسَ بِالسُّجُودِ لَهُ
(1/22)
وَأَخْرَجَهُ مِنْهَا فِي آخِرِ سَاعَةٍ ثُمَّ قَالَتِ الْيَهُودُ: ثُمَّ مَاذَا يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ، قَالُوا: قَدْ أَصَبْتَ لَوْ اتممت: قالوا: ثم استراح، فغضب النبي ص غضبا شديدا، فنزل: «وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ فَاصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ» .
حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ بِشْرِ بْنِ مَعْرُوفٍ وَالْحُسَيْنُ بن علي الصدائي، قالا: حدثنا حجاج، قال: قال ابن جريج: أخبرني إسماعيل بن أمية، عن أيوب بن خالد، عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة، عن أبي هريرة قال: [أخذ رسول الله ص بِيَدِي فَقَالَ: خَلَقَ اللَّهُ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ، وَخَلَقَ فِيهَا الْجِبَالَ يَوْمَ الأَحَدِ، وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلاثَاءِ، وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ، وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَخَلَقَ آدَمَ بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، آخِرَ خَلْقٍ خُلِقَ، فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الْجُمُعَةِ، فِيمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ] .
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بزيع، قال: حدثنا الفضيل بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي ابْنُ سَلامٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ، فذكرا عن النبي ص السَّاعَةَ الَّتِي فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَذَكَرَا أَنَّهُ قَالَهَا، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ: أَنَا أَعْلَمُ أَيَّ سَاعَةٍ هِيَ، بَدَأَ اللَّهُ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَوْمَ الأَحَدِ، وَفَرَغَ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَهِيَ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ.
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قال: حدثنا الحجاج، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ عكرمه: [ان اليهود قالوا للنبي ص: ما يوم الأحد؟ فقال رسول
(1/23)
الله ص: خلق الله فيه الارض وبسطها، قالوا: فالاثنين؟ قال: خلق الله فِيهِ آدَمَ، قَالُوا: فَالثُّلاثَاءِ؟ قَالَ: خَلَقَ فِيهِ الْجِبَالَ وَالْمَاءَ وَكَذَا وَكَذَا وَمَا شَاءَ اللَّهُ، قَالُوا: فَيَوْمُ الأَرْبِعَاءِ؟ قَالَ: الأَقْوَاتَ، قَالُوا: فَيَوْمُ الْخَمِيسِ؟ قَالَ: خَلَقَ السَّمَوَاتِ، قَالُوا: فَيَوْمُ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ فِي سَاعَتَيْنِ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، ثُمَّ قَالُوا:
السَّبْتَ- وَذَكَرُوا الرَّاحَةَ- قَالَ: سُبْحَانَ الله! فانزل الله: «وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ] » .
فقد بين هذان الخبران اللذان رويناهما عن رسول الله ص أن الشمس والقمر خلقا بعد خلق الله أشياء كثيرة من خلقه، وذلك أن حديث ابن عباس عن رسول الله ص ورد بأن الله خلق الشمس والقمر يوم الجمعة فإن كان ذلك كذلك، فقد كانت الأرض والسماء وما فيهما- سوى الملائكة وآدم- مخلوقة قبل خلق الله الشمس والقمر، وكان ذلك كله ولا ليل ولا نهار، إذ كان الليل والنهار إنما هو اسم لساعات معلومة من قطع الشمس والقمر درج الفلك.
وإذا كان صحيحا أن الأرض والسماء وما فيهما، سوى ما ذكرنا، قد كانت ولا شمس ولا قمر- كان معلوما أن ذلك كله كان ولا ليل ولا نهار.
وكذلك حديث ابى هريرة عن [رسول الله ص، لأنه أخبر عنه أنه قال: خلق الله النور يوم الأربعاء،] يعني بالنور الشمس إن شاء الله.
فإن قال لنا قائل: قد زعمت أن اليوم إنما هو اسم لميقات ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ثم زعمت الآن أن الله خلق الشمس والقمر بعد أيام من أول ابتدائه خلق الأشياء التي خلقها، فأثبت مواقيت، وسميتها بالأيام، ولا شمس ولا قمر، وهذا إن لم تأت ببرهان على صحته، فهو كلام ينقض بعضه بعضا!
(1/24)
قيل: إن الله سمى ما ذكرته أياما، فسميته بالاسم الذي سماه به، وكان وجه تسميه ذلك أياما، ولا شمس ولا قمر، نظير قوله عز وجل: «وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا» ولا بكرة ولا عشي هنالك، إذ كان لا ليل في الآخرة ولا شمس ولا قمر، كما قال جل وعز: «وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ» .
فسمى تعالى ذكره يوم القيامة يوما عقيما، إذ كان يوما لا ليل بعد مجيئه، وإنما أريد بتسمية ما سمي أياما قبل خلق الشمس والقمر قدر مدة ألف عام من أعوام الدنيا، التي العام منها اثنا عشر شهرا من شهور أهل الدنيا، التي تعد ساعاتها وأيامها بقطع الشمس والقمر درج الفلك، كما سمي بكرة وعشيا لما يرزقه أهل الجنة في قدر المدة التي كانوا يعرفون ذلك من الزمان في الدنيا بالشمس ومجراها في الفلك، ولا شمس عندهم ولا ليل وبنحو الذي قلنا في ذلك قال السلف من أهل العلم.
ذكر بعض من حضرنا ذكره ممن قال ذلك:
حَدَّثَنِي القاسم، قال: حَدَّثَنَا الحسين، قال: حَدَّثَنِي الحجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد أنه قال: يقضي الله عز وجل أمر كل شيء ألف سنة إلى الملائكة، ثم كذلك حتى يمضي ألف سنة، ثم يقضي أمر كل شيء ألفا، ثم كذلك أبدا، قال: «فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ» قال: اليوم أن يقول لما يقضي إلى الملائكة ألف سنة: كن فيكون، ولكن سماه يوما، سماه كما شاء كل ذلك
(1/25)
عن مجاهد، قال: وقوله تعالى: «وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ» قال: هو هو سواء.
وبنحو الذي ورد عن رسول الله ص من الخبر، بأن الله جل جلاله خلق الشمس والقمر بعد خلقه السموات والأرض وأشياء غير ذلك، ورد الخبر عن جماعة من السلف أنهم قالوه.
ذكر الخبر عمن قال ذلك منهم:
حدثنا ابو هشام الرفاعى، حدثنا ابن يمان، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
«فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ» .
قَالَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلسَّمَوَاتِ: أَطْلِعِي شمسى وقمرى، واطلعى نجومى.
وَقَالَ لِلأَرْضِ: شَقِّقِي أَنْهَارَكِ، وَأَخْرِجِي ثِمَارَكِ، فَقَالَتَا: أَتَيْنَا طَائِعِينَ.
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ،: قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة:
«وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها» ، خلق فيها شمسها وقمرها ونجومها وصلاحها.
فقد بينت هذه الأخبار التي ذكرناها عن رسول الله ص وعمن ذكرناها عنه أن الله عز وجل خلق السموات والأرض قبل خلقه الزمان والأيام والليالي، وقبل الشمس والقمر والله أعلم
(1/26)
القول في الإبانة عن فناء الزمان والليل والنهار وأن لا شيء يبقى غير الله تعالى ذكره
والدلالة على صحة ذلك قول الله تعالى ذكره: «كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ» ، وقوله تعالى: «لا إِلهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ» فإن كان كل شيء هالك غير وجهه- كما قال جل وعز- وكان الليل والنهار ظلمة أو نورا خلقهما لمصالح خلقه، فلا شك انهما فانيان هالكان، كما اخبر، وكما قال: «إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ» يعني بذلك أنها عميت فذهب ضوءها، وذلك عند قيام الساعة، وهذا ما لا يحتاج إلى الإكثار فيه، إذ كان مما يدين بالإقرار به جميع أهل التوحيد من أهل الإسلام وأهل التوراة والإنجيل والمجوس، وإنما ينكره قوم من غير أهل التوحيد، لم نقصد بهذا الكتاب قصد الإبانة عن خطإ قولهم فكل الذين ذكرنا عنهم أنهم مقرون بفناء جميع العالم حتى لا يبقى غير القديم الواحد، مقرون بأن الله عز وجل محييهم بعد فنائهم، وباعثهم بعد هلاكهم، خلا قوم من عبدة الأوثان، فإنهم يقرون بالفناء، وينكرون البعث
(1/27)
القول في الدلالة على أن الله عز وجل القديم الأول قبل شيء وأنه هو المحدث كل شيء بقدرته تعالى ذكره فمن الدلالة على ذلك أنه لا شيء في العالم مشاهد إلا جسم أو قائم بجسم، وأنه لا جسم إلا مفترق أو مجتمع، وأنه لا مفترق منه إلا وهو موهوم فيه الائتلاف إلى غيره من أشكاله، ولا مجتمع منه إلا وهو موهوم فيه الافتراق، وأنه متى عدم أحدهما عدم الآخر معه، وأنه إذا اجتمع الجزءان منه بعد الافتراق، فمعلوم أن اجتماعهما حادث فيهما بعد أن لم يكن، وأن الافتراق إذا حدث فيهما بعد الاجتماع، فمعلوم أن الافتراق فيهما حادث بعد أن لم يكن.
وإذا كان الأمر فيما في العالم من شيء كذلك، وكان حكم ما لم يشاهد وما هو من جنس ما شاهدنا في معنى جسم أو قائم بجسم، وكان ما لم يخل من الحدث لا شك أنه محدث بتأليف مؤلف له إن كان مجتمعا، وتفريق مفرق له إن كان مفترقا وكان معلوما بذلك أن جامع ذلك إن كان مجتمعا، ومفرقه إن كان مفترقا من لا يشبهه، ومن لا يجوز عليه الاجتماع والافتراق، وهو الواحد القادر الجامع بين المختلفات، الذي لا يشبهه شيء، وهو على كل شيء قدير- فبين بما وصفنا أن بارئ الأشياء ومحدثها كان قبل كل شيء، وأن الليل والنهار والزمان والساعات محدثات، وأن محدثها الذي يدبرها ويصرفها قبلها، إذ كان من المحال أن يكون شيء يحدث شيئا إلا ومحدثه قبله، وأن في قوله تعالى ذكره:
«أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ» ، لابلغ الحجج،
(1/28)
وأدل الدلائل- لمن فكر بعقل، واعتبر بفهم- على قدم بارئها، وحدوث كل ما جانسها، وأن لها خالقا لا يشبهها.
وذلك أن كل ما ذكر ربنا تبارك وتعالى في هذه الآية من الجبال والأرض والإبل فإن ابن آدم يعالجه ويدبره بتحويل وتصريف وحفر ونحت وهدم، غير ممتنع عليه شيء من ذلك ثم إن ابن آدم مع ذلك غير قادر على إيجاد شيء من ذلك من غير أصل، فمعلوم أن العاجز عن إيجاد ذلك لم يحدث نفسه، وأن الذي هو غير ممتنع ممن أراد تصريفه وتقليبه لم يوجده من هو مثله، ولا هو أوجد نفسه، وأن الذي أنشأه وأوجد عينه هو الذي لا يعجزه شيء أراده، ولا يمتنع عليه إحداث شيء شاء إحداثه، وهُوَ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ.
فإن قال قائل: فما تنكر أن تكون الأشياء التي ذكرت من فعل قديمين؟
قيل: أنكرنا ذلك لوجودنا اتصال التدبير وتمام الخلق، فقلنا: لو كان المدبر اثنين، لم يخلوا من اتفاق أو اختلاف، فإن كانا متفقين فمعناهما واحد، وإنما جعل الواحد اثنين من قال بالاثنين وإن كانا مختلفين كان محالا وجود الخلق على التمام والتدبير على الاتصال، لأن المختلفين، فعل كل واحد منهما خلاف فعل صاحبه، بأن أحدهما إذا أحيا أمات الآخر، وإذا أوجد أحدهما أفنى الآخر، فكان محالا وجود شيء من الخلق على ما وجد عليه من التمام والاتصال.
وفي قول الله عز وجل ذكره: «لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ» ، وقوله عز وجل: «مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ»
(1/29)
أبلغ حجة، وأوجز بيان، وأدل دليل على بطول ما قاله المبطلون من أهل الشرك بالله، وذلك أن السموات والأرض لو كان فيهما إله غير الله، لم يخل أمرهما مما وصفت من اتفاق واختلاف وفي القول باتفاقهما فساد القول بالتثنية، وإقرار بالتوحيد، وإحالة في الكلام بأن قائله سمى الواحد اثنين وفي القول باختلافهما، القول بفساد السموات والأرض، كما قال ربنا جل وعز: «لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا» لأن أحدهما كان إذا أحدث شيئا وخلقه كان من شأن الآخر إعدامه وإبطاله، وذلك أن كل مختلفين فأفعالهما مختلفة، كالنار التي تسخن، والثلج الذي يبرد ما أسخنته النار وأخرى، أن ذلك لو كان كما قاله المشركون بالله لم يخل كل واحد من الاثنين اللذين أثبتوهما قديمين من أن يكونا قويين او عاجزين، فان كانا عاجزين فالعاجز مقهور وغير كائن إلها وإن كانا قويين فإن كل واحد منهما بعجزه عن صاحبه عاجز، والعاجز لا يكون إلها وإن كان كل واحد منهما قويا على صاحبه عاجز، والعاجز لا يكون إلها وإن كان كل واحد منهما قويا على صاحبه، فهو بقوة صاحبه عليه عاجز، تعالى ذكره عما يشرك المشركون! فتبين إذا أن القديم بارئ الأشياء وصانعها هو الواحد الذي كان قبل كل شيء، وهو الكائن بعد كل شيء، والأول قبل كل شيء، والآخر بعد كل شيء، وأنه كان ولا وقت ولا زمان، ولا ليل ولا نهار، ولا ظلمة ولا نور إلا نور وجهه الكريم ولا سماء ولا أرض، ولا شمس ولا قمر ولا نجوم، وأن كل شيء سواه محدث مدبر مصنوع، انفرد بخلق جميعه بغير شريك ولا معين ولا ظهير، سبحانه من قادر قاهر! وقد حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَبِي الزَّرْقَاءِ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ، عَنْ أَبِي هريرة، [ان النبي ص قال:
(1/30)
إِنَّكُمْ تَسْأَلُونَ بَعْدِي عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى يَقُولُ الْقَائِلُ: هَذَا اللَّهُ خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فمن ذا خلقه!] .
حدثنى على، حَدَّثَنَا زَيْدٌ، عَنْ جَعْفَرٍ، قَالَ: قَالَ يَزِيدُ بْنُ الأَصَمِّ:
حَدَّثَنِي نَجَبَةُ بْنُ صَبِيغٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَسَأَلُوهُ عَنْ هَذَا فَكَبَّرَ وَقَالَ:
مَا حَدَّثَنِي خَلِيلِي بِشَيْءٍ إِلا قَدْ رَأَيْتُهُ- أَوْ أَنَا أَنْتَظِرُهُ قَالَ جَعْفَرٌ: فَبَلَغَنِي أَنَّهُ قَالَ: إِذَا سَأَلَكُمُ النَّاسُ عَنْ هذا فقولوا: الله خالق كل شيء، والله كَانَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَاللَّهُ كَائِنٌ بَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ.
فَإِذَا كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ خَالِقَ الأَشْيَاءِ وَبَارِئَهَا كَانَ وَلا شَيْءَ غَيْرَهُ، وَأَنَّهُ أَحْدَثَ الأَشْيَاءَ فَدَبَّرَهَا، وَأَنَّهُ قَدْ خَلَقَ صُنُوفًا مِنْ خَلْقِهِ قَبْلَ خَلْقِ الأَزْمِنَةِ وَالأَوْقَاتِ، وَقَبْلَ خَلْقِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ اللَّذَيْنِ يُجْرِيهِمَا فِي أَفْلاكِهِمَا، وَبِهِمَا عُرِفَتِ الأَوْقَاتِ وَالسَّاعَاتِ، وَأُرِّخَتِ التَّأْرِيخَاتِ، وَفُصِلَ بين الليل والنهار، فلنقل: فيم ذَلِكَ الْخَلْقُ الَّذِي خُلِقَ قَبْلَ ذَلِكَ؟ وَمَا كان اوله؟
(1/31)
القول في ابتداء الخلق ما كان أوله
صح الخبر عن رسول الله ص بِمَا حَدَّثَنِي بِهِ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ- وحدثني عُبَيْدُ بْنُ آدَمَ بْنِ أَبِي إِيَاسٍ الْعَسْقَلانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ:
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ- عَنْ أَيُّوبَ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ:
حَدَّثَنِي عُبَادَةُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، قَالَ:
قَالَ أَبِي عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ: [يَا بُنَيَّ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ:
إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمُ فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ، فَجَرَى فِي تِلْكَ السَّاعَةِ بِمَا هُوَ كَائِنٌ] .
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا رَبَاحُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَبِيبٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ [ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَكْتُبَ كُلَّ شَيْءٍ] .
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ، حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا رَبَاحُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَبِيبٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عن رسول الله ص بِنَحْوِهِ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الأَنْمَاطِيُّ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ سُلَيْمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءً، قَالَ: سَأَلْتُ الْوَلِيدَ بْنَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ: كَيْفَ كَانَتْ وَصِيَّةُ أَبِيكَ حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ؟ قَالَ: دَعَانِي فَقَالَ:
(1/32)
أَيْ بُنَيَّ، اتَّقِ اللَّهَ وَاعْلَمْ أَنَّكَ لَنْ تَتَّقِيَ اللَّهَ، وَلَنْ تَبْلُغَ الْعِلْمَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَحْدَهُ، وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، [إِنِّي سَمِعْتُ رسول الله ص يَقُولُ: إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ الْقَلَمَ، فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ، قَالَ: يَا رَبِّ وَمَا أَكْتُبُ؟ قَالَ:
اكْتُبِ الْقَدَرَ، قَالَ: فَجَرَى الْقَلَمُ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ بِمَا كَانَ وَبِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى الأَبَدِ] .
وقد اختلف اهل السلف قبلنا في ذلك، فنذكر أقوالهم، ثم نتبع البيان عن ذلك إن شاء الله تعالى.
فقال بعضهم في ذلك بنحو الذي روى عن رسول الله ص فيه.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
حَدَّثَنِي وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الأَسَدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ الْقَلَمُ فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ، فَقَالَ: وَمَا أَكْتُبُ يَا رَبِّ؟ قَالَ: اكْتُبِ الْقَدَرَ، قَالَ: فَجَرَى الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ مِنْ ذَلِكَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، ثُمَّ رَفَعَ بُخَارَ الْمَاءِ فَفَتَقَ مِنْهُ السَّمَوَاتِ.
حَدَّثَنَا وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس نَحْوَهُ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ الْقَلَمُ، فَجَرَى بِمَا هُوَ كَائِنٌ.
حَدَّثَنَا تَمِيمُ بْنُ الْمُنْتَصِرِ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ- أَوْ مُجَاهِدٌ-، عَنِ ابْنِ عباس بنحوه
(1/33)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ أَنَّ ابن عباس قال: إن أول شيء خلق الْقَلَمُ.
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عطاء، عن ابى الضحا مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ خَلَقَ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ القلم، فقال له: اكتب، فكتب ما هو كَائِنٌ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ.
وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ أَوَّلُ شَيْءٍ خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ خَلْقِهِ النُّورُ وَالظُّلْمَةُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ:
كَانَ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ النُّورُ وَالظُّلْمَةُ، ثُمَّ مَيَّزَ بَيْنَهُمَا، فَجَعَلَ الظُّلْمَةَ لَيْلا أَسْوَدَ مُظْلِمًا، وَجَعَلَ النُّورَ نَهَارًا مُضِيئًا مُبْصِرًا.
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، لِلْخَبَرِ الَّذِي ذكرت عن [رسول الله ص قبل، أَنَّهُ قَالَ:
أَوَّلُ شَيْءٍ خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ] .
فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: فَإِنَّكَ قُلْتَ: أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ- اللَّذَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ خَلَقَ اللَّهُ مِنْ خَلْقِهِ الْقَلَمَ، وَالآخَرُ أَنَّهُ النُّورُ وَالظُّلْمَةُ- قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ خَلَقَ اللَّهُ مِنْ خَلْقِهِ الْقَلَمَ، فَمَا وَجْهُ الرِّوَايَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّتِي حَدَّثَكُمُوهَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ نَاسًا يُكَذِّبُونَ بِالْقَدَرِ، فَقَالَ: إِنَّهُمْ يُكَذِّبُونَ بِكِتَابِ اللَّهِ، لآخُذَنَّ بِشَعْرِ أَحَدِهِمْ فَلأَنْفُضَنَّ بِهِ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَهُ كَانَ عَلَى عَرْشِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ شَيْئًا، فَكَانَ أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ، فَجَرَى بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ،
(1/34)
وَإِنَّمَا يَجْرِي النَّاسُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ؟.
