المقنع في علوم الحديث
سراج الدين عمر بن علي بن أحمد
الأنصاري
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد
ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين
أحمد الله على آلائه وأشكره على نعمائه وأصلي على محمد وآله وصحبه وأسلم
وبعد
فالعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وروايته من أشرف العلوم إذ هو ثاني الأساس والمقدم على الإجماع والقياس
وقد صنف فيه الأئمة الترمذي في جامعه وعلله والحاكم في أصوله ومدخله والخطيب في كفايته وجامعه ومن أجمعها كتاب العلامة الحافظ تقي الدين أبي عمرو بن الصلاح سقى الله ثراه وجعل الجنة مأواه فإنه جامع لعيونها ومستوعب لفنونها
وجعل أنواعه زائدة على الستين وأنها تزيد على ذلك
وقد وقع الاختيار بفضل الله وقوته على تلخيصه وتقريبه وتنقيحه
وتهذيبه مع زيادات عليه مهمة وفوائد جمة لا تلفى مسطورة ولا تكاد توجد في الكتب المشهورة من الله تعالى بالوقوف عليها وتفضل بإفادة المتشوقين إليها
وعلمت للزيادة علامة دائرة بالحمرة في أولها وآخرها وربما قلت في أولها قلت وفي آخرها علامة الدائرة المذكورة
جعله الله لوجهه خالصا وللمشتغل به نافعا فإنه بيده والقادر عليه وهو حسبي ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
النوع الأول
الصحيح
وهو لغة ضد المكسور والسقيم
وفيه مسائل
الأولى
لا شك أن الحديث ينقسم إلى صحيح وحسن وضعيف فالصحيح المجمع عليه
ما اتصل إسناده بالعدول الضابطين من غير شذوذ ولا علة
وفي هذه الأوصاف احتراز عن المرسل والمنقطع والمعضل والشاذ وما فيه قادحة وما في رواته نوع جرح
قال الشيخ تقي الدين في الاقتراح وفي هذين الشرطين نظر على مقتضى مذهب الفقهاء فإن كثيرا من العلل التي يعلل بها المحدثون لا تجري على أصول الفقهاء
فإذا قيل حديث صحيح فهذا معناه لا أنه مقطوع به في نفس الأمر إذ منه ما ينفرد بروايته عدل وليس من الأخبار التي أجمعت الأمة على تلقيها بالقبول
وكذا إذا قيل هذا حديث غير صحيح فمعناه لم يصح إسناده إذ قد يكون صدقا في نفس الأمر
قال الشافعي إذا روى الثقة عن الثقة حتى ينتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو ثابت
ثم الصحيح ينقسم إلى متفق عليه ومختلف فيه كما في المرسل عند القائل به
وينقسم إلى مشهور وغريب كما ستعلمه
ثم إن درجات الصحيح تتفاوت في القوة لأن تفاوت مراتب الصحة مرتب على تمكن الإسناد في شروط الصحة
ويعز وجود أعلى درجات القبول في كل فرد فرد في ترجمة واحدة بالنسبة لجميع الرواة بحسب تمكن الصحيح من الصفات المذكورة التي تبنى الصحة عليها
وتنقسم باعتبار ذلك إلى أقسام يستعصي إحصاؤها على العاد الحاصر
ولهذا نرى الإمساك عن الحكم لإسناد أو حديث بأنه الأصح على الإطلاق
وخاض جماعة غمرة ذلك فاضطربوا
فقال إسحاق بن راهويه أصحها الزهري عن سالم عن أبيه ونحوه عن الإمام أحمد
وقال الفلاس وغيره أصحها ابن سيرين عن عبيدة عن علي ثم منهم من عين الراوي عن محمد بن سيرين وجعله أيوب السختياني ومنهم من جعله ابن عون
وقال يحيى بن معين أجودها الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود
وقال أبو بكر بن أبي شيبة أصحها الزهري عن علي بن الحسين
عن أبيه عن علي
وقال البخاري أصحها مالك عن نافع عن ابن عمر
قال أبو منصور التميمي فعلى هذا أجلها الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر لإجماع أهل الحديث على أنه لم يكن في الرواة عن مالك أجل من الشافعي
قلت هذا أجلها الإمام أحمد عن الشافعي عن مالك به
وقد وقع كذلك في مسند الإمام أحمد في هذه أحاديث منها حديث ابن عمر مرفوعا لا يبع بعضكم على بيع بعض الحديث بطوله
وقال آخرون أصحها يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة حكاة الحاكم
وقيل شعبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن عامر أخي أم سلمة عن أم سلمة حكاه الحاكم أيضا
وفي المتصل والمنقطع للحافظ أبي بكر البرديجي الأحاديث الصحاح التي أجمع أهل الحدي على صحتها من جهة النقل مثل الزهري عن سالم عن أبيه عن عمر والزهري عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية مالك بن أنس وابن عيينة ومعمر والزبيدي وعقيل والأوزاعي ما لم يختلف فيه فإذا وقع الاختلاف في مثل هذا بين هؤلاء الذين ذكرناهم توقف عنه وقد خالف سالما في أحاديث
قال ومثل الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ومثل الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية الأوزاعي وهشام ما لم يقع الاختلاف والاضطراب فيه ثم أوضح ذلك
وقال الحاكم لما حكى الخلاف السالف في أصح الأسانيد قد ذكر كل واحد منهم ما أدى إليه اجتهاده في ذلك ولكل صحابي رواة من التابعين ولهم أتباع وأكثرهم ثقات لا يمكن أن نقطع بالحكم في أصح الأسانيد لصحابي واحد فنقول
إن أصح أسانيد أهل البيت جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي إذا كان الراوي عن جعفر ثقة
وأصح أسانيد الصديق إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عنه
وأصح أسانيد عمر الزهري عن سالم عن أبيه عن جده
وأصح أسانيد أبي هريرة الزهري عن سعيد بن المسيب عنه
وقال خ أصحها أبو الزناد عن الأعرج عنه
ولعبد الله بن عمر مالك عن نافع عنه
ولعائشة عبيد الله بن عمر عن القاسم عنها
قال يحيى بن معين ترجمة مشبكة بالذهب
والزهري عن عروة عنها
ولابن مسعود الثوري عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عنه
ولأنس بن مالك مالك عن الزهري عنه
وأصح أسانيد المكيين سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر
وأصح أسانيد اليمانيين معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة
وأثبت أسانيد المصريين الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر
وأثبت أسانيد الشاميين الأوزاعي عن حسان بن عطية عن الصحابة
وأثبت أسانيد الخرسانيين الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه
@ 53 @
الثانية
من رأى في هذه الأزمان حديثا صحيح الإسناد في كتاب أو جزء لم ينص على صحته حافظ معتمد فلا يحكم بصحته لضعف أهلية هذه الأزمان
قلت فيه نظر لا جرم خالفه فيه النووي وقال الأظهر عندي جوازه لمن تمكن وقويت معرفته وهو كما قال لعدم المعنى
الذي علل به الشيخ وقد صحح غير واحد من المعاصرين لابن الصلاح وبعده أحاديث لمن تقدمهم فيها تصحيحا كأبي الحسن بن القطان والضياء المقدسي والزكي عبد العظيم ومن بعدهم
الثالثة
أول من صنف الصحيح يعني المجرد البخاري ثم تلاه مسلم مع أنه أخذ عن البخاري واستفاد منه ومع ذلك يشاركه في كثير من شيوخه
قلت وادعى القرطبي في أول مفهمه أن مسلما أخذ كتاب البخاري فجعله في كتابه ولعل جوابه ما ذكره الشيخ من مشاركته له في كثير من شيوخه
واحترزت بـ الصحيح المجرد عن موطأ مالك فإن فيه الصحيح وغيره من البلاغ والمقطوع المنقطع وغير ذلك وإن كان ذلك في صحيح البخاري أيضا فستعرف جوابه في المسألة السادسة وكذا مسند أحمد فإنه بعد الموطأ وفيه أيضا الصحيح وغيره
وكتابهما أصح الكتب بعد القرآن أعني كتاب البخاري ومسلم
وقول الشافعي مثل ذلك في الموطأ كان قبل وجودهما
ثم صحيح البخاري أصحهما وأكثرهما فوائد
قلت قال النسائي ما في هذه الكتب أجود من البخاري وقرر ذلك الإسماعيلي في مدخله
ومما يرجح به أنه لا بد من ثبوت اللقاء عنده وخالفه مسلم واكتفى بإمكانه
وعكس بعض شيوخ المغرب ففضل صحيح مسلم عليه وقال الحافظ أبو علي النيسابوري ما تحت أديم السماء أصح منه فإن أراد أنه لم يمزجه غير الصحيح بخلاف ما فعل البخاري من ذكره في تراجمه أشياء لم يسندها على الوصف المشروط في
الصحيح فهذا لا بأس به ولا يلزم منه الترجيح أيضا في نفس الصحيح وإن أطلق فمردود
قلت ورأيت لبعض المتأخرين حكاية قول ثالث وهو أنهما سواء ولم يعزه لأحد
الرابعة
لم يستوعبا الصحيح ولا التزما ذلك
قلت فإلزام الدارقطني والحاكم لهما أحاديث على شرطهما لم يخرجاها ليس بلازم فقد قال البخاري ما أدخلت في كتاب الجامع إلا ما صح وتركت من الصحاح لحال الطول وقال مسلم ليس كل شيء عندي صحيح وضعته هنا يعني في صحيحه إنما وضعت ههنا ما أجمعوا عليه ولعل مراده ما فيه شرائط الصحيح
المجمع عليها عنده لا اجتماعهم على وجودها في كل حديث منه عند بعضهم أي فإن فيه أحاديث تكلم عليها الدارقطني وغيره
ثم إن أبا عبد الله محمد بن الأخرم الحافظ قال قل ما يفوت البخاري ومسلما مما ثبت من الحديث يعني في كتابيهما
وفيه نظر فإن المستدرك على الصحيحين للحاكم أبي عبد الله كتاب كبير يشتمل مما فاتهما على شيء كثير وإن يكن عليه في بعضه مقال فإنه يصفو له منه صحيح كثير
وقد قال البخاري أحفظ مئة ألف حديث صحيح ومئتي ألف حديث غير صحيح
قلت ولعل مراد أبي عبد الله الأخرم بقوله هذا الصحيح المجمع عليه لا الصحيح المطلق
والصواب أنه لم يفت الأصول الخمسة إلا اليسير اعني الصحيحين وسنن أبي داود والترمذي والنسائي
قلت ونقل بعض الفقهاء المتأخرين أن مجموع ما صح عنه صلى الله عليه وسلم أربعة عشر ألف حديث وهو من العجائب فقد قال شيخ هذه الصناعة الإمام أحمد كما نقله الحاكم في مدخله صح من الحديث عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعمئة ألف حديث وكسر وهذا الفتى يعني
أبا زرعة يحفظ ستمئة ألف حديث
وأغرب من المقالة الأولى وأعجب ما رأيته في أصول الفقه لابن سراقة من أصحابنا أنه قيل إن أكثر ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطرق الصحاح والرجال الثقات المعروفين والأسانيد المتصلة ثلاثة آلاف حديث
وأول بعض الفقهاء كلام البخاري السالف فقال مراده والله أعلم بما ذكره تعدد الطرق والأسانيد وآثار الصحابة والتابعين وغيرهم وسمى الجميع حديثا وقد كان السلف يطلقون الحديث على ذلك وأن هذا أولى من تأويله أنه أراد المبالغة في الكثرة بل هو متعين لا يجوز العدول عنه وما أدري ما حمله على ذلك أترى أحاط بذلك علما حتى أول
وجملة ما في صحيح البخاري سبعة آلاف ومئتان وخمسة وسبعون حديثا بالأحاديث المكررة
وقد قيل إنها بإسقاط المكررة أربعة آلاف حديث
إلا أن هذه العبارة قد تندرج تحتها عندهم آثار الصحابة والتابعين وربما عد الحديث المروي بإسنادين حديثين
قلت ومن الغرائب ما في كتاب الجهر بالبسملة لأبي سعيد إسماعيل بن أبي القاسم البوشنجي نقل عن البخاري أنه صنف كتابا أورد فيه مئة ألف حديث صحيح
ولم يذكر الشيخ عدد ما في مسلم من الأحاديث وأفاد في القطعة التي له على صحيح مسلم أن فيه أربعة آلاف حديث أصول دون المكرر كما ذكره عن صحيح البخاري وبه جزم النووي في تقريبه فقال إنه بإسقاط المكرر نحو أربعة آلاف
وأما أحمد بن سلمة فقال هو اثنا عشر ألف حديث
وروى الخطيب البغدادي عن مسلم رحمه الله أنه قال صنفت
هذا المسند الصحيح من ثلاثمئة ألف حديث مسموعة