وعن ابن إسحاق، التي حدثكموها ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: يقول الله عز وجل: «وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ» ، فكان كما وصف نفسه عز وجل، إذ ليس إلا الماء عليه العرش، وعلى العرش ذو الجلال والإكرام، فكان أول ما خلق الله النور والظلمة؟
قيل: أما قول ابن عباس: إن الله تبارك وتعالى كان عرشه على الماء قبل أن يخلق شيئا، فكان أول ما خلق الله القلم- إن كان صحيحا عنه أنه قاله- فهو خبر منه أن الله خلق القلم بعد خلقه عرشه، وقد روى عن أبي هاشم هذا الخبر شعبة، ولم يقل فيه ما قال سفيان، من أن الله عز وجل كان على عرشه، فكان أول ما خلق القلم، بل روى ذلك كالذي رواه سائر من ذكرنا من الرواة عن ابن عباس أنه قال: أول ما خلق الله عز وجل القلم.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هَاشِمٍ، سَمِعَ مُجَاهِدًا قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ- لا يَدْرِي ابْنَ عُمَرَ أَوِ ابْنَ عَبَّاسٍ- قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمُ فَقَالَ لَهُ: اجْرِ، فَجَرَى الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ، وَإِنَّمَا يَعْمَلُ النَّاسُ الْيَوْمَ فِيمَا قَدْ فُرِغَ مِنْهُ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ إِسْحَاقَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ النُّورَ وَالظُّلْمَةَ بَعْدَ خَلْقِهِ عَرْشَهُ، وَالْمَاءَ الَّذِي عَلَيْهِ عَرْشُهُ وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ ص الَّذِي رَوَيْنَاهُ عَنْهُ أَوْلَى قَوْلٍ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، لأَنَّهُ كَانَ أَعْلَمَ قَائِلٍ فِي ذَلِكَ قولا بحقيقته وصحته، [وقد روينا عنه ع أَنَّهُ قَالَ: أَوَّلُ شَيْءٍ خَلَقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْقَلَمُ] مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ مِنْهُ شَيْئًا مِنَ الأَشْيَاءِ أَنَهُّ تَقَدَّمَ خَلْقَ اللَّهِ إِيَّاهُ خلق القلم، بل عم [بقوله ص: ان أول شيء خلقه الله القلم،] كل
(1/35)
شَيْءٍ، وَأَنَّ الْقَلَمَ مَخْلُوقٌ قَبْلَهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَائِهِ مِنْ ذَلِكَ عَرْشًا وَلا مَاءً وَلا شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ.
فالرواية التي رويناها عن ابى ظبيان وابى الضحا، عن ابن عباس، أولى بالصحة عن ابن عباس من خبر مجاهد عنه الذي رواه عنه أبو هاشم، إذ كان أبو هاشم قد اختلف في رواية ذلك عنه شعبة وسفيان، على ما قد ذكرت من اختلافهما فيها.
وأما ابن إسحاق فإنه لم يسند قوله الذي قاله في ذلك إلى أحد، وذلك من الأمور التي لا يدرك علمها إلا بخبر من الله عز وجل، أو خبر من رسول الله ص، وقد ذكرت الرواية فيه عن رسول الله ص
(1/36)
القول في الذي ثنى خلق القلم
ثم إن الله جل جلاله خلق بعد القلم- وبعد أن أمره فكتب ما هو كائن إلى قيام الساعة- سحابا رقيقا، وهو الغمام الذي ذكره جل وعز ذكره في محكم كتابه فقال: «هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ» ، وذلك قبل أن يخلق عرشه، وبذلك ورد الخبر عن رسول الله ص.
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ الْقَطَّانُ، قَالا: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، [عَنْ وَكِيعِ بْنِ حُدُسٍ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي رَزِينٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيْنَ كَانَ رَبُّنَا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ خَلْقَهُ؟ قَالَ:
كَانَ في عماء، ما تحته هواء، وما فوقه هَوَاءٌ، ثُمَّ خَلَقَ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ] حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ وَكِيعِ بْنِ حُدُسٍ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي رَزِينٍ العقيلي، قال:
(1/37)
[قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيْنَ كَانَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ؟
قَالَ: فِي عَمَاءٍ، فَوْقَهُ هَوَاءٌ، وَتَحْتَهُ هَوَاءٌ، ثُمَّ خَلَقَ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ] .
حَدَّثَنَا خَلادُ بْنُ أَسْلَمَ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، أَخْبَرَنَا جَامِعُ بْنُ شَدَّادٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ، [عَنِ ابْنِ حُصَيْنٍ- وَكَانَ من اصحاب رسول الله ص- قال: اتى قوم رسول الله ص فَدَخَلُوا عَلَيْهِ، فَجَعَلَ يُبَشِّرُهُمْ وَيَقُولُونَ: أَعْطِنَا، حَتَّى ساء ذلك رسول الله ص، ثُمَّ خَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ وَجَاءَ قَوْمٌ آخَرُونَ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا: جِئْنَا نُسَلِّمُ عَلَى رَسُولِ الله ص، وَنَتَفَقَّهُ فِي الدِّينِ، وَنَسْأَلُهُ عَنْ بَدْءِ هَذَا الأَمْرِ، قَالَ: فَاقْبَلُوا الْبُشْرَى إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ خَرَجُوا، قَالُوا: قَبِلْنَا، فَقَالَ رَسُولُ الله ص: كان الله لا شَيْءَ غَيْرُهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، ثُمَّ خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ] ثُمَّ أَتَانِي آتٍ فَقَالَ: تِلْكَ نَاقَتُكَ قَدْ ذَهَبَتْ، فَخَرَجْتُ يَنْقَطِعُ دُونَهَا السَّرَابُ، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي تَرَكْتُهَا.
حَدَّثَنِي أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ جَامِعِ ابن شَدَّادٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ، عَنْ عِمْرَانَ بن الحصين، قال: [قال رسول الله ص: اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا بَنِي تَمِيمٍ، فَقَالُوا: قَدْ بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا فَقَالَ:
اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا أَهْلَ الْيَمَنِ، فَقَالُوا: قَدْ قَبِلْنَا، فَأَخْبِرْنَا عَنْ هَذَا الأمر كيف كان؟ فقال رسول الله ص: كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْعَرْشِ، وَكَانَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَكَتَبَ فِي اللَّوْحِ كُلَّ شَيْءٍ يَكُونُ] قَالَ: فَأَتَانِي آتٍ فَقَالَ:
يَا عِمْرَانُ، هَذِهِ نَاقَتُكَ قَدْ حَلَّتْ عِقَالَهَا، فَقُمْتُ، فَإِذَا السَّرَابُ يَنْقَطِعُ بَيْنِي وَبَيْنَهَا، فَلا أَدْرِي مَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ
(1/38)
ثُمَّ اخْتُلِفَ فِي الَّذِي خَلَقَ تَعَالَى ذِكْرُهُ بَعْدَ الْعَمَاءِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: خَلَقَ بَعْدَ ذَلِكَ عَرْشَهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حيان ابن عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، قَالَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ الْعَرْشَ أَوَّلَ مَا خَلَقَ، فَاسْتَوَى عَلَيْهِ.
وَقَالَ آخَرُونَ: خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمَاءَ قَبْلَ الْعَرْشِ، ثُمَّ خَلَقَ عَرْشَهُ فَوَضَعَهُ عَلَى الْمَاءِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
حَدَّثَنَا مُوسَى بن هارون الهمداني، قال: حدثنا عمرو بن حَمَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ نَصْرٍ، عَنِ السدي في خبر ذكره، عن أبي مالك وعن أبي صالح، عن ابن عباس- وعن مرة الهمداني عن عبد الله بن مسعود- وعن ناس من اصحاب رسول الله ص- قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ كَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، وَلَمْ يَخْلُقْ شَيْئًا غَيْرَ مَا خَلَقَ قَبْلَ الْمَاءِ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بن عسكر، قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: حدثني عبد الصمد بن معقل، قال: سمعت وهب بن منبه يقول: إن العرش كان قبل ان يخلق السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ عَلَى الْمَاءِ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ قَبَضَ مِنْ صَفَاةِ الْمَاءِ قَبْضَةً، ثُمَّ فَتَحَ الْقَبْضَةَ فَارْتَفَعَتْ دُخَانًا، ثُمَّ قَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ، وَدَحَا الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ، وَفَرَغَ مِنَ الْخَلْقِ الْيَوْمَ السَّابِعَ.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الَّذِي خَلَقَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ بَعْدَ الْقَلَمِ الْكُرْسِيَّ، ثُمَّ خَلَقَ بَعْدَ الْكُرْسِيِّ الْعَرْشَ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ خَلَقَ الْهَوَاءَ وَالظُّلُمَاتِ، ثُمَّ خَلَقَ الْمَاءَ، فَوَضَعَ عَرْشَهُ عَلَيْهِ
(1/39)
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال: إن الله تبارك وتعالى خلق الماء قبل العرش، لصحة الخبر الذي ذكرت قبل عن أبي رزين العقيلي عن [رسول الله ص أنه قال حين سئل:
أين كان ربنا عز وجل قبل أن يخلق خلقه؟ قال: كان في عماء، ما تحته هواء، وما فوقه هواء، ثم خلق عرشه على الماء،] فاخبر ص أن الله خلق عرشه على الماء ومحال إذ كان خلقه على الماء أن يكون خلقه عليه، والذي خلقه عليه غير موجود، إما قبله أو معه، فإذا كان ذلك كذلك، فالعرش لا يخلو من أحد أمرين، إما أن يكون خلق بعد خلق الله الماء، وإما أن يكون خلق هو والماء معا فأما أن يكون خلقه قبل خلق الماء، فذلك غير جائز صحته على ما روى عن ابى رزين، عن النبي ص.
وقد قيل: إن الماء كان على متن الريح حين خلق عرشه عليه، فإن كان ذلك كذلك، فقد كان الماء والريح خلقا قبل العرش.
ذكر من قال: كان الماء على متن الريح:
حَدَّثَنِي ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنِ المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وجل:
«وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ» : عَلَى أَيِّ شَيْءٍ كَانَ الْمَاءُ؟ قَالَ: عَلَى مَتْنِ الرِّيحِ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ:
«وَكَانَ عرشه على الماء» : عَلَى أَيِّ شَيْءٍ كَانَ الْمَاءُ؟ قَالَ: عَلَى متن الريح
(1/40)
حدثنا القاسم بن الحسن، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ.
قَالَ: وَالسَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَكُلُّ مَا فِيهِنَّ مِنْ شَيْءٍ يُحِيطُ بِهَا الْبِحَارُ، وَيُحِيطُ بِذَلِكَ كُلِّهِ الْهَيْكَلُ، وَيُحِيطُ بِالْهَيْكَلِ- فِيمَا قِيلَ- الْكُرْسِيُّ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سهل بن عسكر، حَدَّثَنَا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: حدثني عبد الصمد أنه سمع وهبا يقول- وذكر من عظمته- فقال: إن السموات والأرض والبحار لفي الهيكل، وإن الهيكل لفي الكرسي، وإن قدميه عز وجل لعلى الكرسي، وهو يحمل الكرسي، وقد عاد الكرسي كالنعل في قدميه.
وسئل وهب: ما الهيكل؟ قال: شيء من أطراف السموات محدق بالأرضين والبحار كأطناب الفسطاط.
وسئل وهب عن الأرضين: كيف هي؟ قال: هي سبع أرضين ممهدة جزائر، بين كل أرضين بحر، والبحر محيط بذلك كله، والهيكل من وراء البحر وقد قيل: إنه كان بين خلقه القلم وخلقه سائر خلقه ألف عام.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
حَدَّثَنَا القاسم بن الحسن، قال: حَدَّثَنَا الحسين بن داود، قال: حَدَّثَنَا مبشر الحلبي، عن أرطاة بن المنذر، قال: سمعت ضمرة يقول: إن الله خلق القلم، فكتب به ما هو خالق وما هو كائن من خلقه، ثم إن ذلك الكتاب سبح الله ومجده ألف عام قبل أن يخلق شيئا من الخلق، فلما أراد جل جلاله خلق السموات والأرض خلق- فيما ذكر- أياما ستة، فسمى كل يوم منهن باسم غير الذي سمى به الآخر
(1/41)
وقيل: إن اسم أحد تلك الأيام الستة أبجد، واسم الآخر منهن هوز، واسم الثالث منهن حطي، واسم الرابع منهن كلمن، واسم الخامس منهن سعفص، واسم السادس منهن قرشت.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
حَدَّثَنِي الحضرمي، قال: حَدَّثَنَا مصرف بن عمرو اليامى، حدثنا حفص ابن غياث، عن العلاء بن المسيب، عن رجل من كنده، قال: سمعت الضحاك ابن مزاحم يقول: خلق الله السموات والأرض في ستة أيام، ليس منها يوم إلا له اسم: أبجد، هوز، حطي، كلمن، سعفص، قرشت وقد حدث به عن حفص غير مصرف وقال: عنه، عن العلاء بن المسيب، قال: حَدَّثَنِي شيخ من كندة قال: لقيت الضحاك بن مزاحم فحدثني قال: سمعت زيد بن أرقم قال: إن الله تعالى خلق السموات والأرض في ستة أيام، لكل يوم منها اسم: أبجد، هوز، حطي، كلمن، سعفص، قرشت.
وقال آخرون: بل خلق الله واحدا فسماه الأحد، وخلق ثانيا فسماه الاثنين، وخلق ثالثا فسماه الثلاثاء، ورابعا فسماه الأربعاء، وخامسا فسماه الخميس.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
حَدَّثَنَا تَمِيمُ بن المنتصر، قال: أخبرنا إسحاق، عن شريك، عَنْ غَالِبِ بْنِ غَلابٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ يَوْمًا وَاحِدًا فَسَمَّاهُ الأَحَدَ، ثُمَّ خَلَقَ ثَانِيًا فَسَمَّاهُ الاثْنَيْنَ، ثُمَّ خَلَقَ ثَالِثًا فَسَمَّاهُ الثُّلاثَاءَ، ثُمَّ خَلَقَ رَابِعًا فَسَمَّاهُ الأَرْبِعَاءَ، ثُمَّ خَلَقَ خَامِسًا فَسَمَّاهُ الْخَمِيسَ
(1/42)
وَهَذَانِ الْقَوْلانِ غَيْرُ مُخْتَلِفَيْنِ، إِذْ كَانَ جَائِزًا ان تكون أَسْمَاءُ ذَلِكَ بِلِسَانِ الْعَرَبِ عَلَى مَا قَالَهُ عَطَاءٌ، وَبِلِسَانِ آخَرِينَ، عَلَى مَا قَالَهُ الضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ.
وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الأَيَّامَ سَبْعَةٌ لا سِتَّةٌ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سهل بن عسكر، حَدَّثَنَا إسماعيل بن عبد الكريم، حَدَّثَنِي عبد الصمد بن معقل، قال: سمعت وهب بن منبه: يقول: الأيام سبعة.
وكلا القولين- اللذين روينا أحدهما عن الضحاك وعطاء، من أن الله خلق الأيام الستة، والآخر منهما عن وهب بن منبه من أن الأيام سبعة- صحيح مؤتلف غير مختلف، وذلك أن معنى قول عطاء والضحاك في ذلك كان أن الأيام التي خلق الله فيهن الخلق من حين ابتدائه في خلق السماء والأرض وما فيهن إلى أن فرغ من جميعه ستة أيام، كما قال جل ثناؤه: «وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ» ، وأن معنى قول وهب بن منبه في ذلك كان أن عدد الأيام التي هي أيام الجمعة سبعة أيام لا ستة.
واختلف السلف في اليوم الذي ابتدأ الله عز وجل فيه في خلق السموات والأرض، فقال بعضهم: ابتدأ في ذلك يوم الأحد.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ شَاهِينَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَخِيهِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ابْتَدَأَ الْخَلْقَ، فَخَلَقَ الأَرْضَ يَوْمَ الأَحَدِ وَيَوْمَ الاثْنَيْنِ
(1/43)
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بَدَأَ الْخَلْقَ يَوْمَ الأَحَدِ، فَخَلَقَ الأَرَضِينَ فِي الأَحَدِ وَالاثْنَيْنِ.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قَالَ: حَدَّثَنَا جرير، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن كعب، قال: بدأ الله خلق السموات والأرض يوم الأحد والاثنين.
حَدَّثَنِي محمد بن أبي منصور الآملي، حَدَّثَنَا علي بن الهيثم، عن المسيب بن شريك، عن أبي روق، عن الضحاك في قوله تعالى: «وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ» قال: من أيام الآخرة، كل يوم مقداره الف سنه، ابتدأ الخلق يوم الأجد.
حَدَّثَنِي المثنى، حَدَّثَنَا الحجاج، حَدَّثَنَا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن مجاهد، قال: بدأ الخلق يوم الأحد وقال آخرون: اليوم الذي ابتدأ الله فيه في ذلك يوم السبت.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنِي محمد ابن أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: يَقُولُ أَهْلُ التَّوْرَاةِ: ابْتَدَأَ اللَّهُ الْخَلْقَ يَوْمَ الأَحَدِ:
وَقَالَ أَهْلُ: الإِنْجِيلِ: ابْتَدَأَ اللَّهُ الْخَلْقَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَنَقُولُ نَحْنُ الْمُسْلِمُونَ فِيمَا انْتَهَى إِلَيْنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص: ابْتَدَأَ اللَّهُ الْخَلْقَ يَوْمَ السَّبْتِ.
وَقَدْ رُوِيَ عن رسول الله ص الَّذِي قَالَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْ هَذَيْنِ الْفَرِيقَيْنِ اللَّذَيْنِ قَالَ أَحَدُهُمَا: ابْتَدَأَ اللَّهُ الْخَلْقَ فِي يَوْمِ الأَحَدِ، وَقَالَ الآخَرُ مِنْهُمَا:
ابْتَدَأَ فِي يَوْمِ السَّبْتِ، وَقَدْ مَضَى ذِكْرُنَا الْخَبَرَيْنِ، غَيْرَ أَنَّا نُعِيدُ مِنْ ذَلِكَ فِي هَذَا
(1/44)
الْمَوْضِعِ بَعْضَ مَا فِيهِ مِنَ الدَّلالَةِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْهُمَا.
فأما الخبر عنه بتحقيق ما قال القائلون: كان ابتداء الخلق يوم الأحد، فما حَدَّثَنَا بِهِ هَنَّادُ بن السري، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنِ أبي سعد البقال، عن عكرمة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- قَالَ هَنَّادٌ: وَقَرَأْتُ سَائِرَ الحديث- ان اليهود أتت النبي ص فَسَأَلَتْهُ عَنْ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ فَقَالَ: خَلَقَ اللَّهُ الأَرْضَ يَوْمَ الأَحَدِ وَالاثْنَيْنِ.
وأما الخبر عنه بتحقيق ما قاله القائلون من أن ابتداء الخلق كان يوم السبت، فما حَدَّثَنِي القاسم بن بشر بن معروف والحسين بن علي الصدائي، قالا:
حدثنا حجاج، قال ابن جريج: أخبرني إسماعيل بن أمية، عن أيوب بن خالد، عن عبد الله بن رافع مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: [أخذ رسول الله ص بِيَدِي، فَقَالَ: خَلَقَ اللَّهُ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ، وَخَلَقَ الْجِبَالَ يَوْمَ الأَحَدِ] .
وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال: اليوم الذي ابتدأ الله تعالى ذكره فيه خلق السموات والأرض يوم الأحد، لإجماع السلف من أهل العلم على ذلك.
فأما ما قال ابن إسحاق في ذلك، فإنه إنما استدل- بزعمه- على أن ذلك كذلك، لأن الله عز ذكره فرغ من خلق جميع خلقه يوم الجمعة، وذلك اليوم السابع، وفيه استوى على العرش، وجعل ذلك اليوم عيدا للمسلمين، ودليله على ما زعم أنه استدل به على صحه قوله فيما حكينا عنه من ذلك هو الدليل على خطئه فيه، وذلك ان الله تبارك وتعالى أخبر عباده في غير موضع من محكم تنزيله، أنه خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام، فقال: «اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ
(1/45)
السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ» وقال تعالى ذكره:
«قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ» .
ولا خلاف بين جميع أهل العلم أن اليومين اللذين ذكرهما الله تبارك وتعالى في قوله: «فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ» داخلان في الأيام الستة اللاتي ذكرهن قبل ذلك، فمعلوم إذ كان الله عز وجل إنما خلق السموات والأرضين وما فيهن في ستة أيام، وكانت الأخبار مع ذلك متظاهرة عن رسول الله ص بان آخر ما خلق الله من خلقه آدم، وأن خلقه إياه كان في يوم الجمعة- إن يوم الجمعة الذي فرغ فيه من خلق خلقه داخل في الأيام الستة التي أخبر الله تعالى ذكره أنه خلق خلقه فيهن، لأن ذلك لو لم يكن داخلا في الأيام الستة كان إنما خلق خلقه في سبعة أيام، لا في ستة، وذلك خلاف ما جاء به التنزيل، فتبين إذا- إذ كان الأمر كالذي وصفنا في ذلك- أن أول الأيام التي ابتدأ الله فيها خلق السموات والارض وما فيهن من خلقه يوم الأحد، إذ كان الآخر يوم الجمعة، وذلك ستة أيام، كما قال ربنا جل جلاله.
فأما الأخبار الواردة عن رسول الله ص وعن أصحابه بأن الفراغ من الخلق كان يوم الجمعة، فسنذكرها في مواضعها إن شاء الله تعالى
(1/46)
القول فيما خلق الله في كل يوم من الأيام السته التي ذكر الله في كتابه أنه خلق فيهن السموات والأرض وما بينهما
اختلف السلف من أهل العلم في ذلك:
فقال بعضهم ما حَدَّثَنِي به المثنى بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ، أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ بَدَأَ الْخَلْقَ يَوْمَ الأَحَدِ، فَخَلَقَ الأَرَضِينَ فِي الأَحَدِ وَالاثْنَيْنِ، وَخَلَقَ الأَقْوَاتَ وَالرَّوَاسِي فِي الثُّلاثَاءِ وَالأَرْبِعَاءِ، وَخَلَقَ السَّمَوَاتِ فِي الْخَمِيسِ وَالْجُمُعَةِ، وَفَرَغَ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَخَلَقَ فِيهَا آدَمَ عَلَى عَجَلٍ، فَتِلْكَ السَّاعَةُ الَّتِي تَقُومُ فِيهَا السَّاعَةُ.
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بن حماد، حدثنا أسباط، عن السدي، في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح، عن ابن عباس- وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود- وعن ناس من أصحاب النبي ص قَالُوا: جَعَلَ- يَعْنُونَ رَبَّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى- سَبْعَ أَرَضِينَ فِي يَوْمَيْنِ: الأَحَدِ وَالاثْنَيْنِ، وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ، وَخَلَقَ الْجِبَالَ فِيهَا وأقوات أهلها، وشجرها وما ينبغي لها في يَوْمَيْنِ: فِي الثُّلاثَاءِ وَالأَرْبِعَاءِ، ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَجَعَلَهَا سَمَاءً وَاحِدَةً، ثُمَّ فَتَقَهَا فَجَعَلَهَا سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ: الْخَمِيسِ وَالْجُمُعَةِ.
حَدَّثَنَا تَمِيمُ بْنُ الْمُنْتَصِرِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إسحاق، عن شريك، عن غالب ابن غَلابٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ الأَحَدِ وَالاثْنَيْنِ.
ففي قول هؤلاء خلقت الأرض قبل السماء، لأنها خلقت عندهم في الأحد والاثنين
(1/47)
وقال آخرون: خلق الله عز وجل الأرض قبل السماء بأقواتها من غير أن يدحوها، ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات، ثم دحا الأرض بعد ذلك.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ حَيْثُ ذَكَرَ خَلَقَ الأَرْضَ قَبْلَ السَّمَاءِ، ثُمَّ ذَكَرَ السَّمَاءَ قَبْلَ الأَرْضِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الأَرْضَ بِأَقْوَاتِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدْحُوَهَا قَبْلَ السَّمَاءِ، ثُمَّ اسْتَوَى إلى السماء فسواهن سبع سموات، ثم دحا الأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: «وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها» .
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها وَالْجِبالَ أَرْساها» ، يَعْنِي أَنَّهَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ السَّمَاءِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ أَقْوَاتَ الأَرْضِ بَثَّ أَقْوَاتَ الأَرْضِ فِيهَا بَعْدَ خَلْقِ السَّمَاءِ، وارسى الجبال- يعنى بذلك دحوها- وَلَمْ تَكُنْ تَصْلُحْ أَقْوَاتُ الأَرْضِ وَنَبَاتُهَا إِلا بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: «وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها» ، أَلَمْ تَسْمَعْ أَنَّهُ قَالَ: «أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها» ؟ قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا ما قاله الذين قالوا:
إن الله خلق الأرض يوم الأحد، وخلق السماء يوم الخميس، وخلق النجوم والشمس والقمر يوم الجمعة لصحة الخبر الذي ذكرنا قبل عن ابن عباس، عن رسول الله ص بذلك وغير مستحيل ما روينا في ذلك عن ابن عباس من القول، وهو أن يكون الله تعالى ذكره خلق الأرض ولم يدحها، ثم خلق السموات فسواهن، ثم دحا الأرض بعد ذلك، فأخرج منها ماءها
(1/48)
ومرعاها، والجبال أرساها، بل ذلك عندي هو الصواب من القول في ذلك، وذلك أن معنى الدحو غير معنى الخلق، وقد قال الله عز وجل: «أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها.
وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها وَالْجِبالَ أَرْساها» .
فإن قال قائل: فإنك قد علمت أن جماعة من أهل التأويل قد وجهت قول الله: «وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها» إلى معنى مع ذلك دحاها، فما برهانك على صحة ما قلت، من أن ذلك بمعنى بعد التي هي خلاف قبل؟
قيل: المعروف من معنى بعد في كلام العرب هو الذي قلنا من أنها بخلاف معنى قبل لا بمعنى مع، وإنما توجه معاني الكلام إلى الأغلب عليه من معانيه المعروفة في أهله، لا إلى غير ذلك.
وقد قيل: إن الله خلق البيت العتيق على الماء على أربعة أركان، قبل أن يخلق الدنيا بألفي عام، ثم دحيت الأرض من تحته.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وَضَعَ الْبَيْتَ على الماء على أربعة أركان، قبل أن يخلق الدنيا بألفي عام، ثم دحيت الأرض مِنْ تَحْتِ الْبَيْتِ.
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَخْنَسِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ الْبَيْتَ قَبْلَ الأَرْضِ بِأَلْفَيْ سَنَةٍ، وَمِنْهُ دُحِيَتِ الأَرْضُ.
وَإِذَا كَانَ الأَمْرُ كَذَلِكَ كَانَ خَلْقُ الأَرْضِ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَوَاتِ، وَدَحْوِ
(1/49)
الأَرْضِ وَهُوَ بَسْطُهَا بِأَقْوَاتِهَا وَمَرَاعِيهَا وَنَبَاتِهَا، بَعْدَ خَلْقِ السَّمَوَاتِ، كَمَا ذَكَرْنَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَقَدْ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مِهْرَانُ، عن ابن سِنَانٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، [قَالَ: جَاءَ الْيَهُودُ الى النبي ص فَقَالُوا:
يَا مُحَمَّدُ، أَخْبِرْنَا: مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنَ الْخَلْقِ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ السِّتَّةِ؟ فَقَالَ: خَلَقَ الأَرْضَ يَوْمَ الأَحَدِ وَالاثْنَيْنِ، وَخَلَقَ الْجِبَالَ يَوْمَ الثُّلاثَاءِ، وَخَلَقَ الْمَدَائِنَ وَالأَقْوَاتَ وَالأَنْهَارَ وَعُمْرَانَهَا وَخَرَابَهَا يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ، وَخَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْمَلائِكَةَ يَوْمَ الْخَمِيسِ، إِلَى ثَلاثِ سَاعَاتٍ بَقِينَ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَخَلَقَ فِي أَوَّلِ الثَّلاثِ سَاعَاتٍ الآجَالَ، وَفِي الثَّانِيَةِ الآفَةَ، وَفِي الثَّالِثَةِ آدَمَ قَالُوا: صدقت ان اتممت، فعرف النبي ص مَا يُرِيدُونَ، فَغَضِبَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: «وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ فَاصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ] » .
فإن قال قائل: فإن كان الأمر كما وصفت من أن الله تعالى خلق الأرض قبل السماء، فما معنى قول ابن عباس الذى حدثكموه واصل ابن عَبْدِ الأَعْلَى الأَسَدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ شَيْءٍ الْقَلَمُ، فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ، فَقَالَ: وَمَا أَكْتُبُ يَا رَبِّ؟ قَالَ: اكْتُبِ الْقَدَرَ، قَالَ:
فَجَرَى الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ مِنْ ذَلِكَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، ثُمَّ رَفَعَ بُخَارَ الْمَاءِ فَفَتَقَ مِنْهُ السَّمَوَاتِ، ثُمَّ خَلَقَ النُّونَ، فَدُحِيَتِ الأَرْضُ عَلَى ظَهْرِهِ، فَاضْطَرَبَ النُّونُ، فَمَادَتِ الأَرْضُ فَأُثْبِتَتْ بِالْجِبَالِ، فَإِنَّهَا لَتَفْخَرُ عَلَى الارض
(1/50)
حَدَّثَنِي وَاصِلٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ.
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى الْقَلَمَ فَجَرَى بِمَا هُوَ كَائِنٌ، ثُمَّ رَفَعَ بُخَارَ الْمَاءِ، فَخُلِقَتْ مِنْهُ السَّمَوَاتُ، ثُمَّ خَلَقَ النُّونَ، فَبُسِطَتِ الأَرْضُ عَلَى ظهر النون، فتحرك النون، فمادت الارض فاثبت بالجبال، فان الْجِبَالَ لَتَفْخَرُ عَلَى الأَرْضِ قَالَ: وَقَرَأَ: «ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ» .
حدثني تميم بن المنتصر، قال: أخبرنا إسحاق، عَنْ شَرِيكٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ- او مُجَاهِدٍ- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِنَحْوِهِ، إِلا أَنَّهُ قَالَ: فَفُتِقَتْ مِنْهُ السَّمَوَاتُ.
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى الْقَلَمُ فَقَالَ: اكْتُبْ، فَقَالَ: مَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبِ الْقَدَرَ، قَالَ: فَجَرَى بِمَا هُوَ كَائِنٌ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ ثُمَّ خَلَقَ النُّونَ، وَرَفَعَ بُخَارَ الْمَاءِ فَفُتِقَتْ مِنْهُ السَّمَاءُ، وَبُسِطَتِ الأَرْضُ عَلَى ظَهْرِ النُّونِ، فَاضْطَرَبَ النُّونُ، فَمَادَتِ الأَرْضُ فَأُثْبِتَتْ بِالْجِبَالِ، قَالَ: فَإِنَّهَا لَتَفْخَرُ عَلَى الأَرْضِ.
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَوَّلُ شَيْءٍ خَلَقَ
(1/51)
اللَّهُ تَعَالَى الْقَلَمُ، فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ، فَكَتَبَ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ، ثُمَّ خَلَقَ النُّونَ فَوْقَ الْمَاءِ، ثُمَّ كَبَسَ الأَرْضَ عَلَيْهِ.
قيل: ذلك صحيح على ما روي عنه وعن غيره من معنى ذلك مشروحا مفسرا غير مخالف شيئا مما رويناه عنه في ذلك.
فإن قال: وما الذي روي عنه وعن غيره من شرح ذلك الدال على صحة كل ما رويت لنا في هذا المعنى عنه؟
قيل له: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ الْهَمْدَانِيُّ وَغَيْرُهُ، قَالُوا: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ نَصْرٍ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، وَعَنْ أَبِي صالح، عن ابن عباس- وعن مرة الهمداني عن عبد الله بن مسعود- وعن ناس من اصحاب رسول الله ص «هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ» قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَلَمْ يَخْلُقْ شَيْئًا غَيْرَ مَا خَلَقَ قَبْلَ الْمَاءِ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ أَخْرَجَ مِنَ الْمَاءِ دُخَانًا فَارْتَفَعَ فَوْقَ الْمَاءِ، فَسَمَا عَلَيْهِ، فَسَمَّاهُ سَمَاءً، ثُمَّ أَيْبَسَ الْمَاءَ، فَجَعَلَهُ أَرْضًا وَاحِدَةً، ثُمَّ فَتَقَهَا فَجَعَلَهَا سَبْعَ أَرَضِينَ فِي يَوْمَيْنِ، فِي الأَحَدِ وَالاثْنَيْنِ، فَخَلَقَ الأَرْضَ عَلَى حُوتٍ- وَالْحُوتُ هُوَ النُّونُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْآنِ: «ن وَالْقَلَمِ» - وَالْحُوتُ فِي الْمَاءِ، وَالْمَاءُ عَلَى ظَهْرِ صَفَاةٍ، وَالصَّفَاةُ عَلَى ظَهْرِ مَلَكٍ، وَالْمَلَكُ عَلَى صَخْرَةٍ، والصخرة على الرِّيحِ- وَهِيَ الصَّخْرَةُ الَّتِي ذَكَرَ لُقْمَانُ- لَيْسَتْ فِي السَّمَاءِ وَلا فِي الأَرْضِ، فَتَحَرَّكَ الْحُوتُ فَاضْطَرَبَ، فَتَزَلْزَلَتِ الأَرْضُ، فَأَرْسَى عَلَيْهَا الْجِبَالُ فَقَرَّتْ، فالجبال
(1/52)
تَفْخَرُ عَلَى الأَرْضِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: «وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ*» .
قال أبو جعفر: فقد أنبأ قول هؤلاء الذين ذكرت: إن الله تعالى أخرج من الماء دخانا حين أراد أن يخلق السموات والأرض، فسما عليه- يعنون بقولهم:
فسما عليه علا على الماء، وكل شيء كان فوق شيء عاليا عليه فهو له سماء- ثم أيبس بعد ذلك الماء، فجعله أرضا واحدة- إن الله خلق السماء غير مسواة قبل الأرض، ثم خلق الأرض.
وإن كان الأمر كما قال هؤلاء، فغير محال أن يكون الله تعالى أثار من الماء دخانا فعلاه على الماء، فكان له سماء، ثم ايبس الماء فصار الدخان الذي سما عليه أرضا، ولم يدحها، ولم يقدر فيها أقواتها، ولم يخرج منها ماءها ومرعاها، حتى استوى إلى السماء، التي هي الدخان الثائر من الماء العالي عليه، فسواهن سبع سموات، ثم دحا الأرض التي كانت ماء فيبسه ففتقه، فجعلها سبع أرضين، وقدر فيها أقواتها، و «أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها وَالْجِبالَ أَرْساها» ، كما قال عز وجل فيكون كل الذي روي عن ابن عباس في ذلك- على ما رويناه- صحيحا معناه.
وأما يوم الاثنين فقد ذكرنا اختلاف العلماء فيما خلق فيه، وما روي في ذلك عن رسول الله ص قبل.
وأما ما خلق في يوم الثلاثاء والأربعاء، فقد ذكرنا أيضا بعض ما روي فيه، ونذكر في هذا الموضع بعض ما لم نذكر منه قبل.
فالذي صح عندنا أنه خلق فيهما ما حَدَّثَنِي به موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، حدثنا أسباط، عن السدي، في خبر ذكره
(1/53)
عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس- وعن مرة الهمداني، عن عبد الله بن مسعود- وعن ناس من أصحاب رسول الله ص:
وخلق الجبال فيها- يعني في الأرض- وأقوات أهلها وشجرها وما ينبغي لها في يومين: في الثلاثاء والأربعاء، وذلك حين يقول الله عز وجل: «قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ» ، يقول: من سأل فهكذا الأمر، ثم استوى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ، وكان ذلك الدخان من تنفس الماء حين تنفس، فجعلها سماء واحدة، ثم فتقها فجعلها سبع سموات في يومين في الخميس والجمعة.
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الأَقْوَاتَ وَالرَّوَاسِيَ فِي الثُّلاثَاءِ وَالأَرْبِعَاءِ.
حَدَّثَنِي تميم بن المنتصر، قال: أخبرنا إسحاق، عن شَرِيكٍ، عَنْ غَالِبِ بْنِ غَلابٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْجِبَالَ يَوْمَ الثُّلاثَاءِ فَذَلِكَ قَوْلُ النَّاسِ: هُوَ يَوْمٌ ثَقِيلٌ.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا، ما رويناه [عن النبي ص، قال: إن الله تعالى خلق يوم الثلاثاء الجبال وما فيهن من المنافع، وخلق يوم الأربعاء الشجر، والماء، والمدائن، والعمران، والخراب] حَدَّثَنَا بِذَلِكَ هَنَّادٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنِ أبي سعد البقال، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي ص.
وقد روى عن النبي ص أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْجِبَالَ يَوْمَ الأَحَدِ، وَالشَّجَرَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلاثَاءِ، وَالنُّورَ يوم الأربعاء،
(1/54)
حَدَّثَنِي به القاسم بن بشر بن معروف، والحسين بن علي الصدائي، قالا:
حدثنا حجاج، قال ابن جريج: أخبرني إسماعيل بن أمية، عن أيوب بن خالد، عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي ص.
والخبر الأول أصح مخرجا، وأولى بالحق، لأنه قول أكثر السلف.
وأما يوم الخميس فإنه خلق فيه السموات، ففتقت بعد أن كانت رتقا، كما حَدَّثَنِي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال:
حدثنا أسباط، عن السدي، في خبر ذكره عن أبي مالك، وعن أبي صالح عن ابن عباس- وعن مرة الهمداني عن عبد الله بن مسعود- وعن ناس من اصحاب النبي ص: «ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ» ، وكان ذلك الدخان من تنفس الماء حين تنفس وجعلها سماء واحدة، ثم فتقها فجعلها سبع سموات في يومين، في الخميس والجمعة.
وإنما سمي يوم الجمعة لأنه جمع فيه خلق السموات والأرض «وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها» قال: خلق في كل سماء خلقها من الملائكة، والخلق الذي فيها من البحار وجبال البرد وما لم يعلم، ثم زين السماء الدنيا بالكواكب، فجعلها زينة وحفظا، تحفظ من الشياطين، فلما فرغ من خلق ما أحب استوى على العرش فذلك حين يقول: «خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ*» ، ويقول:
«كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما» .
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ السَّمَوَاتِ فِي الْخَمِيسِ وَالْجُمُعَةِ، وَفَرَغَ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ،
(1/55)
فَخَلَقَ فِيهَا آدَمَ عَلَى عَجَلٍ، فَتِلْكَ السَّاعَةُ التي تقوم فيها الساعة.
حدثني تميم بن المنتصر، قال: أخبرنا إسحاق، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ غَالِبِ بْنِ غَلابٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ مَوَاضِعَ الأَنْهَارِ والشجر يوم الأربعاء، وخلق الطير والوحوش وَالْهَوَامَّ وَالسِّبَاعَ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَخَلَقَ الإِنْسَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَفَرَغَ مِنْ خَلْقِ كُلِّ شَيْءٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وهذا الذي قاله من ذكرنا قوله، من أن الله عز وجل خلق السموات والملائكة وآدم في يوم الخميس والجمعة، هو الصحيح عندنا، للخبر الذي حَدَّثَنَا بِهِ هَنَّادُ بن السري قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنِ أبي سعد البقال، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي ص- قَالَ:
هَنَّادٌ، وَقَرَأْتُ سَائِرَ الْحَدِيثِ- قَالَ: وَخَلَقَ يَوْمَ الْخَمِيسِ السَّمَاءَ، وَخَلَقَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ النُّجُومَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْمَلائِكَةَ إِلَى ثَلاثِ سَاعَاتٍ بَقِيَتْ مِنْهُ، فَخَلَقَ فِي أَوَّلِ سَاعَةٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلاثِ سَاعَاتِ الآجَالَ، مَنْ يَحْيَا وَمَنْ يَمُوتُ، وَفِي الثَّانِيَةِ أَلْقَى الآفَةَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مِمَّا يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ، وَفِي الثَّالِثَةِ آدَمَ وَأَسْكَنَهُ الْجَنَّةَ، وَأَمَرَ إِبْلِيسَ بِالسُّجُودِ، وَأَخْرَجَهُ مِنْهَا فِي آخِرِ سَاعَةٍ.
حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ بِشْرِ بن معروف، والحسين بن علي الصدائي، قالا: حدثنا حجاج، قال ابن جريج: أخبرني إسماعيل بن اميه، عن أيوب ابن خالد، عن عبد الله بن رافع مولى أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: [أَخَذَ رسول الله ص بِيَدِي فَقَالَ: وَبَثَّ فِيهَا- يَعْنِي فِي الأَرْضِ- الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَخَلَقَ آدَمَ بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ آخِرَ خَلْقٍ فِي آخِرِ سَاعَةٍ، مِنْ سَاعَاتِ الْجُمُعَةِ فِيمَا بَيْنَ الْعَصْرِ الى الليل] .
فإذا كان الله تعالى ذكره خلق الخلق من لدن ابتداء خلق السموات والأرض إلى حين فراغه من خلق جميعهم في ستة أيام، وكان كل يوم من
(1/56)
الأيام الستة التي خلقهم فيها مقداره ألف سنة من أيام الدنيا، وكان بين ابتدائه في خلق ذلك وخلق القلم الذي أمره بكتابه كل ما هو كائن إلى قيام الساعة ألف عام، وذلك يوم من أيام الآخرة التي قدر اليوم الواحد منها ألف عام من أيام الدنيا- كان معلوما أن قدر مدة ما بين أول ابتداء ربنا عز وجل في خلق ما خلق من خلقه إلى الفراغ من آخرهم سبعة آلاف عام يزيد إن شاء الله شيئا أو ينقص شيئا، على ما قد روينا من الآثار والأخبار التي ذكرناها، وتركنا ذكر كثير منها كراهة إطالة الكتاب بذكرها.