وقال أبو حفص عمر بن عبد المجيد الميانشي في إيضاح ما لا يسع المحدث جهله الذي اشتمل عليه كتاب البخاري من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة آلاف حديث وستمئة وأنيف قال واشتمل كتاب مسلم على ثمانية آلاف حديث قال واشتمل الكتابان على ألف حديث ومئتي حديث من الأحكام فروت عائشة رضي الله تعالى عنه الله عنها من جملة الكتابين مئتين ونيف وسبعين حديثا لم يخرج غير الأحكام منه إلا يسيرا
قال الحاكم فحمل عنها ربع الشريعة
قال بقي بن مخلد روت ألفي ومئتي حديث وعشرة أحاديث
والذين رووا الألوف أربعة أبو هريرة وابن عمر وأنس وعائشة
وجملة ما في كتاب أبي داود أربعة آلاف وثمانمئة فإنه قال كتبت عن النبي صلى الله عليه وسلم خمسمئة ألف حديث انتخبت منها هذا السنن فيه أربعة آلاف وثمانمئة حديث
ولم أر من عدد أحاديث الترمذي والنسائي
وأما ابن ماجة فقال أبو الحسن بن القطان صاحب ابن ماجة عدته أربعة آلاف حديث
ثم إن الزيادة في الصحيح على ما في الكتابين تعرف من السنن المعتمدة ك سنن أبي داود والنسائي وجامع الترمذي وصحيح ابن خزيمة وسنن الدارقطني وغيرهم منصوبا على صحته ولا يكفي وجوده في كتاب أبي داود والترمذي والنسائي وسائر من جمع في كتابه بين الصحيح وغيره ويكفي مجرد كونه موجودا في كتب من شرط الاقتصار على الصحيح ككتاب ابن خزيمة والكتب المخرجة على الصحيحين ككتاب أبي عوانة وأبي بكر الإسماعيلي وأبي بكر البرقاني وغيرهما من تتمة لمحذوف أو زيادة شرح وهذا كثير في الجمع بين الصحيحين لأبي عبد الله الحميدي
واعتنى الحاكم أبو عبد الله بالزيادة في عدد الحديث الصحيح على ما في الصحيحين أودعه ما ليس في واحد من الصحيحين مما رواه على شرطهما قد أخرجا عن رواته في كتابيهما أو على شرط أحدهما وما أدرى اجتهاده إلى تصحيحه وإن لم يكن على شرط واحد منهما وهو واسع الخطو في شرط الصحيح متساهل في القضاء به فالأولى أن نتوسط في أمره فنقول ما حكم بصحته ولم نجد ذلك فيه لغيره من الأئمة إن لم يكن من قبيل الصحيح فهو من قبيل الحسن يحتج ويعمل به إلا أن تظهر فيه علة توجب فيه علة توجب ضعفه
قلت قول الشيخ عن الحاكم أنه أودع فيه على شرط الشيخين ما قد أخرجا عن رواته في كتابيهما تبعه على ذلك النووي وابن دقيق العيد وغيرهما وعبارة الحاكم نفسه في خطبة مستدركة منافية له فإنه قال
وأنا أستعين الله على إخراج أحاديث رواتها ثقات قد احتج بمثلها الشيخان أو أحدهما
نعم خالف هذا الاصطلاح في أثناء كتابه وقال لما أخرج التاريخ والسير ولا بد لنا من نقل كلام ابن إسحاق والواقدي
وادعى الحاكم في المدخل إلى الإكليل أن شرط البخاري ومسلم أن لا يذكر إلا ما رواه صحابي مشهور له راويان ثقتان فأكثر ثم يرويه عنه تابعي مشهور بالرواية عن الصحابة له أيضا راويان ثقتان فأكثر ثم يرويه عنه من أتباع الأتباع الحافظ المتقن المشهور على ذلك الشرط ثم كذلك
قال والأحاديث المروية بهذا الشرط لا يبلغ عددها عشرة آلاف
وهذا الشرط الذي ذكره غلط فيه فإنهما أخرجا عدة أحاديث ليس لها إلا راو واحد كما سيأتي بيانها في النوع السابع والأربعين
وأغرب من هذا قول الميانشي إن شرطهما في صحيحهما أن لا يدخلا فيه إلا ما صح عندهما وذلك ما رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنان فصاعدا وما نقله عن كل واحد من الصحابة أربعة من التابعين فأكثر وأن يكون عن كل واحد من التابعين أكثر من أربعة
وقال ابن طاهر إن الأئمة الخمسة خ م د ت س لم ينقل عن واحد منهم أنه قال شرطت أن أخرج في كتابي ما يكون على شرط كذا لكن لما سبر كتبهم علم بذلك شرط كل واحد منهم
فشرط خ م أن يخرجا الحديث المجمع على ثقة نقلته إلى الصحابي المشهور فإن كان للصحابي راويان فصاعدا فحسن وإن لم يكن له إلا راو واحد وصح ذلك الطريق إلى ذلك الراوي أخرجاه
إلا أن مسلما أخرج حديث قوم ترك خ حديثهم لشبهة وقعت في نفسه ك حماد بن سلمة وسهيل بن أبي صالح وداود بن أبي هند وأبي الزبير والعلاء بن عبد الرحمن وغيرهم و خ لما تكلم في هؤلاء بما لا يزيل العدالة والثقة ترك إخراج حديثهم استغناء بغيرهم فتكلموا في سهيل وسماعه من أبيه فقيل صحيفة وتكلموا في حماد بأنه أدخل في حديثه ما ليس منه وعند مسلم ما صح هذا النظر فأخرج أحاديثهم لإزالة الشبهة عنده
وأما د س فإن كتابيهما ينقسم على ثلاثة أقسام
الأول الحسن المخرج في الصحيحين فحكمه على ما ذكرنا
الثاني صحيح على شرطهما
وقال ابن منده إن شرطهما إخراج أحاديث أقوام لم يجمع على تركهم إذا صح الحديث باتصال الإسناد من غير قطع ولا إرسال
فيكون هذا القسم من الصحيح لما بينا أنهما تركا كثيرا من الصحيح الذي حفظاه
الثالث أحاديث أخرجاها من غير قطع منهما بصحتها وقد أبانا علتها بما يفهمه أخل المعرفة فأورداها وبينا سقهما لتزول الشبهة
وأما الترمذي فقسم كتابه على أربعة أقسام
قسم صحيح مقطوع به وهو ما وافق البخاري ومسلم
وقسم على شرط د س كما بينا في القسم الثاني لهما
وقسم آخر كالثالث لهما أخرجه أبان عن علته
ورابع أبان هو عنه وقال ما أخرجت في كتابي إلا حديثا قد عمل به بعض الفقهاء
فعلى هذا الأصل كل حديث احتج به محتج أو عمل بموجبه عامل أخرجه سواء صح طريقه أو لم يصح وقد أزاح عن نفسه فإنه تكلم على كل حديث بما فيه وكان من طريقه أن يترجم الباب الذي فيه حديث مشهور عن صحابي في حكم قد صح الطريق إليه وأخرج حديثه في الكتب الصحاح فيورد في الباب ذلك الحكم من صحابي آخر لم يخرجوه من حديثه ولا يكون الطريق إليه كالطريق إلى الأول إلا أن الحكم صحيح ثم يتبعه بأن يقول وفي الباب عن فلان وفلان ويعد جماعة منهم الصحابي والأكثر الذي أخرج ذلك الحكم من حديثه وما سلك هذه الطريق إلا في أبواب معدودة
وقال ابن منده إن من حكم الصحابي إذا روى عنه تابعي وإن كان مشهورا مثل الشعبي وسعيد بن المسيب ينسب إلى الجهالة فإذا روى عنه رجلان صار مشهورا واحتج به وعلى هذا بنى خ م صحيحهما إلا أ حرفا يتبين أمرها
قال الشيخ ويقاربه أعني مستدرك الحاكم في حكمه صحيح أبي حاتم بن حبان
قلت لأن شرطه في خطبته في صحيحه أن يكون الراوي ثقة غير مدلس سمع من فوقه وسمع منه بالأخذ عنه والحديث ليس بمرسل ولا منقطع
الخامسة
الكتب المخرجة على الصحيحين لم يلتزم فيها موافقتهما في الألفاظ لكونهم رووها من غير جهتهما طلبا للعلو فحصل فيها تفاوت في اللفظ
وكذا ما رواه البيهقي والبغوي وغيرهما مما قالوا فيه أخرجه البخاري ومسلم وقع في بعضهما تفاوت في المعنى فمرادهم أنهما رويا أصله
فلا يجوز أن ينقل منها حديثا ويقول هو هكذا فيهما إلا أن يقابل بهما أو يقول المصنف أخرجاه بلفظه
بخلاف المختصرات من الصحيحين فإنهم نقلوا فيها ألفاظهما غير أن الجمع بين االصحيحين للحميدي يشتمل على زيادة تتمات لبعض الأحاديث كما قدمناه ذكره فليتأملها الحافظ ولا يعزيها إليهما من أول وهلة
ثم إن الكتب المخرجة عليهما لها فائدتان
علو الإسناد
والزيادة في قدر الصحيح فإن تلك الزيادة صحيحة لكونهما بإسنادهما
قلت وفائدة ثالثة وهي زيادة قوة الحديث بكثرة الطرق
السادسة
ما رواه الشيخان في صحيحهما بالإسناد المتصل فهو المحكوم بصحته
وأما المعلق وهو الذي حذف من مبتدإ إسناده واحد فأكثر وهو غالب في صحيح البخاري قليل جدا في صحيح مسلم ففي بعضه نظر
وينبغي أن يقال ما كان منه بصيغة الجزم كـ قال و روى وشبههما فهو حكم بصحته عن المضاف إليه
ثم إذا كان علق الحديث عنه دون الصحابة فالحكم بصحته
متوقف على اتصال الإسناد بينه وبين الصحابي
وما لم يكن فيه جزم كـ روي أو في الباب كذا وكذا وما أشبههما مما ليس فيه حكم بصحة ذلك عمن ذكره عنه لأن مثل هذه العبارات تستعمل في الضعيف أيضا ومع ذلك فإيراده له في أثناء الصحيح مشعر بصحة أصله
قلت يؤيد ذلك ما قاله أبو العباس القرطبي في كتابه في السماع البخاري لا يعلق في كتابه إلا ما كان في نفسه صحيحا مسندا لكنه لم يسنده ليفرق بين ما كان على شرطه في أصل كتابه وبين ما ليس كذلك
قلت على أن البخاري نفسه ذكره مرة التعليق بغير صيغة جزم ثم أسنده في موضع آخر من صحيحه فقال في كتاب الصلاة ويذكر عن أبي موسى قال كنا نتناوب النبي صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء ثم أسنده في موضع آخر باب فضل العشاء وقال حدثنا محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة عن بريد عن أبي بردة عن أبي موسى
وقال في كتاب الإشخاص ويذكر عن جابر أنه عليه الصلاة والسلام رد على المتصدق صدقته ثم أسنده في موضع آخر دبر رجل عبدا ليس له مال فباعه النبي صلى الله عليه وسلم من نعيم بن النحام
وقال في كتاب الطب ويذكر عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرقى بفاتحة الكتاب وأسنده مرة
قال الشيخ ثم إنما يتقاعد من ذلك عن شرط الصحيح قليل يوجد في كتاب البخاري في مواضع من تراجم الأبواب دون مقاصد الكتاب وموضوعه الذي يشعر به اسمه الذي سماه وهو الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه
وإلى الخصوص الذي بيناه يرجع مطلق قوله ما أدخلت في كتاب الجامع إلا ما صح
وكذلك مطلق قول الحافظ أبي نصر السجزي الوائلي أجمع أهل العم الفقهاء وغيرهم على أن رجلا لو حلف بالطلاق أن جميع ما في كتاب البخاري مما روي عن رسول الله قد صح عنه ورسول اله صلى الله عليه وسلم قاله لا شك فيه أنه لا يحنث
وكذلك ما ذكره الحميدي في جمعه من قوله لم نجد من الأئمة الماضين من أفصح لنا في جميع ما جمعه بالصحة إلا هذين الإمامين
فإنما المراد بكل ذلك مقاصد الكتاب وموضوعه ومتوان الأبواب دون التراجم ونحوها لأن في بعضها ما ليس كذلك قطعا مثل قول البخاري باب ما يذكر في الفخذ ويروى عن ابن عباس وجرهد ومحمد بن جحش عن النبي صلى الله عليه وسلم الفخذ عورة وقوله في أول باب من أبواب الغسل وقال بهز عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم الله أحق أن يستحي منه فهذا قطعا ليس من شرطه وكذلك لم يورده الحميدي في جمعه بين الصحيحين فاعلم ذلك فإنه مهم خاف
السابعة
الصحيح أقسام
أعلاه ما اتفق عليه الشيخان
قلت وأعلى منه ما اتفق عليه معهما باقي الكتب الستة وفيه قلة
ثم ما انفرد به البخاري
ثم مسلم
ثم ما على شرطهما
ثم ما على شرط البخاري
ثم مسلم
ثم صحيح غيرهما
وأعلاها الأول على ما سلف وهو الذي يقال فيه كثيرا صحيح متفق عليه يعنون به اتفاق البخاري ومسلم لا اتفاق الأمة عليه لكن اتفاق الأمة لازم من ذلك وحاصل معه لاتفاق الأمة الأمة على تلقي ما اتفقا عليه بالقبول وكذا ما انفرد به أحدهما وهذا القسم جميعه مقطوع بصحته والعلم القطعي حاصل فيه خلافا لقول من نفى ذلك محتجا بأنه لا يفيد في أصله إلا الظن وإنما تلقته الأمة بالقبول لأنه يجب عليهم العمل بالظن والظن قد يخطئ
قال الشيخ وقد كنت أميل إلى هذا وأحسبه قويا ثم بان لي أن المذهب الذي اخترناه أولا هو الصحيح لأن ظن من هو معصوم من الخطأ لا يخطئ والأمة في إجماعها معصومة من الخطأ ولهذا كان الإجماع المبني على الاجتهاد حجة مقطوعا بها وأكثر إجماعات العلماء كذلك