وإذا كان ذلك كذلك، وكان صحيحا أن مدة ما بين فراغ ربنا تعالى ذكره- من خلق جميع خلقه إلى وقت فناء جميعهم بما قد دللنا قبل، واستشهدنا من الشواهد، وبما سنشرح فيما بعد- سبعة آلاف سنة، تزيد قليلا أو تنقص قليلا- كان معلوما بذلك أن مدة ما بين أول خلق خلقه الله تعالى إلى قيام الساعة وفناء جميع العالم، أربعة عشر ألف عام من أعوام الدنيا، وذلك أربعة عشر يوما من أيام الآخرة، سبعة أيام من ذلك- وهي سبعة آلاف عام من أعوام الدنيا- مدة ما بين أول ابتداء الله جل وتقدس في خلق أول خلقه إلى فراغه من خلق آخرهم- وهو آدم ابو البشر ص، وسبعة أيام أخر، وهي سبعة آلاف عام من أعوام الدنيا، من ذلك مدة ما بين فراغه جل ثناؤه من خلق آخر خلقه- وهو آدم- إلى فناء آخرهم وقيام الساعة، وعود الأمر إلى ما كان عليه قبل أن يكون شيء غير القديم البارئ الذي له الخلق والأمر الذي كان قبل كل شيء، فلا شيء كان قبله، والكائن بعد كل شيء فلا شيء يبقى غير وجهه الكريم.
فإن قال قائل: وما دليلك على أن الأيام الستة التي خلق الله فيهن خلقه كان قدر كل يوم منهن قدر ألف عام من أعوام الدنيا دون أن يكون ذلك
(1/57)
كأيام أهل الدنيا التي يتعارفونها بينهم، وإنما قال الله عز وجل في كتابه:
«الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ*» ، فلم يعلمنا أن ذلك كما ذكرت، بل أخبرنا أنه خلق ذلك في ستة أيام، والأيام المعروفة عند المخاطبين بهذه المخاطبة هي أيامهم التي أول اليوم منها طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ومن قولك: إن خطاب الله عباده بما خاطبهم به في تنزيله إنما هو موجه إلى الأشهر والأغلب عليه من معانيه، وقد وجهت خبر الله في كتابه عن خلقه السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام إلى غير المعروف من معاني الأيام، وأمر الله عز وجل إذا أراد شيئا أن يكونه أنفذ وأمضى من أن يوصف بأنه خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام، مقدارهن ستة آلاف عام من أعوام الدنيا، وإنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له: كن فيكون، وذلك كما قال ربنا تبارك وتعالى: «وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ» ؟
قيل له: قد قلنا فيما تقدم من كتابنا هذا إنا إنما نعتمد في معظم ما نرسمه في كتابنا هذا على الآثار والاخبار عن نبينا ص وعن السلف الصالحين قبلنا دون الاستخراج بالعقول والفكر، إذ أكثره خبر عما مضى من الأمور، وعما هو كائن من الأحداث، وذلك غير مدرك علمه بالاستنباط الاستخراج بالعقول:
فإن قال: فهل من حجة على صحة ذلك من جهة الخبر؟
قيل: ذلك ما لا نعلم قائلا من أئمة الدين قال خلافه.
فإن قال: فهل من رواية عن أحد منهم بذلك؟
قيل: علم ذلك عند أهل العلم من السلف كان أشهر من أن يحتاج فيه إلى رواية منسوبة إلى شخص منهم بعينه، وقد روي ذلك عن جماعة منهم مسمين بأعيانهم
(1/58)
فإن قال: فاذكرهم لنا.
قيل: حَدَّثَنَا ابْنُ حميد، قَالَ: حَدَّثَنَا حكام: عن عنبسة، عن سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خلق الله السموات والأرض في ستة أيام، فَكُلُّ يَوْمٍ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ أَنْتُمْ حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ» .
قَالَ: السِّتَّةُ الأَيَّامُ الَّتِي خَلَقَ اللَّهُ فِيهَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ.
حَدَّثَنَا عبدة، حَدَّثَنِي الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: «فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ» : يعني هذا اليوم من الأيام الستة التي خلق الله فيهن السموات والأرض وما بينهما.
حَدَّثَنِي المثنى، حَدَّثَنَا علي، عن المسيب بن شريك، عن أبي روق، عن الضحاك: «وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ» .
قال: من ايام الآخرة، كل يوم كان مقداره ألف سنة، ابتدأ في الخلق يوم الأحد، واجتمع الخلق يوم الجمعة.
حَدَّثَنَا ابن حميد قَالَ: حَدَّثَنَا جرير، عن الأعمش، عن أبي صالح: عن كعب، قال: بدأ الله خلق السموات والأرض يوم الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس، وفرغ منها يوم الجمعة، قال: فجعل مكان كل يوم ألف سنة
(1/59)
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ، حَدَّثَنَا أَبُو عوانة، عن أبي بشر، عن مجاهد، قال: يَوْمٌ مِنَ السِّتَّةِ الأَيَّامِ، كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ.
فهذا هذا وبعد، فلا وجه لقول قائل: وكيف يوصف الله تعالى ذكره بأنه خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام قدر مدتها من أيام الدنيا ستة آلاف سنة، وإنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له: كن فيكون، لأنه لا شيء يتوهمه متوهم في قول قائل ذلك إلا وهو موجود في قول قائل: خلق ذلك كله في ستة أيام مدتها مدة ستة أيام من أيام الدنيا، لأن أمره جل جلاله إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون
(1/60)
القول في الليل والنهار أيهما خلق قبل صاحبه
وفي بدء خلق الشمس والقمر وصفتهما إذ كانت الأزمنة بهما تعرف قد قلنا في خلق الله عز ذكره ما خلق من الأشياء قبل خلقه الأوقات والأزمنة، وبيَّنَّا أن الأوقات والأزمنة إنما هي ساعات الليل والنهار، وأن ذلك إنما هو قطع الشمس والقمر درجات الفلك، فلنقل الآن: بأي ذلك كان الابتداء، بالليل أم بالنهار؟ إذ كان الاختلاف في ذلك موجودا بين ذوي النظر فيه، بأن بعضهم يقول فيه: خلق الله الليل قبل النهار، ويستشهد على حقيقة قوله ذلك بأن الشمس إذا غابت وذهب ضوءها الذي هو نهار هجم الليل بظلامه، فكان معلوما بذلك أن الضياء هو المتورد على الليل، وأن الليل إن لم يبطله النهار المتورد عليه هو الثابت، فكان بذلك من أمرهما دلالة على أن الليل هو الأول خلقا، وأن الشمس هو الآخر منهما خلقا، وهذا قول يروى عن ابن عباس.
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سُئِلَ: هَلِ اللَّيْلُ كَانَ قَبْلَ النَّهَارِ؟.
قَالَ: أَرَأَيْتُمْ حِينَ كَانَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ رَتْقًا، هَلْ كَانَ بَيْنَهُمَا إِلا ظُلْمَةٌ! ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّيْلَ كَانَ قَبْلَ النَّهَارِ.
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنَّ اللَّيْلَ قَبْلَ النَّهَارِ، ثُمَّ قال: «كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما» .
حَدَّثَنَا محمد بن بشار، قال: حَدَّثَنَا وهب بن جرير، حَدَّثَنَا أبي، قال: سمعت يحيى بن أيوب يحدث عن يزيد بن أبي حبيب، عن مرثد
(1/61)
ابن عبد الله اليزني، قال: لم يكن عقبة بن عامر إذا رأى الهلال- هلال رمضان- يقوم تلك الليلة حتى يصوم يومها، ثم يقوم بعد ذلك فذكرت ذلك لابن حجيرة فقال: الليل قبل النهار أم النهار قبل الليل؟
وقال آخرون: كان النهار قبل الليل، واستشهدوا لصحة قولهم هذا بأن الله عز ذكره كان ولا ليل ولا نهار ولا شيء غيره، وأن نوره كان يضيء به كل شيء خلقه بعد ما خلقه حتى خلق الليل.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ بِلالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنِ الزُّبَيْرِ أَبِي عَبْدِ السَّلامِ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْفِهْرِيِّ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: إِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ عِنْدَهُ لَيْلٌ وَلا نَهَارٌ، نُورُ السَّمَوَاتِ مِنْ نُورِ وَجْهِهِ، وَإِنَّ مِقْدَارَ كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِكُمْ هَذِهِ عِنْدَهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً.
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال:
كان الليل قبل النهار، لأن النهار هو ما ذكرت من ضوء الشمس، وإنما خلق الله الشمس وأجراها في الفلك بعد ما دحا الأرض فبسطها، كما قال عز وجل: «أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها» ، فإذا كانت الشمس خلقت بعد ما سمكت السماء، وأغطش ليلها، فمعلوم أنها كانت- قبل أن تخلق الشمس، وقبل أن يخرج الله من السماء ضحاها- مظلمة لا مضيئة.
وبعد، فإن في مشاهدتنا من أمر الليل والنهار ما نشاهده دليلا بَيِّنًا
(1/62)
على أن النهار هو الهاجم على الليل لأن الشمس متى غابت فذهب ضوءها ليلا او نهارا أظلم الجو، فكان معلوما بذلك أن النهار هو الهاجم على الليل بضوئه ونوره والله أعلم.
فأما القول في بدء خلقهما فإن الخبر عن رسول الله ص بوقت خلق الله الشمس والقمر مختلف.
فأما ابْنِ عَبَّاسٍ فروي عنه أنه قال: خلق الله يوم الجمعة الشمس والقمر والنجوم والملائكة إلى ثلاث ساعات بقيت منه، حَدَّثَنَا بذلك هناد بن السري، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنِ أبي سعد البقال، عن عكرمه، عن ابن عباس، عن النبي ص.
[وروى ابو هريرة عن النبي ص أنه قال: خلق الله النور يوم الأربعاء،] حَدَّثَنِي بِذَلِكَ الْقَاسِمُ بْنُ بِشْرٍ وَالْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالا: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أيوب بن خالد، عن عبد الله بن رافع، عن ابى هريرة، عن النبي ص.
وأي ذلك كان، فقد خلق الله قبل خلقه إياهما خلقا كثيرا غيرهما، ثم خلقهما عز وجل لما هو أعلم به من مصلحة خلقه، فجعلهما دائبي الجري، ثم فصل بينهما، فجعل إحداهما آية الليل، والأخرى أية النهار، فمحا آية الليل، وجعل آية النهار مبصره وقد روى عن رسول الله ص في سبب اختلاف حالتي آية الليل وآية النهار أخبار أنا ذاكر منها بعض ما حضرني ذكره وعن جماعة من السلف أيضا نحو ذلك.
فمما روى عن رسول الله ص في ذلك، ما حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مَنْصُورٍ الآملي، حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ وَاصِلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ
(1/63)
صُبْحٍ أَبُو نُعَيْمٍ الْبَلْخِيُّ، عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ، قَالَ: كُنْتُ آخُذُ بِيَدِ رسول الله ص وَنَحْنُ نَتَمَاشَى جَمِيعًا نَحْوَ الْمَغْرِبِ، وَقَدْ طَفَلَتِ الشَّمْسُ، فَمَا زِلْنَا نَنْظُرُ إِلَيْهَا حَتَّى غَابَتْ، [قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيْنَ تَغْرُبُ؟ قَالَ: تَغْرُبُ فِي السَّمَاءِ، ثُمَّ تُرْفَعُ مِنْ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ حَتَّى تُرْفَعَ إِلَى السَّمَاءِ السابعة العليا، حتى تكون تحت العرش، فتخر سَاجِدَةً، فَتَسْجُدُ مَعَهَا الْمَلائِكَةُ الْمُوَكَّلُونَ بِهَا، ثُمَّ تَقُولُ: يَا رَبِّ، مِنْ أَيْنَ تَأْمُرُنِي أَنْ أَطْلُعَ، أَمِنْ مَغْرِبِي أَمْ مِنْ مَطْلَعِي؟ قَالَ: فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: «وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها» حَيْثُ تُحْبَسُ تَحْتَ الْعَرْشِ، «ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ» قال: يعنى ب ذَلِكَ صُنْعُ الرَّبِّ الْعَزِيزِ فِي مُلْكِهِ الْعَلِيمِ بخلقه قال: فيأتيها جبرئيل بحلة ضوء من نور العرش، على مقادير ساعات النهار، في طوله في الصيف، أو قصره في الشتاء، أو ما بين ذلك في الخريف والربيع قال: فتلبس تلك الحلة كما يلبس احدكم ثيابه، ثم تنطلق بها في جو السماء حتى تطلع من مطلعها، قال النبي ص: فكأنها قد حبست مقدار ثلاث ليال ثم لا تكسى ضوءا، وتؤمر أن تطلع من مغربها، فذلك قوله عز وجل: «إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ» .
قال: والقمر كذلك في مطلعه ومجراه في أفق السماء ومغربه وارتفاعه إلى السماء السابعة العليا، ومحبسه تحت العرش وسجوده واستئذانه، ولكن جبرائيل ع يأتيه بالحلة من نور الكرسي قال: فذلك قوله عز وجل: «جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً] » قال أبو ذر: ثم عدلت مع رسول الله ص
(1/64)
فصلينا المغرب فهذا الخبر عن رسول الله ينبئ أن سبب اختلاف حالة الشمس والقمر إنما هو أن ضوء الشمس من كسوة كسيتها من ضوء العرش، وأن نور القمر من كسوة كسيها من نور الكرسي فأما الخبر الآخر الذي يدل على غير هذا المعنى، فما حدثنى محمد ابن أَبِي مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ وَاصِلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: بَيْنَا ابْنِ عَبَّاسٍ ذَاتَ يَوْمٍ جَالِسٌ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يا بن عَبَّاسٍ، سَمِعْتُ الْعَجَبَ مِنْ كَعْبٍ الْحَبْرِ يَذْكُرُ فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ قَالَ: وَكَانَ مُتَّكِئًا فَاحْتَفَزَ ثُمَّ قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: زَعَمَ أَنَّهُ يُجَاءُ بِالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا ثَوْرَانِ عَقِيرَانِ، فَيُقْذَفَانِ فِي جَهَنَّمَ قَالَ عِكْرِمَةُ: فَطَارَتْ مِنَ ابْنِ عَبَّاسٍ شِقَّةٌ وَوَقَعَتْ أُخْرَى غَضَبًا، ثُمَّ قَالَ: كَذَبَ كَعْبٌ! كَذَبَ كَعْبٌ! كَذَبَ كَعْبٌ! ثَلاثَ مَرَّاتٍ، بَلْ هَذِهِ يَهُودِيَّةٌ يُرِيدُ إِدْخَالَهَا فِي الإِسْلامِ، اللَّهُ أَجَلُّ وَأَكْرَمُ مِنْ أَنْ يُعَذِّبَ عَلَى طَاعَتِهِ، أَلَمْ تَسْمَعْ لِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتعَالَى: «وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ» ، إِنَّمَا يَعْنِي دءوبِهِمَا فِي الطَّاعَةِ، فَكَيْفَ يُعَذِّبُ عَبْدَيْنِ يُثْنِي عَلَيْهِمَا، أَنَّهُمَا دَائِبَانِ فِي طَاعَتِهِ! قَاتَلَ اللَّهُ هَذَا الْحَبْرَ وَقَبَّحَ حَبْرِيَّتَهُ! مَا أَجْرَأَهُ عَلَى اللَّهِ وَأَعْظَمَ فِرْيَتِهِ عَلَى هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ الْمُطِيعَيْنِ لِلَّهِ! قَالَ: ثُمَّ اسْتَرْجَعَ مِرَارًا، وَأَخَذَ عُوَيْدًا مِنَ الأَرْضِ، فَجَعَلَ يَنْكُتُهُ فِي الأَرْضِ، فَظَلَّ كَذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ انه رفع راسه، ورمى بالعويد [فقال: أَلا أُحَدِّثُكُمْ بِمَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص، يَقُولُ فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَبَدْءِ خَلْقِهِمَا وَمَصِيرُ أَمْرِهِمَا؟ فَقُلْنَا: بَلَى رَحِمَكَ اللَّهُ! فَقَالَ: إِنَّ رسول الله ص سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمَّا أَبْرَمَ خَلْقَهُ إِحْكَامًا فَلَمْ يَبْقَ مِنْ خَلْقِهِ غَيْرُ آدَمَ خَلَقَ شَمْسَيْنِ مِنْ نُورِ عَرْشِهِ، فَأَمَّا مَا كَانَ فِي سَابِقِ عِلْمِهِ أَنَّهُ يَدَعُهَا شَمْسًا، فَإِنَّهُ خَلَقَهَا مِثْلَ الدُّنْيَا مَا بَيْنَ مَشَارِقِهَا وَمَغَارِبِهَا،
(1/65)
وَأَمَّا مَا كَانَ فِي سَابِقِ عِلْمِهِ أَنَّهُ يَطْمِسُهَا وَيُحَوِّلُهَا قَمَرًا، فَإِنَّهُ دُونَ الشَّمْسِ فِي الْعِظَمِ، وَلَكِنْ إِنَّمَا يُرَى صِغَرُهُمَا مِنْ شِدَّةِ ارْتِفَاعِ السَّمَاءِ وَبُعْدِهَا مِنَ الأَرْضِ.
قَالَ: فَلَوْ تَرَكَ اللَّهُ الشَّمْسَيْنِ كَمَا كَانَ خَلَقَهُمَا فِي بَدْءِ الأَمْرِ لَمْ يَكُنْ يُعْرَفُ اللَّيْلُ مِنَ النَّهَارِ، وَلا النَّهَارُ مِنَ اللَّيْلِ، وَكَانَ لا يَدْرِي الأَجِيرُ إِلَى مَتَى يَعْمَلُ، وَمَتَى يَأْخُذُ أَجْرَهُ وَلا يَدْرِي الصَّائِمُ إِلَى مَتَى يَصُومُ، وَلا تَدْرِي الْمَرْأَةُ كَيْفَ تَعْتَدُّ، وَلا يَدْرِي الْمُسْلِمُونَ مَتَى وَقْتُ الْحَجِّ، وَلا يَدْرِي الدُّيَّانُ مَتَى تَحِلُّ دُيُونُهُمْ، وَلا يَدْرِي النَّاسُ مَتَى يَنْصَرِفُونَ لِمَعَايِشِهِمْ، وَمَتَى يَسْكُنُونَ لِرَاحَةِ أَجْسَادِهِمْ.
وَكَانَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ أَنْظَرَ لِعِبَادِهِ وَأَرْحَمَ بِهِمْ، فأرسل جبرئيل ع فَأَمَرَ جِنَاحه على وجه القمر- وهو يومئذ شمس- ثلاث مرات، فطمس عنه الضوء، وبقي فيه النور، فذلك قوله عز وجل: «وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً» قال: فالسواد الذي ترونه في القمر شبه الخطوط فيه فهو أثر المحو ثم خلق الله للشمس عجلة من ضوء نور العرش لها ثلاثمائة وستون عروه، ووكل بالشمس وعجلتها ثلاثمائة وستين ملكا من الملائكة من أهل السماء الدنيا، قد تعلق كل ملك منهم بعروة من تلك العرا، ووكل بالقمر وعجلته ثلاثمائة وستين ملكا من الملائكة من أهل السماء، قد تعلق بكل عروه من تلك العرا ملك منهم.
ثم قال: وخلق الله لهما مشارق ومغارب في قطري الأرض وكنفي السماء ثمانين ومائة عين في المغرب، طينة سوداء، فذلك قوله عز وجل: «وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ» انما يعنى حماه سوداء من طين، وثمانين ومائة عين في
(1/66)
المشرق مثل ذلك طينة سوداء تفور غليا كغلي القدر إذا ما اشتد غليها قال:
فكل يوم وكل ليله لها مطلع جديد ومغرب جديد، ما بين أولها مطلعا، وآخرها مغربا أطول ما يكون النهار في الصيف إلى آخرها مطلعا، وأولها مغربا أقصر ما يكون النهار في الشتاء، فذلك قوله تعالى: «رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ» يعنى آخرها هاهنا وآخرها ثم، وترك ما بين ذلك من المشارق والمغارب، ثم جمعهما فقال: «بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ» ، فذكر عدة تلك العيون كلها.
قال: وخلق الله بحرا، فجرى دون السماء مقدار ثلاث فراسخ، وهو موج مكفوف قائم في الهواء بأمر الله عز وجل لا يقطر منه قطرة، والبحار كلها.
ساكنة، وذلك البحر جار في سرعة السهم ثم انطلاقه في الهواء مستويا، كأنه حبل ممدود ما بين المشرق والمغرب، فتجري الشمس والقمر والخنس في لجة غمر ذلك البحر، فذلك قوله تعالى: «كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ*» ، والفلك دوران العجلة في لجة غمر ذلك البحر والذي نفس محمد بيده، لو بدت الشمس من ذلك البحر لأحرقت كل شيء في الأرض، حتى الصخور والحجارة، ولو بدا القمر من ذلك لافتتن أهل الأرض حتى يعبدوه من دون الله، إلا من شاء الله أن يعصم من أوليائه.
قال ابْنُ عَبَّاسٍ: فقال عَلِيّ بن أبي طالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! ذكرت مجرى الخنس مع الشمس والقمر، وقد أقسم الله بالخنس في القرآن إلى ما كان من ذكرك، فما الخنس؟ قال: يا علي، هن خمسة كواكب: البرجيس، وزحل، وعطارد، وبهرام، والزهرة،
(1/67)
فهذه الكواكب الخمسة الطالعات الجاريات، مثل الشمس والقمر، العاديات معهما، فأما سائر الكواكب فمعلقات من السماء كتعليق القناديل من المساجد، وهي تحوم مع السماء دورانا بالتسبيح والتقديس والصلاة لله، ثم قال النبي ص: فإن أحببتم أن تستبينوا ذلك، فانظروا إلى دوران الفلك مره هاهنا ومره هاهنا، فذلك دوران السماء، ودوران الكواكب معها كلها سوى هذه الخمسة، ودورانها اليوم كما ترون، وتلك صلاتها، ودورانها إلى يوم القيامة في سرعة دوران الرحا من أهوال يوم القيامة وزلازله، فذلك قوله عز وجل: «ْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً.
فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ» .
قال: فإذا طلعت الشمس فإنها تطلع من بعض تلك العيون على عجلتها ومعها ثلاثمائة وستون ملكا ناشري أجنحتهم، يجرونها في الفلك بالتسبيح والتقديس والصلاة لله على قدر ساعات الليل وساعات النهار ليلا كان أو نهارا، فإذا أحب الله أن يبتلي الشمس والقمر فيري العباد آية من الآيات فيستعتبهم رجوعا عن معصيته وإقبالا على طاعته، خرت الشمس من العجلة فتقع في غمر ذلك البحر وهو الفلك، فإذا أحب الله أن يعظم الآية ويشدد تخويف العباد وقعت الشمس كلها فلا يبقى منها على العجلة شيء، فذلك حين يظلم النهار وتبدو النجوم، وهو المنتهى من كسوفها فإذا أراد أن يجعل آية دون آية وقع منها النصف أو الثلث أو الثلثان في الماء، ويبقى سائر ذلك على العجلة، فهو كسوف دون كسوف، وبلاء للشمس أو للقمر، وتخويف للعباد، واستعتاب من الرب عز وجل، فأي ذلك كان صارت الملائكة الموكلون بعجلتها فرقتين: فرقة منها يقبلون على الشمس فيجرونها نحو العجلة، والفرقة الأخرى
(1/68)
يقبلون على العجلة فيجرونها نحو الشمس، وهم في ذلك يقرونها في الفلك بالتسبيح والتقديس والصلاة لله على قدر ساعات النهار أو ساعات الليل، ليلا كان أو نهارا، في الصيف كان ذلك أو في الشتاء، أو ما بين ذلك في الخريف والربيع، لكيلا يزيد في طولهما شيء، ولكن قد ألهمهم الله علم ذلك، وجعل لهم تلك القوة، والذي ترون من خروج الشمس أو القمر بعد الكسوف قليلا قليلا، من غمر ذلك البحر الذي يعلوهما، فإذا أخرجوها كلها اجتمعت الملائكة كلهم، فاحتملوها حتى يضعوها على العجلة، فيحمدون الله على ما قواهم لذلك، ويتعلقون بعرا العجلة، ويجرونها في الفلك بالتسبيح والتقديس والصلاة لله حتى يبلغوا بها المغرب، فإذا بلغوا بها المغرب أدخلوها تلك العين، فتسقط من أفق السماء في العين.
ثم قال النبي ص، وعجب من خلق الله: وللعجب من القدرة فيما لم نر أعجب من ذلك، وذلك قول جبرئيل ع لساره:
«أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ» وذلك أن الله عز وجل خلق مدينتين: إحداهما بالمشرق والأخرى بالمغرب، أهل المدينة التي بالمشرق من بقايا عاد من نسل مؤمنيهم، وأهل التي بالمغرب من بقايا ثمود من نسل الذين آمنوا بصالح، اسم التي بالمشرق بالسريانية مرقيسيا وبالعربية جابلق واسم التي بالمغرب بالسريانية برجيسيا وبالعربية جابرس ولكل مدينة منهما عشرة آلاف باب، ما بين
(1/69)
كل بابين فرسخ، ينوب كل يوم على كل باب من أبواب هاتين المدينتين عشرة آلاف رجل من الحراسة، عليهم السلاح، لا تنوبهم الحراسة بعد ذلك إلى يوم ينفخ في الصور، فو الذى نفس محمد بيده، لولا كثرة هؤلاء القوم وضجيج أصواتهم لسمع الناس من جميع أهل الدنيا هدة وقعة الشمس حين تطلع وحين تغرب، ومن ورائهم ثلاث أمم: منسك، وتافيل، وتاريس، ومن دونهم يأجوج وماجوج.
وان جبرئيل ع انطلق بي اليهم ليله اسرى بي من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، فدعوت يأجوج ومأجوج إلى عبادة الله عز وجل فأبوا أن يجيبوني، ثم انطلق بي إلى أهل المدينتين، فدعوتهم إلى دين الله عز وجل والى عبادته فأجابوا وأنابوا، فهم في الدين إخواننا، من أحسن منهم فهو مع محسنكم، ومن أساء منهم فأولئك مع المسيئين منكم ثم انطلق بي إلى الأمم الثلاث، فدعوتهم إلى دين الله وإلى عبادته فأنكروا ما دعوتهم إليه، فكفروا بالله عز وجل وكذبوا رسله، فهم مع يأجوج ومأجوج وسائر من عصى الله في النار، فإذا ما غربت الشمس رفع بها من سماء إلى سماء في سرعة طيران الملائكة، حتى يبلغ بها إلى السماء السابعة العليا، حتى تكون تحت العرش فتخر ساجده، وتسجد معها الملائكة الموكلون بها، فيحدر بها من سماء إلى سماء، فإذا وصلت إلى هذه السماء فذلك حين ينفجر الفجر، فإذا انحدرت من بعض تلك العيون، فذاك حين يضيء الصبح، فإذا وصلت إلى هذا الوجه من السماء فذاك حين يضيء النهار.
قال: وجعل الله عند المشرق حجابا من الظلمة على البحر السابع، مقدار
(1/70)
عدة الليالي منذ يوم خلق الله الدنيا إلى يوم تصرم، فإذا كان عند الغروب أقبل ملك قد وكل بالليل فيقبض قبضة من ظلمة ذلك الحجاب، ثم يستقبل المغرب، فلا يزال يرسل من الظلمة من خلل اصابته قليلا قليلا وهو يراعي الشفق، فإذا غاب الشفق أرسل الظلمة كلها ثم ينشر جناحيه، فيبلغان قطري الأرض وكنفي السماء، ويجاوزان ما شاء الله عز وجل خارجا في الهواء، فيسوق ظلمة الليل بجناحيه بالتسبيح والتقديس والصلاة لله حتى يبلغ المغرب، فإذا بلغ المغرب انفجر الصبح من المشرق، فضم جناحيه، ثم يضم الظلمة بعضها إلى بعض بكفيه، ثم يقبض عليها بكف واحدة نحو قبضته إذا تناولها من الحجاب بالمشرق، فيضعها عند المغرب على البحر السابع من هناك ظلمة الليل فإذا ما نقل ذلك الحجاب من المشرق إلى المغرب نفخ في الصور، وانقضت الدنيا، فضوء النهار من قبل المشرق، وظلمة الليل من قبل ذلك الحجاب، فلا تزال الشمس والقمر كذلك من مطالعهما إلى مغاربهما إلى ارتفاعهما، إلى السماء السابعة العليا، إلى محبسهما تحت العرش، حتى يأتي الوقت الذي ضرب الله لتوبة العباد، فتكثر المعاصي في الأرض ويذهب المعروف، فلا يأمر به أحد، ويفشو المنكر فلا ينهى عنه أحد.
فإذا كان ذلك حبست الشمس مقدار ليلة تحت العرش، فكلما سجدت واستأذنت: من أين تطلع؟ لم يحر إليها جواب، حتى يوافيها القمر ويسجد معها، ويستأذن: من أين يطلع؟ فلا يحار إليه جواب، حتى يحبسهما مقدار ثلاث ليال للشمس، وليلتين للقمر، فلا يعرف طول تلك الليلة إلا المتهجدون في الأرض، وهم حينئذ عصابة قليلة في كل بلدة من بلاد المسلمين، في هو ان من الناس وذلة من أنفسهم، فينام أحدهم تلك الليلة قدر ما كان ينام قبلها من الليالي، ثم يقوم فيتوضأ ويدخل مصلاه فيصلي ورده، كما كان يصلي
(1/71)
قبل ذلك، ثم يخرج فلا يرى الصبح، فينكر ذلك ويظن فيه الظنون من الشر ثم يقول: فلعلي خففت قراءتي، أو قصرت صلاتي، أو قمت قبل حيني!] [قال: ثم يعود أيضا فيصلي ورده كمثل ورده، الليلة الثانية، ثم يخرج فلا يرى الصبح، فيزيده ذلك إنكارا، ويخالطه الخوف، ويظن في ذلك الظنون من الشر، ثم يقول: فلعلي خففت قراءتي، أو قصرت صلاتي، أو قمت من أول الليل! ثم يعود أيضا الثالثة وهو وجل مشفق لما يتوقع من هول تلك الليلة، فيصلي أيضا مثل ورده، الليلة الثالثة، ثم يخرج فإذا هو بالليل مكانه والنجوم قد استدارت وصارت إلى مكانها من أول الليل فيشفق عند ذلك شفقة الخائف العارف بما كان يتوقع من هول تلك الليلة فيستلحمه الخوف، ويستخفه البكاء، ثم ينادي بعضهم بعضا، وقبل ذلك كانوا يتعارفون ويتواصلون، فيجتمع المتهجدون من أهل كل بلدة إلى مسجد من مساجدها، ويجأرون إلى الله عز وجل بالبكاء والصراخ بقية تلك الليلة، والغافلون في غفلتهم، حتى إذا ما تم لهما مقدار ثلاث ليال للشمس وللقمر ليلتين، أتاهما جبرئيل فيقول:
ان الرب عز وجل يأمر كما أن ترجعا إلى مغاربكما فتطلعا منها، وأنه لا ضوء لكما عندنا ولا نور قال: فيبكيان عند ذلك بكاء يسمعه أهل سبع سموات من دونهما وأهل سرادقات العرش وحملة العرش من فوقهما، فيبكون لبكائهما مع ما يخالطهم من خوف الموت، وخوف يوم القيامة.
قال: فبينا الناس ينتظرون طلوعهما من المشرق إذا هما قد طلعا خلف أقفيتهم من المغرب أسودين مكورين كالغرارتين، ولا ضوء للشمس ولا نور للقمر، مثلهما في كسوفهما قبل ذلك، فيتصايح أهل الدنيا وتذهل الأمهات عن أولادها، والأحبة عن ثمرة قلوبها، فتشتغل كل نفس بما أتاها قال:
فأما الصالحون والأبرار فإنه ينفعهم بكاؤهم يومئذ، ويكتب ذلك لهم عبادة.
وأما الفاسقون والفجار فإنه لا ينفعهم بكاؤهم يومئذ، ويكتب ذلك عليهم خسارة قال: فيرتفعان مثل البعيرين القرينين، ينازع كل واحد منهما
(1/72)
صاحبه استباقا، حتى إذا بلغا سرة السماء- وهو منصفها- أتاهما جبرئيل فأخذ بقرونهما ثم ردهما إلى المغرب، فلا يغربهما في مغاربهما من تلك العيون، ولكن يغربهما في باب التوبة.
فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنا وأهلي فداؤك يا رسول الله! فما باب التوبة؟ قال: يا عمر، خلق الله عز وجل بابا للتوبة خلف المغرب، مصراعين من ذهب، مكللا بالدر والجوهر، ما بين المصراع إلى المصراع الآخر مسيرة أربعين عاما للراكب المسرع، فذلك الباب مفتوح منذ خلق الله خلقه إلى صبيحة تلك الليلة عند طلوع الشمس والقمر من مغاربهما، ولم يتب عبد من عباد الله توبة نصوحا من لدن آدم إلى صبيحة تلك الليلة إلا ولجت تلك التوبة في ذلك الباب، ثم ترفع إلى الله عز وجل قال معاذ بن جبل: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! وما التوبة النصوح؟
قال: أن يندم المذنب على الذنب الذي أصابه فيعتذر إلى الله ثم لا يعود إليه، كما لا يعود اللبن إلى الضرع قال: فيرد جبرئيل بالمصراعين فيلأم بينهما ويصيرهما كأنه لم يكن فيما بينهما صدع قط، فإذا اغلق باب التوبة لم يقبل بعد ذلك توبة، ولم ينفع بعد ذلك حسنة يعملها في الإسلام إلا من كان قبل ذلك محسنا، فإنه يجري لهم وعليهم بعد ذلك ما كان يجري قبل ذلك، قال فذلك قوله عز وجل: «يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً» .
فقال أُبي بن كعب: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! فكيف بالشمس والقمر بعد ذلك! وكيف بالناس والدنيا! فقال: يا أبي، إن الشمس والقمر
(1/73)
بعد ذلك يكسيان النور والضوء، ويطلعان على الناس ويغربان كما كانا قبل ذلك، وأما الناس فإنهم نظروا إلى ما نظروا إليه من فظاعة الآية، فيلحون على الدنيا حتى يجروا فيها الأنهار، ويغرسوا فيها الشجر، ويبنوا فيها البنيان وأما الدنيا فإنه لو أنتج رجل مهرا لم يركبه من لدن طلوع الشمس من مغربها إلى يوم ينفخ في الصور.
فقال حذيفة بن اليمان: أنا وأهلي فداؤك يا رسول الله! فكيف هم عند النفخ في الصور! فقال: يا حذيفة، والذي نفس محمد بيده، لتقومن الساعة ولينفخن في الصور والرجل قد لط حوضه فلا يسقى منه، ولتقومن الساعة والثوب بين الرجلين فلا يطويانه، ولا يتبايعانه ولتقومن الساعة والرجل قد رفع لقمته إلى فيه فلا يطعمها، ولتقومن الساعة والرجل قد انصرف بلبن لقحته من تحتها فلا يشربه، ثم تلا رسول الله ص هذه الآية: «وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ» .
فإذا نفخ في الصور، وقامت الساعة، وميز الله بين أهل الجنة وأهل النار ولما يدخلوهما بعد، إذ يدعو الله عز وجل بالشمس والقمر، فيجاء بهما أسودين مكورين قد وقعا في زلزال وبلبال، ترعد فرائصهما من هول ذلك اليوم ومخافة الرحمن، حتى إذا كانا حيال العرش خرا لله ساجدين، فيقولان: إلهنا قد علمت طاعتنا ودءوبنا في عبادتك، وسرعتنا للمضي في أمرك أيام الدنيا، فلا تعذبنا بعبادة المشركين إيانا، فإنا لم ندع الى عبادتنا، ولم نذهل عن عبادتك! قال: فيقول الرب تبارك وتعالى: صدقتما، وإني قضيت على نفسي أن أبدئ وأعيد، وإني معيدكما فيما بدأتكما منه، فارجعا إلى ما خلقتما منه،
(1/74)
قالا: إلهنا، ومم خلقتنا؟ قال: خلقتكما من نور عرشي، فارجعا إليه قال:
فيلتمع من كل واحد منهما برقة تكاد تخطف الأبصار نورا، فتختلط بنور العرش فذلك قوله عز وجل: «يُبْدِئُ وَيُعِيدُ] » .
قال عكرمة: فقمت مع النفر الذين حدثوا به، حتى أتينا كعبا فأخبرناه بما كان من وجد ابن عباس من حديثه، وبما حدث عن رسول الله ص، فقام كعب معنا حتى أتينا ابْنَ عَبَّاسٍ، فقال: قد بلغني ما كان من وجدك من حديثي، وأستغفر الله وأتوب إليه، وإني إنما حدثت عن كتاب دارس قد تداولته الأيدي، ولا أدري ما كان فيه من تبديل اليهود، وإنك حدثت عن كتاب جديد حديث العهد بالرحمن عز وجل وعن سيد الأنبياء وخير النبيين، فأنا أحب أن تحدثني الحديث فأحفظه عنك، فإذا حدثت به كان مكان حديثي الأول.
قال عكرمة: فأعاد عليه ابْنِ عَبَّاسٍ الحديث، وأنا أستقريه في قلبي بابا بابا، فما زاد شيئا ولا نقص، ولا قدم شيئا ولا أخر، فزادني ذلك في ابْنِ عَبَّاسٍ رغبة، وللحديث حفظا.
ومما روي عن السلف في ذلك مَا حَدَّثَنَاهُ ابن حميد، قال:
حدثنا جَرِيرٌ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: [قَالَ ابْنُ الْكَواءِ لِعَلِيٍّ ع: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا هَذِهِ اللَّطْخَةُ الَّتِي فِي الْقَمَرِ؟
فَقَالَ: وَيْحَكَ! أَمَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ: «فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ» ! فهذه محوه]
(1/75)
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا طَلْقٌ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ، [قال: سال ابن الكواء عليا ع فَقَالَ:
مَا هَذَا السَّوَادُ فِي الْقَمَرِ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ: «فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً» ، هُوَ الْمَحْوُ] .
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: [كنت عند على ع، فَسَأَلَهُ ابْنُ الْكَوَاءِ عَنِ السَّوَادِ الَّذِي فِي الْقَمَرِ فَقَالَ: ذَاكَ آيَةُ اللَّيْلِ مُحِيَتْ] .
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الشَّوَارِبِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ حُدَيْرٍ، عَنْ رفيع، ابى كثيره، قَالَ: [قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: سَلُوا عَمَّا شِئْتُمْ، فَقَامَ ابْنُ الْكَوَاءِ فَقَالَ: مَا السَّوَادُ الَّذِي فِي الْقَمَرِ؟ فَقَالَ: قَاتَلَكَ اللَّهُ! هَلا سَأَلْتَ عَنْ أَمْرِ دِينِكَ وَآخِرَتِكَ! ثُمَّ قَالَ:
ذَاكَ مَحْوُ اللَّيْلِ] .
حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبَانٍ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ حُيَيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، [أَنَّ رَجُلا قَالَ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا السَّوَادُ الَّذِي فِي الْقَمَرِ؟ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: «وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً] » .
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: «وَجَعَلْنَا
(1/76)
اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ» ، قَالَ: هُوَ السَّوَادُ بِاللَّيْلِ.
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: حدثنا الحسين، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ الْقَمَرُ يُضِيءُ كَمَا تُضِيءُ الشَّمْسُ، وَالْقَمَرُ آيَةُ اللَّيْلِ، والشمس آيه النهار، «فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ» ، قال: السواد الذي في القمر، كذلك خلقه الله.
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ» ، قَالَ: لَيْلا وَنَهَارًا كَذَلِكَ خَلَقَهُمَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ، قَالَ: «فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً» ، قَالَ: ظُلْمَةُ اللَّيْلِ وَسَدَفُ النَّهَارِ.
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ، قوله عز وجل: «وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ» ، كنا نحدث أن محو آية الليل سواد القمر الذي فيه، «وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً» ، منيرة، وخلق الشمس أنور من القمر وأعظم.
حدثنا محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: «وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ» ، قال: ليلا ونهارا، كذلك جعلهما الله عز وجل
(1/77)
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله تعالى ذكره خلق شمس النهار وقمر الليل آيتين، فجعل آية النهار التي هي الشمس مبصرة يبصر بها، ومحا آية الليل التي هي القمر بالسواد الذي فيه.
وجائز أن يكون الله تعالى ذكره خلقهما شمسين من نور عرشه، ثم محا نور القمر بالليل على نحو ما قاله من ذكرنا قوله، فكان ذلك سبب اختلاف حالتيهما.
وجائز أن يكون إضاءة الشمس للكسوة التي تكساها من ضوء العرش، ونور القمر من الكسوة التي يكساها من نور الكرسي.
ولو صح سند أحد الخبرين اللذين ذكرتهما لقلنا به، ولكن في أسانيدهما نظرا، فلم نستجز قطع القول بتصحيح ما فيهما من الخبر عن سبب اختلاف حال الشمس والقمر، غير أنا بيقين نعلم أن الله عز وجل خالف بين صفتيهما في الإضاءة لما كان أعلم به من صلاح خلقه باختلاف أمريهما، فخالف بينهما، فجعل أحدهما مضيئا مبصرا به، والآخر ممحو الضوء.
وإنما ذكرنا قدر ما ذكرنا من أمر الشمس والقمر في كتابنا هذا، وإن كنا قد أعرضنا عن ذكر كثير من أمرهما وأخبارهما، مع إعراضنا عن ذكر بدء خلق الله السموات والأرض وصفة ذلك، وسائر ما تركنا ذكره من جميع خلق الله في هذا الكتاب، لأن قصدنا في كتابنا هذا ذكر ما قدمنا الخبر عنه أنا ذاكروه فيه من ذكر الأزمنة وتاريخ الملوك والأنبياء والرسل، على ما قد شرطنا في أول هذا الكتاب، وكانت التأريخات والأزمنة إنما توقت بالليالي والأيام التي إنما هي مقادير ساعات جري الشمس والقمر في أفلاكهما على ما قد ذكرنا في الأخبار التي رويناها عن رسول الله ص، وكان ما كان قبل
(1/78)
خلق الله عز ذكره إياهما من خلقه في غير أوقات ولا ساعات ولا ليل ولا نهار.
وإذ كنا قد بينا مقدار مدة ما بين أول ابتداء الله عز وجل في إنشاء ما أراد إنشاءه من خلقه إلى حين فراغه من إنشاء جميعهم من سني الدنيا ومدة أزمانها بالشواهد التي استشهدنا بها من الآثار والأخبار، وأتينا على القول في مدة ما بعد أن فرغ من خلق جميعه إلى فناء الجميع بالأدلة التي دللنا بها على صحة ذلك من الاخبار الوارده عن رسول الله ص وعن الصحابة وغيرهم من علماء الأمة، وكان الغرض في كتابنا هذا ذكر ما قد بينا أنا ذاكروه من تاريخ الملوك الجبابرة العاصية ربها عز وجل والمطيعة ربها منهم، وأزمان الرسل والأنبياء، وكنا قد أتينا على ذكر ما به تصح التأريخات وتعرف به الأوقات والساعات، وذلك الشمس والقمر اللذان بأحدهما تدرك معرفه ساعات الليل وأوقاته، وبالآخر تدرك علم ساعات النهار وأوقاته فلنقل الآن في أول من أعطاه الله ملكا، وأنعم عليه فكفر نعمته، وجحد ربوبيته، وعتا على ربه واستكبر، فسلبه الله نعمته، وأخزاه وأذله ثم نتبعه ذكر من استن في ذلك سنته، واقتفى فيه أثره، فأحل الله به نقمته وجعله من شيعته، وألحقه به في الخزي والذل ونذكر من كان بإزائه أو بعده من الملوك المطيعة ربها المحمودة آثارها، أو من الرسل والأنبياء إن شاء الله عز وجل.
فأولهم وإمامهم في ذلك ورئيسهم وقائدهم فيه إبليس لعنه الله.
وكان الله عز وجل قد احسن خلقه وشرفه وكرمه وملكه على سماء الدنيا والأرض فيما ذكر، وجعله مع ذلك من خزان الجنة، فاستكبر على ربه
(1/79)
وادعى الربوبية، ودعا من كان تحت يده فيما ذكر إلى عبادته، فمسخه الله تعالى شيطانا رجيما، وشوه خلقه، وسلبه ما كان حوله، ولعنه وطرده عن سمواته في العاجل، ثم جعل مسكنه ومسكن اتباعه وشيعته في الآخرة نار جهنم، نعوذ بالله من غضبه، ومن عمل يقرب من غضبه، ومن الحور بعد الكور.
ونبدأ بذكر جمل من الأخبار الواردة عن السلف بما كان الله عز وجل أعطاه من الكرامة قبل استكباره عليه، وادعائه ما لم يكن له ادعاؤه، ثم نتبع ذلك ما كان من الأحداث في أيام سلطانه وملكه إلى حين زوال ذلك عنه، والسبب الذي به زال عنه ما كان فيه من نعمة الله عليه، وجميل آلائه، وغير ذلك من أموره، إن شاء الله مختصرا
(1/80)
ذكر الأخبار الواردة بأن إبليس كان له ملك السماء الدنيا والأرض وما بين ذلك
حدثنا القاسم بن الحسن، قال: حدثنا الحسين بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ إِبْلِيسُ مِنْ أَشْرَافِ الْمَلائِكَةِ وَأَكْرَمِهِمْ قَبِيلَةً، وَكَانَ خَازِنًا عَلَى الْجِنَانِ، وَكَانَ لَهُ سُلْطَانُ سَمَاءِ الدُّنْيَا، وَكَانَ لَهُ سُلْطَانُ الأَرْضِ.
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن صالح مولى التوءمه وَشَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ- أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنَّ مِنَ الْمَلائِكَةِ قَبِيلَةً مِنَ الْجِنِّ وَكَانَ إِبْلِيسُ مِنْهَا، وَكَانَ يَسُوسُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ.
حَدَّثَنَا مُوسَى بن هارون الهمداني، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي، في خبر ذكره عن أبي مالك، وعن أبي صالح عن ابن عباس، وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي ص جعل ابليس على سَمَاءِ الدُّنْيَا، وَكَانَ مِنْ قَبِيلَةٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ يُقَالُ لَهُمُ الْجِنُّ، وَإِنَّمَا سُمُّوا الْجِنَّ لأَنَّهُمْ خُزَّانُ الْجَنَّةِ، وَكَانَ إِبْلِيسُ مَعَ مُلْكِهِ خَازِنًا.
حَدَّثَنِي عَبْدَانُ الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ الْفَضْلَ بْنَ خَالِدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سمعت الضحاك ابن مُزَاحِمٍ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: «فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ» ، قَالَ: كَانَ ابْنِ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ إِبْلِيسَ كان من اشرف الملائكة واكرمهم
(1/81)
قَبِيلَةً، وَكَانَ خَازِنًا عَلَى الْجِنَانِ، وَكَانَ لَهُ سُلْطَانُ سَمَاءِ الدُّنْيَا، وَكَانَ لَهُ سُلْطَانُ الأَرْضِ.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حَدَّثَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ مُجَاهِدٍ أَبُو الأَزْهَرِ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْءَمَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنَّ مِنَ الْمَلائِكَةِ قَبِيلا يُقَالُ لَهُمُ الْجِنُّ، فَكَانَ إِبْلِيسُ مِنْهُمْ، وَكَانَ يَسُوسُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ فَعَصَى، فَمَسَخَهُ اللَّهُ شَيْطَانًا رجيما
(1/82)
ذكر الخبر عن غمط عدو الله نعمة ربه واستكباره عليه وادعائه الربوبية
حَدَّثَنَا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج: «وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ» قال: قال، ابن جريج:
من يقل من الملائكة إني إله من دونه، فلم يقله إلا إبليس، دعا إلى عباده نفسه، فنزلت هذه الآية في إبليس.
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: «وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ» ، وإنما كانت هذه الآية خاصة لعدو الله إبليس لما قال ما قال، لعنه الله وجعله رجيما، فقال: «فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ» .
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: «وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ» ، قال: هي خاصة لإبليس
(1/83)
القول في الأحداث التي كانت في أيام ملك ابليس وسلطانه والسبب الذي به هلك وادعى الربوبية
فمن الأحداث التي كانت في ملك عدو الله- إذ كان لله مطيعا- ما ذكر لنا عن ابْنِ عَبَّاسٍ في الخبر الذي حَدَّثَنَاهُ أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ إِبْلِيسُ مِنْ حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْمَلائِكَةِ يُقَالُ لَهُمُ: الْجِنُّ خُلِقُوا مِنْ نَارِ السَّمُومِ مِنْ بَيْنَ الْمَلائِكَةِ، قَالَ: وَكَانَ اسْمُهُ الْحَارِثَ، قَالَ: وَكَانَ خَازِنًا مِنْ خُزَّانِ الْجَنَّةِ، قَالَ: وَخُلِقَتِ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ مِنْ نُورٍ غَيْرَ هَذَا الْحَيِّ، قَالَ: وَخُلِقَتِ الْجِنُّ الَّذِينَ ذُكِرُوا في القرآن من مارج من نار، وَهُوَ لِسَانُ النَّارِ الَّذِي يَكُونُ فِي طَرْفِهَا إِذَا أُلْهِبَتْ، قَالَ: وَخُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ طِينٍ، فَأَوَّلُ مَنْ سَكَنَ الأَرْضَ الْجِنُّ فَأَفْسَدُوا فِيهَا وَسَفَكُوا الدِّمَاءَ، وَقَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، قَالَ: فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ إِبْلِيسَ فِي جُنْدٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ وهم هَذَا الْحَيُّ الَّذِينَ يُقَالُ لَهُمُ الْجِنُّ، فَقَتَلَهُمْ ابليس ومن معه حي أَلْحَقَهُمْ بِجَزَائِرِ الْبُحُورِ وَأَطْرَافِ الْجِبَالِ، فَلَمَّا فَعَلَ إِبْلِيسُ ذَلِكَ اغْتَرَّ فِي نَفْسِهِ، وَقَالَ: قَدْ صَنَعْتُ شَيْئًا لَمْ يَصْنَعْهُ أَحَدٌ، قَالَ: فَاطَّلَعَ الله على ذلك من قبله، وَلَمْ تَطَّلِعْ عَلَيْهِ الْمَلائِكَةُ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ.
حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق بن الحجاج، قال: حدثنا عبد الله بن أبي جعفر عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْمَلائِكَةَ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ، وَخَلَقَ الْجِنَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَخَلَقَ آدَمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، قَالَ:
فَكَفَرَ قَوْمٌ مِنَ الْجِنِّ، فَكَانَتِ الْمَلائِكَةُ تهبط اليهم في الارض فتقتلهم فَكَانَتِ الدِّمَاءُ وَكَانَ الْفَسَادُ فِي الأَرْضِ
(1/84)
ذكر السبب الذي به هلك عدو الله وسولت له نفسه من أجله الاستكبار على ربه عز وجل
اختلف السلف من الصحابة والتابعين في ذلك، وقد ذكرنا أحد الأقوال التي رويت في ذلك عن ابْنِ عَبَّاسٍ، وذلك ما ذكر الضحاك عنه، أنه لما قتل الجن الذين عصوا الله، وأفسدوا في الأرض وشردهم، أعجبته نفسه ورأى في نفسه أن له بذلك من الفضيلة ما ليس لغيره.
والقول الثاني من الأقوال المروية في ذلك عن ابْنِ عَبَّاسٍ، أنه كان ملك سماء الدنيا وسائسها، وسائس ما بينها وبين الأرض، وخازن الجنة، مع اجتهاده في العبادة، فأعجب بنفسه، ورأى أن له بذلك الفضل، فاستكبر على ربه عز وجل.
ذكر الرواية عنه بذلك:
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ الْهَمْدَانِيُّ، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي، في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح، عن ابن عباس- وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود- وعن ناس من اصحاب النبي ص، قال: لَمَّا فَرَغَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ خَلْقِ مَا أَحَبَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ، فَجَعَلَ إِبْلِيسَ عَلَى مُلْكِ سَمَاءِ الدُّنْيَا وَكَانَ مِنْ قَبِيلَةٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ يُقَالُ لَهُمُ الْجِنُّ، وَإِنَّمَا سُمُّوا الْجِنَّ لأَنَّهُمْ خُزَّانُ الْجَنَّةِ، وَكَانَ إِبْلِيسُ مَعَ مُلْكِهِ خَازِنًا، فَوَقَعَ فِي صَدْرِهِ كِبْرٌ، وَقَالَ: مَا أَعْطَانِي اللَّهُ هَذَا إِلا لِمَزِيَّةٍ، هَكَذَا حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ
(1/85)
وحدثني بِهِ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حَمَّادٍ، قَالَ:
لِمَزِيَّةٍ لِي عَلَى الْمَلائِكَةِ فَلَمَّا وَقَعَ ذَلِكَ الْكِبْرُ فِي نَفْسِهِ اطَّلَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى ذَلِكَ مِنْهُ، فَقَالَ اللَّهُ لِلْمَلائِكَةِ: «إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً» .
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ خَلادِ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ إِبْلِيسُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَبَ الْمَعْصِيَةَ مِنَ الْمَلائِكَةِ اسْمُهُ عَزَازِيلُ، وَكَانَ مِنْ سُكَّانِ الأَرْضِ، وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ الْمَلائِكَةِ اجْتِهَادًا، وَأَكْثَرِهِمْ عِلْمًا، فَذَلِكَ الَّذِي دَعَاهُ إِلَى الْكِبْرِ، وَكَانَ مِنْ حَيٍّ يُسَمُّونَ جِنًّا.
وَحَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ حُمَيْدٍ مَرَّةً أُخْرَى، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ خَلادِ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ طَاوُسٍ- أَوْ مُجَاهِدٍ أَبِي الْحَجَّاجِ- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ بِنَحْوِهِ، إِلا أَنَّهُ قَالَ: كَانَ مَلَكًا مِنَ الْمَلائِكَةِ اسْمُهُ عَزَازِيلُ، وَكَانَ مِنْ سُكَّانِ الأَرْضِ وَعُمَّارِهَا، وَكَانَ سُكَّانُ الأَرْضِ فِيهِمْ يُسَمُّونَ الْجِنَّ مِنْ بَيْنِ الْمَلائِكَةِ.
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قال: حدثنا شيبان، قال: حدثنا سلام ابن مِسْكِينٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: كَانَ إِبْلِيسُ رَئِيسَ مَلائِكَةِ سَمَاءِ الدُّنْيَا.
والقول الثالث من الأقوال المروية عنه أنه كان يقول: السبب في ذلك أنه كان من بقايا خلق خلقهم الله عز وجل، فأمرهم بأمر فأبوا طاعته.
ذكر الرواية عنه بذلك:
(1/86)
حدثني محمد بن سنان القزاز، قال: حدثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ شَبِيبٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ خَلْقًا فَقَالَ: اسْجُدُوا لآدَمَ، فَقَالُوا: لا نَفْعَلُ، قَالَ: فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نَارًا تَحْرِقُهُمْ، ثُمَّ خَلَقَ خَلْقًا آخَرَ فَقَالَ: إِنِّي خَالِقُ بَشَرًا مِنْ طِينٍ فَاسْجُدُوا لآدَمَ، فَأَبَوْا، فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نَارًا فَأَحْرَقَتْهُمْ، قَالَ: ثُمَّ خَلَقَ هَؤُلاءِ فَقَالَ: الا تسجدوا لادم! قالوا: نعم، قال: وَكَانَ إِبْلِيسُ مِنْ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَبَوْا أَنْ يَسْجُدُوا لآدَمَ.
وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ السَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ بَقَايَا الْجِنِّ الَّذِينَ كَانُوا فِي الأَرْضِ، فَسَفَكُوا فِيهَا الدِّمَاءَ، وَأَفْسَدُوا فِيهَا، وَعَصَوْا رَبَّهُمْ، فَقَاتَلَتْهُمُ الْمَلائِكَةُ.
ذِكْرُ مَنْ قال ذلك:
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو سعيد اليحمدي إسماعيل بن إبراهيم، قال: حَدَّثَنِي سوار بن الجعد اليحمدي، عن شهر بن حوشب، قوله: «كانَ مِنَ الْجِنِّ» ، قال:
كان إبليس من الجن الذين طردتهم الملائكة، فأسره بعض الملائكة فذهب به إلى السماء.
حَدَّثَنِي علي بن الحسن، قال: حَدَّثَنِي أبو نصر أحمد بن محمد الخلال، قال: حَدَّثَنِي سنيد بن داود، قال: حَدَّثَنَا هشيم، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى، عن موسى بن نمير وعثمان بن سعيد بن كامل، عن سعد ابن مسعود، قال: كانت الملائكة تقاتل الجن فسبي إبليس، وكان صغيرا، وكان مع الملائكة يتعبد معهم، فلما أمروا أن يسجدوا لآدم سجدوا وأبى إبليس، فلذلك قال الله عز وجل: «إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ»
(1/87)
قال ابو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال كما قال الله عز وجل: «وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ» ، وجائز أن يكون فسوقه عن أمر ربه كان من أجل أنه كان من الجن، وجائز أن يكون من أجل إعجابه بنفسه لشدة اجتهاده كان في عبادة ربه، وكثرة علمه، وما كان أوتي من ملك السماء الدنيا والأرض وخزن الجنان وجائز أن يكون كان لغير ذلك من الأمور، ولا يدرك علم ذلك إلا بخبر تقوم به الحجة، ولا خبر في ذلك عندنا كذلك، والاختلاف في أمره على ما حكينا ورويناه.
وقد قيل: إن سبب هلاكه كان من أجل أن الأرض كان فيها قبل آدم الجن، فبعث الله إبليس قاضيا يقضي بينهم، فلم يزل يقضي بينهم بالحق ألف سنة حتى سمي حكما، وسماه الله به، وأوحى إليه اسمه، فعند ذلك دخله الكبر، فتعظم وتكبر، وألقى بين الذين كان الله بعثه إليهم حكما البأس والعداوة والبغضاء، فاقتتلوا عند ذلك في الأرض ألفي سنة فيما زعموا، حتى إن خيولهم تخوض في دمائهم، قالوا: وذلك قول الله تبارك وتعالى: «أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ» ، وقول الملائكة: «أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ» ! فبعث الله تعالى عند ذلك نارا فأحرقتهم قالوا:
فلما رأى إبليس ما نزل بقومه من العذاب عرج إلى السماء، فأقام عند الملائكة يعبد الله في السماء مجتهدا لم يعبده شيء من خلقه مثل عبادته، فلم يزل مجتهدا في العبادة حتى خلق الله آدم، فكان من امره ومعصيته ربه ما كان
(1/88)
القول في خلق آدم ع
وكان مما حدث في أيام سلطانه وملكه خلق الله تعالى ذكره أبانا آدم أبا البشر، وذلك لما أراد جل جلاله أن يطلع ملائكته على ما قد علم من انطواء إبليس على الكبر ولم يعلمه الملائكة، وأراد إظهار أمره لهم حين دنا أمره للبوار، وملكه وسلطانه للزوال، فقال عز ذكره لما أراد ذلك للملائكة: «إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً» ، فأجابوه بأن قالوا له: «أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ» ! فروي عن ابْنِ عَبَّاسٍ أن الملائكة قالت ذلك كذلك للذين قد كانوا عهدوا من أمر الجن الذين كانوا سكان الأرض قبل ذلك، فقالوا لربهم جل ثناؤه لما قال لهم: «إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً» أتجعل فيها من يكون فيها مثل الجن الذين كانوا فيها، فكانوا يسفكون فيها الدماء ويفسدون فيها ويعصونك، وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لك، فقال الرب تعالى ذكره لهم: «إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ» ، يقول: اعلم ما لا تعلمون من انطواء إبليس على التكبر، وعزمه على خلافه أمري، وتسويل نفسه له الباطل واغتراره، وأنا مبد ذلك لكم منه لتروا ذلك منه عيانا.
وقيل أقوال كثيرة في ذلك، قد حكينا منها جملا في كتابنا المسمى:
جامع البيان عن تأويل آي القرآن، فكرهنا إطالة الكتاب بذكر ذلك في هذا الموضع.
فلما أراد الله عز وجل أن يخلق آدم ع أمر بتربته أن تؤخذ من الأرض، كما حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
(1/89)
بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ثُمَّ أَمَرَ- يَعْنِي الرَّبَّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِتُرْبَةِ آدَمَ فَرُفِعَتْ، فخلق الله آدم من طين لا رب- وَاللازِبُ اللَّزِجُ الطَّيِّبُ- مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ، مُنْتِنٍ، قَالَ:
وَإِنَّمَا كَانَ حَمَأً مَسْنُونًا بَعْدَ التُّرَابِ، قَالَ: فَخَلَقَ مِنْهُ آدَمَ بِيَدِهِ.
حَدَّثَنِي مُوسَى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال:
حدثنا أسباط، عن السدي- في خبر ذكره- عن أبي مالك وعن أبي صالح، عن ابن عباس- وعن مرة الهمداني، عن ابن مسعود- وعن ناس من أصحاب النبي ص، قَالَ: قَالَتِ الْمَلائِكَةُ: «أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ» يعنى من شان ابليس، فبعث الله جبرئيل ع إِلَى الأَرْضِ لِيَأْتِيَهُ بِطِينٍ مِنْهَا، فَقَالَتِ الأَرْضُ: إِنِّي أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ أَنْ تُنْقِصَ مِنِّي شيئا وتشينى، فَرَجَعَ وَلَمْ يَأْخُذْ، وَقَالَ: يَا رَبِّ إِنَّهَا عَاذَتْ بِكَ فَأَعَذْتُهَا، فَبَعَثَ مِيكَائِيلَ فَعَاذَتْ مِنْهُ فاعاذها فرجع، فقال كما قال جبرئيل، فبعث ملك الموت فَعَاذَتْ مِنْهُ، فَأَعَاذَهَا فَرَجَعَ، فَقَالَ كَمَا قَالَ جبرئيل، فَبَعَثَ مَلَكُ الْمَوْتِ فَعَاذَتْ مِنْهُ، فَقَالَ: وَأَنَا أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَرْجِعَ، وَلَمْ أُنَفِّذْ أَمْرَهُ، فاخذ مِنْ وَجْهِ الأَرْضِ، وَخَلَطَ فَلَمْ يَأْخُذْ مِنْ مَكَانٍ وَاحِدٍ، وَأَخَذَ مِنْ تُرْبَةٍ حَمْرَاءَ وَبَيْضَاءَ وَسَوْدَاءَ، فَلِذَلِكَ خَرَجَ بَنُو آدَمَ مُخْتَلِفِينَ، فَصَعِدَ بِهِ فَبَلَّ التُّرَابَ حَتَّى عَادَ طِينًا لازِبًا- وَاللازِبُ هُوَ الَّذِي يَلْتَزِقُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ- ثُمَّ تُرِكَ حَتَّى تَغَيَّرَ وَأَنْتَنَ، وَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ: «مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ*» ، قَالَ: مُنْتِنٌ.
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَعَثَ رَبُّ الْعِزَّةِ عز وَجَلَّ إِبْلِيسَ، فَأَخَذَ مِنْ أَدِيمِ الأَرْضِ، مِنْ عَذْبِهَا وَمَلْحِهَا، فَخَلَقَ مِنْهُ آدَمَ،
(1/90)
وَمِنْ ثَمَّ سُمِّيَ آدَمَ، لأَنَّهُ خُلِقَ مِنْ أَدِيمِ الأَرْضِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ إِبْلِيسُ:
«أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً» ، أَيْ هَذِهِ الطِّينَةُ أَنَا جِئْتُ بِهَا.