قلت قال النووي خالف الشيخ المحققون والأكثرون فقالوا يفيد الظن ما لم يتواتر أي لان أخبار الآحاد لا تفيد إلا الظن
ولا يلزم من إجماع الأمة على العمل بما فيهما إجماعهم على أنه مقطوع به من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقد اشتد إنكار ابن برهان الإمام على من قال بما قاله الشيخ
وممن عاب هذه المقالة على الشيخ الشيخ عز الدين أيضا فقال إن المعتزلة يرون أن الأمة إذا علمت بحديث اقتضى ذلك القطع بصحته وهو مذهب رديء
وأيضا إن أراد كل الأمة فهو أمر لا يخفى فساده
وإن أراد الأمة الذين وجدوا بعد وضع الكتابين فهم بعض الأمة لا كلها لا سيما على قول أهل الظاهر فإنهم لا يعتدون إلا بإجماع الصحابة خاصة وكذلك الشيعة وإن كنا لا نعتبر خلافهم على ما هو المشهور من قول العلماء
وإن أراد كل حديث منهما تلقي بالقبول من كافة الناس فغير مسلم لأن جماعة من الحفاظ تكلموا على بعض أحاديثهما وأيضا فإنه وقع فيهما أحاديث متعارضة لا يمكن الجمع بينهما والقطعي لا يقع فيه التعارض
ثم إنا نقول أيضا التلقي بالقبول ليس بحجة فإن الناس اختلفوا أن الأمة إذا عملت بحديث وأجمعوا على العمل به هل يفيد القطع أو الظن
ومذهب أهل السنة أنه يفيد الظن ما لم يتواتر
وأغرب ابن طاهر المقدسي فنقل الإجماع أيضا على ما كان على شرطهما فقال في كتابه صفة التصوف أجمع المسلمون على ما أخرج في الصحيحين أو ما كان على شرطهما
ثم قول الشيخ أيضا أعني ابن الصلاح ولهذا كان الإجماع المبني على الإجتهاد حجة مقطوعا بها فيه نظر أيضا فإن الإجماع إن وصل إلينا بأخبار الآحاد كان ظنيا وإن وصل إلينا بالتواتر وهو قليل جدا فقد صحح الإمام في المحصول والآمدي في الإحكام ومنتهى السؤال أنه ظني أيضا
قال الشيخ نعم فيهما أحرف يسيرة تكلم عليها بعض أهل النقد من الحفاظ كالدارقطني وغيره معروفة عند أهل الشأن
قال في أوائل شرحه لمسلم وهذا مستثنى مما ذكرناه لعدم الإجماع على تلقيه بالقبول
الثامنة
من أراد العمل بحديث من كتاب فطريقه أن يأخذه من نسخة معتمدة قابلها هو أو ثقة بأصول صحيحة متعددة مروية بروايات متنوعة ليحصل الاعتماد
قلت ولو قابلها بأصل معتمد محقق فلا يبعد الاكتفاء وبه جزم النووي في التقريب
وقال في شرح مسلم ما ذكره الشيخ محمول على الاستظهار والاستحباب أي لعسر ذلك غالبا أو تعذره ولأن الأصل الصحيح تحصل به الثقة
ومن النقول الغريبة ما ذكره الحافظ أبو بكر محمد بن خير الأموي الإشبيلي خال السهيلي في برنامجه حيث نقل اتفاق العلماء على أنه لا يصح لمسلم أن يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا حتى يكون عنده ذلك القول مرويا ولو على أقل وجوه الروايات ثم استدل بحديث من كذب علي وليس مطابقا لما ادعاه
فائدتان أهملهما الشيخ رحمه الله
الأولى ذكر الحاكم في مدخله أن جملة من خرج له البخاري في صحيحه دون مسلم أربعمائة وأربعة وثلاثون شيخا وجملة من خرج له مسلم في صحيحه دون البخاري ستمئة وخمسة وعشرون شيخا
الثانية ذكر مسلم في أول صحيحه أنه يقسم الحديث ثلاثة أقسام واختلف الحفاظ هل ذكرها أو ذكر الأول فقط واختر منه المنية قبل الباقي
فقال القاضي عياض بالأول والحاكم والبيهقي بالثاني
فائدة ثالثة
ذكر الحاكم في مدخله إلى الإكليل أن الصحيح من الحديث ينقسم عشرة أقسام خمسة متفق عليها وخمسة مختلف فيها
فالأول أخبار البخاري ومسلم وهو الدرجة الأولى من الصحيح وهو أن الأول لا يذكر إلا ما رواه صحابي مشهور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم له راويان ثقتان فأكثر إلى آخر ما قدمناه عنه في المسألة الرابعة
وثانيهما ما ليس له إلا راو واحد من الصحابة
وثالثهما ما ليس له إلا راو واحد من التابعين
ورابعها الأحاديث الأفراد الغرائب التي يرويها الثقات العدول تفرد بها ثقة من الثقات
وخامسها أحاديث جماعة من الأئمة عن آبائهم عن أجدادهم ولم تتواتر الرواية عن آبائهم عن أجدادهم بها إلا عنهم كصحيفة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وبهز بن حكيم عن أبيه عن جده وإياس بن معاوية بن قرة عن أبيه عن جده وأجدادهم صحابيون وأحفادهم ثقات
والخمسة المختلف فيها
المرسل وأحاديث المدلسين إذا لم يذكروا سماعهم وهي صحيحة عند جماعة من أهل الكوفة وما أسنده ثقة وأرسله عنه جماعة من الثقات ورواية الثقات غير الحفاظ العارفين كأكثر محدثي زماننا وهو صحيح عند أكثر أهل الحديث خلافا لأبي حنيفة ومالك ورواية المبتدعة وأصحاب الأهواء وأكثر أهل الحديث على قبولها إذا كانوا صادقين
قلت وأهمل قسما آخر وهو رواية المجهول وفيه خلاف ستعمله في موضعه
النوع الثاني
الحسن
قال الخطابي وهو ما عرف مخرجه واشتهر رجاله قال وعليه مدار أكثر الحديث وهو الذي يقبله أكثر العلماء ويستعمله عامة الفقهاء
قلت كذا نقله الشيخ عن الخطابي والموجود بخطه إنما هو استقرت حاله بقاف م الاستقرار وتحت الحاء علامة الإهمال كذا نقله عنه أبو عبد الله بن رشيد وهو حد مدخول فإن الصحيح أيضا قد عرف مخرجه واشتهر رجاله والضعيف أيضا قد يعرف مخرجه ويشتهر رجاله لكن بالضعف
وفي الاحتجاج بالحسن إشكال وذلك أن ههنا أوصافا يجب معها قبول الرواية إذا وجدت في الراوي فإما أن يكون هذا الحديث المسمى بالحسن مما قد وجدت فيه هذه الصفات على أقل الدرجات التي يجب معها القبول أولا فإن وجدت فذاك حديث صحيح وإلا فلا يجوز الاحتجاج به وإن سمي حسنا اللهم إلا أن يرد هذا إلى أمر
اصطلاحي وهو أن يقال إن الصفات التي يجب معها قبول الرواية لها مراتب ودرجات فأعلاها الصحيح وكذا أوسطها وأدناها الحسن وحينئذ يرجع الأمر في ذلك إلى الاصطلاح ويكون الكل صحيحا في الحقيقة والأمر فيه في الاصطلاح
ومن أراد هذه الطريقة فعليه أن يعتبر ما سماه أهل الحديث حسنا ويحقق وجود الصفات التي يجب معها قبول الرواية في تلك الأحاديث وقد نبه على ذلك الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد في اقتراحه رحمه الله
وقال الترمذي الحافظ إنه يريد بالحسن أن لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب ولا يكون حديثا شاذا ويروى من غير وجه
قلت وفيه نظر أيضا لأن الصحيح شرطه أن لا يكون شاذا وأن لا يكون في رجاله من يتهم بالكذب
نعم فيه من لا يعرف إلا من وجه واحد خلافا لما ادعاه الحاكم
ويشكل على هذا أيضا ما يقال فيه إنه حديث حسن مع أنه ليس له مخرج إلا من وجه واحد
وقال بعضهم الحسن الحديث الذي فيه ضعف قريب محتمل
قلت كأنه عنى به ابن الجوزي فإنه قاله في موضوعاته وفيه نظر أيضا والضعف القريب ليس مضبوطا بضابط يتميز به القدر المحتمل من غيره وإذا اضطرب هذا الوجه لم يحصل الوصف المميز للحقيقة
قال الشيخ وكل هذا مستبهم لا يشفي الغليل وليس فيما ذكره الخطابي والترمذي ما يفصل الحسن من الصحيح وقد أمعنت النظر في ذلك والبحث جامعا بين أطراف كلامهم ملاحظا مواقع استعمالهم فتنقح لي واتضح أن الحسن قسمان
أحدهما ما لا يخلو إسناده من مستور لم تتحقق أهليته وليس مغفلا كثير الخطأ ولا هو متهم بالكذب في الحديث ولا ظهر منه سبب يفسق به ويكون متن الحديث معروفا برواية مثله أو نحوه من وجه آخر أو أكثر وكلام الترمذي ينزل على هذا
قلت في هذا نظر لأن الأصح أن رواية المستور الذي لم تتحقق أهليته مردودة فكيف يجعل ما يرويه من قسم الحسن وينزل عليه كلام الترمذي وليس في كلامه ما يدل عليه لكون الاحتجاج لم يقع به وحده
الثاني أن يكون راويه مشهورا بالصدق والأمانة ولم يبلغ درجة الصحيح لقصوره في الحفظ والإتقان وهو مرتفع عن حال من يعد تفرده منكرا أو معللا وعلى هذا القسم ينزل كلام الخطابي
وقال صاحب الاقتراح هذا كلام فيه مباحثات ومناقشات على بعض هذه الألفاظ
قلت قد حسن البخاري حديث أسامة بن زيد عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في السواك ناوله أكبر القوم قال الترمذي سألت محمدا عن هذا الحديث فقال حديث حسن انتهى
وأسامة مختلف فيه وهو من رجال مسلم
وحسن أيضا حديث موسى بن عقبة عن صالح مولى التوأمة عن ابن عباس رفعه إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء الحديث قال الترمذي سألت محمدا عنه فقال حديث حسن وموسى سمع من صالح قديما انتهى
وله شاهد نحوه من حديث المسيء صلاته لهذا صار حسنا بل ينبغي أن يكون صحيحا
تذنيب
من الحفاظ من يعبر بـ الحسن عن الغريب والمنكر
ذكر السمعاني في أدب الاستملاء عن إبراهيم النخعي أنه قال كانوا يكرهون إذا اجتمعوا أن يخرج الرجل أحسن ما عنده قال عنى النخعي بالأحسن الغريب لأن غير الـ مألوف يستحسن أكثر من المشهور المعروف وأصحاب الحديث يعبرون عن المنكر بهذه
العبارة ولهذا قال شعبة بن الحجاج وقيل له مالك لا تروي عن عبد الملك بن أبي سليمان وهو حسن الحديث قال من حسنه هربت
فروع
أحدهما الحسن كالصحيح في الاحتجاج به وإن كان دونه في القوة
ولهذا أدرجه بعضهم في نوع الصحيح وهو ظاهر كلام الحاكم في تصرفه وإليه يومي في تسميته كتاب الترمذي بـ الجامع الصحيح وأطلق الخطيب اسم الصحيح عليه وعلى كتاب النسائي وكذا
السلفي حيث قال الكتب الخمسة اتفق على صحتها علماء المشرق والمغرب
وهذا فيه تساهل لأن منها ما صرحوا بكونه ضعيفا أو منكرا ونحو ذلك من أوصاف الضعف وصرح أبو داود بانقسام ما في كتابه إلى صحيح وغيره كما سيأتي والترمذي في كتابه بالتمييز بين الصحيح والحسن
قلت حمله النووي رحمه الله على أن مراده أن معظم الكتب الثلاثة سوى الصحيحين يحتج به لكن في هذا نظر إذ ليس كل صحيح محتجا به فإن المنسوخ صحيح غير محتج به فمراده إذا سلم عن معارض وليس كل غير صحيح غير محتج به فإن الحسن غير صحيح على ما ذكرناه مع أنه يحتج به
الثاني قولهم هذا حديث حسن الإسناد أو صحيحه دون قولهم حديث صحيح أو حسن لأنه قد يقال هذا حديث صحيح الإسناد ولا يصح أو حسن لأنه قد يقال هذا حديث صحيح الإسناد ولا يصح لكونه شاذا أو معللا فإن اقتصر على ذلك حافظ معتمد فالظاهر صحة المتن أي أو حسنه لأن عدم العلة والقادح هو الأصل والظاهر
الثالث قول الترمذي وغيره هذا حديث حسن صحيح فيه إشكال لأن الحسن قاصر عن الصحة كما سلف وجوابه أن معناه أنه روي بإسنادين أحدهما يقتضي الحسن والآخر يقتضي الصحة فحسن بالنسبة إلى إسناد صحيح بالنسبة إلى آخر
قلت هذا لا يصح لأنه يرد عليه ذو السند الواحد حيث يقول الترمذي هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه اللهم إلا أن يراد بقوله لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث بعض الرواة لا أن المتن لا يعرفه إلا من هذا الوجه بدليل أن الترمذي نفسه لما خرج في كتاب الفتن حديث خالد الحذاء عن ابن سيرين عن أبي هريرة من أشار إلى أخيه بحديدة الحديث قال هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه يستغرب من حديث خالد
قال الشيخ ويجوز أن يكون المراد بالحسن اللغوي وهو ما تميل إليه النفس ولا يأباه القلب دون المعنى الاصطلاحي الذي نحن بصدده
قلت اعترض عليه قاضي القضاة تقي الدين ابن دقيق العيد في الاقتراح فقال يلزم من هذا أن يطلق على الحديث الموضوع إذا كان حسن اللفظ أنه حسن وذلك لا يقوله أحد في الاصطلاح
91 - ولك أن تقول لا يرد على الشيخ ما ألزمه به لأنه ذكر هذا التأويل للحسن الذي يقال مع الصحيح لا للحسن المطلق والموضوع لا يقال إنه صحيح
ووهاه بعضهم أيضا بأن أحاديث الوعيد نحو من نوقش الحساب عذب وشبهه لا يوافق القلب ولا يهواه بل يجد منها كربا وألما من الخوف وهي من الأحاديث الحسان
@ 92 @
@ 93 @
@ 94 @
قال قاضي القضاة تقي الدين والذي أقول في جواب هذا أنه لا يشترط في الحسن قيد القصور عن الصحيح وإنما يجيئه القصور ويفهم ذلك فيه إذا اقتصر على قوله حسن فالقصور يأتيه من قيد الاقتصار لا من حيث حقيقته وذاته
وشرح هذا وبيانه أن ههنا صفات للرواة تقتضي قبول الرواية ولتلك الصفات درجات بعضها فوق بعض كالتيقظ والحفظ والإتقان مثلا
فوجود الدرجة الدنيا كالصدق مثلا وعدم التهمة بالكذب لا ينافيه وجود ما هو أعلى منه كالحفظ والإتقان فإذا وجدت الدرجة العليا لم يناف ذلك وجود الدنيا كالصحة مع الحسن فيصح أن يقال في هذا إنه حسن باعتبار وجود الصفة الدنيا وهي الصدق مثلا صحيح باعتبار الصفة العليا وهي الحفظ والإتقان
ويلزم على هذا أن يكون كل صحيح حسنا ويلتزم ذلك ويؤيده قولهم هذا حديث حسن في الأحاديث الصحيحة وهذا موجود في كلام المتقدمين انتهى كلامه
وقد يرد على هذا ما لو كان السند اتفق الناس على عدالة رواته ويجاب بندرة ذلك
واعلم أن العدالة والضبط إما أن ينتفيا في الراوي أو يجتمعا أو يوجد واحد منهما فقط فإن انتفيا فيه لم يقبل حديثه أصلا وإن اجتمعا فيه قبل وهو الصحيح المعتبر وإن وجدت العدالة وحدها دون الضبط قبل حديثه لعدالته وتوقف فيه لعدم ضبطه على شاهد منفصل يجبر ما فات من صفة الضبط وإن وجد فيه الضبط دون العدالة لم يقبل حديثه لأن العدالة هي الركن الأكبر في الرواية ثم كل واحد من
الضبط له مراتب عليا ووسطى ودنيا وتحصل بتركيب بعضها مع بعض مراتب الحديث في القوة فتنبه لذلك ترشد
الرابع تقسيم البغوي أحاديث المصابيح التي جمعها إلى صحاح وحسان مريدا بـ الصحاح ما في الصحيحين وبـ الحسان ما في أبي داود والترمذي وشبههما اصطلاح لا يعرف وليس الحسن عند أهل الحديث عبارة عن ذلك وهذه الكتب تشتمل على حسن وغيره
قلت قد التزم صاحب المصابيح بيانها فإنه قال بعد أن ذكر أنه يريد بـ الصحيح ما في كتب الشيخين وبـ الحسن ما أورده أبو داود والترمذي وغيرهما وما كان فيهما من ضعيف أو غريب أشرت إليه وأعرضت عن ذكر ما كان منكرا أو موضوعا
هذا لفظه ولا إيراد عليه في اصطلاحه إذا
الخامس كتاب الترمذي رحمه الله أصل في معرفة الحسن وهو الذي شهره
ويوجد متفرقا في كلام من قبله كأحمد بن حنبل والبخاري وغيرهما
وتختلف النسخ منه في قوله حسن أو حسن صحيح فينبغي الاعتناء بمقابلة أصلك بجماعة أصول وتعتمد ما اتفقت عليه ونص الدارقطني في سننه على كثير من ذلك
ومن مظانه سنن أبي داود
روينا عنه أنه قال ذكرت فيه الصحيح وما يشبهه ويقاربه
وروينا عنه أيضا ما معناه أنه يذكر في كل باب أصح ما عرفه في ذلك الباب
وقال ما كان في كتابي من حديث فيه وهن شديد فقد بينته وما لم أذكر فيه شيئا فهو صالح وبعضها أصح من بعض
فعلى هذا ما وجدناه في كتابه مطلقا وليس في واحد من الصحيحين ولا نص على صحته أحد معتمد فهو حسن عند أبي داود وقد يكون ذلك ما ليس بحسن عند غيره
قال ابن منده أبو داود يأخذ مأخذ النسائي في أن يخرج عن كل من لم يجمع على تركه ويخرج الإسناد الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره لأنه أقوى عنده من رأي الرجال
قلت وإنما اقتصر الشيخ على كونه حسنا عنده لأنه المحقق فلا يرد عليه اعتراض ابن رشيد بالصحة
واعترض شيخنا أبو الفتح اليعمري فقال عمل أبي داود شبيه
بعمل مسلم فهلا ألزم مسلم أيضا
جواب هذا أن مسلما التزم الصحة
ثم في كلام أبي داود السالف إشكال فإن في سننه أحاديث ظاهرة الضعف لم يبنها مع أنها متفق على ضعفها عند أهل الفن كالمرسل والمنقطع ورواية مجهول كشيخ ورجل ونحوه وقد قال وما كان في وهن شديد بينته
وأجاب النووي رحمه اله في كلامه على سننه بأنه ترك التنصيص على ضعف ذلك لظهوره
السادس كتب المسانيد غير ملتحقة بالكتب الخمسة وما جرى مجراها في الاحتجاج بها والركون إلى ما يورد فيها مطلقا كـ مسند أبي داود الطياليسي وعبيد الله بن موسى والإمام أحمد وإسحاق بن راهويه وعبد بن حميد والدارمي كما عده ابن الصلاح لكنه على الأبواب وأبي يعلى والحسن بن سفيان والبزار وأشباهها فعادتهم فيها أن يخرجوا في مسند كل صحابي ما رووه من حديثه غير مقيدين بالصحة فلهذا تأخرت رتبتها وإن جلت لجلالة مصنفيها عن مرتبة الكتب الخمسة وما التحق بها من الكتب المصنفة على الأبواب
السابع إذا كان راوي الحديث دون درجة أهل الحفظ والإتقان غير أنه من المشهورين بالصدق والستر وروي مع ذلك حديثه من غير
وجه فقد اجتمعت له القوة من الجهتين فيرتقي من درجة الحسن إلى الصحيح
مثاله حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة
فمحمد بن عمرو من المشهورين بالصدق والصيانة لكن لم يكن من أهل الإتقان حتى ضعفه بعضهم من جهة سوء حفظه ووثقه بعضهم لصدقه وجلالته فحديثه من هذه الجهة حسن
فلما انضم إلى كونه روي من أوجه أخر زال بذلك ما كنا نخشاه عليه من جهة سوء حفظه وأنجب به ذلك النقص اليسير فصح هذا الإسناد والتحق بدرجة الصحيح
الثامن إذا روي الحديث من وجوه ضعيفة مثل الأذنان من الرأس ونحوه فلا يلزم أن يتحصل من مجموعها وصفة بالحسن
101ب - ل إن كان ضعفه لضعف راويه الصدوق الأمين زال بمجيئه من وجه آخر وصار حسنا وكذا إذا كان ضعفه بالإرسال زال بمجيئه من وجه آخر
قلت وإن كانت الحجة لا تقوم بإسناده لكونه ضعيفا كما صرح به في المحصول
وإن كان ضعفه لتهمة الراوي بالكذب أو كون الحديث شاذا فلا ينجبر ذلك بمجيئه من وجه آخر
النوع الثالث
الضعيف
وهو كل حديث لم تجتمع فيه صفات الصحيح ولا الحسن ويتفاوت ضعفه كصحيح الصحيح
ومنه ماله لقب كـ الموضوع و المقلوب وغيرهما مما سيأتي
وهي كثيرة وأطنب أبو حاتم ابن حبان فبلغ أقسامه خمسين إلا واحد
والملحوظ فيما نورده من الألفاظ عموم أنواع علوم الحديث لا خصوص أنواع التقسيم التي فرغنا الآن من أقسامه
فرع إذا رأيت حديثا بإسناد ضعيف فلك أن تقول هذا ضعيف وتريد ضعف إسناده ولا يجوز أن تطلق وتريد ضعف متنه بناء على مجرد ضعف ذلك الإسناد فقد يكون مرويا بإسناد آخر صحيح
فإن قال إمام إنه لم يرو من وجه صحيح أو إنه حديث ضعيف مفسرا ضعفه جاز فإن أطلق فسيأتي الكلام عليه
فرع إذا أردت رواية الضعيف بغير إسناد فلا تقل فيه قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم وما أشبهه من صيغ الجزم بل قل روي كذا أو بلغنا أو ورد أو جاء أو روى بعضهم وما أشبهه وكذا ما يشك في صحته وضعفه
فرع الضعيف لا يحتج به في الأحكام والعقائد
ويجوز روايته والعمل به في غير الأحكام كالقصص وفضائل الأعمال والترغيب والترهيب كذا ذكره النووي وغيره وفيه وقفة فإنه لم يثبت فإسناد العمل إليه يوهم ثبوته ويوقع من لا معرفة له في ذلك فيحتج به
وقل عن ابن العربي المالكي أن الحديث الضعيف لا يعمل به مطلقا
وقال الشيخ تقي الدين القشيري في شرح الإلمام يعمل به فيما ذكر من الفضائل ونحوها إذا كان ثم أصل شاهد لذلك كاندراجه في عموم أو قاعدة كلية وأما في غير ذلك فلا يحتج به
وحاصل ما ذكره أن العمل يكون بتلك القاعدة أو العموم وهذا مقو مرجح
ونقل عن أحمد أنه يعمل بالضعيف إذا لم يوجد غيره ولم يكن ثم ما يعارضه
وقال مرة اللضعيف عندنا أولى من القياس
وقد يحمل على الحسن فإن المتقدمين يطلقون عليه
الضعيف
فائدة لم يذكرها الشيخ أيضا وذكرها الحاكم وغيره
وهي الكلام على أوهى الأسانيد وهي نظير ما تقدم في أصح الأسانيد
فأوهى أسانيد أهل البيت عمرو بن شمر عن جابر الجعفي عن الحارث الأعور عن علي
وأوهى أسانيد الصديق صدقة الدقيقي عن فرقد السبخي عن مرة الطيب عن أبي بكر
وأوهى أسانيد العمريين محمد بن القاسم بن عبد الله بن عمرو بن حفص بن عاصم عن أبيه عن جده
فإن محمدا والقاسم وعبد الله لا يحتج بهم
وأوهى أسانيد أبي هريرة السري بن إسماعيل عن داود بن يزيد الأودي عن أبيه عن أبي هريرة
وأوهى أسانيد عائشة نسخة عند البصريين عن الحارث بن شبل عن أم النعمان عن عائشة
وأوهى أسانيد عبد الله بن مسعود شريك عن أبي فزارة عن أبي زيد عن عبد الله إلا أن أبا فزارة راشد بن كيسان كوفي ثقة
وأوهى أسانيد أنس بن مالك داود بن المحبر بن قحذم عن أبيه عن أبان بن أبي عياش عن أنس
وأوهى أسانيد المكيين عبد الله بن ميمون القداح عن شهاب بن خراش عن إبراهيم بن يزيد الخوزي عن عكرمة عن ابن عباس
وأوهى أسانيد اليمانيين حفص بن عمر العدني عن الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس
وأوهى أسانيد المصريين أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين عن أبيه عن جده عن قرة بن عبد الرحمن بن حيويل عن كل من روى عنه فإنها نسخة كبيرة
وأوهى أسانيد الشاميين محمد بن قيس المصلوب عن عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة
وأوهى أسانيد الخراسانيين عبد الله بن عبد الرحمن بم مليحة عن نهشل بن سعيد عن الضحاك عن ابن عباس
وابن مليحة ونهشل نيسابوريان
@ 108 @
النوع الرابع
المسند
قال الخطيب البغدادي هو عند أهل الحديث ما اتصل سنده إلى منتهاه وأكثر ما يستعمل فيما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم دون غيره
وقال ابن عبد البر هو كل ما جاء عن الني صلى الله عليه وسلم خاصة متصلا كان أو منقطعا كمالك عن الزهري عن ابن عباس فإن الزهري لم يسمع من ابن عباس
وقال الحاكم لا يستعمل إلا في المرفوع المتصل وحكاه ابن عبد البر أيضا
فهذه ثلاثة أقوال مختلفة قلت وظاهر كلام صاحب الاقتراح ترجيح الأخير فإنه قال هو ما اتصل سنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم حكى قول ابن عبد البر
وصرح به المحب الطبري في المعتصر من المخلص من كتاب ابن الصلاح هذا حيث قال المسند هو المرفوع المتصل وقيل المرفوع وإن لم يتصل وقيل المتصل وإن لم يرفع والأول أصح إذ لا تمييز إلا به
فائدة
الإسناد رفع الحديث إلى قائله
والسند الإخبار عن طريق المتن مأخوذ من السند وهو ما ارتفع وعلا عن سفح الجبل لأن المسند يرفعه إلى قائله ويجوز أن يكون مأخوذا من قولهم فلان سند أي معتمد فسمى الإخبار عن طريق المتن سندا لاعتماد النقاد في الصحة والضعف عليه
والمحدثون يستعملون السند والإسناد لشيء واحد
وفي أدب الرواية لحفيد القاضي أبي بكر محمد بن عبد الله بن جعفر يقال أسندت الحديث أسنده إسنادا وأشيده أشيده إشادة وعزوته وعزيته أعزوه وأعزيه عزوا وعزيا وذلك إذا رفعته تقول أسندت الشيء إلى الشيء إذا وصلته وجعلته عمادا له
ومنه قو الأعشى ... لو أسندت ميتا إلى صدرها ... عاش ولم ينقل إلى قابر ...
والأصل في الحرف راجع إلى المسند وهو الدهر
فيكون معنى إسناد الحديث اتصاله في الرواية اتصال أزمنة الدهر بعضها ببعض
فائدة ثانية
ما انتهى إليه السند من الكلام هو المتن
مأخوذ إما من المماتنة وهي المباعدة في الغاية لأن المتن السند
وإما من متنت الكبش إذا شققت جلدة بيضه واستخرجتها فكأن المسند استخرج المتن بسنده
وإما من المتن وهو ما صلب وارتفع من الأرض لأن المسند يقويه بالسند ويرفعه إلى قائله
وإما من تمتين القوس بالعصب وهو شدها به وإصلاحها لأن المسند يقوي الحديث بسنده
النوع الخامس
المتصل
ويسمى الموصول
وهو ما اتصل إسناده مرفوعا كان أو موقوفا
النوع السادس
المرفوع
وهو ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم خاصة لا يقع مطلقه على غيره متصلا كان أو منقطعا أو مرسلا
وقال الخطيب هو ما أخبر به الصحابي عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم أو قوله
فخصصه بالصحابة فيخرج مرسل التابعي
النوع السابع
الموقوف
وهو المروي عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم قولا لهم أو فعلا أو نحوه متصلا كان أو منقطعا
ويستعمل في غيرهم مقيدا فيقال وقفه فلان على عطاء ونحوه
وموجود في اصطلاح الفقهاء الخراسانيين تعريف الموقوف باسم الأثر
قال الفوراني منهم الفقهاء يقولون الخبر ما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والأثر ما يروى عن الصحابة
قلت وفي التقريب للنووي عن المحدثين أن كله يسمى أثرا
وأصل الأثر ما ظهر من مشي الشخص على الأرض قال زهير ... والمرء ما عاش ممدود له أمل ... لا ينتهي العمر حتى ينتهي الأثر ...
وفي كفاية الخطيب من حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن جده
مرفوعا ما جاء عن الله فهو فريضة وما جاء عني فهو حتم كالفريضة وما جاء عن أصحابي فهو سنة وما جاء عن أتباعهم فهو أثر وما جاء عن دونهم فهو بدعة
فائدة
الخبر في الاصطلاح الأصولي هو المحتمل للتصديق والتكذيب
كذا حده الإمام في المحصول مرة وزيفه في باب الأخبار وقال إنه حد رديس لأن التصديق والتكذيب عبارة عن الإخبار عن كون الخبر صدقا أو كذبا فتعريفه ه دور
ثم قال والحق أن الخبر تصوره ضروري لا يحتاج إلى حد ولا رسم وهو منحصر في الصدق والكذب خلافا للجاحظ حيث أثبت بينهما واسطة
وينقسم إلى ما علم صدقة وإلى ما علم كذبه
ومحل الخوض في ذلك كتب الأصول فليراجع منه
النوع الثامن
المقطوع
وهو غير المنقطع الآتي ذكره إن شاء الله
وجمعه المقاطع والمقاطيع
وهو الموقوف على التابعي قولا له أو فعلا
والستعمله الشافعي ثم الطبراني في المنقطع
فروع
أحدهما قول الصحابي كنا نفعل أو كذا إن لم يضفه إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم فهو موقوف وإلا فمرفوع على الصواب لأن الظاهر إطلاعه عليه وتقريرهم
وقال الإسماعيلي موقوف
قلت والحاكم والفخر الرازي لم يقيداه بعهده عليه السلام وجعلاه مرفوعا
قال ابن الصباغ في العدة وهو الظاهر ومثله قول عائشة كانت اليد لا تقطع في الشيء التافه
والآمدي أطلق ذلك ولم يقيده بعهده
وقال به كثير من الفقهاء كما حكاه النووي في شرح المهذب قال وهو قوي من حيث المعنى
قلت وإذا كان القصد الإطلاع فهو مرفوع قطعا كقول ابن عمر كنا نقول ورسول الله حي أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر وعثمان ويسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ينكره رواه الطبراني في أكبر معاجمه وأصله في لصحيح بدون إطلاعه عليه السلام على ذلك
صريحا
قال الشيخ ومن هذا القبيل قول الصحابي كنا لا نرى بأسا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فينا أو كان يقال على عهده كذا وكذا وكانوا يفعلون كذا وكذا في حياته فكل ذلك وشبهه مرفوع
وقول المغيرة كانوا يقرعون بابه بالأظافير مرفوع خلافا
@ 121 @
للحاكم والخطيب ولعلهما أرادا أنه موقوف لفظا مرفوع معنى لإطلاعه عليه الصلاة والسلام عليه
ونقل النووي في أوائل شرح مسلم في لفصول المعقودة قبل الخطبة عن جماعات في أصل المسالة أنه كان ذلك الفعل لا يخفى غالبا كان مرفوعا وإلا كان موقوفا كقول بعض الأنصار كنا نجامع فنكسل ولا نغتسل قال وبه قطع الشيخ أبو إسحاق الشيرازي
@ 123 @
من الشافعية
وقال في القطعة التي له على البخاري إن ظاهر كلام كثيرين من المحدثين والفقهاء أنه مرفوع مطلقا قال وهو قوي فإنه ظاهره قلت وإذا قال التابعي كانوا يفعلون قال الغزالي فلا يدل على فعل جميع الأمة فلا حجة فيه إلا أن يصرح بنقل الإجماع وفي ثبوت الإجماع بخبر الواحد كلام
قلت بل هو خلاف مشهور واختار الغزالي أنه لا يثبت وهو
قول أكثر الناس واختار الرازي ثبوته وجزم المارودي به قال وليس آكد من سنة الرسول وهي تثبت به قال وسواء كان من أهل الاجتهاد أم لا قال أما إذا قال لا أعرف بينهم فيه خلافا فغن لم يكن من أهل الاجتهاد ولا ممن أحاط علما بالإجماع والاختلاف لم يثبت الأجماع بقوله وإن كان من أهل الاجتهاد فاختلف فيه أصحابنا فأثبت الإجماع به قوم ونفاه آخرون
الثاني قول الصحابي أمرنا بكذا ونهينا عن كذا أو من السنة كذا أو أمر بلال أن يشفع الأذان وما أشبهه كله مرفوع وقيل لا
ولا فرق بين أن يقول ذلك في حياة رسول الله وبعده
قلت وإن كان يحتمل إذا قاله بعده أن يكون الآمر أعرف بينهم أعرغأرأرعفوالناهي من أدركه من الخلفاء لكن احتمال إرادته رسول الله أظهر
وقد قال الشافعي في الأم في باب ما عدد كفن الميت بعد ذكر ابن عباس والضحاك ما نصه وابن عباس والضحاك بن قيس رجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يقولان السنة إلا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
لكن نقل ابن داود من أصحابنا في شرحه للمختصر في كتاب الجنايات في باب أسنان الإبل عن الشافعي أنه كان يرى في القديم أن ذلك مرفوع إذا صدر من الصحابي أو التابعي ثم رجع عنه لأنهم قد يطلقون ويريدون به سنة البلد
لكن لما ذكر الشافعي عن سفيان عن أبي الزناد قال سئل سعيد بن المسيب عن الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته قال يفرق بينهما قال أبو الزناد قلت سنة فقال سعيد سنة قال أعني الشافعي والذي يشبه قول سعيد سنة أن يكون سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وحكى القاضي أبو الطيب وجهين لأصحابنا فيما إذا قال التابعي من السنة كذا أصحهما وأشهرهما أنه موقوف على بعض الصحابة وثانيهما أنه مرفوع مرسل
وقال الغزالي إذا قال التابعي أمرنا بكذا يحتمل أن يريد أمر الشارع أو أمر كل الأمة فيكون حجة ويحتمل أن يريد بعض الصحابة لكنه لا يليق بالعالم أن يطلق ذلك إلا وهو يريد من تجب طاعته
وفيه إشارة إلى أن فيه خلافا في أنه موقوف أو مرفوع مرسل
وجزم ابن الصباغ في العدة بأنه مرسل وحكى فيما إذا قال ذلك سعيد بن المسيب هل يكون حجة وجهين
فرع
إذا صرح الصحابي بالأمر كقوله أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا فلا خلاف وما حكاه صاحب العدة عن داود وبعض المتكلمين أنه لا يكون ذلك حجة حتى ينقل لنا لفظه غريب مردود
الثالث إذا قيل في الحديث عند ذكر الصحابي يرفعه أو ينميه أو يبلغ به أو رواية كحديث الأعرج عن أبي هريرة رواية تقاتلون قوما صغار الأعين الحديث وبه عن أبي هريرة يبلغ به قال الناس تبع لقريش الحديث فكل هذا وأمثاله مرفوع
وإذا قال الراوي عن التابعي يرفعه أو يبلغ به فمرفوع مرسل
الرابع تفسير الصحابي إن تعلق بسبب نزول آية أو نحوه مرفوع وإلا فموقوف
وأطلق الحاكم القول بأن تفسير الصحابي مرفوع وقال في
المستدرك ليعلم طالب العلم أن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل عند الشيخين حديث مسند
النوع التاسع
المرسل
وهو قول التابعي الكبير كعبيد الله بن عدي بن الخيار وابن المسيب وأمثالهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فعله
قلت عبيد الله هذا ذكره في الصحابة ابن حبان وأبو عمرو وابن منده
والمشهور التسوية بين التابعين أجمعين في ذلك
وله صور اختلف فيها أهي من المرسل أم لا
إحداها إذا انقطع قبل التابعي واحد وأكثر
فقال الحاكم وغيره من المحدثين لا يسمى مرسلا بل الأول منقطع والثاني منقطع ومعضل
فإذا المرسل مخصوص بالتابعين
والأشهر في الفقه وأصوله أن الكل مرسل وبه قطع الخطيب قال إلا أن أكثر ما يوصف بالإرسال من حيث الاستعمال ما رواه التابعي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما ما رواه تابعي التابعي عن رسول اله صلى الله عليه وسلم فيسمونه المعضل
قلت وسمى أبو نعيم الحافظ في مستخرجه التعليق مرسلا فقال في قول البخاري قال إبراهيم بن طهمان عن موسى بن عقبة عن صفوان بن سليم عن عطاء عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر حديثا رواه البخاري كذا مرسلا
وسمى أبو داود المنقطع مرسلا فقال في حديث خالد بن دريك عن عائشة في العورة هذا حديث مرسل لم يسمع خالد منها
الثانية قول الزهري وأبي حازم ويحيى بن سعيد الأنصاري وأشباههم من صغار التابعين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فالمشهور عند من خصه بالتابعي أنه مرسل كالكبير
وقيل ليس بمرسل بل منقطع لكونهم لم يلقوا من الصحابة
إلا الواحد والاثنين وأكثر روايتهم عن التابعين حكاه ابن عبد البر
قلت قوله كالواحد والاثنين كالمثال في قلة ذلك وإلا فالزهري قد رأى عدة من الصحابة وسمع منهم أنسا والسائب بن يزيد وسهل بن سعد ومحمود بن الربيع وأبا جميلة وأبا الطفيل وعبد الرحمن بن أزهر وربيعة بن عباد الأسلمي ورجلا من بلي له صحبة وعبد الله بن عامر بن ربيعة وعبد الله بن ثعلبة بن صعير وأبا أمامة ورأى ابن عمر ذكر الكل عبد الغني المقدسي في الكمال وأهمل مسعود بن الحكم ذكره ابن أبي حاتم وعبد الله بن سندر ذكره أبو نعيم وعبد الله بن الزبير والحسن والحسين وأم عبد الله الدوسية وأبا رهم ومروان وتمام بن العباس
وادعى الحاكم أن الزهري من كبار التابعين ولعل مراده في العلم وأما أبو حازم فروى عن جماعة من الصحابة أيضا منهم أبو
هريرة وابن الزبير وابن عمر والحسن بن علي
الثالثة إذا قيل في الإسناد فلان عن رجل أو عن شيخ عن فلان أو نحو ذلك
فقال الحاكم إنه لا يسمى مرسلا بل منقطعا وقال غيره مرسل
قلت وتبع الحاكم ابن القطان فقال إنه منقطع
وقال الإمام في البرهان وقول الراوي أخبرني رجل أو عدل موثوق به من المرسل أيضا
قال وكذا كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم التي لم يسم حاملها
وفي المحصول إن الراوي إذا سمى الأصل باسم لا يعرف به فهو كالمرسل
وفي كلام غير واحد من المحدثين أنه متصل في إسناده مجهول وحكاه الـ رشيد ابن العطار في الغرر المجموعة عن الأكثرين
134 - 4وهو المختار ما لم يوجد مسندا بحال من وجه يصح
ثم المرسل ضعيف عند الجمهور كالشافعي خلافا لمالك وأبي حنيفة
قال مسلم في صدر كتابه المرسل في أصل قولنا وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجة
نعم إن صح مخرج المرسل كمجيئه من وجه آخر مسندا أي وإن كان ضعيفا كما أسلفنا في آخر النوع الثاني أو مرسلا أرسله من أخذه من غير رجال الأول
قلت أو قول صحابي أو عوام أهل العلم كما قاله الشافعي
في الرسالة أو فعل صحابي أو بقياس أو بقول الأكثرين أو ينتشر من غير دافع أو يعمل به أهل العصر أو لا دلالة سواه كما قاله الشافعي في الجديد كما أفاده المارودي أو عرف أنه لا يرسل إلا عن عدل كان صحيحا ويتبين بذلك صحة المرسل أي وأنهما صحيحان لو عارضهما صحيح من طريق رجحناها عليه إذا تعذر الجمع
وفي هذا رد على من زعم أن الاعتماد حينئذ يقع على المسند دون المرسل
وقد احتج الشافعي بمرسل سعيد بن المسيب لأنها وجدت مسندة من وجوه أخر
قلت أو لأنه من كبار التابعين
وزعم بعض الحفاظ أنه أصح التابعين إرسالا
ولا يختص ذلك عنده بمرسل ابن المسيب
قلت وقوله في آخر باب الربا من المختصر عقب حديث سعيد بن المسيب أنه عليه السلام نهى عن بيع اللحم بالحيوان وذكر أثر أبي بكر فيه ومعه قول ثلاثة من التابعين غير سعيد إرسال ابن المسيب عندنا حسن
واختلف أصحابنا المتقدمون في معناه على وجهين حكاهما الشيخ أبو إسحاق والخطيب وغيرهما
أحدهما أن معناه أنه حجة عنده دون غيره لما سلف
وأصحهما أنها ليست حجة عنده كغيرها
قالوا وإنما رجح الشافعي بمرسله والترجيح بالمرسل جائز والشافعي إنما قال ذلك إثر حديث عضده قول الصديق مع جماعة من التابعين كما سلف لأن في مراسيل سعيد ما لم يوجد مسندا بحال من وجه يصح كما قال الخطيب في كتاب الفقيه والمتفقه قال وقد جعل الشافعي لمراسيل كبار التابعين مزية على غيرهم كما أستحسن مرسل سعيد
وذكر البيهقي أن لابن المسيب مراسيل لم يقبلها الشافعي حين لم
ينضم إليها ما يؤكدها ومراسيل لغيره قبلها حين انضم إليها ما يؤكدها انتهى كلامه
وقول الإمام أبي بكر القفال في شرح التلخيص قال الشافعي في الرهن مرسل ابن المسيب عندنا حجة محمول على ما أسلفناه
ثم هذا كله في مرسل غير الصحابي
أما مرسله وهي تسمية أصولية مثل ما يرويه ابن عباس وغيره م أحداث الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسمعوه منه فمحكوم بصحته لأن روايتهم عن الصحابة والجهالة بهم لا تضر لأنهم عدول
قلت مراده بقوله لأن روايتهم عن الصحابة أي عن غالبهم وإلا فقد صنف الخطيب كتابا في رواية الصحابة عن التابعين فبلغ عددهم زيادة على العشرين لا جرم قد قيل إن مرسل الصحابي كمرسل غيره إلا أن تبين الرواية عن صحابي واختلف في سبب ذلك
فقال القرافي لاحتمال روايته عن صحابي قام به مانع كماعز وسارق رداء صفوان
وقيل لاحتمال روايته له عن تابعي كما أسلفناه
قال في المحصول فإذا تبين الصحابي بعد ذلك وسمى الأصل
الذي رواه عنه وجب قبوله أيضا
وما نقله المصنف عن الجمهور في منع قبول مرسل التابعي قد نقل الإمام في المحصول عن الجمهور قبوله فلا يخالف إذ مراد ابن الصلاح بالنسبة إلى المحدثين وكلام صاحب المحصول بالنسبة إلى الأصوليين
ونقل الآمدي قبوله عن أحمد أيضا واختاره
وبالغ بعضهم فجعله أقوى من المسند لأنه إذا أسنده فقد وكل
أمره إلى الناظر ولم يلتزم صحته
وذهب ابن الحاجب إلى قبوله من أئمة النقل دون غيرهم
وذهب عيسى بن أبان إلى قبول مراسيلهم ومراسيل تابعي التابعين وأئمة النقل مطلقا
وقال ابن عبد البر وغيره لا خلاف أنه ليس بحجة إذا كان المرسل لا يحترز ويرسل عن غير الثقات
النوع العاشر
المنقطع
وهو ما لم يتصل إسناده على أي وجه سواء كان يعزى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو إلى غيره
وأكثر ما يستعمل في رواية من دون التابعي عن الصحابة كمالك عن ابن عمر
وقيل هو ما اختل فيه رجل قبل التابعي محذوفا كان أو مبهما كرجل
وقيل هو ما روي عن تابعي أو من دونه قولا له أو فعلا
وحديث عبد الرزاق عن الثوري عن أبي إسحاق عن زيد بن يثيع
عن حذيفة رفعه إن وليتموها أبا بكر فقوي أمين الحديث إذا تأمل الحديثي إسناده وجد صورته صورة المتصل وهو منقطع في موضعين لأن عبد الرزاق لم يسمعه من الثوري وإنما سمعه من النعمان بن أبي شيبة الجندي عن الثوري ولم يسمعه الثوري أيضا من أبي إسحاق إنما سمعه من شريك عن أبي إسحاق
ومثال المبهم حديث أبي العلاء بن الشخير عن رجلين عن شداد بن أوس رفعه اللهم إني أسألك الثبات في الأمر قلت كذا وقع عن رجلين وصوابه عن رجل كما ذكره الحاكم في علومه
وكذا أخرجه الترمذي والنسائي وقالا عن رجل من بني حنظلة
قال بعضهم ويشبه أن يكون هذا الرجل هو المطلب بن عبد الله الحنظلي والله تعالى أعلم
@ 144 @
النوع الحادي عشر
المعضل
وهو ما سقط من إسناده اثنان فأكثر كمرفوع التابعي ورواية من دونه مرفوعا وموقوفا
ويسمى منقطعا أيضا
فكل معضل منقطع ولا عكس
وقوم يسمونه مرسلا كما سلف
وأصحاب الحديث يقولون أعضله فهو معضل بفتح الضاد وهو اصطلاح مشكل المأخذ من حيث اللغة
وبحثت فوجدت له قولهم أمر عضيل أي مغلق شديد ولا التفات في ذلك إلى معضل بكسر الضاد وإن كان مثل عضيل في المعنى
وذكر بعضهم أن قول الراوي بلغني كقول مالك بلغني عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال للمملوك طعامه وكسوته الحديث يسمى معضلا عند أصحاب الحديث
قلت وقد وصله الدارقطني في غرائبه والخطيب في كفايته فقالا من طريق مالك حدثني ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة
وقول المصنفين من الفقهاء وغيرهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا ونحو ذلك كله من قبيل المعضل لما تقدم وسماه الخطيب أبو بكر في بعض كلامه مرسلا وهو مذهب كما سلف
وإذا روى تابع التابعي عن التابعي حديثا وقفه عليه وهو عند ذلك التابعي مرفوع متصل فهو نوع من المعضل قاله الحاكم
مثاله ما رويناه عن الأعمش عن الشعبي قال يقال للرجل يوم القيامة عملت كذا وكذا فيقول ما عملته فيختم على فيه فقد أعضله الأعمش وهو عند الشعبي عن أنس مرفوعا متصلا
وهذا جيد حسن لأن هذا الانقطاع بواحد مضموما إلى الوقف يشتمل على الانقطاع باثنين الصحابي ورسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك باستحقاق اسم الإعضال أولى
فائدة قال الجورقاني في أول الموضوعات المعضل عندنا أسوأ حالا من المنقطع والمنقطع عندنا أسوأ حالا من المرسل والمرسل عندنا لا تقوم به حجة
فروع
أحدهما الإسناد المعنعن كـ فلان عن فلان
قيل إنه من قبيل المرسل والمنقطع حتى يتبين اتصاله بغيره
والصحيح وادعى أبو عمرو الداني الإجماع عليه أنه من قبيل المتصل بشرط أن لا يكون المعنعن مدلسا وبشرط إمكان لقاء بعضهم بعضا
وفي اشتراط ثبوت اللقاء وطول الصحبة ومعرفته بالرواية عنه مذاهب
أحدها لا يشترط شيء من ذلك ونقل مسلم في مقدمة صحيحه
الإجماع عليه
وثانيهما يشترط ثبوت اللقاء وحده وهو قول البخاري والمحققين وثالثهما يشترط طول الصحبة
ورابعها يشترط معرفته بالرواية عنه
وكثر في هذه الأعصار استعمال عن في الإجازة فإذا قال أحدهم قرأت على فلان عن فلان أو نحو ذلك فظن به أنه رواه عنه بالإجازة ولا يخرجه ذلك من قبيل الاتصال
الثاني اختلف في قولهم إن فلانا قال كذا
كقولهم مالك عن الزهري أن سعيد بن المسيب قال كذا
فالأصح أن وعن سواء بالشرط المتقدم
قلت ولغة بني تميم إبدال العين من الهمزة
وقال أحمد وجماعة يكون منقطعا حتى يتبين السماع
الثالث التعليق الذي يذكره الحميدي وغيره في أحاديث من كتاب البخاري وسبقهم باستعماله الدارقطني صورته صورة الانقطاع وليس حكمه حكمه بل له حكم الصحيح كما تقدم في نوع الصحيح ولا التفات إلى ابن حزم الظاهري في رده حديث البخاري
في المعازف والحرير والحر بالانقطاع فإنه أخطأ من وجوه
والحديث صحيح معروف الاتصال بشرط الصحيح
والبخاري قد يفعل مثل ذلك لكون الحديث معروفا من جهة الثقات عن ذلك الشخص الذي علقه عنه وقد يفعل ذلك لكونه قد ذكر الحديث في موضع آخر من كتابه مسندا متصلا وقد يفعل ذلك لغير ذلك من الأسباب التي لا يصحبها خلل الانقطاع
ثم إن لفظ التعليق وجدته يستعمل فيما حذف من مبتدأ إسناده واحد فأكثر
واستعمله بعضهم في حذف كل الإسناد كقوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا أو قال ابن عباس أو عطاء أو غير كذا
وقال أ [ و جعفر بن حمدان النيسابوري كل ما قال البخاري قال لي فلان فهو عرض ومناولة
وخالف بعض متأخري أهل المغرب فقال هذا لم يذكره البخاري على وجه الاحتجاج بل على ووجه الاستشهاد
ولم أجد لفظ التعليق مستعملا فيما سقط بعض رجال إسناده من وسطه أو من آخره ولا في غير صيغة الجزم كـ يروى ويذكر وشبههما وكأن هذا التعليق مأخوذ من تعليق الجدار والطلاق ونحوه لما يشترك الجميع فيه من قطع الاتصال
الرابع الحديث الذي رواه بعض الثقات مرسلا وبعضهم متصلا
كحديث لا نكاح إلا بولي أرسله شعبة وسفيان فروياه عن أبي إسحاق عن أبي بردة مرفوعا ووصله إسرائيل بن يونس في آخرين عن جده أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبيه مرفوعا
فالحكم لمن أسنده إذا كان عدلا ضابطا سواء خالف واحدا أو جماعة كذا صححه الخطيب وهو الصحيح في الفقه وأصوله
وقد حكم البخاري لمن وصل هذا الحديث وقال الزيادة من
الثقة مقبولة
قال هذا مع أن من أرسله شعبة وسفيان وهما جبلان في الحفظ
وقيل الحكم للمرسل
ونقله الخطيب عن أكثر المحدثين
أي لأن الإرسال جرح مقدم كذا علله المحب الطبري
قال ومن قدم المتصل يقول إنما قدم الجرح لأن الجارح معه زيادة علم والزيادة هنا مع المتصل
وقيل للأكثر
وقيل للأحفظ فإذا كان من أرسله أحفظ ممن وصله فالحكم لمن أرسله
ثم لا يقدح ذلك في عدالة من وصله وأهليته
وقيل من أسند حديثا قد أرسله الحفاظ فإرسالهم له يقدح في مسنده وفي عدالته وأهليته
ويلتحق بهذا ما لو وصله هو أو رفعه في وقت وأرسله ووقفه في وقت أو وقفه بعضهم ورفعه بعضهم فالحكم على الأصح في كل ذلك لما زاده الثقة من الوصل والرفع لأنه مثبت وغيره ساكت
ولو كان نافيا فالمثبت مقدم عليه لأنه علم ما خفي عليه
ولهذا الفرع تعلق بفصل زيادة الثقة في الحديث وسيأتي إن شاء الله تعالى
النوع الثاني عشر
معرفة التدليس وحكم المدلس
التدليس قسمان
أحدهما تدليس الإسناد
بأن يروي عمن لقيه أو عاصره ما لم يسمعه منه موهما سماعه قائلا قال فلان أو عن فلان ونحوه وربما لم يسقط شيخه وأسقط غيره
قلت في جامع الترمذي من حديث ابن شهاب عن أبي سلمة عن عائشة مرفوعا لا نذر في معصية وكفارته يمين ثم قال هذا حديث لا يصح لأن الزهري لم يسمعه من أبي سلمة سمعت محمدا يقول روي عن غير واحد منهم موسر بن عقبة وابن أبي عتيق عن الزهري عن سليمان بن أرقم عن يحيى بن أبي كثير
عن أبي سلمة عن عائشة مرفوعا قال محمدا والحديث هو هذا
الثاني تدليس الشيوخ
بأن يسمي شيخه أو يكنيه أو ينسبه أو يصفه بما لا يعرف به كيلا يعرف
مثاله ما فعله أبو بكر بن مجاهد المقرئ الإمام حيث قال حدثنا عبد الله بن أبي عبد الله يريد به عبد الله بن أبي داود السجستاني
وقال حدثنا محمد بن سند يريد به النقاش المفسر نسبه إلى جد له
قلت ومن أمثلته ما فعله الخطيب الحافظ حيث قال حدثنا أحمد بن أبي جعفر القطيعي ومرة الروياني وهو هو
وقال حدثنا علي بن أبي علي المعدل ومرة البصري وهو هو
وقال حدثنا محمد بن أبي الحسن الساحلي ومرة الشيرازي وهو هو
وغير ذلك
أما الأول فمكروه جدا ذمه أكثر العلماء
وكان شعبة من أشدهم ذما له فقال مرة التدليس أخو الكذب وقال مرة أخرى لأن أزني أحب إلي من أن أدلس
وهذا منه إفراط محمول على المبالغة في الزجر عنه والتنفير
ثم اختلفوا في قبول رواية من عرف بهذا التدليس فجعله فريق من أهل الحديث والفقهاء مجروحا بذلك وقالوا لا تقبل روايته بحال وإن بين السماع
والصحيح التفصيل فما رواه بلفظ محتمل لم يتبين فيه السماع والاتصال حكمه حكم المرسل وأنواعه وما بينه فيه كـ سمعت وحدثنا وأخبرنا وشبهها فمقبول محتج به
وفي الصحيحين وغيرهما من هذا الضرب كثير جدا كـ قتادة
والأعمش والسفيانين وهشيم بن بشير وغيرهم
وهذا لأن التدليس ليس كذبا وإنما هو ضرب من الإيهام بلفظ محتمل
والحكم بأنه لا يقبل من المدلس حتى يبين أجراه الشافعي فيمن عرفناه دلس مرة
قلت وما كان في الصحيحين وشبههما عن المدلسين بـ عن فمحمول على ثبوت السماع م جهة أخرى
وأما الثاني فأمره أخف وفيه تضييع للمروي عنه وتوعير لطريق معرفته على من يطلب الوقوف على حاله وأهليته
ويختلف الحال في كراهيته بحسب الغرض الحامل عليه فقد يحمله على ذلك كون شيخه الذي غير سمته غير ثقة أو كونه متأخر الوفاة قد شاركه في السماع منه جماعة دونه أو كونه أصغر سنا من الراوي عنه أو كونه كثير الرواية عنه فلا يحب الإكثار من ذكر شخص واحد على صورة واحدة وتسمح بذلك جماعة من الرواة المصنفين منهم الخطيب فقد كان لهجا به في تصانيفه
قلت كما أسلفناه عنه
ومن مقاصد المتأخرين في التدليس أن يذكروا لفظا مشتركا يطلق في المشهور على غير الموضع الذي أراده كما إذا قال حدثني فلان بالعراق يريد بـ إخيم أو بـ زبيد يريد موضعا بـ قوص أو بـ حلب يريد موضعا متصلا بـ القاهرة أو بـ ما وراء النهر ويريد أنه انتقل من أحد جانبي بغداد إلى الآخر والنهر دجلة
فهذا كله إذا كان صحيحا في نفس الأمر فليس بكذب إنما المقصود منه الإغراب
وقد يكون التدليس خفيا جدا ولذلك مثالان
أحدهما أنهم اختلفوا في سماع الحسن من أبي هريرة فورود في
بعض الروايات عن الحسن حدثنا أبو هريرة فقيل إنه أراد حدث أهل بلدنا وهذا إن لم يقم دليل قاطع على أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة لم يجز أن يصار إليه
الثاني قول أبي إسحاق ليس أبو عبيدة ذكره ولكن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه فظاهره أن المراد سمعه من عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه بعدوله عن أبي عبيدة
فقيل إنه تدليس كما لو قال ابتداء عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه ولم يقل قبله ليس أبو عبيدة ذكره نبه على ذلك صاحب الاقتراح
قال ولتدليس مفسدة وفيه مصلحة
أما مفسدته فإنه قد يخفى ويصير الراوي مجهولا يسقط العمل بالحديث لكون الراوي مجهولا عند السامع مع كونه عدلا معروفا في نفس الأمر وهذه جناية عظمى ومفسدة كبرى وأما مصلحته فامتحان الأذهان في استخراج التدليسات وإلقاء ذلك إلى من يراد اختبار حفظه ومعرفته بالرجال
ووراء ذلك مفسدة أخرى يراعيها أرباب الصلاح والقلوب وهو ما في التدليس من التزين وقد تنبه لذلك ياقوتة العلماء المعافى بن عمران الموصلي وكان من أكابر العلماء والصلحاء
وينبغي أن يتنبه بعد ذلك لأمر مهم وهو أن ثم تدليس لهم خاص يعرف بـ تدليس التسوية وهو لا يختص بشيخ المدلس بل بشيخ شيخه
وقد رمي بذلك الوليد بن مسلم وبقية بن الوليد
مثاله أن يكون بين الأوزاعي ونافع مثلا من ضعف مع أن الأوزاعي روى عن نافع فيسقط بقية الضعيف ويروي الحديث عن الأوزاعي عن نافع
فتنبه لذلك
وفي كلام الشيخ في أول النوع إشارة إلى هذا
النوع الثالث عشر
معرفة الشاذ
وهو عند الشافعي وجماعة م علماء الحجاز ما روى الثقة مخالفا لرواية الناس لا أن يروي ما لا يروي غيره
قال الخليلي والذي عليه حفاظ الحديث أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ به ثقة أو غيره فما كان عن غير ثقة فمتروك وما كان عن ثقة توقف عيه ولا يحتج به
وقال الحاكم هو ما انفرد به ثقة وليس له أصل بمتابع
وذكر أنه يغاير المعلل من حيث أن المعلل وقف على علته الدالة على جهة الوهم فيه والشاذ لم يوقف فيه على علة كذلك
وما ذكراه أعني الخليلي والحاكم يشكل بما ينفرد به العدل الحافظ الضابط كحديث إنما الأعمال بالنيات فإنه حديث فرد تفرد به
عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تفرد به عن عمر علقمة بن وقاص ثم عن علقمة محمد بن إبراهيم ثم عنه يحيى بن سعيد على ما هو الصحيح عند أهل الحديث
وأوضح منه حديث النهي عن بيع الولاء وعن هبته
تفرد به عبد الله بن دينار عن ابن عمر
@ 167 @
وحديث مالك عن الزهري عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعلى رأسه المغفر
تفرد به مالك عن الزهري
فكل هذه مخرجة في الصحيحين مع أنه ليس لها إلا إسناد واحد تفرد به ثقة
وفي غرائب الصحيح أشباه لذلك غير قليلة
وقد قال مسلم لزهري نحو تسعين حرفا يرويه كذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يشاركه فيه أحد بأسانيد جياد
والصواب التفصيل
وهو أن الراوي إذا انفرد بشيء فإن كان مخالفا لما رواه منهو أحفظ منه وأضبط كان تفرده شاذا مردودا وإن لم يكن مخالفا لغيره فإن كان المنفرد عدلا حافظا موثوقا بضبطه قبل تفرده وكان صحيحا كما سبق من الأمثلة وإن لم يكن موثوقا بضبطه لكن غير بعيد من درجة الحافظ الضابط كان حديثه حسنا وإن كان بعيدا من ذلك كان تفرده شاذا منكرا
فحصل من هذا أن الشاذ المردود هو الفرد المخالف والفرد الذي ليس في راوية من الثقة والضبط ما يجبر تفرده
مثال الحديث الفرد المخالف
ما رواه أبيض بن أبان الثقفي عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا من كان مصليا فليصل قبلها أربعا وبعدها أربعا يعني الجمعة
تفرد بها أبيض
ومثال ما رواه غير الموثوق بحفظه وإتقانه منفردا به
حديث ابن عباس في التقاء الخضر وإلياس كل عام
قال الدارقطني لم يحدث به غير الحسن بن رزين عن ابن جريج عن عطاء عنه
قلت وهو صاحب مناكير
ومثال البعد من درجة الحافظ الضابط المقبول
حديث أبي سعيد الخدري في الدعاء بعد الوضوء بـ سبحانك اللهم وبحمدك
@ 172 @
@ 173 @
@ 174 @
@ 175 @
قال الدارقطني تفرد به عيسى بن شعيب
ومثال ما تفرد به الحافظ الضابط المقبول
كحديث مالك عن الزهري عن أنس أنه عليه السلام دخل مكة وعلى رأسه المغفر
فإن مالكا تفرد به عن الزهري كما سلف
ومثال المتفرد الذي هو غير بعيد من درجة الحافظ الضابط وتفرده حسن
حديث واثلة مرفوعا المرأة تحوز ثلاثة مواريث
رواه ق ت وقال حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث محمد بن حرب على هذا الوجه
@ 178 @
النوع الرابع عشر
معرفة المنكر
قال البرديجي الحافظ هو الفرد الذي لا يعرف متنه من غير روايته لا من الوجه الذي رواه منه ولا من غيره
وإطلاق الحكم على التفرد بالرد أو النكارة أو الشذوذ موجود في كلام كثير من أهل الحديث
والصواب فيه التفصيل الذي بيناه في الشاذ
فمثال القسم الأول وهو الفرد المخالف لما رواه الثقات
رواية مالك عن الزهري عن علي بن الحسين عن عمر بن عثمان عن أسامة بن زيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم
فخالف مالك غيره من الثقات في قوله عمر بن عثمان وإنما هو عمرو
قال مسلم في تمييزه كل من رواه من أصحاب الزهري قال فيه عمرو وذكر أن مالكا كان يشير بيده إلى دار عمر بن عثمان كأنه علم أنهم يخالفونه
وعمر أخو عمرو غير أن هذا الحديث إنما هو عن عمرو بفتح العين
وحكم مسلم وغيره على مالك بالوهم فيه
قلت على أن ابن المبارك ومعاوية بن هشام روياه عن مالك
كالجماعة ورواه يحيى بن بكير ورواه يحيى بن بكير في موطئه على الشك فقال عن عمرو أو عمر بن عثمان لكن قال النسائي الصواب عن مالك فيه عمر ولا نعلم أحدا تابعه على ذلك
والمراد بالنكارة السند لا المتن
نعم حديث أنس أنه عليه السلام كان إذا دخل الخلاء وضع خاتمه منكر كما قال أبو داود وفيه نظر
@ 183 @
ومثال القسم الثاني وهو الفرد الذي ليس في راويه من الثقة والضبط ما يجبر تفرده
حديث أبي زكير يحيى بن محمد بن قيس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كلوا البلح بالتمر
فإن الشيطان إذا رأى ذلك غاظه ويقول عاش ابن آدم حتى أكل الجديج بالخلق
تفرد به أبو زكير وهو شيخ صالح أخرج له مسلم غير أنه لم يبلغ مبلغ من يحتمل تفرده
قلت إنما أخرج له مسلم في المتابعات لا في الأصول
وذكر ابن الجوزي الحديث المذكور في موضوعاته
وقال النسائي حديث منكر
وقال الحاكم هو من أفراد البصريين عن المدنيين
والله أعلم
النوع الخامس عشر
معرفة الاعتبار والمتابعات والشواهد
وهي أمور يتداولونها في نظرهم في حال الحديث هل تفرد به راويه أم لا وهل هو معروف أولا
أما الاعتبار
فمثاله ما ذكره ابن حبان أن يروي حماد بن سلمة حديثا لا يتابع عليه عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
فينظر هل رواه ثقة غير أيوب عن ابن سيرين
فإن وجد علم أن للخبر أصلا يرجع إليه وإن لم يوجد ذلك فثقة غير ابن سيرين عن أبي هريرة وإلا فصحابي غير أبي هريرة رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأي ذلك وجد علم أن للحديث أصلا يرجع إليه وإلا فلا
وأما المتابعة
فمثل أن يروي ذلك الحديث بعينه عن أيوب غير حماد وهي المتابعة التامة
فإن لم يروه أحد غيره عن أيوب لكن رواه بعضهم عن ابن سيرين أو عن أبي هريرة أو رواه غير أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذلك قد يطلق عليه اسم المتابعة أيضا لكن تقصر عن المتابعة الأولى بحسب بعدها منها
ويجوز أن يسمى ذلك بالشاهد أيضا
وأما الشاهد
فأن يروى حديث آخر بمعناه ولم يرو الأول بوجه من الوجوه فهذا يسمى شاهدا من غير متابعة
فإن لم يرو أيضا بمعناه حديث آخر فقد تحقق فيه التفرد المطلق حينئذ
وينقسم عند ذلك إلى
مردود منكر وغير مردود كما سلف
وإذا قالوا في مثل هذا تفرد به أبو هريرة وتفرد به عن ابن سيرين أيوب وتفرد به عن أيوب حماد بن سلمة كان في ذلك إشعار بانتفاء وجوه المتابعات فيه
ثم اعلم أنه يدخل في المتابعة والاستشهاد رواية من لا يحتج بحديثه وحده بل يكون معدودا في الضعفاء
وفي الصحيحين جماعة من الضعفاء ذكروا في المتابعات والشواهد
وليس كل ضعيف يصلح لذلك ولهذا يقول الدارقطني وغيره في الضعفاء فلان يعتبر به وفلان لا يعتبر به
مثال المتابع والشاهد
حديث سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لو أخذوا إهابها فدبغوه فانتفعوا به
ورواه ابن جريج عن عمرو عن عطاء ولم يذكر الدباغ
فذكر البيهقي لحديث ابن عيينة متابعا وشاهدا
أما المتابع فإن أسامة بن زيد تابعه عن عطاء عن ابن عباس أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ألا نزعتم جلدها فدبغتموه فانتفعتم به
وأما الشاهد فحديث عبد الرحمن بن وعلة عن ابن عباس رفعه أيما إهاب دبغ فقد طهر
والله أعلم
النوع السادس عشر
معرفة زيادات الثقات وحكمها
وهو فن لطيف تستحسن العناية به
وقد كان أبو بكر بن زياد النيسابوري وأبو نعيم الجرجاني وأبو الوليد القرشي الأئمة مذكورين بمعرفة زيادات الألفاظ الفقهية
ومذهب الجمهور من الفقهاء والمحدثين قبول زيادة الثقة مطلقا
قلت وادعى ابن طاهر في مسألة الانتصار الاتفاق عليه
وشرط الصيرفي والخطيب كون من رواها حافظا
وابن الصباغ في العدة أن لا يكون من نقلها واحد ومن أسقطها
جماعة لا يجوز عليهم الوهم فإن كان كذلك سقطت
وقال ذاك فيما إذا روياه في مجلس واحد فإن كانا في مجلسين كانا خبرين وعمل بهما
وقيل لا مطلقا
وقيل إن زادها غير من رواه ناقصا قبلت وإلا فلا
وقال ابن الصباغ في العدة إذا زاد ثانيا فإن تعدد المجلس قبلنا وإلا فإن ادعى نسيانها قبلت وإلا توقف
وحكى عن بعض المتكلمين أنه إن كانت الزيادة مغيرة للإعراب تعارضا وإلا قبلت
وقيل لا تقبل إلا إذا أفادت حكما
وقيل تقبل في اللفظ دون المعنى
حكاهما الخطيب
قال الشيخ تقي الدين ابن الصلاح
وقد رأيت تقسيم ما ينفرد به الثقة ثلاثة أقسام
أحدهما زيادة تخالف الثقات فترد كما سبق في نوع الشاذ
ثانيهما مالا مخالفة فيه كتفرد بجملة حديث فتقبل
وقد ادعى الخطيب فيه اتفاق العلماء
وقد سبق مثاله في نوع الشاذ
ثالثهما زيادة لفظة في حديث لم يذكرها سائر رواته
كحديث جعلت لنا الأرض مسجدا طهورا تفرد أبو مالك الأشجعي فقال وتربتها طهورا
@ 194 @
0
0 فهذا يشبه القسم الأول من حيث أن ما رواه الجماعة عام وما رواه المنفرد بالزيادة مخصوص وفي ذلك مغايرة في الصفة ونوع من المخالفة يختلف به الحكم
ويشبه أيضا القسم الثاني من حيث أنه لا منافاة بينهما
قال النووي والصحيح قبول هذا الأخير
ومثله الشيخ أيضا بزيادة مالك عن نافع عن عمر في حديث الفطرة من المسلمين ونقل عن الترمذي أنه تفرد بها من بين
الثقات وأن عبيد الله بن عمر وأيوب وغيرهما رووا هذا الحديث عن نافع عن ابن عمر بدون هذه الزيادة
واعترض عليه النووي فقال لا يصح التمثيل به فقد وافق مالكا
عمر بن نافع أي في البخاري والضحاك بن عثمان أي في مسلم
قلت ووافقه عشرة أنفس أيضا
أولهم عبيد الله بن عمر
@ 199 @
@ 200 @
@ 201 @
ثانيهم كثير بن فرقد
كلاهما عن نافع صححهما الحاكم
ثالثهم المعلى بن إسماعيل
صححه ابن حبان
رابعهم عبد الله بن عمر العمري
رواه الدارقطني في سننه وابن الجارود في منتقاه
خامسهم أيوب بن أبي تميمة
صححه ابن خزيمة
سادسهم ابن أبي ليلى
رواه الدارقطني في سننه
سابعهم يونس بن يزيد
رواه الطحاوي في مشكله وذكره الدارقطني في سننه
ثامنهم وتاسعهم وعاشرهم يحيى بن سعيد وموسى بن عقبة وأيوب بن موسى روى حديثهم البيهقي
فهؤلاء اثنا عشر نفسا تابعوا مالكا فاستفده فإنه من المهمات
وقول الترمذي إن عبيد الله بن عمر وأيوب روياه بدون هذه الزيادة فيه نظر فقد علمت أنهما روياه بها
ثم اعلم بعد ذلك أن أهل الأصول قسموا المسألة تقسيما حسنا غير ما سلف فقالوا
إذا زاد أحد الرواة وتعدد المجلس قبلت الزيادة وإن اتحد وجاز الذهول على الآخرين ولم يغير إعراب الباقي فكذلك خلافا لأبي حنيفة
وإن لم يجز الذهول لم تقبل
207و - إن غير الإعراب مثل في أربعين شاة شاة وروى الآخر نصف شاة طلب الترجيح
فإن جهل الاتحاد والتعدد فالحكم كما في الاتحاد
قاله الآمدي
وأما فشرط في القبول مع ما ذكرناه أن لا يكون الممسك عن الزيادة أضبط من الراوي لها وأن لا يصرح بنفيها فإن صرح به فقال إنه عليه السلام وقف على قوله ذكر أو أنثى في حديث الفطرة ولم يأت بعده بكلام آخر مع انتظاري له فإنهما متعارضان ونص الشافعي على قبول الزيادة من غير تعرض لهذه الشروط وممن نقله عنه إمام الحرمين في برهانه
وفصل بعضهم فقال إن كان راوي الزيادة واحدا والساكت عنها أيضا واحدا قبلت وإن كان جماعة فلا
واختار الأبياري شارح البرهان أن الراوي إن اشتهر بنقل
الزيادات في وقائع فلا تقبل روايته لأنه متهم وإن كان على سبيل الشذوذ قبلت
قال ابن الحاجب وإذا أسند الحديث وأرسلوه أو رفعه ووقفوه أو وصله وقطعوه فحكمه حكم الزيادة في التفصيل السالف
قالوا وإذا زاد الراوي الواحد في الحديث مرة وحذف أخرى والحال كما تقدم من اتحاد المجلس والإعراب فالاعتبار بكثرة المرات إلا أن يقول الراوي سهوت فيها ثم تذكرت فيأخذ بالأقل فإن تساويا فبالزيادة
والله أعلم
النوع السابع عشر
معرفة الأفراد
وقد سبق بيان المهم م هذا النوع في الأنواع التي تليه قبله لكن أفردته بترجمة تبعا للحاكم ولما بقي منه فنقول
الأفراد قسمان
أحدهما فرد عن جميع الرواة وقد تقدم
والثاني فرد بالنسبة إلى جهة خاصة وهو قريب من الأول
ومثل ما يقال فيه هذا حديث تفرد به أهل مكة أو الشام أو فلان عن فلان أو أهل البصرة عن أهل الكوفة وشبه ذلك
وليس في هذا ما يقتضي الحكم بضعف الحديث إلا أن يراد بتفرد المدنيين مثلا انفراد واحد منهم فتكون إضافته إليهم كإضافة الواحد من القبيلة إليها مجازا فيكون كالقسم الأول
قلت وقسم الحاكم هذا النوع ثلاثة أقسام
أحدهما ما تفرد به أهل مدينة عن صحابي
وثانيهما ما تفرد به رجل واحد عن إمام من الأئمة
ثالثهما ما تفرد به أهل مدينة عن أخرى
والله أعلم
النوع الثامن عشر
معرفة المعلل
ويسميه أهل الحديث المعلول
وذلك منهم ومن الفقهاء في قولهم في باب القياس العلة والمعلول مرذول عند أهل اللغة والعربية
قلت وقال النووي إنه لحن وينبغي أن يقال فيه المعل كما عبر به بعضهم والفعل منه أعل فهو معل قياسا
قال ابن سيده في محكمه استعمل أبو إسحاق لفظ المعلول في المتقارب من العروض
قال والمتكلمون يستعملون لفظ المعلول في مثل هذا كثير
قال وبالجملة فلست فيها على ثقة ولا ثلج لأن المعروف أعله الله فهو معل اللهم إلا أن يكون على ما ذهب إليه سيبويه من قولهم مجنون ومسلول من أنهما جاءا على جننته وسللته وإن لم يستعملا في الكلام استغني عنهما بـ أفعلت قالوا وإذا قالوا جن
وسل فإنما يقولون جعل فيه الجنون والسل كما قالوا حرق ونسل
وهذا النوع من أجل علوم الحديث وأدقها وإنما يضطلع بذلك أهل الحفظ والخبرة والفهم الثاقب
وهي عبارة عن أسباب خفية غامضة قادحة فيه
فالحديث المعل هو الحديث الذي يطلع على علة قادحة تقدح في صحته مع أن ظاهرة السلامة منها ويتطرق ذلك إلى الإسناد الجامع شروط الصحة ظاهرا
ويستعان على إدراكها بـ
تفرد الراوي
وبمخالفة غيره له
مع قرائن تنضم إلى ذلك تنبه العارف بهذا الشأن على إرسال في الموصول أو وقف في المرفوع أو دخول حديث في حديث أو وهم واهم بغير ذلك بحيث يغلب على ظنه ذلك فيحكم به أو يتردد فيتوقف فيه
وكل ذلك مانع من الحكم بصحة ما وجد ذلك فيه
وكثيرا ما يعللون الموصول بالمرسل مثل أن يجيء الحديث
بإسناد موصول ويجيء أيضا بإسناد منقطع أقوى من إسناد الموصول ولهذا اشتملت كتب علل الحديث على جمع طرقه
قلت وذكر ابن خشيش في كتابه علوم الحديث أن المعلل أن يروي عمن لم يجتمع به إما بطريق التاريخ كما تقدم كمن تتقدم وفاته عن ميلاد من يروي عنه وإما بطريق الجهة بأن يروي الخراساني عن المغربي ولم ينقل أن الخراساني انتقل من خراسان ولا أن المغربي انتقل من المغرب
وهذا يرجع إلى قول الشيخ أو إرسال في الموصول
قال الخطيب البغدادي والسبيل إلى معرفة علة الحديث أن تجمع طرقه وينظر في اختلاف رواته ويعتبر بمكانهم من الحفظ ومنزلتهم في الإتقان والضبط
قال علي بن المديني إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه
ثم قد تقع العلة في الإسناد وهو الأكثر وقد تقع في المتن
ثم ما يقع في الإسناد قد يقدح في صحة الإسناد والمتن جميعا كما في التعليل بالإرسال والوقف وقد يقدح في صحة الإسناد والمتن جميعا كما في التعليل بالإرسال والوقف وقد يقدح في صحة الإسناد خاصة من غير قدح في المتن كحديث الثقة يعلى بن عبيد عن الثوري عن عمرو بن دينار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم البيعان بالخيار الحديث فهذا إسناد متصل بنقل العدل عن العدل وهو معلل غير صحيح والمتن على كل حال صحيح والعلة في قوله عن عمرو بن دينار إنما هو عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر هكذا رواه الأئمة من أصحاب سفيان عنه فوهم يعلى بن عبيد وعدل عن عبد الله بن دينار إلى عمرو بن دينار وكلاهما ثقة
ومثال العلة في المتن
ما انفرد مسلم بإخراجه في حديث أنس من اللفظ المصرح بنفي قراءة البسملة
فعلل قوم رواية اللفظ المذكور لما رأوا الأكثرين إنما قالوا فيه فكانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين من غير تعرض لذكر
البسملة وهو الذي اتفق البخاري ومسلم على إخراجه في الصحيح
ورأوا أن من رواه باللفظ المذكور رواه بالمعنى الذي وقع له ففهم من قوله كانوا يستفتحون بالحمد أنهم كانوا لا يسلمون فرواه على ما فهم وأخطأ لأن معناه أن السورة التي كانوا يستفتحون بها من السور هي الفاتحة وليس فيها تعرض لذكر البسملة
قلت ورواه أحمد والنسائي بلفظ لا يجهرون مكان لا يقرأون
قال المحب الطبري وإسناده صحيح
قال الشيخ وانضم إلى ذلك أمور منها
أنه ثبت عن أنس أنه سئل عن الافتتاح بالبسملة فذكر أنه لا يحفظ فيه شيئا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قلت و في إسناده أيضا علة خفية وهي أن مسلما رواه عن محمد بن مهران حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي عن عبده أن عمر كان يجهر بهؤلاء الكلمات يقول سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك
وعن قتادة أنه كتب إليه يخبره عن أنس بن مالك أنه حدثه قال صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها
وأخرجه البخاري إلى قوله رب العالمين
ثم قال مسلم حدثنا محمد بن مهران حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي قال أخبرني إسحاق بنم عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك يذكر انتهى
وفيه علتان
الأولى أن في إسناده كتابة لا يعلم من كتبها ولا من حملها وقتادة ولد أكمه
الثانية أنه استحمل على عنعنة مدلس وهو الوليد ولا ينفعه تصريحه بالتحديث فإنه اشتهر بتدليس التسوية وهو أن لا يدلس شيخ نفسه ولكن شيخ شيخه
فهذا المثال الذي ذكره ابن الصلاح رحمه الله للمتن يصلح أن يكون مثالا للعلة في الإسناد أيضا كما قررته وهو مهم عزيز
وقول ابن الجوزي في تحقيقه اتفق الأئمة على حديث أنس فيه نظر فإن الشافعي ضعفه وكذا الدارقطني والترمذي
ثم اعلم أنه قد يطلق اسم العلة على غير مقتضاها المتقدم لكذب الراوي وغفلته وسوء حفظه ونحوها من أسباب ضعف الحديث
وسمى الترمذي النسخ علة
ولعل مراده لترك العمل به
وأطلق بعضهم العلة على مخالفة لا تقدح كإرسال ما وصله الثقة الضابط حتى قال من أقسام الصحيح صحيح معلل كما قال بعضهم من الصحيح ما هو شاذ والله أعلم
النوع التاسع عشر
المضطرب
وهو الذي يروى على أوجه مختلفة متساوية
فإن رجحت إحدى الروايتين بحفظ راويها أو كثرة صحبته للمروي عنه أو غير ذلك من وجوه الترجيحات المعتمدة فالحكم للراجحة ولا يكون مضطربا
وإنما يسمى مضطربا عند تساويهما
وقد يقع الاضطراب في متن الحديث وقد يقع في الإسناد من راو أو جماعة
والاضطراب موجب ضعف الحديث لإشعاره بأنه لم يضبط
ومثله ابن الصلاح بحديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المصلي إذا لم يجد عصا ينصبها بين يديه فليخلط خطا
وهذا الحديث قد صححه الإمام أحمد وابن حبان وغيرهما وقال البيهقي لا بأس به في مثل هذا الحكم إن شاء اله
وكأنهم رأوا أن هذا الاضطراب ليس قادحا
ففيما ذكره ابن الصلاح حينئذ نظر
@ 223 @
@ 224 @
@ 225 @
@ 226 @