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: إِنَّمَا سُمِّيَ آدَمَ لأَنَّهُ خُلِقَ مِنْ أَدِيمِ الأَرْضِ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إسحاق الأهوازي، قال: حدثنا أبو أحمد، قال:
حدثنا مسعر، عن أبي حصين، عن سعيد بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: خُلِقَ آدَمُ مِنْ أَدِيمِ الأَرْضِ فَسُمِّيَ آدَمَ.
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، [عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ:
إِنَّ آدَمَ خُلِقَ مِنْ أَدِيمِ الأَرْضِ، فِيهِ الطَّيِّبُ وَالصَّالِحُ وَالرَّدِيءُ، فَكُلُّ ذَلِكَ أَنْتَ رَاءٍ فِي وَلَدِهِ الصَّالِحِ وَالرَّدِيءِ] .
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ عَوْفٍ- وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَعُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَوْفٌ وَحَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، قَالُوا: حَدَّثَنَا عَوْفٌ وحدثني مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ الأَسَدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ، عَنْ عَوْفٍ الأَعْرَابِيِّ- عَنْ قَسَامَةَ بْنِ زُهَيْرٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: [قَالَ رسول الله ص: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الأَرْضِ، فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الأَرْضِ، جَاءَ مِنْهُمُ الأَحْمَرُ، وَالأَسْوَدُ، وَالأَبْيَضُ، وَبَيْنَ ذَلِكَ وَالسَّهْلُ، وَالْحَزْنُ، وَالْخَبِيثُ، وَالطَّيِّبُ، ثُمَّ بُلَّتْ طِينَتُهُ حَتَّى صَارَتْ طِينًا لازِبًا، ثُمَّ تُرِكَتْ حَتَّى صَارَتْ حَمَأً مَسْنُونًا، ثُمَّ تُرِكَتْ حَتَّى صَارَتْ صَلْصَالا
(1/91)
كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ] » .
وَحَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبُطَيْنِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قال: خُلِقَ آدَمُ مِنْ ثَلاثَةٍ: مِنْ صَلْصَالٍ، وَمِنْ حَمَإٍ، وَمِنْ طِينٍ لازِبٍ فَأَمَّا اللازِبُ فَالْجَيِّدُ، وَأَمَّا الْحَمَأُ فَالْحَمِئَةُ، وَأَمَّا الصَّلْصَالُ فَالتُّرَابُ الْمُدَقَّقُ، ويعنى تعالى ذكره بقوله: «مِنْ صَلْصالٍ*» ، مِنْ طِينٍ يَابِسٍ لَهُ صَلْصَلَةٌ، وَالصَّلْصَلَةُ: الصَّوْتُ.
وَذَكَرَ أَنَّ اللَّهَ تعالى ذَكَرَهُ لَمَّا خَمَّرَ طِينَةَ آدَمَ تَرَكَهَا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، وَقِيلَ أَرْبَعِينَ عَامًا جَسَدًا مُلْقًى.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
أَمَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِتُرْبَةِ آدَمَ فَرُفِعَتْ، فَخُلِقَ آدَمُ مِنْ طِينٍ لازِبٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَ حَمَأً مَسْنُونًا بَعْدَ التُّرَابِ، قَالَ: فَخَلَقَ مِنْهُ آدَمَ بِيَدِهِ، قَالَ: فَمَكَثَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً جَسَدًا مُلْقًى، فَكَانَ إِبْلِيسُ يَأْتِيهِ فَيَضْرِبُهُ بِرِجْلِهِ، فَيُصَلْصِلُ فَيُصَوِّتُ، قَالَ: فَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: «مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ» ، يَقُولُ: كَالشَّيْءِ الْمُنْفَرِجِ الَّذِي لَيْسَ بِمُصْمَتٍ، قَالَ: ثُمَّ يَدْخُلُ فِي فِيهِ وَيَخْرُجُ مِنْ دُبُرِهِ، وَيَدْخُلُ فِي دُبُرِهِ وَيَخْرُجُ مِنْ فِيهِ، ثُمَّ يَقُولُ:
لَسْتَ شَيْئًا لِلصَّلْصَلَةِ، وَلِشَيْءٍ مَا خُلِقْتَ، وَلَئِنْ سُلِّطْتُ عَلَيْكَ لأُهْلِكَنَّكَ، وَلَئِنْ سُلِّطْتَ عَلَيَّ لاعصينك
(1/92)
حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي- في خبر ذكره- عن أبي مالك وعن أبي صالح، عن ابن عباس- وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود- وعن ناس من اصحاب رسول الله ص، قَالَ اللَّهُ لِلْمَلائِكَةِ: «إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ.
فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ» ، فَخَلَقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِيَدَيْهِ لِكَيْلا يَتَكَبَّرُ ابليس عنه ليقول حين يتكبر: تتكبر عَمَّا عَمِلْتُ بِيَدِي وَلَمْ أَتَكَبَّرْ أَنَا عَنْهُ! فَخَلَقَهُ بَشَرًا، فَكَانَ جَسَدًا مِنْ طِينٍ أَرْبَعِينَ سَنَةً مِنْ مِقْدَارِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَمَرَّتْ بِهِ الْمَلائِكَةُ فَفَزِعُوا مِنْهُ لَمَّا رَأَوْهُ، وَكَانَ أَشَدَّهُمْ فَزَعًا إِبْلِيسَ، فَكَانَ يَمُرُّ بِهِ فَيَضْرِبُهُ فَيُصَوِّتُ الْجَسَدُ كَمَا يُصَوِّتُ الْفَخَّارُ تَكُونُ لَهُ صَلْصَلَةٌ، فذلك حين يقول: «مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ» ، وَيَقُولُ: لأَمْرٍ مَا خُلِقْتَ وَدَخَلَ مِنْ فِيهِ وَخَرَجَ مِنْ دُبُرِهِ، فَقَالَ لِلْمَلائِكَةِ: لا تَرْهَبُوا مِنْ هَذَا، فَإِنَّ رَبَّكُمْ صَمَدٌ وَهَذَا أَجْوَفُ، لَئِنْ سُلِّطْتُ عَلَيْهِ لأُهْلِكَنَّهُ.
وَحَدَّثَنَا عَنِ الْحَسَنِ بن بلال، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، قَالَ: خَمَّرَ اللَّهُ تَعَالَى طينه آدم ع أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ جَمَعَهُ بِيَدَيْهِ، فَخَرَجَ طِيبُهُ بِيَمِينِهِ، وَخَبِيثُهُ بِشِمَالِهِ، ثُمَّ مَسَحَ يَدَيْهِ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى، فَخَلَطَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، فَمِنْ ثَمَّ يَخْرُجُ الطَّيِّبُ مِنَ الْخَبِيثِ، وَالْخَبِيثُ مِنَ الطَّيِّبِ.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ:
يُقَالُ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ: خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ، ثُمَّ وَضَعَهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا قَبْلَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهِ الرُّوحَ، حَتَّى عَادَ صَلْصَالا كَالْفَخَّارِ، وَلَمْ تَمَسَّهُ نَارٌ، قَالَ: فلما
(1/93)
مَضَى لَهُ مِنَ الْمُدَّةِ مَا مَضَى وَهُوَ طِينٌ صَلْصَالٌ كَالْفَخَّارِ، وَأَرَادَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَنْفُخَ فِيهِ الرُّوحَ، تَقَدَّمَ إِلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ لَهُمْ: إِذَا نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ.
فَلَمَّا نَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ أَتَتْهُ الرُّوحُ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ، فِيمَا ذُكِرَ عَنِ السَّلَفِ قَبْلِنَا أَنَّهُمْ قَالُوهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذلك:
حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي- في خبر ذكره- عن أبي مالك وعن أبي صالح، عن ابن عباس- وعن مرة الهمداني، عن ابن مسعود- وعن ناس من اصحاب النبي ص: فَلَمَّا بَلَغَ الْحِينَ الَّذِي أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَنْفُخَ فِيهِ الرُّوحَ قَالَ لِلْمَلائِكَةِ: إِذَا نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَاسْجُدُوا لَهُ، فَلَمَّا نَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ فَدَخَلَ الرُّوحُ، فِي رَأْسِهِ عَطَسَ، فَقَالَتِ الْمَلائِكَةُ: قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ: رَحِمَكَ رَبُّكَ فَلَمَّا دَخَلَ الرُّوحُ فِي عَيْنَيْهِ نَظَرَ إِلَى ثِمَارِ الْجَنَّةِ، فَلَمَّا دَخَلَ فِي جَوْفِهِ اشْتَهَى الطَّعَامَ، فَوَثَبَ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ الرُّوحُ رِجْلَيْهِ عَجْلانَ إِلَى ثِمَارِ الْجَنَّةِ، فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ: «خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ» ، «فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ» ، «أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ» ، فقال الله له: «ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ» لِمَا خَلَقْتُ بِيَدِي، قَالَ:
أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ، لَمْ أَكُنْ لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ، قَالَ اللَّهُ لَهُ:
«فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ» - يَعْنِي مَا يَنْبَغِي لَكَ- «أَنْ تَتَكَبَّرَ
(1/94)
فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ» ، وَالصّغَارُ الذُّلُّ.
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: فَلَمَّا نَفَخَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ- يَعْنِي فِي آدَمَ- مِنْ رُوحِهِ أَتَتِ النَّفْخَةُ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ، فَجَعَلَ لا يَجْرِي شَيْءٌ مِنْهَا فِي جَسَدِهِ إِلا صَارَ لَحْمًا وَدَمًا، فَلَمَّا انْتَهَتِ النَّفْخَةُ إِلَى سُرَّتِهِ نَظَرَ إِلَى جَسَدِهِ فَأَعْجَبَهُ مَا رَأَى مِنْ حُسْنِهِ، فَذَهَبَ لِيَنْهَضَ فَلَمْ يَقْدِرْ، فَهُوَ قَوْلُ الله عز وجل «خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ» ، قَالَ: ضَجِرًا لا صَبْرَ لَهُ عَلَى سَرَّاءٍ وَلا ضَرَّاءٍ، قَالَ: فَلَمَّا تَمَّتِ النَّفْخَةُ فِي جَسَدِهِ عَطَسَ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، بِإِلْهَامِ اللَّهِ، فَقَالَ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ يَا آدَمُ، ثُمَّ قَالَ لِلْمَلائِكَةِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ إِبْلِيسَ خَاصَّةً دُونَ الْمَلائِكَةِ الَّذِينَ فِي السَّمَوَاتُ: اسْجُدُوا لآدَمَ، فَسَجَدُوا كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ، لِمَا كَانَ حَدَّثَ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ كبره واغتراره، فقال: لا اسجد، وَأَنَا خَيْرٌ مِنْهُ وَأَكْبَرُ سِنًّا، وَأَقْوَى خَلْقًا، «خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ*» ، يَقُولُ: إِنَّ النَّارَ أَقْوَى مِنَ الطِّينِ، قَالَ: فَلَمَّا أَبَى إِبْلِيسُ أَنْ يَسْجُدَ أَبْلَسَهُ اللَّهُ تعالى، أيأسه مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ، وَجَعَلَهُ شَيْطَانًا رَجِيمًا عُقُوبَةً لِمَعْصِيَتِهِ.
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ:
فَيُقَالُ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ-: إِنَّهُ لَمَّا انْتَهَى الرُّوحُ إِلَى رَأْسِهِ عَطَسَ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ: يَرْحَمُكَ رَبُّكَ، وَوَقَعَتِ الْمَلائِكَةُ حِينَ اسْتَوَى سُجُودًا لَهُ، حِفْظًا لِعَهْدِ اللَّهِ الَّذِي عَهِدَ إِلَيْهِمْ، وَطَاعَةً لأَمْرِهِ الَّذِي أَمَرَهُمْ بِهِ، وَقَامَ عدو الله ابليس من بينهم، فلم يسجد متكبرا متعظما بغيا وحسدا، فقال:
«يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ» إِلَى قَوْلِهِ: «لَأَمْلَأَنَ
(1/95)
جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ» ، قَالَ: فَلَمَّا فَرَغَ اللَّهُ تعالى مِنْ إِبْلِيسَ وَمُعَاتَبَتِهِ وَأَبَى إِلا الْمَعْصِيَةَ أَوْقَعَ اللَّهُ تعالى عَلَيْهِ اللَّعْنَةَ، وَأَخْرَجَهُ مِنَ الْجَنَّةِ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ سُلَيْمَانُ بْنُ حَيَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ، ع قَالَ أَبُو خَالِدٍ: وحدثني الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صالح، عن ابى هريرة، عن النبي ص قَالَ أَبُو خَالِدٍ:
وحدثني دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النبي ص قَالَ أَبُو خَالِدٍ: وحدثني ابْنُ أَبِي ذُبَابٍ الدَّوْسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ، وَيَزِيدُ بْنُ هرمز عن ابى هريرة، [عن النبي ص أَنَّهُ قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ آدَمَ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، وَأَمَرَ الْمَلأَ مِنَ الْمَلائِكَةِ فَسَجَدُوا لَهُ، فَجَلَسَ فَعَطَسَ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ: يَرْحَمُكَ رَبُّكَ، ايت أُولَئِكَ الْمَلأَ مِنَ الْمَلائِكَةِ فَقُلْ لَهُمُ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ فَأَتَاهُمْ فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالُوا لَهُ: وَعَلَيْكَ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ لَهُ: هَذِهِ تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ بَيْنَهُمْ فَلَمَّا أَظْهَرَ إِبْلِيسُ مِنْ نَفْسِهِ مَا كَانَ لَهُ مَخْفِيًّا فِيهَا مِنَ الْكِبْرِ وَالْمَعْصِيَةِ لِرَبِّهِ، وَكَانَتِ الْمَلائِكَةُ قَدْ قَالَتْ لِرَبِّهَا عَزَّ وَجَلَّ حِينَ قَالَ لَهُمْ: إِنِّي جاعل في الأرض خليفة: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ فَقَالَ لَهُمْ رَبُّهُمْ:
إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ، تَبَيَّنَ لَهُمْ مَا كَانَ عَنْهُمْ مُسْتَتِرًا، وَعَلِمُوا أَنَّ فِيهِمْ مَنْ مِنْهُ الْمَعْصِيَةُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْخِلافُ لأَمْرِهِ] .
ثُمَّ عَلَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَبْلَنَا فِي الأَسْمَاءِ الَّتِي عُلِّمَهَا آدَمُ: أَخَاصًّا مِنَ الأَسْمَاءِ علم، اما عَامًّا؟
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُلِّمَ اسْمَ كُلِّ شَيْءٍ
(1/96)
ذكر من قال ذلك:
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا بشر ابن عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «عَلَّمَ اللَّهُ تَعَالَى آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها» ، وَهِيَ هَذِهِ الأَسْمَاءُ الَّتِي يَتَعَارَفُ بِهَا النَّاسُ:
إِنْسَانٌ، وَدَابَّةٌ، وَأَرْضٌ، وَسَهْلٌ، وَبَحْرٌ، وَجَبَلٌ، وَحِمَارٌ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ مِنَ الأُمَمِ وَغَيْرِهَا.
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الأَهْوَازِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: «وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها» ، قَالَ: عَلَّمَهُ اسْمَ كُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى الْفَسْوَةِ وَالْفُسَيَّةِ.
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ الْجَرْمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصْعَبٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها» قَالَ:
عَلَّمَهُ اسْمَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى الْهَنَةِ وَالْهُنَيَّةِ، وَالْفَسْوَةِ وَالضَّرْطَةِ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى ابن ميمون، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ:
«وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها» قَالَ: مَا خَلَقَ اللَّهُ تعالى كُلَّهُ.
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ سفيان، عَنْ خَصِيفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها» قَالَ: عَلَّمَهُ اسْمَ كُلِّ شَيْءٍ
(1/97)
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ سَالِمٍ الأَفْطَسِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: عَلَّمَهُ اسْمَ كُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى الْبَعِيرِ، وَالْبَقَرَةِ، وَالشَّاةِ.
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها» ، قَالَ: عَلَّمَهُ اسْمَ كُلِّ شَيْءٍ: هَذَا جَبَلٌ، وَهَذَا بَحْرٌ، وَهَذَا كَذَا، وَهَذَا كَذَا، لِكُلِّ شَيْءٍ، ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ، فَقَالَ: «أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» .
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ عَزَّ وجل: و «عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها» حَتَّى بَلَغَ «إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ» ، قَالَ: يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ، فَأَنْبَأَ كُلَّ صِنْفٍ مِنَ الْخَلْقِ بِاسْمِهِ، وَأَلْجَأَهُ إِلَى جِنْسِهِ.
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: حدثنا الحسين بن داود، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ ومبارك، عن الحسن وأبي بكر، عن الحسن وَقَتَادَةَ، قَالا: عَلَّمَهُ اسْمَ كُلِّ شَيْءٍ، هَذِهِ الخيل، وهذه البغال، والإبل، والجن، والوحش، وجعل يسمي كل شيء برسمه.
وقال آخرون: بل إنما علم اسما خاصا من الأسماء، قالوا: والذي علمه أسماء الملائكة.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذلك:
(1/98)
حَدَّثَنِي عَبْدَةُ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ الحسن، قال: حدثنا عبد الله بن أبي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَوْلُهُ تعالى: «وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها» ، قَالَ: أَسْمَاءُ الْمَلائِكَةِ.
وَقَالَ آخَرُونَ مِثْلَ قَوْلِ هَؤُلاءِ فِي أَنَّ الَّذِي عُلِّمَ آدَمَ مِنَ الأَسْمَاءِ اسْمًا خَاصًّا مِنَ الأَشْيَاءِ، غَيْرَ أَنَّهُمْ قَالُوا: الَّذِي عُلِّمَ مِنْ ذَلِكَ أَسْمَاءَ ذُرِّيَّتِهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها» ، قَالَ: أَسْمَاءَ ذُرِّيَّتِهِ، فَلَمَّا «عَلَّمَ اللَّهُ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها» عَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَهْلَ الأَسْمَاءِ عَلَى الْمَلائِكَةِ، فَقَالَ لَهُمْ: «أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» ، وإنما قال ذلك عز وجل للملائكة- فيما ذكر- لقولهم إذ قال لهم: «إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً» : «أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ» فعرض- بعد ان خلق آدم ع ونفخ فيه الروح، وعلمه أسماء كل شيء- مما خلق من الخلق- عليهم، فقال لهم:
«أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» أني إن جعلت منكم خليفتي في الأرض أطعتموني وسبحتموني وقدستموني ولم تعصوني، وإن جعلته من غيركم أفسد فيها وسفك، فإنكم إن لم تعلموا ما أسماؤهم وأنتم مشاهدوهم ومعاينوهم، فأنتم بألا تعلموا ما يكون من أمركم- إن جعلت خليفتي في الأرض منكم، أو من غيركم إن جعلته من غيركم، فهم عن أبصاركم غُيَّبٌ لا ترونهم ولا تعاينونهم، ولم تخبروا بما هو كائن منكم ومنهم- أحرى
(1/99)
وهذا قول روي عن جماعة من السلف.
ذكر بعض من روي ذلك عنه:
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ حماد، قال:
حدثنا أسباط، عن السدي- في خبر ذكره- عن أبي مالك وعن أبي صالح، عن ابن عباس- وعن مرة الهمداني، عن عبد الله بن مسعود- وعن ناس من اصحاب النبي ص: «إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» أَنَّ بَنِي آدَمَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَيَسْفِكُونَ الدِّمَاءَ.
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
«إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» ، إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ لَمْ أَجْعَلْ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ اللَّهَ جَلَّ جَلالَهُ قَالَ ذَلِكَ لِلْمَلائِكَةِ لأَنَّهُ جَلَّ جَلالَهُ لَمَّا ابْتَدَأَ فِي خَلْقِ آدَمَ قَالُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ: لِيَخْلُقُ رَبُّنَا مَا شَاءَ أَنْ يَخْلُقَ، فَلَنْ يخلق خلقا إلا كنا أعلم منه، وأكرم عليه منه، فلما خلق آدم ع وَعَلَّمَهُ أَسْمَاءَ كُلَّ شَيْءٍ عَرَضَ الأَشْيَاءَ الَّتِي علم آدم أسمائها عليهم، فقال لهم: «أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» فِي قِيلِكُمْ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ خَلْقًا إِلا كُنْتُمْ أَعْلَمَ مِنْهُ، وَأَكْرَمَ عَلَيْهِ مِنْهُ.
ذكر من قال ذلك:
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: قوله: «وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً، فاستشار الملائكة في خلق آدم ع ف قالُوا:
«أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ» ، وقد علمت الملائكة من علم الله أنه لا شيء أكره إلى الله عز وجل من سفك الدماء والفساد في الأرض،
(1/100)
«وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ» ، فَكان في علم الله عز وجل انه سيكون من تلك الخليقة أنبياء ورسل وقوم صالحون وساكنو الجنة.
قال: وذكر لنا أن ابْنِ عَبَّاسٍ كان يقول: إن الله تعالى لما أخذ في خلق آدم قالت الملائكة: ما الله تعالى بخالق خلقا أكرم عليه منا، ولا أعلم منا، فابتلوا بخلق آدم ع- وكل خلق مبتلى، كما ابتليت السموات والأرض بالطاعة- فقال الله تعالى: «ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ» .
حَدَّثَنَا القاسم، قال: حَدَّثَنَا الحسين بن داود، قال: حَدَّثَنِي حجاج، عن جرير بن حازم، ومبارك عن الحسن وأبي بكر عن الحسن وقتادة قالا: قال الله عز وجل للملائكة: «إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً» قال لهم: إني فاعل، فعرضوا برأيهم، فعلمهم علما وطوى منهم علما علمه لا يعلمونه، فقالوا بالعلم الذي علمهم: «أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ» - وقد كانت الملائكة علمت من علم الله تعالى أنه لا ذنب عند الله تعالى أعظم من سفك الدِّمَاءَ- «وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ» ، فلما أخذ تعالى في خلق آدم ع همست الملائكة فيما بينهم، فقالوا: ليخلق ربنا عز وجل ما شاء أن يخلق، فلن يخلق خلقا إلا كنا أعلم منه، وأكرم عليه منه، فلما خلقه ونفخ فيه من روحه أمرهم أن يسجدوا له لما قالوا، ففضله عليهم، فعلموا أنهم ليسوا بخير منه، فقالوا:
إن لم نكن خيرا منه، فنحن أعلم منه، لأنا كنا قبله، وخلقت الأمم قبله،
(1/101)
فلما أعجبوا بعلمهم ابتلوا، «فعلم آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ: أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ، إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» أني لم أخلق خلقا إلا كنتم أعلم منه، فأخبروني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين قالا: ففزع القوم إلى التوبة، وإليها يفزع كل مؤمن، فقالوا: «سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ» لقولهم: ليخلق ربنا ما شاء، فلن يخلق خلقا أكرم عليه منا، ولا أعلم منا، قال: علمه اسم كل شيء:
هذه الخيل، وهذه البغال، والإبل، والجن، والوحش، وجعل يسمي كل شيء باسمه، وعرضت عليه أمة أمة، قال: «أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ» ، قال:
اما ما أبدوا فقولهم: «أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ» ، وأما ما كتموا فقولهم بعضهم لبعض: نحن خير منه وأعلم.
حَدَّثَنَا عَمَّارُ بن الحسن، قال: حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أَنَسٍ: «ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» إِلَى قَوْلِهِ: «إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ
» ، قَالَ: وَذَلِكَ حِينَ قَالُوا: «أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ» إِلَى قَوْلِهِ «وَنُقَدِّسُ لَكَ» قَالَ: فَلَمَّا عَرَفُوا أَنَّهُ جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا بَيْنَهُمْ: لَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ تعالى خَلْقًا إِلا كُنَّا نَحْنُ أَعْلَمُ مِنْهُ وَأَكْرَمُ عَلَيْهِ، فَأَرَادَ اللَّهُ تعالى أَنْ يُخْبِرَهُمْ أَنَّهُ قَدْ فَضَّلَ عَلَيْهِمْ آدَمَ، وَعَلَّمَهُ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا، وَقَالَ
(1/102)
لِلْمَلائِكَةِ: «أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» إِلَى «وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ» ، فَكَانَ الَّذِي أَبْدَوْا حِينَ قالُوا: «أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ» ، وَكَانَ الَّذِي كَتَمُوا بَيْنَهُمْ قَوْلُهُمْ: لَنْ يَخْلُقَ رَبُّنَا خَلْقًا إِلا كُنَّا نَحْنُ أَعْلَمُ مِنْهُ وَأَكْرَمُ، فَعَرَفُوا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَضَّلَ عَلَيْهِمْ آدَمَ فِي الْعِلْمِ وَالْكَرَمِ.
فَلَمَّا ظَهَرَ لِلْمَلائِكَةِ مِنَ اسْتِكْبَارِ إِبْلِيسَ مَا ظَهَرَ، وَمِنْ خِلافِهِ أَمْرَ رَبِّهِ مَا كَانَ مُسْتَتِرًا عَنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ، عَاتَبَهُ رَبُّهُ عَلَى مَا أَظْهَرَ مِنْ مَعْصِيَتِهِ إِيَّاهُ بِتَرْكِهِ السُّجُودَ لآدَمَ، فَأَصَرَّ عَلَى مَعْصِيَتِهِ، وَأَقَامَ عَلَى غَيِّهِ وَطُغْيَانِهِ- لَعَنَهُ اللَّهُ- فَأَخْرَجَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَطَرَدَهُ مِنْهَا، وَسَلَبَهُ مَا كَانَ آتَاهُ مِنْ مُلْكِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَالأَرْضِ، وَعَزَلَهُ عن خزن الجنه فقال له جَلَّ جَلالُهُ: «فَاخْرُجْ مِنْها» ، يَعْنِي مِنَ الْجَنَّةِ «فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ» ، وَهُوَ بَعْدُ فِي السَّمَاءِ لَمْ يَهْبِطْ إِلَى الارض.
واسكن اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حِينَئِذٍ آدَمَ جَنَّتَهُ، كَمَا حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي- في خبر ذكره- عن أبي مالك وعن أبي صالح، عن ابن عباس- وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود- وعن ناس من اصحاب رسول الله ص: فَأُخْرِجَ إِبْلِيسُ مِنَ الْجَنَّةِ حِينَ لُعِنَ وَأُسْكِنَ آدَمُ الْجَنَّةَ، فَكَانَ يَمْشِي فِيهَا وَحْشِيًّا لَيْسَ لَهُ زَوْجٌ يَسْكُنُ إِلَيْهَا، فَنَامَ نَوْمَةً فَاسْتَيْقَظَ، فَإِذَا عِنْدَ رَأْسِهِ امْرَأَةٌ قَاعِدَةٌ خَلَقَهَا اللَّهُ مِنْ ضِلْعِهِ، فَسَأَلَهَا: مَا أَنْتِ؟ قَالَتِ: امْرَأَةٌ، قَالَ: وَلِمَ خُلِقْتِ؟ قَالَتْ:
(1/103)
لِتَسْكُنَ إِلَيَّ، قَالَتْ لَهُ الْمَلائِكَةُ يَنْظُرُونَ مَا بَلَغَ عِلْمُهُ: مَا اسْمُهَا يَا آدَمُ؟
قَالَ: حَوَّاءُ، قَالُوا: لِمَ سُمِّيَتْ حَوَّاءَ؟ قَالَ: لأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ شَيْءٍ حَيٍّ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما» .
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما فرغ الله تعالى من معاتبه ابليس اقبل على آدم ع وقد علمه الأسماء كلها، فقال: «يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ» إِلَى «وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ» ، قال: ثم ألقى السنة على آدم- فيما بلغنا عن أهل الكتاب من أهل التوراة وغيرهم من أهل العلم- عن عبد الله بن العباس وغيره، ثم أخذ ضلعا من أضلاعه من شقه الأيسر، ولأم مكانها لحما، وآدم ع نائم لم يهب من نومته، حتى خلق الله تعالى من ضلعه تلك زوجه حواء، فسواها امراه ليسكن إليها، فلما كشف عنه السنة وهب من نومته رآها إلى جنبه، فقال- فيما يزعمون والله أعلم: لحمي ودمي وزوجتي، فسكن إليها، فلما زوجه الله عز وجل وجعل له سكنا من نفسه، قال له قبلا: «يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ» .
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَخَلَقَ مِنْها
(1/104)
زَوْجَها» قال: حواء من قصيرى آدم، وهو ناعم فَاسْتَيْقَظَ فَقَالَ:
أثا بِالنَّبَطِيَّةِ، امْرَأَةٌ.
حَدَّثَنَا المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها» ، يَعْنِي حَوَّاءَ، خُلِقَتْ مِنْ آدَمَ مِنْ ضِلْعٍ مِنْ أَضْلاعِهِ
(1/105)
القول في ذكر امتحان الله تعالى أبانا آدم ع
وابتلائه إياه بما امتحنه به من طاعته، وذكر ركوب آدم معصية ربه بعد الذي كان أعطاه من كرامته وشريف المنزلة عنده، ومكنه في جنته من رغد العيش وهنيئه، وما أزال ذلك عنه، فصار من نعيم الجنة ولذيذ رغد العيش إلى نكد عيش أهل الأرض وعلاج الحراثة والعمل بالمساحي والزراعة فيها.
فلما أسكن الله عز وجل آدم ع وزوجه اطلق لهما ان يأكلا كل ما شاء أكله من كل ما فيها من ثمارها، غير ثمر شجرة واحدة ابتلاء منه لهما بذلك، وليمضي قضاء الله فيهما وفي ذريتهما، كما قال عز وجل:
«وَقُلْنا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ» ، فوسوس لهما الشيطان حتى زين لهما أكل ما نهاهما ربهما عن أكله من ثمر تلك الشجرة، وحسن لهما معصية الله في ذلك، حتى أكلا منها، فبدت لهما من سوآتهما ما كان موارى عنهما منها فكان وصول عدو الله إبليس إلى تزيين ذلك لهما ما ذكر في الخبر الذي حَدَّثَنِي موسى بن هارون الهمداني، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي- في خبر ذكره- عن أبي مالك وعن أبي صالح، عن ابن عباس- وعن مرة الْهَمْدَانِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ- وَعَنْ أُنَاسٍ مِنْ اصحاب النبي ص، قَالَ: لَمَّا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لآدَمَ:
«اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ» ، أَرَادَ إِبْلِيسُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِمَا الجنه
(1/106)
فمنعه الْخَزَنَةُ، فَأَتَى الْحَيَّةَ، وَهِيَ دَابَّةٌ لَهَا أَرْبَعُ قَوَائِمَ، كَأَنَّهَا الْبَعِيرُ، وَهِيَ كَأَحْسَنِ الدَّوَابِّ فَكَلَّمَهَا أَنْ تُدْخِلَهُ فِي فَمِهَا حَتَّى تَدْخُلَ بِهِ إِلَى آدَمَ، فَأَدْخَلَتْهُ فِي فَمِهَا، فَمَرَّتِ الْحَيَّةُ على الخزنه فدخلت وَهُمْ لا يَعْلَمُونَ، لِمَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الأَمْرِ، فَكَلَّمَهُ مِنْ فَمِهَا وَلَمْ يُبَالِ كَلامَهُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ فَقَالَ: «يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى» ، يَقُولُ: هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةٍ إِنْ أَكَلْتَ مِنْهَا كُنْتَ مَلِكًا مِثْلَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ فَلا تَمُوتَانِ أَبَدًا وَحَلَفَ لَهُمَا بِاللَّهِ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ أَنْ يُبْدِيَ لَهُمَا مَا تَوَارَى عَنْهُمَا مِنْ سَوْءَاتِهِمَا بِهَتْكِ لِبَاسِهِمَا، وَكَانَ قَدْ عَلِمَ أَنَّ لَهُمَا سَوْءَةً لِمَا كَانَ يَقْرَأُ مِنْ كُتُبِ الْمَلائِكَةِ، وَلَمْ يَكُنْ آدَمُ يَعْلَمُ ذَلِكَ، وَكَانَ لِبَاسُهُمَا الظُّفُرَ، فَأَبَى آدَمُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا، فَتَقَدَّمَتْ حَوَّاءُ فَأَكَلَتْ، ثُمَّ قَالَتْ: يَا آدَمُ كُلْ، فَإِنِّي قَدْ أَكَلْتُ، فلم يضرني، فلما اكل بدت لَهُما سَوْآتُهُما، وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ» .
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إسحاق، عن ليث ابن أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ طَاوُسٍ الْيَمَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنَّ عَدُوَّ اللَّهِ إِبْلِيسَ عَرَضَ نَفْسَهُ عَلَى دَوَابِّ الأَرْضِ: أَيِّهَا تَحْمِلُهُ حَتَّى تدخل بِهِ الْجَنَّةَ حَتَّى يُكَلِّمَ آدَمَ وَزَوْجَهُ، فَكُلُّ الدَّوَابِّ أَبَى ذَلِكَ عَلَيْهِ، حَتَّى كَلَّمَ الْحَيَّةَ، فَقَالَ لَهَا: أَمْنَعُكِ مِنْ بَنِي آدَمَ، فَأَنْتِ فِي ذِمَّتِي إِنْ أَنْتِ أَدْخَلْتِنِي الْجَنَّةَ، فَجَعَلَتْهُ بَيْنَ نَابَيْنِ مِنْ أَنْيَابِهَا ثُمَّ دَخَلَتْ بِهِ، فَكَلَّمَهُمَا مِنْ فَمِهَا وَكَانَتْ كَاسِيَةً تَمْشِي عَلَى أَرْبَعِ قَوَائِمَ، فَأَعْرَاهَا اللَّهُ تَعَالَى وَجَعَلَهَا تَمْشِي عَلَى بَطْنِهَا، قَالَ: يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ:
اقْتُلُوهَا حَيْثُ وَجَدْتُمُوهَا، وَاخْفِرُوا ذِمَّةَ عَدُوِّ اللَّهِ فِيهَا
(1/107)
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا عمر بن عبد الرحمن بن مهرب، قال: سمعت وهب بن منبه يقول:
لما أسكن الله تعالى آدم وزوجته الجنة، ونهاه عن الشجرة، وكانت شجرة غصونها متشعب بعضها في بعض، وكان لها ثمر تأكله الملائكة لخلدهم، وهي الثمرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته، فلما أراد إبليس أن يستزلهما دخل في جوف الحية، وكان للحية أربع قوائم، كأنها بختية من أحسن دابة خلقها الله تعالى، فلما دخلت الحيه الجنة خرج من جوفها إبليس، فأخذ من الشجرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته، فجاء بها إلى حواء، فقال:
انظري إلى هذه الشجرة، ما أطيب ريحها، وأطيب طعمها، وأحسن لونها! فأخذت حواء فأكلت منها، ثم ذهبت بها إلى آدم، فقالت: أنظر إلى هذه الشجرة ما أطيب ريحها، وأطيب طعمها، وأحسن لونها! فأكل منها آدم، فبدت لهما سوآتهما، فدخل آدم في جوف الشجرة، فناداه ربه: يا آدم، أين أنت؟ قال: أنا هذا يا رب، قال: ألا تخرج؟ قال: أستحي منك يا رب، قال: ملعونة الأرض التي خلقت منها لعنة حتى يتحول ثمارها شوكا! قال: ولم يكن في الجنة ولا في الأرض شجرة كانت أفضل من الطلح والسدر.
ثم قال: يا حواء، أنت التي غررت عبدي، فإنك لا تحملين حملا إلا حملته كرها، فإذا أردت أن تضعي ما في بطنك أشرفت على الموت مرارا وقال للحية: أنت التي دخل الملعون في بطنك حتى غر عبدي، ملعونة أنت لعنة حتى تتحول قوائمك في بطنك، ولا يكن لك رزق إلا التراب، أنت عدوة بني آدم وهم أعداؤك، حيث لقيت أحدا منهم أخذت بعقبه، وحيث لقيك شدخ رأسك
(1/108)
قيل لوهب: وما كانت الملائكة تأكل؟ قال: يفعل الله ما يشاء.
حَدَّثَنَا القاسم بن الحسن، قال: حدثنا الحسين بن داود، قال: حدثني حجاج، عن أبي معشر، عن محمد بن قيس، قال: نهى الله تعالى آدم وحواء أن يأكلا من شجرة واحدة في الجنة، ويأكلا منها رغدا حيث شاءا، فجاء الشيطان فدخل في جوف الحية، فكلم حواء، ووسوس إلى آدم فقال: «مَا نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ» قال: فقطعت حواء الشجرة فدميت الشجرة، وسقط عنهما رياشهما الذي كان عليهما، «وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ» لم أكلتها وقد نهيتك عنها؟ قال: يا رب أطعمتني حواء، قال لحواء: لم أطعمته؟ قالت:
أمرتني الحية، قال للحية: لم أمرتها؟ قالت: أمرني إبليس، قال: ملعون مدحور! أما أنت يا حواء، فكما أدميت الشجرة تدمين في كل هلال، وأما أنت يا حية، فأقطع قوائمك فتمشين جريا على وجهك، وسيشدخ رأسك من لقيك بالحجر، اهبطوا بعضكم لبعض عدو.
حدثت عن عمار بن الحسن، قال: حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قال: حَدَّثَنِي محدث أن الشيطان دخل الجنة في صورة دابة ذات قوائم، فكان يرى أنه البعير، قال: فلعن فسقطت قوائمه فصار حية.
حدثت عن عمار، قال: حَدَّثَنَا عبد الله بن أبي جعفر، عن
(1/109)
أبيه، عن الربيع قال: وحدثني أبو العالية، قال: إن من الإبل ما كان أولها من الجن قال: فأبيحت له الجنة كلها- يعنى آدم- الا الشجرة، وقيل لهما: «لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ» ، قال: فأتى الشيطان حواء فبدأ بها، فقال: نهيتما عن شيء؟ قالت: نعم، عن هذه الشجرة، فقال:
«ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ» قال: فبدت حواء فأكلت منها، ثم أمرت آدم فأكل منها قال: وكانت شجرة، من أكل منها أحدث، قال: ولا ينبغي أن يكون في الجنة حدث، قال: «فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كَانَا فِيهِ» ، قال: فأخرج آدم من الجنة.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ العلم أن آدم ع حين دخل الجنة ورأى ما فيها من الكرامة، وما أعطاه الله منها، قال: لو أنا خلدنا! فاغتمز فيها منه الشيطان لما سمعها منه، فأتاه من قبل الخلد.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إسحاق، قال:
حدثت أن أول ما ابتدأهما به من كيده إياهما أنه ناح عليهما نياحة أحزنتهما حين سمعاها، فقالا له: ما يبكيك؟ قال: أبكي عليكما،
(1/110)
تموتان فتفارقان ما أنتما فيه من النعمة والكرامة فوقع ذلك في أنفسهما، ثم أتاهما فوسوس إليهما، فقال: يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى؟ وقال: «ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ» ، أي تكونان ملكين أو تخلدان، أي إن لم تكونا ملكين في نعمة الجنة فلا تموتان يقول الله عز وجل: «فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ» .
حدثني يونس، قال أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله سبحانه وتعالى: «فَوَسْوَسَ» : وسوس الشيطان إلى حواء في الشجرة حتى اتى بها إليها، ثم حسنتها في عين آدم، قال: فدعاها آدم لحاجته، قالت:
لا: الا ان تأتي هاهنا، فلما أتى قالت: لا، إلا أن تأكل من هذه الشجرة، قال: فأكلا منها، فبدت لهما سوءاتهما قال: وذهب آدم هاربا في الجنة، فناداه ربه: يا آدم، أمني تفر؟ قال: لا يا رب، ولكن حياء منك، قال: يا آدم، انى اتيت؟ قال: من قبل حواء يا رب، فقال الله عز وجل: فإن لها علي أن أدميها في كل شهر مرة، كما أدمت هذه الشجرة، وأن أجعلها سفيهة، وقد كنت خلقتها حليمة، وأن أجعلها تحمل كرها وتضع كرها، وقد كنت جعلتها تحمل يسرا وتضع يسرا قال ابن زيد: ولولا البلية التي أصابت حواء لكان نساء أهل الدنيا لا يحضن، ولكن حليمات، ولكن يحملن يسرا،.
ويضعن يسرا.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الله بن قسيط، عن سعيد بن المسيب، قال: سمعته يحلف بالله ما يستثني: ما أكل آدم من الشجرة وهو يعقل، ولكن حواء سقته
(1/111)
الخمر حتى إذا سكر قادته إليها، فأكل منها فلما واقع آدم وحواء الخطيئة، أخرجهما الله تعالى من الجنه وسلبهما ما كانا فيه من النعمة والكرامة، وأهبطهما وعدوهما إبليس والحية إلى الأرض، فقال لهم ربهم: اهبطوا بعضكم لبعض عدو.
وكالذي قلنا في ذلك قال السلف من أهل العلم.
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرحمن ابن مَهْدِيٍّ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ السُّدِّيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: «اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ» ، قَالَ: آدَمُ وَحَوَّاءُ وَإِبْلِيسُ وَالْحَيَّةُ.
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، وَمُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالا: حَدَّثَنَا عمرو ابن حَمَّادٍ، عَنْ أَسْبَاطٍ، عَنِ السُّدِّيِّ- فِي خَبَرٍ ذكره- عن أبي مالك وعن أبي صالح، عن ابن عباس- وعن مرة الهمداني، عن ابْنِ مَسْعُودٍ- وَعَنْ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ الله ص: «اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ» ، فَلَعَنَ الْحَيَّةَ فَقَطَعَ قَوَائِمَهَا، وَتَرَكَهَا تَمْشِي عَلَى بَطْنِهَا، وَجَعَلَ رِزْقَهَا مِنَ التُّرَابِ، وَأَهْبَطَ إِلَى الأَرْضِ آدَمَ وَحَوَّاءَ وَإِبْلِيسَ وَالْحَيَّةَ.
حَدَّثَنِي محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى بن ميمون، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله عز وجل:
«اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ» ، قال: آدم وحواء وإبليس والحية
(1/112)
القول في قدر مكث آدم في الجنة ووقت خلق الله عز وجل إياه ووقت إهباطه إياه من السماء إلى الأرض
قد تظاهرت الاخبار عن رسول الله ص بان الله عز وجل خلق آدم ع يوم الجمعة، وأنه أخرجه فيه من الجنة، وأهبطه إلى الأرض فيه، وأنه فيه تاب عليه، وفيه قبضه.
ذكر الأخبار عن رسول الله ص بذلك: