ابن الحوزي
كتاب:أخبارالظراف والمتماجنين ابو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي
بسم الله الرحمن
الرحيم عونك اللهم الحمد لله الذي قسم الأذهان فأكثر وأقل ، وصلواته على محمد أشرف
نبي أرشد ودل ، وعلى أصحابه وأتباعه ما أطل سحاب فطل وبل
أما بعد ؛ فلما كانت النفس تمل من الجد ، لم يكن بأس بإطلاقها في مزح
ترتاح به
1 - كان الزهري يقول : هاتوا من أشعاركم ، هاتوا من طرفكم ، أفيضوا في بعض
ما يخف عليكم وتأنس به طباعكم
2 - وقد كان شعبة يحدث الناس ، فإذا تلمح أبا زيد النحوي في أخريات الناس ،
قال : يا أبا زيد ! ( استعجمت دار نعم ما تكلمنا ** والدار لو كلمتنا ذات أخبار )
3 - وقال حماد بن سلمة : لا يحب الملح إلا ذكران الرجال ، ولا يكرهها إلا
مؤنثوهم
4 - عن بكر بن عبد الله المزني ، قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم يتبادحون بالبطيخ ، فإذا كانت الحقائق كانوا الرجال
5 - قال قبيصة : كان سفيان مزاحا ، ولقد كنت أجيء إليه مع القوم فأتأخر
خلفهم مخافة أن يحيرني بمزاحه
6 - قال سفيان بن عيينة : أتينا مرة مسعر بن كدام ، فوجدناه يصلي ، فأطال
الصلاة جدا ، ثم التفت إلينا متبسما ، فأنشدنا : ( ألا تلك عزة قد أقبلت ** ترفع نحوي طرفا
غضيضا تقول : مرضنا فما عدتنا ** وكيف يعود مريض مريضا ) قال : فقلت :
رحمك الله ، بعد هذه الصلاة هذا ! قال : نعم ! مرة هكذا ومرة هكذا
7 - قلت : وقد بلغني عن جماعة من الفطناء والظرفاء حكايات تدل على قوة
فهومهم ، فسماعها يشحذ الذهن ، وينبه الفهم ، فأحببت أن أذكر منها طرفا
8 - وبلغني عن جماعة من المجون ما يتفرج فيه
ومعنى المجون : صرف اللفظ عن حقيقته إلى معنى آخر ، وذلك يدل على قوة
الفطنة
فكتبت من ذلك في هذا الكتاب طرفا
وقد قسمته ثلاثة أبواب : الباب الأول : فيما ذكر عن الرجال
الباب الثاني : فيما ذكر عن النساء
الباب الثالث : فيما ذكر عن الصبيان
والله الموفق
الباب الأول فيما ذكر عن الرجال قد قسمت هذا إلى خمسة أقسام : أحدها :
ما يروى من ذلك عن الأنبياء عليهم السلام
والثاني : ما يروى عن الصحابة
والثالث : ما يروى عن العلماء والحكماء
والرابع : ما ما يروى عن العرب
والخامس : ما يروى عن العوام .
القسم الأول فيما يروى عن الأنبياء عليهم السلام 22 - عن محمد بن كعب
القرظيّ ، قال : جاء رجل إلى سليمان النبي [ صلى الله عليه وسلم ] ، فقال : يا نبي
الله ! إن لي جيراناً يسرقون إوزّي ، فنادى : الصلاة جامعة ؛ ثمّ خطبهم ، فقال في
خطبته : واحدكم يسرق إوزّة جاره ، ثمّ يدخل المسجد والرّيش على رأسه ! فمسح رجلٌ
رأسه ، فقال سليمان : خذوه ، فإنّه صاحبكم
23 - قلت : وذكروا في الإسرائيليات أنّ الهدهد جاء إلى
سليمان ، فقال : أريد أن تكون في ضيافتي ، فقال سليمان : أنا وحدي ؟ فقال : لا !
بل أنت والعسكر ، في يوم كذا ، على جزيرة كذا ؛ فلمّا كان ذلك اليوم ، جاء سليمان
و عسكره ، فطار الهدهد ، فصاد جرادةً ، فخنقها ، ورمى بها في البحر ، وقال : كلوا
، فمن لم ينل من اللّحم نال من المرقة ؛ فضحك سليمان من ذلك وجنوده حولاً كاملاً
24 - عن أبي هريرة ، قال : قال رجل : يا رسول الله ! إن لي جاراً يؤذيني ،
فقال : ' انطلق ، فأخرج متاعك إلى الطريق ' فأنطلق ، فأخرج متاعه ، فاجتمع الناس
عليه ، فقالوا : ما شأنك ؟ فقال : لي جارٌ يؤذيني ، فذكرت ذلك للنبي [ صلى الله عليه
وسلم ] ، فقال : ' انطلق ! فأخرج متاعك إلى
الطريق ' ، فجعلوا يقولون : اللهّم العنة ، اللّهم اخزه ؛ فبلغه ، فأتاه
، فقال : ارجع إلى منزلك ، فوالله لا أؤذيك
25 - قال محمد بن إسحاق : لما خرج رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] إلى بدر
، خرج هو ورجلٌ آخر تبعه ، فرأيا رجلاً ، فسألاه عن قريش وعن محمد وأصحابه ، فقال
الشيخ : لا أخبركما حتى تخبراني من أنتما ؛ فقال رسول الله [ صلى الله عليه
وسلم ] : ' إذا أخبرتنا أخبرناك ' فقال الشيخ : بلغني أن محمداً وأصحابه خرجوا يوم
كذا ، فإن كان صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا ، وبلغني أن قريشاً خرجوا يوم
كذا ، فإن كان صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا
ثم قال : ممن أنتم ؟ فقال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' نحن من ماء '
وكان العراق يسمى ماءً ، فأوهمه أنّه من العراق ، وإنّما أراد أنّه خلق من نطفة
26 - وقال الحسن البصري : جاء رجلٌ إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ]
برجلٍ قد قتل حميماً له ، فقال له : ' أتأخذ الدية ؟ ' قال : لا ، قال ' أفتعفو !
؟ ' قال : لا ، قال : ' اذهب فاقتله ' ،
فلما جاوزه ، قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : ' إن قتله فهو مثله ' فأخبر
الرجل ، فتركه
قال ابن قتيبة : لم يرد أنّه مثله في المأثم ، إنّما أراد أنّ هذا قاتلٌ
وهذا قاتلٌ ، إلاّ أنّ الأوّل ظالمٌ والثاني مقتص
27 - قال خوّات بن جبير : نزلت مع رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] مرّ
الظهران ، فخرجت من خبائي ، فإذا نسوةٌ يتحدّثن ، فأعجبنني ، فرجعت ،
فأخرجت حلةٌ لي من عيبتي ، فلبستها ، ثم جلست إليهن ، وخرج رسول الله [ صلى الله
عليه وسلم ] من قبته ، فقال : ' أبا عبد الله ! ما يجلسك إليهنّ ؟ ' قال : فهبت رسول
الله [ صلى الله عليه وسلم ] ، فقلت : يا رسول الله ! جملٌ لي شرودٌ ، أبتغي له
قيداً
قال : فمضى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ،
وتبعته ، فألقى إليّ رداءه ، ودخل الأراك ، فقضى حاجته ، وتوضأ ، ثمّ جاء ، فقال :
' أبا عبد الله ! ما فعل شرادُ جملك ؟ ' ثمّ ارتحلنا ، فجعل لا يلحقني في الميسر
إلا قال : ' السلام عليكم أبا عبد الله ، ما فعل شراد جملك ؟ '
قال : فتعجلت إلى المدينة ، فاجتنبت المسجد ومجالسة رسول الله [ صلى الله عليه
وسلم ] ، فلما طال ذلك عليّ تحيّنت ساعة خلوة المسجد ، [ ثم أتيت المسجد ]
، فجعلت أصلي ، فخرج رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] من بعض حجره ، فجاء ، فصلى
ركعتين خفيفتين ، ثم جلس ، وطولت رجاء أن يذهب ويدعني ، فقال : ' طوّل أبا عبد
الله ما شئت ، فلست بقائم حتّى تنصرف ' فقلت : والله
لأعتذرنّ إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ، ولأبرئن صدره ؛ فانصرفت ، فقال :
' السلام عليكم أبا عبدالله ، ما فعل شرادُ الجمل ؟ '
فقلت : والذي بعثك بالحق ما شرد ذاك الجمل منذ أسلمت ، فقال : ' رحمك الله
' مرتين أو ثلاثاً ، ثم أمسك عني ، فلم يعد
28 - عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن أبيه ، قال : كان بالمدينة رجلٌ
يقال له : نعيمان ، وكان لا يدخل المدينة طرفة إلاّ اشترى منها ، ثمّ جاء بها إلى
النبي [ صلى الله عليه وسلم ] ، فقال : يا رسول الله ! هذا أهديته لك ؛ فإذا جاء
صاحبه ، فطالب نعيمان بثمنه ، جاء به إلى النبي [ صلى الله عليه وسلم ] ، فقال :
يا رسول الله ! اعطِ هذا ثمن متاعه ، فيقول رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : '
أو لم تهده لي ؟ ' فيقول : يا رسول الله ! والله لم يكن عندي ثمنه ، ولقد أحببت أن
تأكله ؛ فيضحك رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ، ويأمر لصاحبه بثمنه
القسم الثاني فيما يروى عن الصحابة 29 - عن أنس ، قال : لما هاجر رسول
الله [ صلى الله عليه وسلم ] ،
كان يركب ، وأبو بكر رديفه ، وكان أبو بكر يعرف لاختلافه إلى الشام ، فكان يمرّ
بالقوم ، فيقولون : من هذا بين يديك يا أبا بكرٍ ؟ فيقول : هذا يهديني
30 - عن عبد الجبار بن صيفي ، عن جدّه ، قال : إنّ صهيباً قدم على النبيّ [
صلى الله عليه وسلم ] ، وبين يديه تمرٌ وخبزٌ ، فقال : ' ادن فكل '
قال : فأخذ يأكل من التمر ، فقال النبي [ صلى الله عليه وسلم ] : ' إنّ بعينك رمداً
' فقال : يا رسول الله ! أنا آكل من الناحية الأخرى ؛ فتبسم النبي [ صلى الله عليه
وسلم
]
31 - عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، قال : وفدت على عمر بن الخطاب حللٌ من اليمن
، فقسمها بين الناس ، فرأى فيها حلّة رديئة ، فقال : كيف أصنع بها ؟ إن أعطيتها
أحداً لم يقبلها إذا رأى هذا العيب فيها ؛ فأخذها ، فطواها ، فجعلها تحت مجلسه ،
فأخرج طرفها ، ووضع الحلل بين يديه ، فجعل يقسم بين الناس ، فدخل الزبير بن
العوّام وهو على تلك الحال ؛ قال : فجعل ينظر إلى تلك الحلة ، فقال : ما هذه الحلة
؟ قال عمر : دع هذه عنك
قال : ما هيه ، ما هيه ، ما شأنها ؟ قال : دع هذه عنك
قال : فأعطينيها ؛ قال : إنّك لا ترضاها
قال :
بلى ! قد رضيتها ؛ فلما توثّق منه واشترط عليه أن يقبلها ولا يردّها ،
رمى بها إليه ؛ فلمّا أخذها الزّبير ، ونظر إليها ، إذا هي رديئةٌ ، فقال : لا
أريدها ؛ فقال عمر : أيهات ، قد فرغت منها ؛ فأجازه عليها وأبى أن يقبلها منه
32 - عن حنش بن المعتمر أن رجلين أتيا امرأة من قريش ، فاستودعاها مئة دينار
، وقالا : لا تدفعيها إلى واحدٍ منا دون صاحبه حتى نجتمع ، فلبثا حولاً ، فجاء
أحدهما إليها ، فقال : إنّ صاحبي قد مات ، فادفعي إلىّ الدنانير ؛ فأبت ، [ وقالت
: إنّكما قلتما لا تدفعيها إلى واحدٍ منّا دون صاحبه ، فلست بدافعتها إليك ؛
فتثقّل عليها بأهلها وجيرانها ، ] فلم يزالوا بها حتّى دفعتها إليه
ثمّ لبثت حولاً ، فجاء الآخر ، فقال : ادفعي إليّ الدنانير ؛ فقالت :
إنّ صاحبك جاءني ، فزعم أنّك متّ ، فدفعتها إليه ؛ فاختصما إلى عمر بن الخطاب ،
فأراد أن يقضي عليها ، فقالت : أنشدك الله أن تقضي بيننا ، ارفعنا إلى عليّ ؛
فرفعهما إلى عليّ ، فعرف أنّهما قد مكرا بها ، فقال : أليس قلتما : لا تدفعيها إلى
واحد منّا دون صاحبه ؟ قال : بلى ؛ فقال عليّ : مالك عندنا ، فجئ بصاحبك حتى
تدفعها إليكما
33 - عن أسامة بن زيدٍ ، عن أبيه ، عن جده ، قال : كان عمر بن الخطّاب يعدّ
للنّاس خرقاً وخيوطاً ؛ فإذا أعطى الرجل عطاءه
في يده أعطاه خرقةً وخيطاً ، وقال له : اربط ذهبك ، وأصلح مويلك ، فإنّك
لا تدري كم يدوم هذا لك ! فأدخل عليه رجلٌ يقاد ؛ فأعطاه ، فكأنه استقله ، فقال
عمر لقائده : اخرج به ؛ فخرج به ، ففرشها ، ثمّ دعاه ، فقال : خذ هذه كلّها ؛
فجمعها ، وخرج فرحاً
34 - عن عبد الله بن عاصم بن المنذر ، قال : تزوّج عبد الله
بن أبي بكر الصديق عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل ، وكانت حسناء ، ذات خلقٍ بارعٍ
، فشغلته عن مغازيه ، فأمره أبوه بطلاقها ، فطلّقها ؛ وقال : ( ولم أر مثلي طلّق
اليوم مثلها ** ولا مثلها في غير جرمٍ تطلّق ) فرق له أبوه ، وأمره فراجعها ، ثمّ
ثم شهد مع رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] غزاة الطائف ، فأصابه سهمٌ ، فمات منه
، فقالت عاتكة : ( رزيت بخير الناس بعد نبيهم ** وبعد أبي بكرٍ وما
كان قصّرا وآليت لا تنفك عيني حزينةً ** عليك ولا ينفك جلدي أغبرا فللّه فلله
عيناً من رأى مثله فتىّ ** أكرّ وأحمى في الهياج وأصبرا إذا شرعت فيه الأسنّة
خاضها ** إلى الموت حتى حتى يترك الرمح أحمرا ) ثم تزوّجها عمر بن الخطاب ، فأولم
، وكان فيمن دعا علي بن أبي طالب ؛ فقال : يا أمير المؤمنين ! دعني أكلم عاتكة ؛
فقال : كلّمها ؛ فأخذ عليّ بجانب الخدر ، ثم قال ؛ يا عديّة نفسها : ( وآليت لا تنفك
عيني قريرةً ** عليك ولا ينفك جلدي أصفرا )
فبكت ، فقال عمر : ما دعاك إلى هذا ؟ كل النساء يفعل هذا
35 - قال يهودي لأمير المؤمنين علي : ما دفنتم نبيكم حتى قالت الأنصار : منّا أميرٌ ومنكم
أميرٌ ! فقال له عليٌ : أنتم ما جفّت أقدامكم من البحر حتى قلتم : اجعل لنا إلهاً
! 36 - عن أبي مليكة ، قال : قال ابن الزبير لابن جعفر : أتذكر إذ تلقينا رسول
الله [ صلى الله عليه وسلم ] ، أنا وأنت وابن عباس ، قال : نعم ، فحملنا وتركك
37 - عن أبي رزين ، قال : سئل العباس : أنت أكبر أم رسول الله [ صلى الله
عليه وسلم ] ؟ قال : هو أكبر مني ، وأنا ولدت قبله
38 - عن مجاهد ، قال : بينا رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] في أصحابه ، إذ
وجد ريحاً ، فقال : ' ليقم صاحب هذه الريح فليتوضأ ' ، فاستحيا الرجل ، ثمّ قال :
' ليقم صاحب هذه الريح فليتوضأ ، فإن الله لا يستحيي من الحق ' فقال العباس :
ألا نقوم ، يا رسول الله ؛ كلنا نتوضأ ؟ 39 - عن ابن عباس : وروي مثل هذه
القصة في خلافة عمر ، فقال جرير : يتوضأ القوم كلهم ؟ فقال عمر : نعم السّيد كنت
في الجاهلية ، ونعم السيد أنت في الإسلام
40 - عن عكرمة ، أن عبد الله بن رواحة كان مضطجعاً إلى جنب امرأته ، فخرج إلى
الحجرة ، فعرف جارية له ، فانتبهت المرأة ، فلم تره ، فخرجت ، فإذا هو يعرف
الجارية ، فرجعت فأخذت شفرةً ، فلقيها ومعها الشفرة ، فقال : مهيم ؟ فقالت : مهيم
! أما إنّي لو وجدتك حيث كنت لوجأتك بها ؛ قال : وأين كنت ؟ قالت : تعرفها
قال : ما كنت ! قالت : بلى ! قال : فإن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم
] نهانا أن يقرأ أحدنا القرآن وهو جنب ؛ فقالت : اقرأه ؛ فقال : ( أتانا رسول الله
يتلو كتابه ** كما لاح مشهودٌ من الصبح ساطع أتى بالهدى بعد العمى فقلوبنا ** به
موقناتٌ أنّ ما قال واقع يبيت يجافي جنبه عن فراشه ** إذا استثقلت بالكافرين
المضاجع ) قالت : آمنت بالله وكذبت بصري
قال : فغدوت إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ، فأخبرته ، فضحك حتى
بدت نواجذه
41 - عن أم سلمة ، قالت : خرج أبو بكر في تجارةٍ إلى بصرى قبل موت رسول الله
بعام ، ومعه نعيمان وسويبط بن حرملة ، وكانا قد شهدا بدراً ، وكان نعيمان على
الزّاد ، وكان سويبط رجلاً مزاحاً ، فقال لنعيمان : أطعمني ! قال : حتى يجيء
أبو بكرٍ ؛ قال : أما لأغيظنّك
قال : فمروا بقومٍ ، فقال لهم سويبط : تشترون مني عبداً لي ؟ قالوا :
نعم ؛ قال : إنّه عبد له كلامٌ ، فهو قائل لكم : إنّي حرٌ ، فإن
كنتم إذا قال لكم هذه المقالة تركتموه فلا تفسدوا علي عبدي ! قالوا : لا
؛ بل نشتريه منك
قال : فاشتروه بعشر قلائص
قال : ثم أتوه ، فوضعوا في عنقه عمامةً أو حبلاً ، فقال نعيمان : إن هذا
يستهزئ بكم ، وإني حرٌ ولست بعبد ! فقالوا : قد أخبرنا خبرك ؛ فانطلقوا به ، فجاء
أبو بكرٍ ، فأخبروه بذلك ، فاتبع القوم ، فردّ عليهم القلائص ، وأخذ نعيمان ؛
فلمّا قدموا على النبي [ صلى الله عليه وسلم ] أخبروه ، فضحك النبي [ صلى الله
عليه وسلم ] وأصحابه منه حولاً
42 - عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، أن عمر بن الخطاب استعمل المغيرة بن شعبة
على البحرين ، فكرهوه ، فعزله عنهم ، فخافوا أن يردّه ، فقال دهقانهم : اجمعوا مئة
ألف درهم حتى أذهب بها إلى عمر وأقول له : إن المغيرة اختان هذا ودفعه إليّ ؛
ففعلوا ، فأتى عمر ، وقال : إنّ المغيرة اختان هذا ودفعه إليّ ؛ فدعا عمر المغيرة
، وقال : ما يقول هذا ؟ قال : كذب ! إنما كانت مئتي ألف ! قال : فما حملك على ذلك
؟ قال : العيال والحاجة
فقال عمر للعلج : ما تقول ؟ قال : والله لأصدقنّك ! والله ما دفع إلي
قليلاً و لا كثيراً ! فقال عمر للمغيرة : ما أردت إلى هذا ؟ قال : الخبيث كذب عليّ
، فأحببت أن أخزيه
43 - عن نافعٍ ، قال : كان عبد الله بن عمر يمازح مولاة له ، فيقول لها :
خلقني خالق الكرام وخلقك خالق اللئام ! فتغضب وتصيح وتبكي ، ويضحك عبد الله
44 - مازح معاوية الأحنف ، فقال : يا أحنف ! ما الشيء الملفف في البجاد ؟ قال
: هو السخينة
أراد معاوية قول الشاعر : ( إذا ما مات ميتٌ من تميم ** فسرك أن يعيش
فجئ بزادٍ بخبزٍ أو بسمنٍ أو بزيتٍ ** أو الشيء الملفّف في البجاد ) يريد وطب
اللبن
والبجاد : كساءٌ يلف فيه ذلك
وأراد الأحنف ب ' السخينة ' أن قريشاً كانوا يأكلونها ويعيّرون بها ،
وهي أغلظ من الحساء وأرق من العصيد ، وإنّما تؤكل في كلب الزمان وشدة الدهر
45 - وكان بين يدي معاوية ثريدةٌ كثيرةُ السمن ، ورجلٌ يواكله ، فخرقه إليه ،
فقال له : ! ( أخرقتها لتغرق أهلها ) ! [ 18 سورة الكهف / الآية : 71 ]
فقال : ! ( فسقناه إلى بلد ميت ) ! [ 35 سورة فاطر / الآية : 9 ]
46 - ولمّا قدم معاوية حاجاً تلقّته قريشٌ بوادي القرى ، وتلقّته الأنصار
بأجزاع المدينة ، فقال لهم : ما منعكم أن تلقوني حيث تلقتني قريشٌ ؟ قالوا : لم يكن دوابٌ ؛
قال : فأين النواضحٌ ؟ قالوا : أنضيناها يوم بدرٍ في طلب أبي سفيان
47 - وقال معاوية لعقيل : إن فيكم لشبقاً يا بني هاشم ! قال : هو منّا في
الرجال ، وهو منكم في النساء
48 - عن خبيب بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن جده ، قال : شهدت مع رسول الله [ صلى الله عليه
وسلم ] ، فقتلت رجلاً ، وضربني ضربةً ، فتزوّجت بابنته بعد ، فكانت تقول : لا
عدمتُ رجلاً وشحك هذا الوشاح ؛ فأقول : لا عدمت رجلاً عجّل أباك إلى النار
49 - قال معاوية لعبد الله بن عامر : إن لي إليك حاجةٌ ، أتقضيها ؟ قال : نعم
! ولي إليك حاجةٌ ، أتمضيها ؟ قال : نعم ؛ قال : سل حاجتك ، قال : أريد أن تهب لي
دورك وضياعك بالطائف ؛ قال : قد فعلت ؛ قال : وصلتك رحمٌ ، فسل حاجتك ؛ قال : أن
تردها عليّ ؛ قال : قد فعلت
50 - قال رجلٌ لأبي الأسود الدؤلي : أشهد معاوية بدراً ؟ فقال : نعم ، من ذاك
الجانب
51 - روى سعيدٌ المقبري ، عن أبي هريرة ، أنّه قال : ' لا يزالً العبدُ في
صلاةٍ ما لم يحدث ' فقال رجلٌ من القوم أعجمي : ما الحدثُ يا أبا هريرة ؟ قال :
الصوت ، قال : وما الصوت ؟ فجعل أبو هريرة يضرط بفيه حتى أفهمه
القسم الثالث فيما يروى عن العلماء والحكماء 52 - عن شيخ من قريش ، قال
: عرض شريحٌ ناقةً لبيعها ، فقال له المشتري : يا أبا أميّة ! كيف لبنها ؟ قال : احلب في أيّ
إناءٍ شئت ؛ قال : كيف الوطاء ؟ قال : افرش ونم ؛ قال : فكيف نجاؤها ؟ قال : إذا
رأيتها في الإبل عرفت مكانها ؟ قال : كيف قوتها ؟ قال : احمل على الحائط
ما شئت
فاشتراها ، فلم ير شيئاً مما وصفها به ، فرجع إليه ، فقال : لم أر شيئاً
مما وصفتها به ! قال : ما كذبتك ؛ قال : أقلني ؛ قال : نعمٌ
53 - عن أبي القاسم السلمي ، عن غير واحدٍ من أشياخه ، أن شريحاً خرج من عند
زيادٍ وهو مريضٌ ، فأرسل إليه مسروقٌ بن الأجدع رسولاً ، فقال : كيف تركت الأمير ؟
قال : تركته يأمر وينهى
قال : يأمر بالوصية وينهي عن النياحة
54 - عن زكرياء بن أبي زائدة ، قال : كنت مع الشعبي في
مسجد الكوفة ، إذ أقبل حمّال على كتفه كودن ، فوضعه ، ودخل إليه ، فقال : يا شعبي ! إبليس
كانت له زوجةٌ ؟ قال : ذاك عرسٌ ما شهدته ، قال : هذا عالم العراق يسأل عن مسألةٍ
فلا يجيب ! فقال : ردّوه ، نعم له زوجةٌ ، قال الله عز وجل : ! ( أفتتخذونه وذريته
أولياء من دوني ) ! [ 18 سورة الكهف / الآية : 50 ] ولا
تكون الذّرّيّة إلا من زوجةٍ
قال : فما كان اسمها ؟ قال : ذاك إملاكٌ ما شهدته
55 - عن عبد الله بن عياش ، قال : جلس الشعبي على باب داره ذات يوم ، فمرّ به
رجلٌ ، فقال : أصلحك الله ! إني كنت أصلي ، فأدخلت إصبعي في أنفي ، فخرج عليها دمٌ
، فما ترى : أحتجم أم افتصد ؟ فرفع الشعبي يديه ، وقال : الحمد لله الذي
نقلنا من الفقه إلى الحجامة
56 - أقر رجلٌ عند شريح ، ثم ذهب لينكر ، فقال له شريحٌ : قد شهد عليك ابن
أخت خالتك
57 - روى عامرٌ الشعبي يوماً : أن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] ، قال : ' تسحروا ، ولو أن
يضع أحدكم إصبعه على التراب ثمّ يضعه في فيه '
فقال رجلٌ : أيّ الأصابع ؟ فتناول الشعبيّ إبهام رجله ، وقال : هذه
58 - ولقيه رجلٌ وهو واقفٌ مع امرأةٍ يكلّمها ، فقال الرجل : أيّكما الشّعبيّ
؟ فأومأ الشعبيّ إلى المرأة ، وقال : هذه
59 - وسأله رجلٌ عن المسح على اللّحية في الوضوء ، فقال : خلّلها بأصابعك
فقال : أخاف أن لا تبلّها ! قال : فانقعها من أوّل اللّيل
60 - ودخل الشعبي على عبد الملك ، فقال له : كم عطاءك ؟ قال : ألفي درهم
فقال : لحن العراقي ؛ ثم رد عليه ، فقال : كم عطاؤك ؟ قال ألفاً درهم
قال : ألم تقل : ألفي درهم ! فقال : لحن أمير المؤمنين فلحنت ، لأني
كرهت أن يكون راجلاً وأكون فارساً
61 - ودخل الشعبي الحمام ، فرأى داود الأوديّ بلا مئزر ، فغمض عينيه ، فقال
له داود : متى عميت يا أبا عمرو ؟ قال : منذ هتك الله سترك
62 - وجاء رجلٌ إلى الشعبي ، فقال : اكتريت حماراً بنصف درهم ، وجئتك
لتحدّثني ؛ فقال له : أكتر بالنصف الآخر وارجع ، فما أريد أن أحدثك
63 - وقيل للشعبي : هل تمرض الروح ؟ قال : نعم ! من ظل الثقلاء
64 - قال بعض أصحابه : فمررت به يوماً وهو بين ثقيلين ، فقلت : كيف الروح ؟
قال : في النزع
65 - قال أبو عبد الله الأسناطي : لما نزل في عين سعيد بن المسيب الماء ، قيل
له : اقدحها ، فقال : فعلى من أفتحها
66 - كان إبراهيم النّخعي إذا طلبه إنسانٌ لا يحبّ لقاءه ، خرجت الخادم فقالت
: اطلبوه في المسجد
67 - عن جرير ، قال : جئت الأعمش يوماً ، فوجدته قاعداً في ناحيةٍ ، وفي
الموضع خليجٌ من ماء المطر ، فجاء رجلٌ عليه سواد ، فرأى الأعمش وعليه فروةٌ ،
فقال : قم عبرني هذا الخليج ؛ وجذب بيده ، فأقامه ، وركبه ، وقال : ! ( سبحان الذي سخر
لنا هذا وما كنا له مقرنين ) ! [ 43 سورة الزخرف / الآية 13 ]
فمضى به الأعمش حتى توسط الخليج ، ثم رمى به ، وقال : ! ( وقل رب أنزلني
منزلا مباركا وأنت خير المنزلين ) ! [ 23 سورة المؤمنون / الآية : 29 ]
ثمّ خرج ، وتركه يتخبّط في الماء
68 - عن الهيثم بن عدي ، قال : قيل للأعمش : ممّ عمشت عيناك ؟ قال : من النظر
إلى الثقلاء
69 - قال الأعمش : وقال جالينوس : لكل شيءٍ حمى ، وحمى الروح النظر إلى
الثقلاء
70 - قال شريك : سمعت الأعمش يقول : إذا كان عن يسارك ثقيلٌ وأنت في الصلاة ،
فتسليمة عن اليمين تجزءك
71 - قال إسحاق الأزرق : قال : رجلٌ للأعمش : كيف بتّ البارحة ؟ قال : فدخل ،
فجاء بحصير ووسادة ، ثم استلقى ، وقال : كذا
72 - قال سعيد الورّاق : كان للأعمش جارٌ ، كان لا يزال يعرض عليه المنزل ؛
يقول : لو دخلت فأكلت كسرةً وملحاً ؟ فيأبى عليه الأعمش ، فعرض عليه ذات يوم ،
فوافق جوع الأعمش ، فقال : مرّ بنا ؛ فدخل منزله ، فقرّب إليه كسرةً وملحاً ؛ إذ
سأل سائلٌ ، فقال له ربّ المنزل : بورك فيك ، فأعاد عليه المسألة ، فقال له : بورك
فيك ؛ فلما سأل الثالثة ، قال له : اذهب ، وإلا والله خرجت إليك بالعصا ! قال :
فناداه الأعمش : اذهب ويحك ! ولا والله ما رأيت أحداً أصدق مواعيد منه ، هو منذ
سنةٍ يعدني على كسرةٍ وملح ، ولا والله ما زادني عليهما
73 - قال الأعمش لجليسٍ له : تشتهي كذا وكذا من الطعام ؟
فوصف طعاماً طيباً ؛ فقال : نعم ؛ قال : فأنهض بنا ؛ فدخل به منزله ،
فقدّم رغيفين يابسين وكامخاً ، وقال : كل ؛ قال : أين ما قلت ؟ قال : ما قلت لك
عندي ، إنّما قلت تشتهي
74 - دخل على الأعمش رجلٌ يعوده ، فقال له : ما أشدّ ما مرّ بك في علّتك هذه
؟ قال : دخولك
75 - قال أبو بكرٍ بن عياش : كنّا نسمي الأعمش سيّد المحدثين ، وكنّا نجيء
إليه إذا فرغنا من الدّوران ، فيقول : عند من كنتم ؟ فيقول : عند فلان ؛ فيقول :
طبلٌ مخرقٌ ؛ ويقول : عند من ؟ فنقول : فلانٌ ، فيقول : دفٌ ممزّقٌ
وكان يخرج إلينا شيئاً لنأكله ، فقلنا يوماً : لا يخرج إليكم الأعمش
شيئاً إلا أكلتموه
قال : فأخرج إلينا سنّاً ، فأكلناه ، وأخرج فدخل ، فأخرج فتيتاً ،
فشربناه ، فدخل ، فأخرج إجانةً صغيرةً وقتاً ، وقال : فعل الله بكم وفعل ! أكلتم قوتي
وقوت امرأتي ، وشربتم فتيتها ! هذا علفٌ الشاة ، كلوا ! قال : فمكثنا ثلاثين يوماً
لا نكتب فزعاً منه ، حتى كلّمنا إنساناً عطاراً كان يجلس إليه حتى كلمه لنا
76 - قال شعبة : كان الأعمش إذا رأى ثقيلاً ، قال له : كم عزمك تقيم في هذا
البلد ؟ 77 - قال عمر بن حفص بن غياثٍ ، حدّثني أبي ، قال : قال لي الأعمش : إذا
كان غد فاغذ عليّ حتى أحدثك عشرة أحاديث ، وأطعمك عصيدةً ، وانظر ! لا تجيء معك
بثقيل ! قال حفص : فغدوت أريد الأعمش ، فلقيني ابن إدريس ، فقال : لي : أين تريد ؟
قلت : إلى الأعمش ، قال : فامض بنا
قال : فلمّا بصر بنا الأعمش دخل إلى منزله ، وأجاف الباب ، وجعل يقول من
داخل : يا حفص ! لا تأكل العصيدة إلا بجوزٍ ! ألم أقل لك لا تجئني بثقيل !
78 - قال السيناني : دخل مع أبي حنيفة على الأعمش ، فقال : يا أبا محمد !
لولا أني أكره أن أثقل عليك لزدت في عيادتك ؛ فقال له الأعمش : إنّك تثقل عليّ
وأنت في بيتك ، فكيف إذا دخلت عليّ ؟ 79 - قال الرّبيع بن نافع : كنّا نجلس إلى
الأعمش ، فنقول : في السماء غيمٌ
يعني : ههنا من نكره
80 - قال جرير : دعي الأعمش إلى عرس ، فنشر فروته ، ثم
جاء ، فرده الحاجب ، فرجع ، فلبس قميصاً وإزاراً ، وجاء ، فلمّا رآه
الحاجبُ أذن له ، فدخل ، وجاءوا بالمائدة ، فبسط كمّه على المائدة ، وقال : كل ! فإنما أنت
دعيت ليس أنا ! وقام ولم يأكل
81 - قال حفص بن غياثٍ : رأيت إدريس الأودي جاء بابنه عبد الله إلى الأعمش
، فقال : يا أبا محمد ! هذا ابني ، إنّ من علمه بالقرآن ، إنّ من علمه
بالفرائض ، إنّ من علمه بالشعر ، إنّ من علمه بالنحو ، إن من علمه بالفقه ؛
والأعمش ساكتٌ ، ثم سأل الأعمش عن شيءٍ ، فقال : سل ابنك !
82 - قال وكيعٌ : كنا يوماً عند الأعمش ، فجاء رجلٌ يسأله عن شيءٍ ، فقال :
إيش معك ؟ قال : خوخٌ ؛ فجعل يحدثه بحديثٍ ويعطيه واحدةً ، حتى فني ، قال : بقي
شيءٌ ؟ قال : فني يا أبا محمدٍ ؛ قال : قم ، قد فني الحديث
83 - قال خبيقٌ : عوتب الأعمش في دخوله على بعض الأمراء ، فقال : هم بمنزلة
الكنيف ، دخلت ، فقضيت حاجتي ، ثم خرجت
84 - قال محمد بن عبيد الله بن صبيح : ولى الحجّاج رجلاً من الأعراب بعض
المياه ، فكسر عليه بعض خراجه ، فأحضره ، ثم قال له : يا عدوّ الله ! أخذت مال
الله ! قال : فمال من آخذ ! أنا والله مع الشيطان أربعين سنةً حتى يعطيني حبّةً ما
أعطاني
85 - قال عبيد الله بن محمدٍ التيمي : سمعت ذا النّون
يقول بمصر : من أراد أن يتعلم المروءة والظرف فعليه بسقاة الماء ببغداد ، قيل له :
وكيف ذلك ؟ قال : لمّا حملت إلى بغداد ، رمي بي على باب السلطان مقيّداً ، فمرّ بي
رجلٌ متزرٌ بمنديل مصري ، معتمٌ بمنديل دبيقي ، بيده كيزان خزفٍ رقاقٍ وزجاج مخروط
، فسألت : هذا ساقي السلطان ؟ فقيل لي : لا ! هذا ساقي العامة ؛ فأومأت إليه اسقني
، فتقدّم وسقاني ، فشممت من الكوز رائحة المسك ، فقلت لمن معي : ادفع إليه ديناراً
؛ فأعطاه الدينار ، فأبى ، وقال : لست آخذ شيئاً ! فقلت له : ولم ؟ فقال : أنت
أسيرٌ ، وليس من المروءة أن آخذ منك شيئاً ؛ فقلت : كمل الظرف في هذا
86 - قال نسيمٌ الكاتب : قيل لأشعب : جالست الناس وطلبت العلم ، فلو جلست لنا
؟ فجلس ، فقالوا : حدّثنا ! فقال : سمعت عكرمة يقول : سمعت ابن عباس يقول : سمعت رسول الله [
صلى الله عليه وسلم ] يقول ' خلّتان لا يجتمعان في مؤمن '
ثم سكت ، فقالوا : ما الخلّتان ؟ فقال : نسي عكرمة واحدة ، ونسيت أنا
الأخرى
87 - قال الواقديّ : لقيت أشعب يوماً ، فقال : وجدت ديناراً ، فكيف أصنع به ؟
قلت : تعرفه ؛ قال : سبحان الله ! قلت : فما الرأي ؟ قال : أشتري به قميصاً وأعرفه
؛ قلت : إذن لا يعرفه أحدٌ ؛ قال : فذلك أريد
88 - قال الهيثم بن عدي : كان أشعب مولى فاطمة بنت الحسين ، فأسلمته في
البزّازين ، فقيل له : أين بلغت معرفتك بالبزّ ؟ فقال : أحسن النشر ، وما أحسن
أطوي ، وأرجو أن أتعلّم الطيّ
89 - وقال أشعب : رأيت في النوم كأني أحمل بدرةً ، فمن ثقلها أحدثت ، فانتبهت
، فرأيت الحدث ولم أر البدرة
90 - قال عثمان بن عيسى الهاشمي : كنت عند المعتز ، وكان قد كتب أبو أحمد ابن
المنجّم إلى أخيه أبي القاسم رقعةً يدعوه فيها ، فغلط الرسول ، فأعطاها لابن
المعتز وأنا عنده ، فقرأها ، وعلم أنّها ليست له ، فقلبها وكتب : ( دعاني الرسول ولم
تدعني ** ولكن لعلّي أبو القاسم ) فأخذ الرسول الرقعة ومضى ، وعاد عن قريب ، فإذا
فيها مكتوب : ( أيا سيّداً قد غدا مفخراً ** لهاشم إذ هو من
هاشم تفضّل وصدّق خطأ الرسول ** تفضل مولى على خادم )
( فما أن يطاق إذا ما جددت ** وهزلك كالشهد للطاعم فدى لك من كل ما يتّقيه
** أبو أحمد وأبو القاسم ) قال : فقام ، ومضى إليه
91 - قال عثمان بن سعيد الرزاي : حدّثني الثقة من أصحابنا ، قال : لمّا مات
بشرٌ المريسي لم يشهد جنازته من أهل العلم والسنّة أحدٌ إلا عبيد الشّونيزي ،
فلمّا رجع من الجنازة لاموه ، فقال : أنظروني حتى أخبركم ، ما شهدت جنازةً رجوت
فيها من الأجر ما رجوت في شهود جنازته ، إنّني لما قمت في الصف ، قلت : اللهمّ !
عبدك هذا كان لا يؤمن برؤيتك في الآخرة ؛ اللهمّ ! فاحجبه عن النظر
إلى وجهك يوم ينظر إليك المؤمنون ؛ اللهم ! عبدك هذا كان لا يؤمن بعذاب القبر ،
اللهمّ ! فعذبه اليوم في قبره عذاباً لم تعذبه أحداً من العالمين ؛ اللهمّ ! عبدك
هذا كان ينكر الميزان ، اللهمّ ! فخفف ميزانه يوم القيامة ؛ اللهمّ ! عبدك هذا كان
ينكر الشفاعة ؛ اللهمّ ! فلا تشفع فيه أحداً من خلقك يوم القيامة ؛ قال : فسكتوا
عنه وضحكوا
92 - دخل أبو حازم المسجد ، فوسوس له الشيطان أنّك قد أحدثت بعد وضوئك ؛ فقال
: أو بلغ هذا من نصحك ؟ !
93 - قال المدائني : كان المطلب بن محمدٍ على قضاءٍ مكة وقد كان عنده امرأة
قد مات عنها أربعة أزواج ، فمرض مرض الموت ، فجلست عند رأسه تبكي ، وقالت : إلى من
توصي بي ؟ قال : إلى السادس الشقيّ
94 - قال أبو العباس محمد بن إسحاق الشاهد : سألت الزبير ابن البكار ، فقلت :
منذ كم زوجتك معك ؟ فقال : لا تسألني ، ليس يرد القيامة أكثر كباشاً منها ، ضحيت
عنها بسبعين كبشاً
95 - عن عبد الرزّاق ، عن أبيه ، أن حجراً المدري أمره محمد بن يوسف أن يلعن
علياً ، فقال : إنّ الأمير محمد بن يوسف أمرني أن ألعن علياً ، فالعنوه ؛ لعنه
الله
قال : فعمّاها على أهل المسجد ، فما فطن لها إلا رجلٌ واحدٌ
96 - قال القرشي : وامتحنت الخوارج شيعيّاً ، فقال : أنا من عليّ ومن عثمان
برئ
97 - قال مثنى : كان ابن عونٍ في جيشٍ ، فخرج رجل من المشركين ، فدعا إلى
البراز ، فخرج إليه ابن عون وهو ملثم ، فقتله ، ثم اندسّ في الناس ، فجهد الوالي
أن يعرفه ، فلم يقدر ، فنادى مناديه :
أعزم على من قتل هذا إلا جاءني ، فجاءه ابن عونٍ ، فقال : وما على رجلٍ
أن يقول : أنا قتلته ؟
98 - قال شميرٌ : إنّ رجلاً خطب امرأة وتحته أخرى ، فقالوا : لا نزوّجك حتى
تطلّق ، فقال : اشهدوا أني قد طلقت ثلاثاً ، فزوّجوه ، فأقام على امرأته ، فادعى
القوم الطلاق ، فقال : أما تعلمون أنّه كانت تحتي فلانةٌ بنت فلانٍ فطلّقتها ؟
قالوا : بلى
وكانت تحتي فلانةٌ بنت فلانٍ فطلّقتها ؟ قالوا : بلى
وكانت تحتي فلانةٌ فطلّقتها ؟ قالوا : بلى
قال : فقد طلّقت ثلاثاً
فبلغ إلى عثمان ، فجعلها نيّته
99 - قال علي بن عاصم : دخلت على أبي حنيفة وعنده حجام يأخذ من شعره ، فقال
للحجام : تتبع مواضع البياض ، قال الحجام : لا ترد ، قال : ولم ؟ قال : لأنّه يكثر
قال : فتتّبع مواضع السواد لعله يكثر
100 - دخل أبو حنيفة على المنصور ، وكان أبو العباس الطوسي سيىء الرأي في أبي
حنيفة ، فقال الطوسي : اليوم أقتله
فقال : يا أبا حنيفة ! إن أمير المؤمنين يأمرني بقتل رجل لا أدري ما هو
؟ فقال أبو حنيفة : أمير المؤمنين يأمر بالحق أو بالباطل ؟ قال : بالحق
قال : أنفذ الحق حيث كان
101 - قال محمد بن جعفر الإمامي : كان أبو حنيفة يتّهم
شيطان الطاق بالرجعة ، وكان شيطان الطاق يتهم أبا حنيفة بالتناسخ ، فخرج
أبو حنيفة يوماً إلى السوق ، فاستقبله شيطان الطاق ومعه ثوبٌ يريد بيعه ، فقال له
أبو حنيفة : تبيع هذا الثوب إلى رجوع علي ؟ فقال له : إن أعطيتني كفيلاً أنك لا
تمسخ قرداً ، بعتك ؛ فبهت أبو حنيفة
102 - ولمّا مات جعفر بن محمد ، التقى هو وأبو حنيفة ، فقال له أبو حنيفة :
أمّا إمامك فقد مات
فقال له شيطان الطاق : أمّا إمامك فمن المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم
103 - قال محمد بن مسلمة المديني : وقيل له : إن رأي أبي حنيفة دخل هذه
الأمصار كلّها ولم يدخل المدينة ؛ قال : لأنّ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ]
قال : ' على كل نقبٍ من أنقابها ملكٌ يمنع الدّجّال من دخولها ' ، وكلام هذا من كلام
الدّجّالين ، فمن ثم لم يدخلها !
104 - قال أحمد بن محمدٍ ، عن يحيى القطان : قال لي يزيد بن هارون : أنت أثقل
عندي من نصف حجر البزر ، قلت : لم لم تقل من الرّحى كله ؟ فقال : إنّه إذا كان
صحيحاً تدحرج ، فإذا كان نصفاً لم يرفع إلا بجهدٍ
105 - قال المبرد : سأل المأمون يحيى بن المبارك عن شيءٍ ، فقال : لا
، وجعلني الله فداك يا أمير المؤمنين ؛ فقال : لله درك ! ما وضعت واوٌ قطّ وضعاً
أحسن منها في هذا الموضع ؛ ووصله وحمله
106 - عن أبي سمي الزاهد ، عن إبراهيم بن أدهم ، إنّه كان في بعض السّواحل
ومعه رفقاءٌ له ، ومعهم حميرٌ لهم ، فجاء إليهم رجلٌ ، فقال : أريد أصحبكم وأكون
معكم ؛ فكأنّهم كرهوا ذلك ، فلما خرجوا إلى ساحل البحر والرّجل معهم ، قال إبراهيم
بن أدهم للحمار : زر ؛ فصاح الحمارٌ ، فانصرف الرّجل عنهم ، وقال : أنا ظننت فيكم
خيراً ؛ فصرفوه بهذا
107 - قال عبدالله بن أحمد بن حربٍ : كلّم رجل عيسى بن موسى عند عبد الله بن
شبرمة القاضي ، فقال عيسى : من يعرفك ؟ قال : ابن شبرمة ، فقال : أتعرفه ؟ قال :
إني لأعلم أن له شرفاً وبيتاً وقدماً ؛ فلما خرج ابن شبرمة ، سئل عن ذلك ، فقال :
أعلم أن له
أذنين مشرفتين ، وأنّ له بيتاً يأوي إليه ، وقدماً يطأ عليها
108 - بلغنا أنّ رجلين سعيا بمؤمن إلى فرعون ليقتله ، فأحضرهم فرعون ، فقال
للسّاعيين : من ربّكما ؟ قالا : أنت ! فقال للمؤمن : من ربك ؟ فقال : ربي ربّهما !
فقال لهما فرعون : سعيتما برجلٍ على ديني لأقتله ! فقتلهما
109 - قال الأصمعيّ : أنشدت محمد بن عمران قاضي المدينة : ( يا أيها السائل عن
منزلي ** نزلت في الخان على نفسي يغدو عليّ الخبز من خابزٍ ** لا يقبل الرّهن ولا
ينسي آكل من كيسي ومن كسوتي ** حتى لقد أوجعني ضرسي ) فقال : اكتبه لي
؛ قلت : أصلحك الله ! إنّما يكتب هذا للأحداث ! فقال : ويحك ! اكتبه لي
، فإن الأشراف يعجبهم الملاحة
110 - امتحن ابن أبي دؤاد الحارث بن مسكين أيام المحنة ، فقال له : أشهد أنّ
القرآن مخلوقٌ ! فقال الحارث : أشهد أنّ هذه الأربعة مخلوقةٌ ،
وبسط أصابعه الأربع ؛ وقال : التوراة والإنجيل والزّبور والفرقان ؛ فتخلّص
111 - قال رجلٌ لأبي تمّام : لم لا تقول ما نفهم ؟ فقال : لم لا تفهمون ما
أقول ؟ 112 - قال أحمد ابن أبي طاهر : قال أبو هفّان ، ووصف
رجلاً ، فقال : هو أثقل على القلوب من الموت على المعصية ! 113 - قال
سفيان بن وكيع : سمعت سفيان بن عيينة يقول : دعانا سفيان الثّوري يوماً ، فقدّم
إلينا تمراً ولبناً خاثراً ، فلمّا توسّطنا الأكل ، قال : قوموا بنا نصلي ركعتين
شكراً لله
قال سفيان بن وكيع : لو كان قدّم إليهم شيئاً من هذا اللوزينج المحدث ،
لقال لهم : قوموا بنا نصلي تراويح
114 - قال أبو حاتم : أنشدنا الأصمعي : ( إذا جاء يومٌ صالحٌ فاقبلنه ** فأنت على يوم
الشقاء قدير ) ثم قال : أتدرون من أين أخذت هذا ؟ أخذته من قول العيّارين : أكثر
من التخم ، فإنّك على الجوع قادرٌ
115 - قال بكر بن عبد الله المزني : أحوجٌ الناس إلى لطمةٍ من دعي إلى وليمةٍ
فذهب معه بآخر ؛ وأحوج الناس إلى لطمتين رجلٌ دخل دار قوم ، فقيل له : اجلس ههنا ،
فقال : لا ! بل ههنا ؛ وأحوج النّاس إلى ثلاث لطماتٍ رجلٌ قدم إليه طعامٌ ، فقال :
لا آكل حتى يجلس معي ربّ البيت
116 - قال عمرو بن عثمان : دخل المنصور قصراً ، فوجد في جداره كتاباً :
( ومالي لا أبكي بعينٍ حزينةٍ ** وقد قربت للظّاعنين حمول ) وتحته مكتوبٌ : إيه إيه ؟ - قال
أبو عمرو : ويروى آهٍ آهٍ - فقال المنصور : أيّ شيءٍ إيه إيه ؟ فقال له الربيع ،
وهو إذ ذاك تحت يدي أبي الخصيب الحاجب : يا أمير المؤمنين ! إنّه لمّا كتب البيت
أحبّ أن يخبر أنّه يبكي . فقال : قاتله الله ما أظرفه
117 - قال أبو الفضل الرّبعي : حدثني أبي ، قال : قال المأمون لعبد الله بن
طاهر : أيّما أطيب : مجلسي أو منزلك ؟ قال : ما عدلت بك يا أمير المؤمنين ! فقال :
ليس إلى هذا ذهبت ، إنّما ذهبت إلى الموافقة في العيش واللّذّة ، قال : منزلي يا
أمير المؤمنين
قال : ولم ذاك ؟ قال : لأني فيه مالك وأنا ههنا مملوكٌ
118 - عن الأصمعي ، قال : قال رجلٌ : ما رأيت ذا كبرٍ قطّ إلا تحوّل داؤه فيّ
يريد : إنّي أتكبّر عليه
119 - بلغنا عن بعض ولاة مصر أنّه كان يلعب بالحمام ، فتسابق هو وخادمٌ له ،
فسبقه الخادم ، فبعث الأمير إلى وزيره يستعلم الحال ، فكره الوزير أن يكتب إليه :
إنّك قد سبقت ؛ ولم يدر كيف يكني عن تلك الحال ، فقال كاتبٌ : ثم إن رأيت أن
تكتب : ( يا أيّها المولى الذي جدّه ** لكلّ جدّ قاهرٌ غالبٌ طائرك السّابق لكنّه
** أتى وفي خدمته حاجب ) فاستحسن ذلك ، وأمر له بجائزةٍ ، وكتب به
120 - أطال الجلوس يوماً عند الواثق حسينٌ الخادم ، فقال له : ألك حاجةٌ ؟ قال
: أمّا إلى أمير المؤمنين فلا ، ولكن إلى الله تعالى أن يطيل بقاءه ويديم عزّه
121 - جاء رجلٌ إلى أبي خازم القاضي ، فقال : إنّ الشيطان يأتيني ، فيقول :
إنّك قد طلّقت امرأتك ، فيشككني ؛ فقال له : أو ليس قد طلقّتها ؟ قال : لا ! قال :
ألم تأتني أمس فتطلّقها عندي ؟ فقال : والله ما جئتك إلا اليوم ، ولا طلّقتها
بوجهٍ من الوجوه ، قال : فاحلف للشيطان كما حلفت لي ، وأنت في عافيةٍ
122 - كتب بعض ملوك فارس على بابه : ' تحتاج أبواب الملوك إلى عقلٍ ومالٍ
وصبرٍ ' فكتب بعض الحكماء تحته : ' من كان عنده واحدةٌ من
هذه الثلاث لم يحتج إلى أبواب الملوك ' فرفع خبره إلى الملك ، فقال : زه ! وأمر
بإجازته ومحو الكتابه من الباب
123 - مرّ الشّعبي بخيّاط ، فقال : يا خيّاط ! عندنا راقود قد انكسر ، تخيطه ؟
فقال له الخيّاط : إن كان عندك خيوطٌ من ريحٍ خطته لك
124 - لمّا حاصر خالد بن الوليد أهل الحيرة ، قال : ابعثوا لي رجلاً من
عقلائكم ؛ فبعثوا عبد المسيح بن عمروٍ ، وكان نصرانياً ،
فجاء ، فقال لخالد : أنعم صباحاً أيها الملك ! فقال : قد أغنانا الله عن
تحيّتك هذه ، فمن أين أقصى أثرك أيها الشيخ ؟ قال : من ظهر أبي ؛ قال : فمن أين
خرجت ؟ قال : من بطن أمي ؛ قال : فعلام أنت ؟ قال : على الأرض ؛ قال : ففيم أنت ؟ قال :
في ثيابي ؛ قال : أتعقل ؟ قال : أي والله ، وأقيّد ؛ قال : ابن كم أنت ؟ قال
: أبن رجلٍ واحدٍ ؛ قال خالدٌ : ما رأيت كاليوم ، أسألك الشيء وتنحو في غيره !
فقال : ما أنبأتك إلا عما سألتني
125 - قال المبرّد : قال رجلٌ لهشام بن عمروٍ الفوطي : كم تعدّ ؟ قال : من
واحدٍ إلى ألف ألف ؛ قال : لم أرد هذا ، قال : فما أردت ؟ قال : كم تعدّ من السّنّ
؟ قال : اثنان وثلاثون ؛ ستة عشر من أعلى وستة عشر من أسفل ؛ قال : لم أرد هذا ، قال
: فما أردت ؟ قال : كم لك من السنين ؟ قال : ما لي منها شيءٌ ، كلها لله عز وجل ؛
قال : فما سنّك ؟ قال : عظمٌ ؛ قال : فابن كم أنت ؟ قال : ابن اثنين : أبٌ وأمٌ ؛
قال : فكم أتى عليك ؟ قال : لو أتى عليٌ شيءٌ لقتلني ؛ قال : فكيف أقول ؟ قال : قل
: كم مضى من عمرك ؟ 126 - لقي الخوارجٌ رجلاً ، فهمّوا بقتله ، فقال : أعهد إليكم
في اليهود شيء ؟ قالوا : لا ! قال : فامضوا راشدين
127 - قال الرشيد لأبي يوسف : ما تقول في الفالوذج
واللوزينج ؟ أيهما أطيب ؟ فقال : يا أمير المؤمنين ! لا أقضي بين غائبين
؛ فأمر بإحضارهما ، فجعل أبو يوسف يأكل من هذا لقمةً ومن هذا لقمةً ، حتى نصف
جاميهما ، ثمّ قال : يا أمير المؤمنين ! ما رأيت خصمين أجدل منهما ، كلما أردت أن
أسجل لأحدهما أدلى الآخر بحجّته
128 - عن مطر الورّاق ، قال : إذا سألت العالم عن مسالةٍ فحكّ رأسه ، فاعلم ،
أنّ حماره قد بلغ القنطرة
129 - وعنه أيضاً أنّه قال : غضب عليّ أبي ، فأسلمني إلى الحاكة نصف يومٍ ،
فأنا أعرف ذلك في عقلي
130 - قال ابن خلفٍ : حدّثني بعض أصحابنا قال : بلغني أنّ
الرشيد خرج متنزهاً ، فانفرد من عسكره والفضل بن الرّبيع خلفه ، فإذا هو
بشيخٍ قد ركب حماراً وفي يده لجامٌ كأنّه مبعرٌ محشوٌ ، فنظر إليه فإذا رطب
العينين ، فغمز الفضل عليه ، فقال له الفضل : أين تريد ؟ قال : حائطاً لي
فقال : هل لك أن أدلك على شيء تداوي به عينيك فتذهب هذه الرطوبة ؟ قال : ما أحوجني إلى
ذلك ! فقال له : خذ عيدان الهواء وغبار الماء وورق الكمأة ، فصيّره في قشر جوزةٍ
واكتحل ، فإنّه يذهب عينيك
قال : فاتكأ على قربوسه ، فضرط ضرطة طويلةٌ ، ثمّ قال : تأخذ أجرةٌ
لصفتك ، فإن نفعتنا زدناك
قال : فاستضحك الرشيد حتى كاد يسقط عن ظهر دابّته
131 - قال المهدي لشريك : لو شهد عندك عيسى كنت تقبله ؟ وأراد أن يغري بينهما
؛ فقال : من شهد عندي سألت عنه ، ولا يسأل عن عيسى إلا أمير المؤمنين ، فإن زكيّته
قبلته
132 - دخل الوليد بن يزيد على هشام [ بن عبد الملك ] ، وعلى الوليد عمامةٌ وشي
، فقال هشام : بكم أخذتها ؟ قال : بألف درهم
فقال : هذا كثيرٌ ؛ قال : إنّها لأكرم أطرافي ، وقد اشتريت جاريةً بعشرة
آلافٍ لأخسّ أطرافك ! 133 - وقعت على يزيد بن المهلّب حيةٌ ، فلم يدفعها عنه ،
فقال
له أبوه : ضيّعت العقل من حيث حفظت الشجاعة
134 - قال عمارة بن عقيل : قال ابن أبي حفصة الشاعر : أعلمت أنّ أمير المؤمنين
! يعني : المأمون - لا يبصر الشعر ؟ فقلت : من ذا يكون
أفرس منه ؟ والله إنّا لننشد أوّل البيت فيسبق إلى آخره من غير أن يكون سمعه ؛ قال
: إنّي أنشدته بيتاً أجدت فيه ، فلم أره تحرك له ، وهذا البيت فاسمعه : ( أضحى إمام
الهدى المأمون مشتغلاً ** بالدّين والنّاس بالدّنيا مشاغيل ) فقلت له : ما زدت أن
جعلته عجوزاً في محرابها في يدها سبحةٌ ، فمن يقوم بأمر الدّنيا إذا كان مشغولاً
عنها وهو المطرق لها ؟ ألا قلت كما قال عمّك جريرٌ لعبد العزيز بن الوليد : ( فلا
هو في الدنيا مضيعٌ نصيبه ** ولا عرضٌ الدنيا عن الدين شاغله ) 135 - بلغنا عن
الرّشيد أنّه كان في داره حزمةٌ خيزران ، فقال لوزيره الفضل بن الرّبيع : ما هذه ؟
فقال : عروق الرماح يا أمير المؤمنين ؛ ولم يرد أن يقول : الخيزران لموافقته اسم
أم الرّشيد
136 - قيل للحسن بن سهل ، وقد كثر عطاؤه على اختلال حاله : ليس في السرف خيرٌ
؛ فقال : ليس في الخير سرفٌ
137 - رأى الفتح بن خاقان شيئاً في لحية المتوكل ، فنادى : يا غلام ! مرآة
أمير المؤمنين ؛ فجيء بها ، فقابل بها وجهه حتى أخذ ذلك الشيء بيده
138 - قال الحسن بن علي بن مقلة : كان أبو علي ابن مقلة
يوماً يأكل ، فلمّا رفعت المائدة ، وغسل يده ، رأى على ثوبه نقطةً صفراء
من الحلواء التي كان يأكلها ، ففتح الدواة ، واستمد منها ، ونقطها على الصفرة حتى
لم يبق لها أثرٌ ، وقال : ذلك عيبٌ ، وهذا أثر صناعةٍ ؛ ثم أنشد : ( إنّما الزّعفران
عطر العذارى ** ومداد الدّوي عطر الرجال ) 139 - قال السلامي الشاعر : دخلت على
عضد الدولة ، فمدحته ، فأجزل عطيّتي من الثياب والدّنانير ، وبين يديه جامٌ ،
فرآني ألحظه ، فرمى به إليّ ، وقال : خذه ؛ فقلت : وكل خيرٍ عندنا من عنده ؛ فقال
عضد الدولة : ذاك أبوك ! فبقيت متحيّراً لا أدري ما أراد ؛ فجئت أستاذا لي ، فشرحت
له الحال ؛ فقال : ويحك ! قد أخطأت خطيئة عظيمةً ، لأن هذه الكلمة لأبي
نواس يصف كلباً حيث يقول : ( أنعت كلباً أهله في كدّه ** قد سعدت جدودهم بجدّه
( وكل خيرٍ عندهم من عنده ) قال : فعدت متّشحاً بكساء ، ووقفت بين يدي الملك أرعد
، فقال : ما لك ؟ قلت : حممت الساعة ، قال : هل تعرف سبب حمّاك ؟ قلت : نظرت في
شعر أبي نواس ، فحممت ؛ قال : لا تخف ، لا بأس عليك من هذه الحمى ؛ فسجدت له ،
وانصرفت
140 - قال يموت بن المزرّع : جلس الجمّاز يأكل على مائدةٍ
بين يدي جعفر بن القاسم ، وجعفر يأكل على مائدةٍ أخرى مع قومٍ ، وكانت
الصحفة ترفع من بين يدي جعفر فتوضع [ بين ] يديّ الجمّاز ومن معه ، فربّما جاء
قليل وربما لم يجيء شيءٌ ، فقال الجمّاز : أصلح الله الأمير ، ما نحن اليوم إلا
عصبةٌ ، ربّما فضل لنا بعض المال ، وربّما أخذه أهل السهام ولا يبقى لنا شيءٌ
141 - قال يموت : وكان أبي والجمّاز يمشيان ، وأنا خلفهما ، فمررنا بإمام وهو
ينتظر من يمرّ عليه فيصلي معه ، فلمّا رآنا أقام الصلاة مبادراً ، فقال له الجمّاز
: دع عنك هذا ، فإنّ رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] نهى أن يتلقّى الجلب
142 - قال عافية بن شبيبٍ : لما دخل الجمّاز على المتوكل ، قال له : تكلّم ،
فإنّي أريد أن أستبرئك ؛ فقال : له الجمّاز : بحيضةٍ أو حيضتين ؟ فضحك الجماعة
فقال له الفتح [ بن خاقان ] : قد كلّمت أمير المؤمنين فيك حتى ولاّك
جزيرة القرود ؛ فقال الجمّاز : أفلست في السمع والطاعة أصلحك الله ؟ فحصر الفتح
وسكت ، فأمر له المتوكل بعشرة آلاف درهم ، فأخذها وانحدر ، فمات فرحاً بها
143 - قال أحمد بن المعدل : كنت جالساً عند
عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون ، فجاءه بعضٌ جلسائه ، فقال : أعجوبةٌ ! قال : ما هي ؟
قال : خرجت إلى حائطي بالغابة ، فلمّا أصحرت وبعدت عن البيوت ، تعرّض لي رجلٌ ،
فقال : اخلع ثيابك ! قلت : وما يدعوني إلى خلع ثيابي ؟ قال : أنا أولى بها منك ،
قلت : ومن أين ؟ قال : لأني أخوك وأنا عريانٌ وأنت مكتسٍ ؛ قلت : فالمواساة ! قال
: كلا ، قد لبستها برهةٌ ، وأنّا أريد أن ألبسها كما لبستها ؛ قلت : فتعريني وتبدي
عورتي ؟ قال : لا بأس بذلك ، فقد روّينا عن مالك أنّه قال : لا بأس للرّجل أن
يغتسل عرياناً ؛ قلت : فيلقاني الناس فيرون عورتي ؟ ! قال : لو كان الناس يرونك في
هذه الطريق ما عرضت لك فيها ؛ فقلت : إني أراك ظريفاً ، فدعني حتى أمضي إلى حائطي وأنزع
هذه الثياب ، وأوجه بها إليك ؛ قال : كلا ، أردت أن توجه إلى أربعةً من عبيدك ،
فيحملوني إلى السلطان ، فيحبسني ، ويمزق جلدي ، ويطرح في رجلي القيد ؛ قلت : كلا ،
أحلف لك أيماناً أني أفي لك بما وعدتك ولا أسؤوك ! قال : كلا ! إنّا
روّينا عن مالك أنّه قال : لا تلزم الأيمان التي يحلف بها للصوص ؛ قلت : فأحلف لك
إنّي لا أحتال في أيماني هذه ؛ قال : هذه يمين مركبةٌ على أيمان اللصوص ؛ قلت :
فدع المناظرة بيننا ، فوالله لأوجّهن إليك هذه الثياب طيبةٌ بها نفسي ؛ فأطرق ، ثم
رفع رأسه ، وقال : تدري فيم فكرت ؟ قلت : لا ؛ قال : تصفحت أمر اللصوص من عهد رسول
الله [ صلى الله عليه وسلم ] وإلى وقتنا هذا فلم أجد لصاً أخذ نسيئةٌ ، وأكره
أن أبتدع في الإسلام بدعةً يكون عليّ وزرها ووزر من
عمل بها بعدي إلى يوم القيامة ، اخلع ثيابك ؛ فخلعتها ودفعتها إليه
144 - شاهد عبيد الله بن محمدٍ الخفّاف لصّاً قد أخذ ، وشهد عيه أنّه كان يفشّ
الأقفال في الدور اللطاف ، فإذا دخل ، حفر في الدار حفرةً لطيفةً كأنّها بئر النرد
، وطرح فيها جوزاتٍ كأنّه يلاعب إنساناً ، وأخرج منديلاً فيه نحو مئتي جوزةً ،
فتركه إلى جانبها ، ثم يكور جميع ما يطيق حمله ، فإن لم يفطن به خرج ، وإن جاء
صاحب الدار ترك القماش وأفلت ، وإن كان صاحب الدار جلداً ، فواثبه ، وصاح : اللصوص
! واجتمع الجيران ، أقبل عليه ، وقال : ما أبردك ! أنا
أقامرك بالجوز منذ شهور ، قد أفقرتني وأخذت كل ما أملكه ، لأفضحنّك بين جيرانك ،
لمّا قمرتك الآن تصيح ! يا غثّ ! يا بارد ! بيني وبينك دار القمار ، قل قد ضغوت
حتى أخرج ! فيقول الجيران : إنّما يريد أن لا يفضح نفسه بالقمار ، فقد ادعي على ذا
اللصوصية ؛ فيحولون بينهما ، ويخرجون اللص
145 - دخل لصٌ بيت قوم ، فلم يجد فيه شيئاً ، فكتب على الحائط : ' عزّ علي
فقركم وغناي '
146 - دخل لصٌ داراً ، فأخذ ما فيها وخرج ، فقال صاحب الدار : ما أنحس هذه
الليلة ! فقال اللص : ليس على كل أحدٍ
147 - قال أبو حاتم : أنشدنا الأصمعي : ( إذا جاء يومٌ صالحٌ فاقبلنه ** فأنت على يوم
الشقاء قدير ) ثم قال : أتدرون من أين أخذت هذا ؟ من قول العيّارين : أكثر من
التخم ، فأنت على الجوع قادر
148 - قال إسحاق بن إبراهيم القزاز : كنّا عند بندار ، فقال في حديث : عن
عائشة ، قال : قالت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ، فقال له رجلٌ يسخر منه :
بالله ما أفضحك ! فقال : كنّا إذا خرجنا من عند روحٍ دخلنا على أبي عبيدة ، قال : فقد بان ذلك عليك
149 - قال الأصمعي : كان بعض الكرماء في مجلسه وعنده جماعةٌ ، فضرط رجلٌ من
جلسائه ، فانقبض لذلك ، واغتمّ بانقباضه صاحب المجلس ، فلمّا كان من الغد ، أمر
فترك تحت الفرش نفّاخة السمك ، فلمّا جلس الناس عنده تفرقعت من تحت الجلساء ، فقال :
ما هذا ؟ انظروا ! فأخرجت وقد انشقّت ، فقال : هذا بالأمس ، وهذا اليوم
! وأمر بصفع الفراشين ، فزالت الظنّة عن الضّارط ، وبرئت ساحته . 150 - قال أبو
أحمد العسكري : حدثني شيخٌ من شيوخ بغداد ، قال : كان حيّان بن بشرٍ قد ولي قضاء
بغداد وقضاء إصبهان أيضاً ، وكان من جلّة أصحاب الحديث ، فروى يوماً أنّ عرفجة قطع
أنفه يوم الكلام ! وكان مستمليه رجلاً يقال له : كجّة ، فقال : أيّها القاضي ! إنّما هو يوم
الكلاب ؛ فأمر بحبسه ، فدخل إليه الناس ، وقالوا : ما الذي دهاك ؟ فقال : قطع أنف
عرفجة في الجاهلية ، وامتحنت أنا به في الإسلام
151 - قال محمد بن حفص جارُ بشر : دخلنا على بشر بن الحارث وهو مريضٌ ، فقال
له رجلٌ : أوصني ! فقال : إذا دخلت إلى مريضٍ فلا تطل القعود عنده
152 - دفع أبو الطّيب الطبري خفاً إلى خفاف ليصلحه ، فكان كلّما مرّ عليه
يتقاضاه ، وكان الخفّاف كلما رأى القاضي أخذ الخف وغمسه في الماء ، وقال : الساعة الساعة ؛
فلمّا طال عليه ، قال له : إنّما دفعته إليك لتصلحه ، ولم أدفعه إليك لتعلّمه
السباحة ! 153 - قال عبدالله بن البوّاب : كان المأمون يحلم حتى يغيظنا في بعض
الأوقات ؛ جلس يستاك على دجلة من وراء ستر ونحن قيامٌ
بين يديه ، فمرّ ملاّحٌ وهو يقول : أتظنّون أنّ هذا المأمون ينبل في
عيني وقد قتل أخاه ؟ قال : فوالله ما زاد على أن تبسّم ، وقال لنا : ما الحيلة عندكم
حتى أنبل في عين هذا الرجل الجليل ؟ ! 154 - قال أبو الحسن المدائني : قال بعض أهل
العلم : كان لنا صديقٌ من أهل البصرة ، وكان ظريفاً أديباً ، فوعدنا أن يدعونا إلى
منزله ، فكان يمرّ بنا ، فكلما رأيناه قلنا له : ! ( متى هذا الوعد إن كنتم صادقين
) ! [ 21 سورة الأنبياء / الآية : 38 ]
فيسكت إلى أن اجتمع ما نريد ، فمرّ بنا ، فأعدنا عليه ، فقال : ! (
انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون ) ! [ 77 سورة المرسلات / الآية : 29 ]
155 - قال الزهري : سمعت سعيد بن المسيب يقول لرجل : ألك امرأةٌ إذا أخذتها
قالت لك : قتلتني ؟ قال : نعم ! قال : فاقتلها ، فإن ماتت ، فعلي ديتها
156 - قال أبو محمدٍ عبد الله بن علي المقرئ : كان حاجب الباب ابن النسوي
ذكياً ، فسمع في بعض ليالي الشتاء بصوت برّادةٍ ، فأمر بكبس الدّار ، فأخرجوا
رجلاً وامرأة ، فقيل له : من أين علمت ؟ فقال : في الشتاء لا
يبرّد الماء ، وإنّما هذه علامةٌ بين هذين . 157 - كان لأحمد بن الخصيب وكيلٌ في
ضياعه ، فرفعت عليه جنايةٌ ، فهرب ، فكتب إليه أحمد يؤنسه ويحلف له على بطلان ما
اتصل به ، ويأمره بالرّجوع ، فكتب إليه :
( أنّا لك عبدٌ سامعٌ ومطيعٌ ** وإنّي بما تهوى إليك سريع ولكن لي كفّاً
أعيش بفضلها ** فما أشتري إلا بها وأبيع أأجعلها تحت الرّحى ثمّ أبتغي ** خلاصاً لها !
إنّي إذن لرقيع ) 158 - وروّينا أنّ المتوكل قال : أشتهي أنادم أبا العيناء لولا
أنّه ضريرٌ ؛ فقال أبو العيناء : إن أعفاني أميرُ المؤمنين من رؤية الهلال ونقش الخواتيم
فإني أصلح
159 - وقيل لأبي العيناء : بقي من يلقى ؟ قال : نعم ! في البئر
160 - قال علي بن سليمان الأخفش : سمعت أبا العيناء يقول : كنت يوماً في
الورّاقين ، إذ رأيت منادياً مغفّلاً ، في يده مصحف مخلّق الأداة ، فقلت له : ناد عليه
بالبراءة ممّا فيه ؛ وأنا أعني أداته ، فأقبل ينادي بذلك ، فاجتمع أهل السّوق
والمارّة على المنادي ، وقالوا لهُ : يا عدوّ الله ! تنادي على مصحف
بالبراءة ممّا فيه
قال : وأوقعوا به ، فقال لهم : ذلك الرّجل القاعد أمرني بذلك ؛ فتركوا
المنادي ، وأقبلوا عليّ ، ورفعوني إلى الوالي ، وكتب في أمري إلى السلطان ، فأمر
بحملي ، فحملت مستوثقاً مني ، واتصل خبري بابن أبي داؤدٍ ، فلم يزل يتلطّف في أمري
حتى خلّصني
161 - قال أبو العيناء : كان سبب خروجي من البصرة وانتقالي عنها ، أني مررت
بسوق النّخّاسين يوماً ، فرأيت غلاماً ينادي عليه
وقد بلغ ثلاثين ديناراً وهو يساوي ثلاث مئة دينار ، فاشتريته ، وكنت
أبني داراً ، فدفعت إليه عشرين ديناراً على أن ينفقها على الصّناع ، فجاءني بعد
أيّام يسيرةٍ ، فقال : قد نفدت النّفقة ، قلت : هات حسابك ؛ فرفع حساباً بعشرة
دنانير ، قلت : فأين الباقي ؟ قال : اشتريت به ثوباً مصمتاً وقطعته ، قلت : ومن
أمرك بهذا ؟ قال : يا مولاي ! لا تعجل ، فإن أهل المروءات والأقدار لا يعيبون على
غلمانهم إذا فعلوا فعلاً يعود بالزّين على مواليهم ؛ فقلت في نفسي : أنا اشتريت
الأصمعي ولم أعلم !
قال : وكانت في نفسي امرأةٌ أردت أن أتزوّجها سرّاً من ابنة عمي ، فقلت
له يوماً : أفيك خيرٌ ؟ قال : إي لعمري ؛ فأطلعته على الخبر ، فقال : أنا نعم
العون لك ؛ فتزوجت ، ودفعت إليه ديناراً ، فقلت له : اشتر لنا كذا وكذا ، ويكون
فيما تشتريه سمكٌ هازبى ؛ فمضى ، ورجع وقد اشترى ما أردت ، إلا أنّه اشترى سمكاً
مارماهى ، فغاظني ، فقلت : أليس أمرتك أن تشتري هازبى ؟ قال : بلى ! ولكنّي رأيت
بقراط يقول : إنّ الهازبى يولّد السّوداء ويصف المارماهى ؛ ويقول : إنّه أقل غائلةً
؛ فقلت : أنا لم أعلم إني اشتريت جالينوس ؟ ! وقمت إليه ، فضربته عشر مقارع ،
فلمّا فرغت من ضربه ، أخذني وأخذ المقرعة ، وضربني سبع مقارع ، وقال : يا مولاي !
الأدب ثلاث ، والسبع فضلٌ ، ولذلك قصاصٌ ، فضربتك هذه السبع خوفاً عليك من القصاص
يوم القيامة ؛ فغاظني جدّاً ، فرميته ، فشجحته ، فمضى من وقته إلى ابنة عمي ، فقال
لها : يا مولاتي ! الدين النصيحة ، وقد قال النبي [ صلى الله عليه
وسلم ] : ' من غشّنا فليس منا ' وأنا أعلمك أنّ مولاي قد تزوّج
واستكتمني ، فلمّا قلت له : لا بدّ من إعلام مولاتي ، ضربني بالمقارع ،
وشجّني ؛ فمنعتني بنت عمّي من دخول الدار ، وحالت بيني وبين ما فيها ، فلم أر
الأمر يصلح إلاّ بأن طلقت المرأة التي تزوّجتها ، فصلح أمري مع ابنة عمّي وسمّت
الغلام ، ' النّاصح ' ،
فلم يتهيّأ لي أن أكلّمه ، فقلت : أعتقه وأستريح ، لعلّه أن يمضي عنّي ؛ فأعتقته ،
فلزمني ؛ قال : الآن وجب حقّك عليّ ؛ ثمّ إنّه أراد الحجّ ، فجهّزته وزوّدته ،
وخرج ، فغاب عليّ عشرين يوماً ، ثمّ رجع ، فقلت له : لم رجعت ؟ قال : قطع الطريق ،
وفكّرت ، فإذا الله تعالى يقول : ! ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه
سبيلا ) ! [ 3 سورة آل عمران / الآية : 97 ]
وكنت غير مستطيع ، وفكرت ، فإذا حقك عليّ أوجب ، فرجعت ؛ ثم أراد الغزو
، فجهزته ، فشخص ، فلمّا غاب عني بعت كل ما أملكه بالبصرة من عقارٍ وغيره ، وخرجت
عنها خوفاً أن يرجع
162 - وسئل أبو العيناء عن حماد بن زيدٍ بن درهم ، وحمّاد بن سلمة بن دينار ،
فقال : بينهما في القدر ما بين أبويهما في الصرف
163 - وشكى بعض الوزراء كثرة الأشغال ، فقال أبو العيناء : لا أراني الله يوم
فراغك
164 - وشكى أبو العيناء إلى عبيد الله بن سليمان تأخّر رزقه ، فقال : ألم نكن
كتبنا لك إلى فلانٍ ، فما فعل في أمرك ؟ قال : جرّني
على شوك المطل ؛ قال : أنت اخترته ؛ قال : وما علي وقد اختار موسى قومه
سبعين رجلاً ، فما كان فيهم رشيدٌ ، فأخذتهم الرجفة ، واختار رسول الله [ صلى الله عليه
وسلم ] ابن أبي سرح كاتباً ، فلحق بالكفّار مرتدّاً واختار عليّ أبا موسى ، فحكم
عليه ؟ !
165 - قال بعض العلويّة لأبي العيناء : أنت تبغضني ، ولا
تصحّ صلاتك إلاّ بالصّلاة عليّ ، لأنّك تقول : اللّهم صلّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ
، قال : إذا قلت : ' الطّيّبين ' خرجت منهم
166 - وقال له رجل : أشتهي أرى الشيطان ، قال : انظر في المرآة
167 - كان علي بن عيسى الرّبعي يمشي على جانب دجلة ، فرأى الرّضيّ والمرتضى في
سفينةٍ ، ومعهما عثمان بن جنّي ، فقال : من أعجب أحوال الشّريفين أن يكون عثمان
جالساً بينهما وعليّ يمشي على الشط بعيداً عنهما
168 - دخل حميد الطوسي على المأمون وعنده بشرٌ المريسيّ ، فقال المأمون لحميد
: أتدري من هذا ؟ قال : لا ! قال : هذا بشرٌ المريسيّ ؛ فقال حميدٌ : يا أمير المؤمنين
! هذا سيّد الفقهاء ، هذا قد رفع عذاب القبر ومسألة منكر ونكير ، والميزان
والصّراط ، انظر هل يقدر أن يرفع الموت فيكون سيّد الفقهاء حقّاً ؟ !
169 - قال السري : اعتللت بطرطوس علة الذرب ، فدخل عليّ هؤلاء القرّاء يعودوني
، فجلسوا ، فأطالوا ، فآذاني جلوسهم ، ثمّ قالوا : إن رأيت أن تدعو الله ؟ فمددت
يدي ، فقلت : الّلهمّ علّمنا أدب العيادة
170 - قال عبد الله بن سليمان بن الأشعث ؛ سمعت أبي يقول : كان هارون الأعور
يهودياً ، فأسلم وحسن إسلامه ، وحفظ القرآن والنحو ، فناظره إنسانٌ في مسألة ،
فغلبه هارون ، فلم يدر المغلوب ما يصنع ، فقال له : أنت كنت يهودياً فأسلمت ، فقال
هارون : فبئس ما صنعت ؟ ! فغلبه في هذا أيضاً
171 - قال المبرّد : ضاف رجلٌ قوماً ، فكرهوه ، فقال الرجل لامرأته : كيف نعلم
مقدار مقامه ؟ فقالت : ألقِِ بيننا شرّاً حتى نتحاكم إليه ، ففعل ، فقالت للضّيف :
بالذي يبارك لك في غدوّك غداً ، أيّنا أظلم ؟ فقال الضّيف : والذي يبارك لي
في مقامي عندكم شهراً ما أعلم
172 - لما دخل أبو محمد عبد الله بن أحمد السمرقندي بيت المقدس ، قصد أبا
عثمان ابن ورقاء ، فطلب منه جزءاً ، فوعده به ، ثم
رجع ورجع مرّات ، والشيخ ينسى ، فقال له أبو محمدٍ : أيّها الشيخ ! لا
تنظر إليّ بعين الصّبوة ، فإن الله تعالى قد رزقني من هذا الشأن ما لم يرزق أبا
زرعة الرّازي
فقال الشيخ : الحمد لله
ثم رجع إليه في طلب الجزء ، فقال الشيخ : أيّها الشاب ! إنّي طلبت
البارحة الأجزاء ، فلم أر جزءاً يصلح لأبي زرعة الرّازي ! فخجل وقام
173 - كان أبو الحسين بن المتيّم الصوفي يسكن الرّصافة ، وكان مطبوعاً مضحاكاً
، وكان دائماً يتولّع برجلٍ شاهد فيه غفلةً ، يعرف بأبي عبد الله إلكيا
قال ابن المتيّم : فلقيته يوماً في شارع الرصافة ، فسلّمت عليه ،
وصحت به : لتشهد عليّ ؛ فاجتمع النّاس علينا ، فقال : بماذا ؟ قلت : إن الله تعالى
إله واحدٌ لا إله إلا هو وأنّ محمداً عبده ورسوله ، وأن الجنّة حقّ ، والنّار حقّ
، والسّاعة آتيةٌ لا ريب فيها ، وأنّ الله يبعث من في القبور ؛ فقال : أبشر يا أبا
الحسين ! سقطت عنك الجزية ، وصرت أخاً من إخواننا
فضحك النّاس وانقلب الولع بي
174 - استأجر رجلٌ رجلاً يخدمه ، فقال له : كم أجرتك ؟ قال : شبع بطني ؛ فقال
له : سامحني ؛ فقال : أصوم كل اثنين وخميس
175 - قال الجاحظ : كنت مجتازاً في بعض الطرق فإذا أنا برجلٍ قصيرٍ بطينٍ كبير
الهامة ، متّزرٍ بمئزرٍ وبيده مشطٌ ، يسقي به شقةً ، ويمشطها به ؛ فاستزريته ، فقلت
: أيها الشيخ ! قد قلت فيك
شعراً ؛ فترك المشط من يده ، وقال : هات ؛ فقلت : ( كأنّك صعوةٌ في أصل
حشّ ** أصاب الحشّ طشٌ بعد رش ) فقال لي : اسمع الجواب ؛ قلت : هات ! فقال : (
كأنّك كندنٌ في ذنب كبش ** يدلدل هكذا والكبش يمشي ) 176 - منع عمرو بن العاص
أصحابه ما كان يصل إليهم ؛ فقام إليه رجلٌ ، فقال له : اتّخذ جنداً من الحجارة لا
تأكل ولا تشرب ؛ فقال له عمرو : اخسأ أيّها الكلب
فقال له الرجل : أنا من جندك ، فإن كنت كلباً فأنت أمير الكلاب وقائدها
177 - قال رجلٌ لغلامه : يا فاجر ! فقال : مولى القوم منهم
178 - قال الصّاحب بن عباد : جئت من دار السلطان ضجراً من أمر عرض لي ؛ فقال
لي رجلٌ : من أين أقبلت ؟ فقلت : من لعنةِ الله ؛ فقال : ردّ الله عليك غربتك
179 - قال شيخنا أبو منصور ابن زريق : كان رجلٌ من
الأصبهانّيين قد لازم أبي يسمع منه الحديث ، فأضجره ، فخرج أبي يوماً ،
فتبعه الأصبهانيُّ ، وقال له : إلى أين ؟ قال : إلى المطبق ، قال : وأنا معك
180 - قال رجلٌ لرجلٍ : بماذا تداوي عينك ؟ قال : بالقرآن ودعاء العجوز ؛ فقال
: اجعل معهما شيئاً من أنزروت
181 - قال الأصمعي : رأيت رجلاً قاعداً في زمن الطّاعون يعدّ الموتى في كوزٍ ،
فعدّ أوّل يوم عشرين ومئة ألفٍ ، وعدّ في اليوم الثاني خمسين ومئة ألفٍ ؛ فمرّ
قومٌ بميتّهم وهو يعدّ ، فلما رجعوا إذا عند الكوز غيره ، فسألوا عنه ، فقالوا :
هو في الكوز
182 - قال جعفر بن يحيى لبعض جلسائه : أشتهي والله أن
أرى إنساناً تليق به النعّمة ؛ فقال : أنا أريك ؛ قال : هات ؛ فأخذ
المرآة وقرّبها من وجهه
183 - قال أبو الحسن السّلاميّ الشاعر : مدح الخالديان سيف الدّولة ابن حمدان
بقصيدةٍ أوّلها : ( تصدّ ودارها صدد ** وتوعده ولا تعد وقد قتلته ظالمةً ** فلا
عقلٌ ولا قود ) وقال فيها في مدحه : ( فوجهٌ كلّهُ قمرٌ ** وسائر جسمه أسد ) فأعجب
بها سيف الدّولة واستحسن هذا البيت ، وجعل يردّده ؛ فدخل عيه الشّيظميُّ الشاعر ،
فقال له : اسمع هذا البيت ؛ وأنشده ؛ فقال الشيظميُّ : احمد ربّك ! فقد جعلك من
عجائب البحر
184 - سئل جحظةُ عن دعوة حضرها ، فقال : كلُّ شيءٍ كان منها بارداً إلاّ الماء
185 - قال شاعرٌ لشاعر : أنا أقول البيت وأخاه ، وأنت تقوله وابن عمّه
186 - قال أبو حنيفة السائح : لقيت بهلول المجنون وهو يأكل في السوق ، فقلت :
يا بهلول ! تجالس جعفر بن محمدٍ ، وتأكل في السوق ؟ ! فقال : حدّثنا مالك بن أنس ،
عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : سمعت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يقول : ' مطل
الغني ظلمٌ ' ولقيني الجوع وخبزي في كمي ، فما أمكنني أماطله
187 - قال عليّ بن الحسين الرّازي : مرّ بهلول بقومٍ في أصل شجرةٍ ، فقالوا :
يا بهلول ! تصعد هذه الشجرة وتأخذ عشرة دراهم ؟ فقال : نعم ؛ فأعطوه عشرة دراهم ،
فجعلها في كمّه ، ثمّ التفت إليهم ، فقال : هاتوا سلّماً ؛ فقالوا : لم يكن هذا في
شرطنا ! قال : كان في شرطي
188 - ومرّ بهلول بسويق البزّازين ، فرأى قوماً مجتمعين على باب دكّانٍ قد نقب
، فنظر فيه ، وقال : ما تعلمون من عمل هذا ؟ قالوا : لا ، قال : فأنا أعلم
فقالوا : هذا مجنونٌ ، يراهم بالليل ولا يتحاشونه ، فالطفوا به لعلّه
يخبركم ؛ فقالوا : خبرنا ؛ قال : أنا جائع ؛ فجاؤه بطعام سني وحلواء ، فلمّا شبع ،
قام ، فنظر في النّقب ، وقال : هذا عمل اللّصوص
189 - وسئل بهلول عن رجلٍ مات وخلّف ابناً وبنتاً وزوجةً ، ولم يترك شيئاً ؛
فقال : للابن اليتم ، وللبنت الثكل ، وللزوجة خراب البيت ، وما بقي للعصبة
190 - ودخل بهلول وعليّان المجنون على موسى ابن المهديّ ، فقال لعليّان : إيش
معنى عليّان ؟ فقال عليّان : فإيش معنى موسى ؟ فقال : خذوا برجل ابن الفاعلة ؛ فالتفت
عليّان إلى بهلول ، فقال : خذ إليك ، كنّا اثنين صرنا ثلاثة
191 - بعث بلال بن أبي بردة إلى ابن أبي علقمة المجنون ، فلمّا جاء قال له :
أحضرتك لأضحك منك ! فقال المجنون : لقد ضحك أحد الحكمين من صاحبه ؛ يعرض بأبي موسى
192 - قال أبو جعفر محمد بن جعفر البربي : مررت بسائل على الجسر وهو يقول :
مسكيناً ضريراً ؛ فدفعت إليه قطعة
وقلت لهُ : لم نصبت ؟ فقال : فديتك ! بإضمار ' ارحموا '
193 - قال محمد بن القاسم : سئل بعض المجّان ، فقيل لهُ : كيف أنت في دينك ؟
فقال : أخرقه بالمعاصي ، وأرقعه بالاستغفار
194 - صحب مجوسي قدرياً ، فقال له القدري : مالك لا تسلم ؟ قال : حتى يريد
الله ! قال : قد أراد ذلك ، ولكن الشّيطان لا يريده ؛ قال : فأنا مع أقواهما
195 - قال محمد بن سكرة : دخلت حماماً ، وخرجت وقد سرق مداسي ، فعدت إلى داري
حافياً ، وأنا أقول : ( إليك أذم حمّام ابن موسى ** وإن فاق المنى طيباً وحرّا
تكاثرت اللّصوص عليه حتى ** ليحفى من يطيف به ويعرى )
( ولم أفقد به ثوباً ولكن ** دخلت محمداً وخرجت بشراً ) 196 - جهل رجل على
بعض العلماء ، فقال العالم : جرح العجماء جبار
197 - قال محمد بن يوسف القطان : يحكى أن أبا الحسين الطّرائفي لمّا رحل إلى
عثمان بن سعيد الدّرامي ، فدخل عليه ، قال له عثمان : متى قدمت هذا البلد ؟ فأراد
أن يقول : أمس ، فقال : قدمت غداً
فقال له عثمان : فأنت بعد في الطريق
198 - جاء رجل إلى ابن عقيل ، فقال له : إني أغتمس في النهر غمستين وثلاثاً
ولا أتيقّن أنه قد عمّني الماء ولا أني قد تطهّرت ! فقال له : لا تصل
قيل له : كيف قلت هذا ؟ قال : لأن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ' رفع
القلم عن المجنون حتى يفيق ' ومن ينغمس في النهر مرّتين وثلاثاً ويظن أنه ما اغتسل
، فهو مجنون
199 - قال عبد الرّحمن بن صالح : دخل أبو بكر ابن
عيّاش على موسى بن عيسى وهو على الكوفة ، وعنده عبد الله بن مصعب الزّبيري ،
فأدناه موسى ، ودعا له بتكاء ، فاتّكأ وبسط رجليه ، فقال
الزّبيري : من هذا الذي دخل ولم يستأذن له ، ثم اتّكأته وبسطته ؟ قال :
هذا فقيه الفقهاء والمرأس عند أهل المصر ، أبو بكر ابن عيّاش ؛ قال الزّبيري : فلا
كثير ولا طيب ، ولا مستحق لما فعلت به ! فقال أبو بكر للأمير : من هذا الذي يسأل
عني بجهل ، ثم تتابع بسوء قول وفعل ؟ فنسبه له ، فقال له : اسكت مسكتاً ! فبأبيك
غدر ببيعتنا ، وبقول الزور خرجت أمّنا ، وبابنه هدمت كعبتنا ، وبك أحرى ان يخرج
الدّجّال فينا ؛ فضحك موسى حتى فحص برجليه ، وقال للزّبيري : أنا والله أعلم أنّه
يحفظ أهلك وأباك ويتولاه ، ولكنّك مشؤوم على آبائك
200 - دخل كلثوم بن عمرو العتّابي على المأمون وعنده إسحاق الموصلي ، فغمز
المأمون إسحاق عليه ، فجعل العتّابي لا يأخذ في شيء إلا عارضه فيه إسحاق ، فقال له
العتّابي : ما اسمك ؟ فقال : كل بصل ؛ قال : هذا اسم منكر
قال : أتنكر أن يكون اسمي كل بصل واسمك كل ثوم ! والبصل أطيب من الثوم !
؟ فقال : أظنك إسحاق ! فقال : نعم ؛ فتوادّا
201 - خرج الرشيد يوماً في ثياب العوام ومعه يحيى بن خالد وخالد الكاتب وإسحاق
بن إبراهيم الموصلي وأبو نواس وعليهم ثياب العامة ، فنزلوا سهرية مع ملاّح غريب
اختلاطا بالعوام
فنزل معهم
عامي ، فثقل على الرشيد ، وهمّ بإخراجه وعقوبته ، فقال أبو نواس : عليّ
إخراجه من غير إساءةٍ إليه ؛ فقال أبو نواس للجماعة : عليّ مأكولكم من اليوم وإلى
يوم مثله ؛ فقال الرشيد : وعليّ مشروبكم من اليوم وإلى يوم مثله ؛ وقال يحيى :
عليّ مشمومكم من اليوم وإلى يوم مثله ؛ وقال خالد : عليّ بقلكم من اليوم إلى يوم
مثله ؛ وقال إسحاق : عليّ أن أغنيكم من اليوم إلى يوم مثله ؛ ثمّ التفت أبو نواس
إلى الرجل ، فقال : ما الذي لنا عليك أنت ؟ فقال : عليّ أن لا أفارقكم من اليوم
إلى يوم مثله ؛ فقال الرشيد : هذا ظريفٌ لا يحسن إخراجه ، فصحبهم في تفرّجهم بقيةً
يومهم
202 - تغدى أعرابيٌ مع مزبدٍ ، فقال له مزبد : كيف مات أبوك ؟ فأخذ يحدثه
بحاله وأخذ مزبّد يمضي في أكله ، فلمّا فطن الأعرابي ، قطع الحديث ، وقال له : أنت
! كيف مات أبوك ؟ فقال : فجأة ؛ وأخذ يأكل
203 - قال سفيان الثّوري : ما نظرت قطّ إلى ثقيل أو بغيضٍ إلا كحّلت عينيّ
بماء وردٍ مخافة أن يكون قد التصق بها شيءٌ
204 - قال بعض المجّان : قال إبليس : لقيت من أصحاب البلغم شزّةً ، ينسون
ويلعنوني !
205 - قال الجمّاز : قال لي أبو كعب القاص : والدتي بالبصرة ، وأنا شديد
الشّفقة عليها ، وأخاف إن حملتها إلى بغداد في الماء أن تغرق ، وإن حملتها على
الظّهر أن تتعب ، فما تشير عليّ في أمرها ؟ فقلت له : أشير عليك أن تأخذ بها سفتجةً
206 - قال محمد بن حرب الهلالي : أتيت بمزبدٍ في تهمةٍ ، فضربته سبعين درّةً ،
ثمّ تبيّن لي أنّه كان مظلوماً ، فدعوته ، وقلت : أحلنّي منها ،
فقال : لا تعجل ، ودعها لي عندك ، فإنّي أجيء إليك كثيراً ، فكلّما وجب عليّ شيءٌ
قاصصتني عليها
فكنت أوتى به في الشيء الذي يجب عليه فيه التقويم ، فأحاسبه على العشرة
منها وعلى الخمسة ، حتى استوفى
207 - قال الحسين بن فهم : كان المرتمي - مضحك الرّشيد - يأكل قبل طلوع الشمس
، فقيل له : لو انتظرت حتى تطلع الشمس ! فقال : لعنني الله إن انتظرت غائباً من
وراء سمرقند ، لا أدري ما يحدث عليه في الطريق
208 - قال أبو العيناء : دفع الجمّاز إلى غسّال ثياباً ، فدفع إليه
أقصر منها ، فطالبه ، فقال : لمّا غسلت تشمّرت
قال : ففي كم غسلةٍ يصير القميص زنقاً
209 - نزل عيارٌ في شاروفة الدّار فانقطعت ، فوقع ، فانكسرت رجله ؛ فصاحت
المرأة : خذوه ؛ فقال لها : ما عليك عجلةٌ ، أنا عندك اليوم وغداً وبعده
210 - قال سليمان الأعمش لابنه : اذهب فاشتر لنا حبلاً يكون طوله ثلاثين
ذراعاً ، فقال : يا أبةِ ! في عرض كم ؟ قالك في عرض مصيبتي فيك
211 - قيل لجمّير : من يحضر مائدة فلانٍ ؟ فقال : أكرم الخلق وألأمهم ، يعني :
الملائكة والذباب
212 - رأى منصورٌ الفقيه ابنه يلعب ويعدو ، فقال له : لو علمت أنّ رجلك من قلب
أبيك لرفقت بها
213 - جاء شاعران إلى بعض النّحاة ، فقالا : اسمع شعرنا
وأخبرنا بأجودنا ؛ فسمع شعر أحدهما ، وقال : ذاك أجود ؛ قال له : فما
سمعت شعره ! ؟ ما يكون أنحس من هذا قطّ
214 - دخل قومٌ من بني تيم الله على مجنون من بني أسدٍ ، فأكثروا العبث به ،
فقال لهم : يا بني تيم الله ! ما أعلم قوماً خيراً منكم
قالوا : كيف ؟ قال : بنو أسدٍ ليس فيهم مجنونٌ غيري ، قد قيّدوني ؛
وأنتم كلّكم مجانين ، وليس فيكم مقيّدٌ
215 - قال سعيد بن حفص المدينيّ : قال أبي : أتي المأمون بأسود قد ادّعى
النبّوة ، وقال : أنا موسى بن عمران ! فقال له : إنّ موسى أخرج يده من جيبه بيضاء
، فأخرج يدك بيضاء حتى أؤمن بك ! فقال الأسود : إنّما فعل موسى ذلك لمّا قال فرعون
: أنا ربّكم الأعلى ! فقل أنت كما قال حتى أخرج يدي بيضاء ، وإلاّ لم تبيضّ
216 - سقي رجلٌ ماءً بارداً ، ثمّ عاد فطلب ، فسقي ماءً حارّاً ، فقال : لعلّ
مزمّلتكم يعتريها حمى الرّبع
217 - قال الحسن بن موسى : أضاف رجلٌ رجلاً ، فقال المضيف : يا جاريةُ ! هاتِ خبزاً وما
رزق الله ؛ فجاءت بخبزٍ وكامخٍ ؛ ثمّ قال أيضاً : يا جاريةُ ! هات خبزاً وما
رزق الله ؛ فجاءت
بخبزٍ وكامخٍ ؛ فقال الضيف : يا جارية ! هات خبزاً ودعي ما رزق الله
218 - قال الماجشون : كان بالمدينة عطّاران يهوديّان ، فأسلم أحدهما وخرج فنزل
العراق ، فالتقيا ذات يوم ، فقال اليهودي للمسلم : كيف رأيت دين الإسلام ؟ قال :
خير دين ، إلاّ أنّهم لا يدعونا نفسو في الصلاة كما كنّا نصنع ونحن يهودٌ ! فقال
له اليهودي : ويلك ! افس وهم لا يعلمون ! . 219 - قال ابن الأعرابي
: قيل لكذّاب : تذكر أنّك صدقت قطّ ؟ فقال : لولا أني أخاف أن أصدق لقلت : نعم
220 - قال عبد الله بن أحمد المقرئ : صلى بنا إمامٌ لنا وكان شيخاً صالحاً ،
وقد اشترى سطلاً ، فاستحيا أن يجعله قدّامه في الصلاة ، فجعله خلفه ، فلمّا ركع
شغل قلبه به ، فظن أنّه قد سرق ، فرفع رأسه ، فقال : ربنّا ولك السطل ! فقلت له :
السطل خلفك ، لا بأس
221 - سمع يزيد بن أبي حبيبٍ رجلاً يقول : جئت من أسفل الأرض ! فقال : كيف
تركت قارون ؟
222 - عن أبي حميدٍ أو حميدٍ ، قال : مرض مولى لسعيد بن
العاص ، فبعث إلى سعيد بن العاص أنّه ليس له وارثٌ غيرك ، وههنا ثلاثون
ألفاً مدفونةٌ ، فإذا أنا مت فخذها ؛ فقال سعيدٌ : ما أرانا إلا قد قصّرنا في حقه
، وهو من شيوخ موالينا ؛ فبعث إليه بفرسٍ ، وتعاهده ، فلمّا مات اشترى له كفناً
بثلاثِ مئة درهم ، وشهد جنازته ، فلمّا رجع إلى البيت ، وردّ الباب ، وأمر أن يحفر
الموضع الذي ذكر ، فلم يوجد شيءٌ ، ثمّ حفر موضعٌ آخر فلم يوجد شيءٌ ، فحفر البيت
كلّه فلم يوجد شيءٌ ، وجاءه صاحب الكفن يطلب ثمن الكفن ، فقال : لقد هممت أن أنبش
عنه
لما تداخله
223 - قال علي بن عاصم : تنبّأ حائكٌ بالكوفة ، فاجتمع عليه الناس ، فقالوا : أتق الله ، خف
الله ، رأيت حائك نبيّ ؟ قال : ما تريدون أن يكون نبيّكم إلا صيرفيّ
القسم الرابع فيما يروى من ذلك عن العرب 224 - قال الأصمعي : كان
أعرابيّان متواخيين بالبادية ، فاستوطن أحدهما الريف ، واختلف إلى باب الحجّاج ،
فاستعمله على أصبهان ، فسمع أخوه الذي بالبادية ، فضرب إليه ، فأقام ببابه حيناً
لا يصل إليه ، ثمّ أذن له بالدّخول ، فأخذه الحاجب ، فمشى به ، هو يقول : سلّم على
الأمير ؛ فلم يلتفت إلى قوله ، وأنشد : ( ولست مسلّماً ما دمت حيّا ** على زيدٍ
بتسليم الأمير ) فقال : لا أبالي ؛ فقال الأعرابي : ( أتذكر إذ لحافك جلد كبشٍ **
وإذ نعلاك من جلد البعير ) فقال : نعم ، فقال الأعرابي : ( فسبحان الذي أعطاك
ملكاً ** وعلمك الجلوس على السرير ) 225 - قال الأصمعي : أتيت البادية ، فإذا
أعرابيّ قد زرع برّاً ، فلمّا استوى وقام على سنبله ، مرّ به رجلٌ من جرادٍ ،
وتضيّفوا به ، فجعل الأعرابي ينظر إليه ولا حيلة له ، فأنشأ يقول :
( مر الجراد على زرعي فقلت له ** ألمم بخيرٍ ولا تلمم بإفساد ) ( فقال
منهم عظيمٌ فوق سنبلةٍ ** إنّا على على سفرٍ لا بد من زاد ) 226 - قال إبراهيم بن
عمر : خرج أبو نواس في أيّام العشر يريد شراءَ أضحيةٍ ، فلمّا صار في المربد إذا
هو بأعرابي قد أدخل شاةً له يقدمها كبشٌ فارهٌ ، فقال : لأجرِّبنّ هذا
الأعرابي فأنظر ما عنده ، فإني أظنّه عاقلاً ؛ فقال أبو نواسٍ : ( أيا صاحب الشّاة
الّتي قد تسوقها ** بكم ذاكم الكبش الذي قد تقدّما ) فقال الأعرابيّ : ( أبيعكه إن
كنت ممّن يريده ** ولم تكُ مزّاحاً بعشرين درهما ) فقال أبو نواسٍ : ( أجدت رعاك
الله ردَّ جوابنا ** فأحسن إلينا إن أردت التّكرما ) فقال الأعرابي : ( أحطُّ من
العشرين خمساً فإننّي ** أراك ظريفاً فأقبضنه مسلماً ) قال : فدفع إليه
خمسة عشر درهماً ، وأخذ كبشاً يساوي ثلاثين درهماً
227 - قال أبو جعفرٍ محمد بن عبد الرحمن البصري : حدّثني ابن عائشة أنّ فتيان
من فتيان أهل البصرة خرجوا إلى ظهر البصرة ،
فأخذوا في شرابهم ، وما زالوا يتناشدون ويتنادمون ويتحدّثون حتى كربت
الشمس أن تغرب ، فطلبوا خلوةً ممّن يغلُ عليهم في شرابهم ، فإذا أعرابيٌ كالنّجم
المنقض يهوي حتى جلس بينهم ، فقال بعضهم لبعض : قد علمنا أنّ مثل هذا اليوم لا يتم
لنا ؛ ثمّ قال أحدهم : ( أيها الواغل الثّقيل علينا ** حين طاب الحديث
لي ولصحبي ) فقال الآخر : ( خفَّ عنّا فأنت أثقل واللّه ** علينا من فرسخي
دير كعب ) فقال الثالث : ( فمن النّاس من يخف ومنهم ** كرحى البزر ركبت فوق قلب )
فقال الأعرابي : ( لست بالنّازح العشيّة والله ** لشجِّ ولا
لشدَّةِ ضرب أو تروون بالكبار حشاشي ** وتعلّون بعدهن بقعبي ) وطرح قعباً كان
معلّقاً ؛ فضحكوا من ظرفهِ ، وحملوه معهم إلى البصرة ، فلم يزل نديماً لهم
228 - قال العتبيّ : اشتدّ الحرُّ عندنا بالبصرة وركدت الرّيح ، فقيل لأعرابيّ
: كيف كان هواؤكم البارحة ؟ قال : أمسك ! كأنّه يسمع
229 - قال ابن الأعرابي : قال رجلٌ من الأعراب لأخيه : تشرب الخازر من اللبن
ولا تتنحنح ؟ فقال : نعم ؛ فتجاعلا جعلاً ، فلمّا شربه آذاه ؛ فقال : كبشٌ أملحُ ،
وبيت أفيح ، وأنَا فيه أتبحبح
فقال له أخوه : قد تنحنحت ! فقال : من تنحنح فلا أفلح
230 - قال إبراهيم بن المنذر الحزاميّ : قدم أعرابيُّ من أهل البادية على رجلٍ
من أهل الحضر ، فأنزله ، وكان عنده دجاجٌ كثيرٌ ، وله امرأة وابنان وبنتان
قال : فقلت لامرأتي : اشوي دجاجةٌ وقدميها إلينا نتغدى بها ؛ وجلسنا
جميعاً ، ودفعنا إليه الدجاجة ، فقلنا : اقسمها بيننا ؛ نريد بذلك أن نضحك منه ،
قال : لا أحسن القسمة ، فإن رضيتم بقسمتي قسمت بينكم ؛ قلنا : نرضى ؛ فأخذ رأس
الدجاجة ، فقطعه ، فناولينه ، وقال : الرّأس للرئيس ؛ ثمّ قطع الجناحين ، وقال :
الجناحان للابنين ؛ ثمّ قطع السّاقين ، وقال : الساقان للابنتين
؛ ثمّ قطع الزّمكّى ، وقال : العجز للعجوز ؛ ثمّ قال : والزّور للزائر ؛
فلمّا كان من الغد ، قلت لامرأتي : اشوي لي خمس دجاجاتٍ ؛ فلمّا حضر الغداء ، قلنا
: اقسم بيننا ؛ قال : شفعاً أو وتراً ؟ قلنا : وتراً ، قال :
أنت وامرأتك ودجاجةٌ ثلاثةٌ ؛ ثمّ رمى بدجاجةٍ ، وقال : وابناك ودجاجةٌ
ثلاثةٌ ؛ ورمى إليهما بدجاجةٍ ، وقال : وابنتاك ودجاجةٌ ثلاثةٌ ؛ ثمّ قال : وأنا
ودجاجتان ثلاثةٌ ؛ فأخذ الدجاجتين ؛ فرآنا ننظر إلى دجاجتيه فقال : لعلّكم كرهتم
قسمتي الوتر ؟ قلنا : اقسمها شفعاً ؛ فقبضهن إليه ، ثمّ قال : أنت وابناك
ودجاجةٌ أربعةٌ ؛ ورمى إلينا دجاجةٌ ، ثمّ قال : والعجوز وابنتاها
ودجاجةٌ أربعة ؛ ورمى إليهنّ دجاجةٌ ، ثم قال : وأنا وثلاث دجاجات أربعةٌ ؛ وضم
ثلاث دجاجاتٍ ، ثمّ رفع رأسه إلى السماء وقال : الحمد لله ، أنت فهّمتنيها
231 - قال الشعبيّ : قال عمرو بن معدي كرب : خرجت يوماً حتى انتهيت إلى حي ،
فإذا بفرسٍ مشدودةٍ ورمحٍ مركوز ، وإذا صاحبه في وهدةٍ يقضي حاجة له ، فقلت له :
خذ حذرك ؛ فإني قاتلك ؛ قال : ومن أنت ؟ قلت : أنا ابن معدي كرب ؛ قال : يا أبا
ثور
! ما أنصفتني ؛ أنت على ظهر فرسك وأنا في بئرٍ ! فأعطني عهداً أنّك لا
تقتلني حتى أركب فرسي وآخذ حذري ؛ فأعطيته عهداً أني لا أقتله حتى يركب فرسه ويأخذ
حذره ؛ فخرج من الموضع الذي كان فيه حتى احتبى بسيفه وجلس ؛ فقلت له : ما هذا ! ؟
قال : ما أنا براكبٍ فرسي ، ولا مقاتلك ! فإن نكثت عهداً فأنت أعلم ؛ فتركته ومضيت
؛ فهذا أحيل من رأيت
232 - قال قحذمٌ : وجد في سجن الحجّاج ثلاثةٌ وثلاثون ألفاً ، ما
يجب على أحدٍ منهم قطعٌ ولا قتلٌ ولا صلبٌ ، وأخذ فيهم أعرابيٌّ رئي جالساً يبول
عند ربط مدينة واسط ، فخلّي عنهم ، فانصرف الأعرابي وهو يقول : ( إذا نحن جاوزنا
مدينة واسطٍ ** خرينا وصلّينا بغير حساب ) 233 - سمع أعرابيٌّ
رجلاً يروي عن ابن عباس أنّه قال : من نوى الحجّ وعاقه عائقٌ كتب له الحجّ ؛ فقال
الأعرابي : ما وقع العام كراءٌ أرخص من هذا !
234 - استأذن حاجب بن زرارة على كسرى ، فقال له الحاجب : من أنت ؟ فقال : رجلٌ
من العرب ؛ فأذن له ، فلمّا وقف بين يديه ، قال : من أنت ؟ قال : سيد العرب ؛ قال
: ألم تقل للحاجب أنا رجلٌ منهم ؟ قال : بلى ! ولكني وقفت بباب الملك وأنا رجلٌ
منهم ، فلمّا وصلت إليه سدتهم ؛ فقال كسرى : زه ! احشوا فاه درّاً
235 - نزل أعرابي في سفينةٍ ، فاحتاج إلى البراز ، فصاح : الصلاة الصلاة ؛
فقربوا إلى الشطّ ، فخرج ، فقضى حاجته ، ثم رجع ، فقال : ادفعوا ، فعليكم بعد وقتٌ
236 - قال مهدي بن سابقٍ : أقبل أعرابيٌّ يريد رجلاً ، وبين يدي الرّجل طبقٌ
فيه تينٌ ، فلمّا أبصر الأعرابي غطى التين بكساءٍ كان عليه والأعرابي يلاحظه ،
فجلس بين يديه ، فقال له الرّجل : هل تحسن من القرآن شيئاً ؟ قال : نعم ؛ قال :
فأقرأ ؛ فقرأ الأعرابي : ! ( والزيتون وطور سينين ) ! [ 95 سورة التين / الآيتان :
1 و 2 ] قال الرجل : فأين ! ( التين ) ! ؟ قال : تحت كسائك
237 - قيل لأعرابي : كيف أصبحت ؟ قال : أصبحت وأرى كلّ شيءٍ مني في إدبارٍ ،
وإدباري في إقبال
238 - اشترى أعرابيٌّ غلاماً ، فقيل له : إنّه يبول في الفراش ؛ فقال : إن وجد
فراشاً فليبل فيه
239 - نظر أعرابيٌ إلى البدر في رمضان ، فقال : سمنت وأهزلتني ، أراني فيك
السّلّ
240 - قيل لبعضهم : أيّ وقتٍ تحبّ أن تموت ؟ قال : إن كان ولا بد ، فأوّل يوم
من رمضان
241 - قال رجلٌ لرجلٍ : ممّن أنت ؟ قال : من العرب ، من بني تميم
قال : من أكثرها أو من أقلها ؟ قال : من أقلها . يشير إلى قوله تعالى : ! ( إن الذين ينادونك
من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ) ! [ 49 سورة الحجرات / الآية : 4 ]
242 - قال الأصمعي : حدّثني شيخٌ من بني العنبر ، قال : أسر بنو شيبان
رجلاً من بني العنبر ، فقال لهم : أرسلوا إلى أهلي ليفدوني ؟ قالوا : ولا تكلم
الرسول إلا بين أيدينا ؛ فجاءوه برسولٍ ، فقال له : ائتِ قومي ، فقل لهم : إن
الشجر قد أورق ، وإنّ النساء قد اشتكت ؛ ثمّ قال له : أتعقل ؟ قال :
نعم ، أعقل ؛ قال : فما هذا ؟ وأشار بيده إلى الليل ؛ فقال : هذا الليل ؛ قال
: أراك تعقل ، انطلق فقل لأهلي : عرّوا جملي الأصهب ، واركبوا ناقتي الحمراء ،
وسلوا حارثة عن أمري ؛ فأتاهم الرسول ، فأرسلوا إلى حارثة ، فقص عليه القصة
فلمّا خلا معهم ، قال : أما قوله : إن الشجر قد أورق ؛ فإنه : إن القوم
قد تسلحوا ؛ وقوله : إن النساء قد اشتكت ؛ فإنه يريد : إنها قد اتخذت
الشكاء للغزو ، وهي أسقيةٌ ، وقوله : هذا الليل ؛ يريد : يأتونكم مثل
الليل أو في الليل ؛ وقوله : عروا جملي الأصهب ؛ يريد : ارتحلوا عن الصمان ؛ وقوله
: واركبوا ناقتي ؛ يريد : اركبوا الدّهناء
فلمّا قال لهم ذلك تحولوا من مكانهم ، فأتاهم القوم ، فلم يجدوهم
243 - قال ابن الأعرابي : أسرت طيىء رجلاً شاباً من العرب ، فقدم عليه أبوه
وعمّه ليفدياه ، فاشتطوا عليهما في الفداء ، وبذلاً ما لم يرضوا ، فقال أبوه : لا
والذي جعل الفرقدين يصبحان ويمسيان على جبلي طيىءٍ لا أزيدكم على ما أعطيتكم ؛ ثمّ
انصرفا ، فقال الأب للعم : لقد ألقيت إلى ابني كلمةٌ إن كان فيه خيرٌ لينجونّ ؛
فما لبث أن نجا ، وطرد قطعةً من إبلهم ، كأنّه قال له : الزم الفرقدين على جبلي
طيىءٍ ، فإنّهما طالعان عليه ، ولا يغيبان عنه
244 - قال عيسى بن عمر : ولي أعرابيٌ البحرين ، فجمع يهودها ، فقال : ما
تقولون في عيسى بن مريم ؟ قالوا : نحن قتلناه وصلبناه ؛ قال : فوالله لا تخرجون
حتى تؤدوا ديته ؛ فأخذها منهم
245 - وولي أعرابيٌّ تبالة ، فصعد المنبر ، فقال : إنّ الأمير ولاّني
بلدكم ، وإني والله ما أعرف من الحق موضع سوطي ، ولا أوتى بظالم ولا
مظلومٍ إلا أوجعتهما ضرباً ، فكانوا يتعاطون الحق بينهم ولا يترافعون إليه
246 - قال نصرٌ بن سيار : قلت لأعرابي : هل أتخمت قط ؟ فقال : أمّا من طعامك
وطعام أبيك فلا
فيقال : إن نصراً حم من هذا الجواب أياّماً
247 - سافر أعرابيٌّ في وجهٍ فلم ينجح ، فقال : ما ربحنا في سفرنا إلا قصر
الصلاة
248 - كان عامر بن ذهلٍ من أشد الناس قوةً ، فأسن وأقعد ، فاستهزأ به شبابٌ من
قومه وضحكوا منه ، فقال : إني ضعيف ، فادنوا مني ، فاحملوني ؛ فدنوا منه ليحملوه ،
فضمَّ رجلين إلى إبطه ، ورجلين بين فخذيه ، ثمّ زجر بعيره ، فنهض بهم مسرعاً ،
فقال : بني أخيّ ! أرجلكم والعرفط ؛ فأرسلها مثلاً
القسم الخامس
ما يروي عن العوام ) 249 - عن محمد بن سلام ، قال : لقي روح بن حاتم بعض
الحروب ، فقال لأبي دلامة وقد دعا رجلٌ منهم إلى البراز : تقدم إليه ؛ قال : لست
بصاحب قتالٍ ؛ قال : لتفعلنّ ؛ قال : إني جائعٌ ،
فأطعمني ؛ فدفع إليه خبزاً ولحماً ؛ وتقدّم ، فهمّ به الرجّل ، فقال له أبو دلامة
: اصبر يا هذا ، أيّ محاربٍ تراني ؟ ثمّ قال : أتعرفني ؟ قال : لا ؛ قال : فهل
أعرفك ؟ قال : لا ! قال : فما في الدنيا أحمق منّا ؛ ودعاه للغداء ، فتغدّيا
جميعاً وافترقا ، فسأل روحٌ عما فعل ، فحدّث ، وضحك ، ودعا له ، فسأله عن القصة ،
فقال : ( إنّي أعوذ بروحٍ أن يقدّمني ** إلى القتال فتخزى
بي بنو أسد آل المهلّب حبُّ الموت ورثكم ** إذ لا أورث حبَّ الموتِ عن أحد ) 250 -
قال أبو العبّاس ثعلب : لمّا ماتت حمادةُ بنت عيسى امرأة المنصور ، وقف المنصور
والنّاس معه على حفرتها ينتظرون مجيء الجنازة وأبو دلامة فيه ، فأقبل عليه المنصور
، فقال : يا أبا دلامة ! ما أعددت لهذا المصرع ؟ قال : حمادة بنت عيسى يا أمير
المؤمنين ؛ قال : فأضحك القوم
قال العتّابي : دخل أبو دلامة على المهديّ ، فقال : أقطعني قطيعةً أعيش
فيها أنا وعيالي ؛ قال : قد أقطعك أميرالمؤمنين مئة جريبٍ من العامر ومئة جريبٍ من
الغامر ؛ قال : وما الغامر ؟ قال : الخراب الذي لا ينبت ؛ قال أبو دلامة : قد
أقطعت أمير المؤمنين خمس مئة جريبٍ من الغامر من أرض بني أسدٍ ؛ قال : فهل بقي لك
حاجةٌ ؟ قال : نعم ! تأذن لي أن أقبل يدك ؟ قال : ما إلى ذلك سبيلٌ ؛ قال : والله
ما رددتني عن حاجةٍ أهون عليّ فقداً منها
252 - وبلغنا عن أبي دلامةً أنّه دخل على المهدي ، فأنشده قصيدةً ، فقال له :
سلني حاجتك ؛ فقال : يا أمير المؤمنين ! هب لي كلباً ؛ فغضب ، وقال : أقول لك سلني
حاجةً ، فتقول هب لي كلباً ؟ ! ! ! فقال : يا أمير المؤمنين ! الحاجة لي أو لك ؟
قال : لك ؛ فقال : أسألك أن تهب لي كلب صيدٍ ؛ فأمر له بكلبٍ ؛ قال : يا أمير
المؤمنين ! هبني خرجت إلى الصيد ، أعدو على رجليّ ؟ فأمر له بدابّةٍ ؛ فقال : فمن
يقوم عليها ؟ فأمر له بغلام ، فقال : يا أمير المؤمنين ! فهبني صدت صيداً ، فأتيت
به المنزل ، فمن يطبخه ؟ فأمر له بجاريةٍ ، فقال : هؤلاء أين يبيتون ؟ فأمر له
بدارٍ ، فقال : يا أمير المؤمنين ! قد صيّرت في عنقي كفاً من
العيال ، فمن أين يقوت هؤلاء ؟ قال : فإن أمير المؤمنين قد أقطعك ألف جريبٍ عامرٍ
وألف جريبٍ غامرٍ ؛ فقال : أمّا العامر فقد عرفته ، فما الغامر ؟ قال : الخراب
الذي لا شيء فيه ؛ فقال : أنا أقطع أمير المؤمنين مئة ألف جريبٍ بالدّوّ ، ولكنّي
أسأل أمير
المؤمنين جريباً واحداً عامراً ؛ قال : من أين ؟ قال : من بيت المال ؛
فقال المهديّ : حولوا المال وأعطوه جريباً ؛ فقال : يا أمير المؤمنين ! إذا حول
منه المال صار غامراً ؛ فضحك منه وأرضاه
253 - قال العنزيّ : أنشد رجلٌ أبا عثمان المازنيّ شعراً له ، فقال : كيف تراه
؟ قال : أراك قد عملت عملاً بإخراج هذا من جوفك ، لأنّك
لو تركته لأورثك السل
254 - قال أبو سعيد عبد الله بن شبيبٍ : حدّثني الزبير ، قال : كانت أمّ سلمة
بنت يعقوب بن سلمة بعد موت أمير المؤمنين أبي العباس لا تضحك ، فأنشدها مرثيةً
رثاه بها ، فقالت : ما وجدت أحداً حزن على أمير المؤمنين حزني وحزنك ! فقال : لا
سواء رحمك الله ، لك منه ولدٌ وليس لي منه ولدٌ ! فضحكت وقالت : لو
أحدث الشيطان لأضحكته
255 - قال مالك بن أنسٍ : لهؤلاء الشّطَّار ملاحةٌ ، كان أحدهم يصلي خلف
إنسانٍ ، فقرأ الإنسان ! ( الحمد لله رب العالمين ) ! حتى فرغ منها ، ثمّ
أرتج عليه ، فجعل يقول : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ؛
وجعل يردد ذلك ، فقال الشَّاطر : ليس للشّيطان ذنبٌ إلا أنّك لا تحسن تقرأ
256 - قال الحميدي : كنّا عند سفيان بن عيينة ، فحدّثنا بحديث زمزم أنّه لما
شرب له ، فقام رجلٌ من المجلس ، ثمّ عاد ، فقال له : يا أبا محمدٍ ! أليس الحديث
الذي حدثتنا في زمزم صحيحاً ؟ فقال : نعم ، قال : فإني قد شربت الآن دلواً من زمزم
على أنّك تحدّثني بمئة حديثٍ ، فقال سفيان : اقعد ؛ فحدّثه بمئة حديثٍ
257 - قال أبو أحمد عبد الله بن عمر بن الحارث الحارثي : اجتزت ببغداد في
أيّام المقتدر وأنّا حدثٌ في جماعةٍ من مجّان أصحاب الحديث ، وإذا بخادم خصي جالس
على دكةٍ في الطريق ، وبين يديه أدويةٌ ومكاحل ومباضع ، وعلى رأسه مظلة خرقٍ كما
يكون الطبيب ، فتقدّم بعض أصحابنا إليه يعبث به ، فتعاشى وتماوت وتمارض وقال : يا
أستاذ ! يا أستاذ ! دفعاتٍ ؛ فضجر الخادم ، وقال : فقولي ، لا شفاك الله ؛ إيش
أصابك ؟ أيّ طاعونٍ ضربك ؟ فقال : يا أستاذ ! أجد ظلمةً في أحشائي ، ومغصاً في
أطراف شعري ، وما آكله اليوم يخرج غداً مثل الجيفة ؛ فصف لي صفةً لما أنا فيه ؛
فقال الخادم : أمّا ما تجدين من مغصٍ في أطراف شعرك فاحلقي لحيتك ورأسك جميعاً حتى
يذهب مغصك ، وأمّا ظلمةٌ في أحشائك فعلّقي على باب جحرك قنديلاً يضيءٌ مثل
السّاباط ، وأمّا ما تأكلينه اليوم ويخرج غداً مثل الجيفة فكلي خراك واربحي النفقة
قال : فعطعط بنا العامّة القيام وضحكوا منّا ، وانقلب الطنز الذي
أردنا بالخادم ، فصار طنزاً بنا ، فصار قصارنا الهرب ، فهربنا
258 - قال عمر بن شبة : أتي معن بن زائدة بثلاث مئة أسير ، فأمر بضرب أعناقهم
، فقدّم غلامٌ منهم ليقتل ، فقال : يا معن ! لا يقتل أسراك وهم عطاشٌ ! فقال :
اسقوهم ماءٌ ؛ فلمّا شربوا ، قام الغلام ، فقال : أيها الأمير ! لا تقتل أضيافك !
فأطلقهم كلّهم
259 - قال محمد بن إسماعيل بن أبي فديك : كان عندنا رجلٌ يكنى أبا نصرٍ ، من
جهينة ، ذاهب العقل في غير ما النّاس فيه ، يجلس مع أهل الصّفّة في آخر مسجد رسول
الله [ صلى الله عليه وسلم ] ، فأتيته يوماً ، فقلت : ما الشرف ؟ قال : حمل ما ناب
العشيرة ، والقبول من محسنها ، والتّجاوز عن مسيئها ؛ قلت : ما المروءة ؟ قال : إطعام الطعام ،
وإفشاء السلام ، وتوقّي الأدناس ؛ قلت : ما السخاء ؟ قال : جهد مقل ؛ قلت :
فما البخل ؟ قال : أف ؛ وحول وجهه عني ؛ قلت : أجبني ! قال : قد أجبتك
260 - قال أبو بكر بن شاذان : بكر إبراهيم بن محمدٍ بن عرفة نفطويه يوماً إلى
درب الرّآسين ، فلم يعرف الموضع ، فتقدم إلى رجلٍ يبيع البقل ، فقال له : أيّها
الشيخ ! كيف الطريق إلى درب الرّآسين ؟ فالتفت البقلي إلى جار له ، وقال : يا فلان
! ألا ترى إلى الغلام ! فعل الله به وصنع ، قد احتبس عليّ ! فقال : وما الذي تريد
منه ؟ قال : لم يبادر فيجبني بالسّلق ، بأيّ شيءٍ أصفع هذا الخبيث ؟ لا يكنّي
قال : فتركه ابن عرفة وانصرف من غير أن يجيبه بشيءٍ
261 - قال أبو علقمة النحوي : وقفت على قصابٍ وقد أخرج بطنين سمينين ،
فعلّقهما ، فقلت : بكم البطنان ؟ فقال : بمصفعان يا مضرطان ؛ قال : فغطيت رأسي
وفررت لئلا يسمع النّاس فيضحكوا مني
262 - قال الكسائي : حلفت أن لا أكلم عامياً إلا بما يوافقه ويشبه كلامه ؛
وقفت على نجار ، فقلت : بكم هذان البابان ؟ فقال : بسلحتان يا مصفعان ؛ فحلفت أن
لا أكلم عاميّاً إلا بما يصلح
263 - قال بشر بن حجرٍ : انقطع إلى أبي علقمة غلامٌ يخدمه ، فأراد أبو علقمة
البكور في حاجةٍ ، فقال : يا غلام ! أصقعت العتاريف ؟ فقال له الغلام : زقفيلم ؛
قال أبو علقمة : وما ( زقفيلم ) ؟ قال : وما ( العتاريف ) ؟ قال
: الدّيوك ، قال : ما صاح منها شيءٌ بعد
264 - قال جعفر بن نصرٍ : بينما أبو علقمة النحوي في طريق ، ثار به مرارٌ ،
فسقط ، فظنّ من رآه أنه مجنون ، فأقبل رجلٌ يعضُّ أذنه ويؤذن فيها ، فأفاق ، فنظر
إلى الجماعة حوله ، فقال : ما لكم قد تكأكأتم عليَّ كما تتكأكؤون على ذي جنَّةٍ ؟
افرنقعوا عني ؟ فقال بعضهم لبعضٍ : دعوه ! فإنّ شيطانه يتكلّم بالهندية
265 - وقال عبد الله بن مسلمٍ : دخل أبو علقمة النّحوي على أعين الطبيب ، فقال
له : أمتع الله بك ، إنّي أكلت من لحوم هذه الجوازل ، فطسأت طسأة ، فأصابني وجعٌ
من الوالبة إلى دأية العنق ، فلم يزل يربو وينمو حتى خالط الخلب والشراسيف ، فهل
عندك دواء ؟ فقال أعين : خذ حرقفاً وسلقفاً ، فزهزقه وزقزقه ، واغسله بماء روثٍ
واشربه ؛ فقال أبو علقمة : لم أفهم عنك ! فقال أعين : أفهمتك كما أفهمتني
266 - قال صالح بن شابور : كان محمد بن الحسن الجرجاني يتقعّر ويطلب التّعمق
في الكلام مع كل أحدٍ ، فدخل الحمّام يوماً ، فقال للقيم : أين الحديدة التي يمتلخ
بها الطوطوة من الأخفيق ؟ فصفع القيم قفاه بجلد النّورة وهرب ، فلمّا انصرف من
الحمام ، أنفذ من حمله إلى صاحب الشرطة ، فحبس ، فكتب إليه من الحبس : أيّها
الأستاذ ! قد أبرمني المحبسون بالمسألة عن السبب الذي حبست
له ؛ فإمّا أطلقتني وإمّا أعرفهم ؛ فبعث من أطلقه ، فاتّصل الخبر بالفتح ، فحدّث
المتوكل ، فضحك ضحكاً عجيباً ، وقال : هذا والله ظريفٌ مليحٌ ، يجب أن نغنيه عن
الخدمة في الحمّام ؛ فوهب له مئتي دينار
267 - عن عليّ بن المحسن التنوخيّ ، عن أبيه ، قال : كان أبو
جعفر الحسني من أهل البدو ، وكان يعترض الحجّاج ، فيطالبهم بالخفارة ،
وكان رجلٌ يعرف بأبي الحسن بن شاذان السيرافي يظهر الإسلام ، فإذا أمن كاشف بالإلحاد
، وكان خليعاً ماجناً
فحجّ بعض الأمراء ، فأظهر ابن شاذان أنّه يريد الحجٌ ، فاعترض القافلة
أبو جعفر الحسنيُّ ، فقال أبو الحسن لأمير الحاج : أنفذني إليه ؛ قال : أي شيءٍ
تقول له ؟ قال : أقول له : نحن قومٌ من فارس وغيرها ، لا نسب لنا في العرب ولا
رغبةَ ، جاء أبوك إلينا ، فضرب أدمغتنا ، وقال : حجوا هذا البيت ، فأطعناه ، وجئنا
؛ وجئت أنت تمنعنا ، فإن كان قد بدا لكم ، فالله قد أقالكم ؛ فضحك الأمير وبعث
غيره
268 - مدح رجلٌ رجلاً اسمه يسيرٌ ، فقال : ( ومدح يسيرٍ في البلاد يسيرُ ** ) فقيل له : إنّه
لا يعطيك شيئاً ، فقال : إذا لم يعطني قلت بيدي هكذا ؛ وضمّ أصابعه ؛ يعني : إنّه
قليلٌ
269 - دخل رجلٌ على الصاحب بن عباد ، فقال له الصّاحب : ما الكنية ؟ فقال
الرّجل : ( وتتّفق الأسماء في اللّفظ والكنى ** كثيراً ولكن لا تلاقي الخلائق )
270 - قال إسحاق بن إبراهيم الموصلي : دخل مطيع بن إيّاس ويحيى بن زيادٍ على حمّاد
الرّاوية ، فإذا سراجه على ثلاث قصباتٍ ،
قد جمع أعلاهن وأسفلهنّ بطينٍ ، فقال يحيى : يا حمّاد ! إنّك
لمسرفٌ مبتذلٌ لحرّ المتاع ، فقال له مطيعٌ : ألا تبيع هذه المنارة وتشتري أقل
ثمناً منها ، وتنفق علينا وعلى نفسك الباقي ؟ فقال له يحيى : ما أحسن ظنّك به !
ومن أين له مثل هذه المنارة ؟ هذه وديعةٌ أو عاريةٌ ؛ فقال مطيعٌ : إنّه لعظيم
الأمانة عند الناس ! قال يحيى : وعلى عظم أمانته ، ما أجهل من يخرج هذه من داره
ويأمن عليها غيره ؛ فقال مطيعٌ : ما أظنها عاريةً ولا وديعةً ، ولكني أظنها
مرهونةً عنده على مالٍ ، وإلا فمن يخرج مثل هذه من بيته ؟ فقال حمادٌ : شرٌّ منكما
من يدخلكما إلى بيته
271 - قال أبو عبد الله ابن الأعرابي : كنت جالساً بالكوفة ، فرأيت أعمى قد
وقف بنخاس ، فقال : يا نخّاس ! أطلب لي حماراً ليس بالكبير المشتهر ، ولا الصغير
المحتقر ؛ إن خلا الطريق تدفق ، وإن كثر الزحام ترفق ؛ لا يصادم بي السواري ، ولا
يدخلني تحت البواري ؛ إذا أقللت علفه صبر ، وإذا أكثرته له شكر ؛ إن ركبته هام ،
وإن ركبه غيري قام ؛ قال له النّخّاس : يا عبد الله ! إن مسخ القاضي
حماراً ظفرت بحاجتك
272 - قال مجالدٌ : قال الشعبيّ : اخرج بنا نخلو ؛
فخرجنا إلى الصحراء ، فمرّ به عبادي ، فقال له الشعبي : إيش تعالج ؟ قال
: الرفو ؛ فقال له : عندي دنّ مشقوق ، ترفوه لي ؟ فقال : إن
جئتني بخيوطٍ من ريحٍ رفوت لك رفواً لا يرى
273 - سمع ابن الأعرابي رجلاً يقول : أتوسل إليكم بعليّ ومعاوية ، فقال : جمعت
بين ساكنين
274 - جاز أبو بكر ابن قانع بالكرخ في أيّام الدّيلم وقوة الرفض ، فقالت له
امرأةٌ : سيّدي أبو بكر ! فقال لها : لبّيك يا عائشة ! فقالت : كأنّ اسمي عائشة !
قال : فيقتلوني وحدي ! ؟ 275 - قيل لرجلٍ ركب في البحر : ما أعجب ما رأيت ؟ قال :
سلامتي
276 - نظر رجلٌ إلى أخوين لأب وأمٌ ، أحدهما جميلٌ والآخر قبيحٌ ، فقال : ما
أمّكما إلا شجرةٌ تحمل سنةً موزاً وسنةً عفصاً
277 - شكا ضريرٌ شدة العمى ، فقال أعورٌ : عندي نصفٌ الخبر . 278 - رأى بعضهم
شيخاً قد انحنى ، فقال : يا شيخٌ ! بكم القوس ؟ فقال : إن عشت أخذته بلا شيءٍ
279 - ورأى آخر شيخاً مسنّاً ، فقال له : يا شيخ ! من قيدك ؟ قال : الذي
خلّفته يفتل قيدك
280 - دخل أبو الحسن البتّي دار فخر الملك أبي غالبٍ فوجد ابن البوّاب الخطاط
جالساً على عتبة باب ، فقال : جلوس الأستاذ على العتب رعايةٌ للنسب ؛ فغضب ابن
البوّاب ، وقال : لو أن لي من أمر الدنيا شيئاً ما مكنت مثلك من الدخول ؛ فقال
البتي : ما تترك صنعة الشيخ رحمه الله ! 281 - قال بكّار بن رباح : كان بمكة رجلٌ
يجمع بين النساء والرجال ، ويعمل لهم الشراب ، فشكي إلى أمير مكة ، فنفاه إلى عرفاتٍ
، فبنى بها منزلاً ، وأرسل إلى حرفائه : ما يمنعكم أن
تعاودوا ما كنتم فيه ؟ قالوا : وكيف وأنت بعرفات ؟ فقال : حمار بدرهمين ،
وقد صرتم إلى الأمن والنّزهة ؛ فكانوا يركبون إليه ، حتى أفسد أحوال أهل مكة ،
فعادوا يشكونه إلى الوالي ، فأرسل إليه ، فأتي به ، فقال : يا عدو الله ! طردتك من
حرم الله فصرت بفسادك إلى المشعر الأعظم ! فقال : يكذبون
عليّ ؛ فقالوا : دليلنا أن نأمر بحمير مكةّ ، فتجمع ، ويرسل بها مع أمنائك إلى
عرفات ، فإن لم تقصد منزله من بين المنازل فنحن مبطلون ؛ فقال الوالي : إن هذا
لشاهد ودليل ؛ فجمع الحمر ، ثم أرسلها ، فصارت إلى منزله ، فقال الأمير : ما بعد
هذا شيءٌ ؛ فجرّدوه ، فلما نظر إلى السياط ، قال : لا بدّ لك من ضربني ؟ قال : نعم
، قال : والله ما عليّ في ذلك أشد من أن يضحك منا أهل العراق ، ويقولون : أهل مكة
يجيزون شهادة الحمير ! فضحك الوالي
282 - قدّم طبّاخٌ إلى بعض الفطناء طبقاً وعليه رغيفان ، ثم قال له : ما تشتهي
أن أجيء به ؟ فقال : خبزٌ
283 - تكلم بعض القصاص ، فقال : في السماء ملكٌ يقول كل يومٍ : ( لدوا للموت
وابنوا للخراب ** ) فقال بعض الفطناء : اسم ذلك الملك أبو العتاهية
284 - كان بعض الظرفاء إذا سمع أحداً يتحدث حديثاً بارداً قال : اقطع حديثك
بخيرٍ
285 - حضر في مجلس أبي سعد بن أبي عمامة رجلٌ من أهل اليمن ، فسأل أبا سعدٍ أن
يطلب له شيئاً ، فطلب ، فلم يعطه أحدٌ شيئاً ، وكان مقصودهم بالامتناع أن يذكر
الشيخ شيئاً يضحكون منه ، فقال أبو سعدٍ للسّائل : من أين أنت ؟ فقال : من اليمن ؛
فقال له : تكذب ! لست من اليمن ؛ قال : بلى والله ! فقال : لو كنت من اليمن لكان
هؤلاء يعرفونك فيعطونك ؛ فضحك النّاس وأعطوه ؛ وكان مقصوده أنّ القرود من اليمن
286 - قيل لبعضهم : أتحبّ أن تموت امرأتك ؟ قال : لا ، قيل : لم ؟ قال : أخاف
أن أموت من الفرح
287 - ادّعى رجلٌ النبّوّة ، فقيل له : أخرج لنا من الأرض بطيخةً ، فقال : اصبروا علىّ
ثلاثة أيام ، قالوا : ما نريد إلا السّاعة ، فقال : إنّ الله تعالى يخرج البطيخة
في ثلاثة أشهرٍ ، فلا تصبرون ثلاثة أيامٍ ؟ !
288 - ادعى رجلٌ النبّوّة وزعم أنّه نوحٌ ، فصلب ، فمرّ به مجنونٌ ، فقال : يا
نوح ! ما حصلت من سفينتك إلا على الدّقل
289 - ذكر أبو يوسف القزوينيُّ أنّ رجلاً كان يقال له : هذيل بن واسع ، يزعم
أنّه من ولد النّابغة الذبياني ، ادّعى النبّوة ، وزعم أن الله تعالى أوحى إليه ما
يعارض به سورة الكوثر ، فقال له رجلّ : أسمعني ! فقال : إنّا أعطيناك الجواهر ،
فصل لربّك وهاجر ، فما يؤذيك إلا فاجر ؛ فظهر عليه القسري ، فقتله وصلبه ، فعبر
عليه الرجل ، فقال : إنّا أعطيناك العمود ، فصلّ لربّك من قعود ، بلا ركوعٍ ولا
سجودٍ ، فما أراك تعود
290 - لطم رجلٌ الأحنف بن قيسٍ ، فقال له : لم فعلت هذا ؟ قال : جعل لي جعلٌ
على أن ألطم سيّد بني تميم ؛ فقال : ما صنعت شيئاً ، عليك بحارثة بن قدامة ، فإنّه
سيّد بني تميمٍ ؛ فانطلق ، فلطمه ، فقطع يده ، وذاك أراد الأحنف
291 - قال أحمد بن علي بن ثابتٍ : استعار رجلٌ من أبي حامدٍ أحمد ابن أبي طاهر
الأسفراييني الفقيه كتاباً ، فرآه أبو حامدٍ يوماً قد أخذ عليه عنباً ، ثمّ إنّ
الرّجل سأله بعد ذلك أن يعيره كتاباً ، فقال له : تجيءُ إلى المنزل ، فأتاه ،
فأخرج الكتاب إليه في طبقٍ وناوله إياه ،
فقال الرّجل : ما هذا ؟ قال له : هذا الكتاب الذي طلبته ، وهذا الطّبق
تضع عليه ما تأكله ؛ فعلم بذلك ما جنى
292 - قال أبو إسحاق الجهيمي : تنكر الحجّاج وخرج ، فمرّ على المطّلب غلام أبي
لهب ، فقال له : أي شيءٍ خبر الحجاج ؟ فقال : على الحجاج لعنة الله ، قال : متى
يخرج ؟ قال : أخرج الله روحه من بين جنبيه ، قال : أتعرفني ؟ قال : لا ، قال : أنا
الحجاج ، قال له : أتعرفني ؟ قال : لا ، قال : أنا المطّلب غلام أبي لهبٍ ، معروفٌ
بالصّرع ، أصرع في كل شهرٍ ثلاثة أيّام ، اليوم أوّلها ؛ فتركه ومضى
293 - وانفرد الحجّاج يوماً عن عسكرهِ ، فلقي أعرابياً فقال له : كيف الحجَّاج
؟ قال : ظالمٌ غاشم ، قال : فهلا شكوتموه إلى عبد الملك ؟ قال : هوأظلم وأغشم ؛
فأحاط به العسكر ، قال : أركبوا البدوي ؛ فلما ركب ، سأل عنه ، فقيل له :
هذا الحجَّاج ؛ فركض خلفه ، وقال : يا حجَّاج ! قال : ما لك ؟ قال : السرُّ الّذي
بيني وبينك لا يطَّلع عليه أحد ؛ فضحك منه وأطلقه
294 - قال محمد بن إسحاق : قيل لعمر بن عبد العزيز : إنَّ في المدينة مخنّثاً
قد أفسد نساءها ؛ فكتب إلى عاملهِ أن يحمله إليه ، فحمل ؛ فأدخل عليه ، فإذا شيخٌ
خاضبٌ اللّحية والأطراف معتجرٌ ؛ فدخل ومعه دفٌّ في خريطةٍ ، فلمّا وقف بين يديِّ
عمر صعَّد فيه النَّظر
وصوَّبه ، ثمَّ قال : سوأةٌ لهذهِ السن وهذهِ القامةِ ؛ ثمَّ قال له عمر
: أتحفظ من المفصَّلُِ شيئاً ؟ قال : نعم ، وما المفصَّلُ ؟ قال : ويلك ! أتقرأُ
من القرآنِ شيئاً ؟ قال : أقرأُ ! ( الحمد ) ! وأخطئ فيها
موضعين أو ثلاثةٍ ، وأقرأُ ! ( قل أعوذ برب الناس ) ! وأخطئ فيها ،
وأقرأُ ! ( قل هو الله أحد ) ! مثل الماءِ الجاري ؛ قال : ضعوه في الحبسِ ،
ووكِّلوا بهِ معلِّماً يعلمه القرآن وما يجبُ عليهِ من الطَّهارةِ والصلاةِ ،
وأجروا عليه كلَّ يوم درهماً ، وعلى معلّمهِ ثلاثةً ، ولا يخرج مِن الحبس حتّى
يحفظ القرآن أجمع ؛ فكان كلّما علَّم سورةً نسيَ الَّتي قبلها ، فبعث رسولاً إلى
عمر : يا أمير المؤمنين ! وجه إلي من يحملُ إليك ما أتعلمه أولاً فأوّلاً ، فإنَّي
لا أقدر أن أحمله ؛ فقال عمر : ما أرى هذهِ الدَّراهم إلاّ لو أطعمناها جائعاً أو
كسونا بها عارياً كان أصلح ؛ ثمَّ دعا به ، فقال : أقرأ ! ( يا أيها الكافرون ) !
فقال : أسأل الله العافية ! أدخلت يدك في الجراب ، فأخرجت شَّرَّ ما فيه وأصعبه ؛
فأمر بوجىء عنقه ، ونفاه
295 - قال المبرّد : قدم بعض البصريين من أصحاب أبي الهذيل بغداد ، وقال :
لقيت مخنثّين ، فقلت لهما : أريد منزلاً ؛ وكان هذا الرجل في نهاية القبح ، فقال
أحدهما : بالله من أين أنت ؟ قلت : من البصرة ؛ فأقبل على الآخر ، فقال : لا إله
إلاَ الله ، تحول يا أختي كل شيء من الدنيا ، حتى هذا ! كانت القرود تجيء إلى
بغداد من اليمن صارت تجيء من البصرة !
296 - قال أبو القاسم الرازي : سمعت أخي أبا عبد الله يقول :
قام بنان الحمال إلى مخنّث ، فأمره بالمعروف ، فقال له المخنث : ارجع
كفاك ما بك ، فقال له بنان : وما بي ؟ قال : خرجت من بيتك وفي نفسك أنك خير منَّي
297 - دخل رجل الحمَّام ، فإذا مخنثٌ بين يديهِ خطميّ ، فقال الرّجل : أعطني
من هذا قليلاً ؛ فأبى ، فقال الرَجل : كل قفيز بدرهم ، فقال المخنث : كل أربعة
أقفزةٍ بدرهم ، احسب حسابك ، كم يصيبك بلا شىءٍ ؟ !
298 - قيل لأبي الحارث جمّيز : ما تقول في الفالوذجة ؟ قال : وددت أنها والموت
اعتلجا في صدري ، والله لو أنَ موسى لقي فرعون بفالوذجة لآمن ، لكنَه لقيه بعصا
299 - أدخل مخنث على العريان بن الهيثم ، وهو أمير الكوفة ، فقال : يا عدو
الله ! أتتخنث وأنت شيخ ! ؟ فقال : مكذوب علي كما كذب علي الأمير ، فقال : وما قيل
فيّ ؟ قال : يسمونك العريان ولك عشرون جبّة
300 - قال المتوكل يوماً لجلسائه : أتدرون ما الذي نقم المسلمون على عثمان ؟
أشياءٌ ، منها أنه قام أبو بكر دون مقام رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بمرقاة
، ثم قام عمر دون أبي بكر بمرقاة ، فصعد
عثمان ذروة المنبر ؛ فقال عبادة : ما أحد أعظم منة عليك يا أمير المؤمنين
من عثمان ؛ قال : وكيف ذلك ؟ قال : لأنّه صعد ذروة المنبر ، فلو أنه كلما قام
خليفةٌ نزل عمن تقدمه كنت أنت تخطبنا من بئر جلولاء ؛ فضحك المتوكل ومن حوله
301 - قال أبو عثمان الخالدي : عملتُ قصيداً أمدح سيف الدولة أبا الحسين ابن
حمدانٍ ، وعرضتها على جماعةٍ ، أتعرّف ما عندهم فيها ، فاتّفق أن حضر مخنّثٌ وأنا
أقرأها ، فلمّا انتهيت إلى قولي : ( وأنكرت شيبةً في الرّأس واحدةً ** فعاد يسخطها
ما كان يرضيها ) قال : هذا غلطٌ ! يقول للأمير : في الرّأس واحدةً ! ألا قلت : في
الرّأس طالعةً أو لائحةً ؟ فعجبت من فطنته وجودة خاطره وحسن عرافته
302 - قال الأصمعي : قيل لطويس : ما بلغ من شؤمك ؟ قال : ولدت يوم توفي رسول
الله [ صلى الله عليه وسلم ] ،
وفطمت يوم توفي أبو بكر ، وختنت يوم مات عمر ، وراهقت يوم قتل عثمان ، وتزوّجت يوم
قتل علي وولد لي يوم قتل الحسين
303 - نظر جمّيز إلى برذونٍ تحت صديقٍ له يقطف ، فقال : برذونك هذا يمشي على
استحياء . 304 - قال بعض الأدباء لصديقٍ له : أنت والله بستان
الدنيا ،
فقال له الآخر : أنت النّهر الذي يشرب منه ذلك البستان
305 - تظلم أهل الكوفة من عاملها إلى المأمون ، فقال : ما علمت في عمّالي أعدل
منه ؛ فقال رجلٌ من القوم : يا أمير المؤمنين ! فقد لزمك أن تجعل لسائر البلدان
نصيباً من عدله حتى تكون قد ساويت بين رعاياك في حسن النظر ، فأمّا نحن ، فلا
يخصنا أكثر من ثلاث سنين ؛ فضحك وصرفه
306 - قال عليّ بن مهديّ : مرّ طبيبٌ بأبي الواسع المازني ، فشكا إليه ريحاً في
بطنه ، فقال له : خذ الصّعتر ، فقال : يا غلام ! دواةٌ وقرطاسٌ ؛ قال : قلت ماذا ؟
قال : كرّ صعترٍ ومكوك شعيرٍ ، قال : لم تذكر الشعير أوّلاً ! قال : ولا علمت أنّك
حمارٌ أيضاً إلا الساعة
307 - دعا بعض الظرفاء قوماً ، فتبعهم طفيليّ ، ففطن به الرّجل ، فأراد أن
يعلمهم أنّه قد فطن به ، فقال : ما أدري لمن أشكر ؟ لكم إذ أجبتم دعوتي ، أو لهذا
الذي تجشم من غير أن أدعوه ؟ 308 - قال يموت بن المزرّع : قال لي سهل بن صدقةٍ ،
وكانت بيننا مداعبةٌ : ضربك الله باسمك ، فقلت له مسرعاً : أحوجك الله إلى اسم
أبيك
309 - مرّ رجلٌ من الفطناء برجلٍ قائم في طريقٍ ، فقال : ما وقوفك ؟ قال :
أنتظر إنساناً ، قال : يطول وقوفك إذن
310 - تقدّم رجلٌ سيىء الأدب إلى حجّام ، فقال له : تقدّم يا ابن الفاعلة
وأصلح شاربي ، فقال له : إن كان خطابك للنّاس كذا فعن قليلٍ تستريح منه
311 - قال عبد الرحمن بن مخلدٍ : دفعت امرأة إلى رجل يقرأ عند القبور رغيفاً ،
وقالت له : اقرأ عند قبر ابني ؛ فقرأ ! ( يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس
سقر ) ! [ 54 سورة القمر / الآية : 48 ]
قال : فقالت له : هكذا يقرأ عند القبور ؟ ! فقال لها : فإيش أردت برغيفٍ
! ( متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وجنى الجنتين دان ) ! [ 55 سورة الرحمن /
الآية : 54 ] ؟
ذاك بدرهم !
312 - حضر خيّاطٌ عند بعض الأتراك ليفّصل له قباءً ، فأخذ يفصّل والتّركيّ
ينظر إليه ، فما أمكنه أن يسرق شيئاً ، فضرط ، فضحك التركي حتى استلقى ، فأخرج
الخياط من الثوب ما أراد ، فجلس التركي ، فقال : يا خيّاطّ ضرطةٌ
أخرى ؛ فقال : لا يجوز ، يضيق القباء
313 - قدّم قومٌ غريماً لهم إلى الحاكم ، فادّعوا عليه ، فقال :
صدقوا ! إلا أني سألتهم أن يؤخروني حتى أبيع عقاري وأدفع إليهم ، فإن لي
مالاً وعقاراً ورقيقاً وإبلاً ، فقالوا : كذب ، ما يملك شيئاً ، إنّما يريد دفعنا
عن نفسه ، فقال : أيّها القاضي ! اشهد لي عليهم
فعدمه ، ثمّ قال لخصومه : قد عدمته ؛ فأركب حماراً ، ونودي عليه : هذا
معدمٌ ، فلا يعامله أحدٌ إلا بالنّقد ؛ فلمّا كان العشاء ترك عن الحمار ، فقال له
المكاريّ : هات أجرة الحمار ، قال : ففيم كنّا مذ الغداة ؟ !
314 - نظر بعض الحكماء إلى رجلٍ يرمي هدفاً ، وسهامه تذهب يميناً وشمالاً ، فقعد
في وجه الهدف ، فقيل له في ذلك ، فقال : لم أر موضعاً أسلم منه
315 - رمى رجلٌ عصفوراً ، فأخطأه ، فقال له رجلٌ : أحسنت ؛ فغضب ، وقال : تهزأ
بي ؟ قال : لا ! ولكن أحسنت إلى العصفور
316 - قيل لرجل : تحفظ القرآن ؟ قال : نعم ، قالوا : إيش أوّل الدّخان ؟ قال :
الحطب الرّطب
317 - استأجر رجلٌ داراً ، فجعل خشب السقوف يتفرقع ، فقال لمالك الدّار : أصلح هذا السقف ،
فإنّ خشبه يتفرقع ؛ قال : لا بأس عليك ، فإنّه يسبح ؛ قال : أخشى أن تدركه
الرّقّة فيسجد
318 - وقف قومٌ على مزبدٍ ، وهو يطبخ قدراً ، فأخذ أحدهم قطعة لحم ، فأكلها ،
وقال : تحتاج القدر إلى خلّ ؛ وأخذ آخر قطعة لحم ، فأكلها ، وقال : تحتاج القدر
إلى أبزار ؛ وأخذ آخر قطعة لحم ، فأكلها ، وقال : تحتاج القدر إلى ملحٍ ؛ فأخذ
مزبد قطعة لحمٍ ، فأكلها ، وقال : تحتاج القدر إلى لحمٍ
319 - قام رجلٌ على رأس ملكٍ ، فقال : لم قمت ؟ قال : لأقعد ؛ فولاه
320 - ومرّ رجلٌ بمزبدٍ وهو جالسٌ يتفكر ، فقال له : في أي شيءٍ تتفكر ؟ قال :
في الحج ، قد عزمت عليه السّنة ، قال : فما أعددت له ؟ قال : التلبية ، فما أقدر
على غيرها
321 - وزفّت إليه امرأة قبيحةٌ ، فقيل له : بم تصبحّها ؟ قال : بالطلاق
322 - ونظر إلى قومٍ مكتفين يحملون إلى السجن ، فقال : ما قصة هؤلاء ؟ قال : خيرٌ ! قال : فإن
كان خيراً فكتفوني معهم ! ! 323 - وغضب عليه بعض الولاة ، فأمر بحلق لحيته ، فقال
له الحجّام : افتح فمك ! فقال : الأمير أمرك بحلق لحيتي أو تعلّمني الزمر ؟ 324 -
قص قاصّ ، فقال : إذا مات العبد وهو سكران ، دفن
وهو سكرانٌ ؛ وحشر وهو سكران ؛ فقال رجلٌ في طرف الحلقة لآخر : هذا
والله نبيذٌ جيدٌ ، يسوى الكوز منه عشرين درهماً
325 - صلّى رجلٌ صلاة خفيفةً ، فقال له الجمّاز : لو رآك العجّاج لسرّ بك ،
فقال : ولم ؟ قال : لأن صلاتك رجزٌ
326 - قال الجمّاز لأبي شراعة : كيف تجدك ؟ قال : أجدني مريضاً من دماميل قد
خرجت في أقبح المواضع ، فقال : ما أرى في وجهك منها شيئاً !
327 - رأى المعتصم أسداً ، فقال لرجلٍ قد أعجبه قوامه وسلاحه : أفيك خيرٌ ؟
فعلم أنّه يريد أن يقدمه إلى الأسد ، فقال : لا يا أمير المؤمنين ؛ فضحك
328 - مرّ غرابٌ الماجن بسائل يقول : أنا عليلٌ وأنا جائع ، فقال له : احمد
ربّك ، فقد نقهت
329 - ضحى فضلٌ الوالي عن امرأته ستين سنةً ، فسمع يوماً محدثاً يحدث ، يقول :
يحشر الناس يوم القيامة وبين أيديهم ضحاياهم ؛ فقال : إن كان كما تقول ، فإن
امرأتي تحشر يوم القيامة راعيةً بعصاوين
330 - بلغني عن بعض الظراف المتماجنين أنّه قال : لمّا صنع
السامريّ العجل ، قال إبليس : هذه فضيحةٌ ! تعبد بقرةٌ ! الآن يلعنني
الناس ويقولون : هذا عمله ، انظروا ما يقول السّامريّ ! قالوا : قد قال : ! ( بصرت بما لم
يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها ) ! [ 20 سورة طه / الآية : 96 ] ،
قال : ثم أيش ؟ قالوا : قد قال : ! ( وكذلك سولت لي نفسي ) ! [ 20 سورة طه / الآية
: 96 ] ، قال : استرحت أنا السّاعة من أن يقال عنّي
331 - قال محمد بن عبد الرحمن : دعا مدنياً مرّةً أخٌ له ، فأقعده إلى العصر ،
فلم يطعمه شيئاً ، فاشتدّ جوعه ، وأخذه مثل الجنون ، فأخذ صاحب البيت العود ، وقال
له : بحياتي ! أي صوتٍ تشتهي أن أسمعك ؟ قال : صوت المقلى
332 - كان بعض الظرفاء يجلس عند بقالٍ ضعيفٍ ، لا يكاد يبيع إلا بخبز ، فجاءه
رجلٌ ، فقال له : عندك بهذا الدينار قراضه ؟ فقال له الظريف : مرّ ، ثكلتك أمّك !
هذا قراضته كلّها يطرحها بن
333 - دخل ظريفٌ يصلّي في مسجدٍ ، فسرقوا لالكته ، فخبّأوها في كنيسةٍ [ قرب ]
المسجد ، ففتّش ، فرآها في الكنيسة ، فقال : ويحك ! لمّا أسلمت أنا تهودت أنت ! ؟ 334 - بات رجلٌ في دار
قومٍ ، فانتبه صاحب الدّار بالليل ،
فسمع ضحك الرّجل في الغرفة ، فصاح به : يا فلانٌ ! قال : لبيك ؛ قال :
كنت في الدار ، فما الذي رقّاك إلى الغرفة ؟ قال : قد تدحرجت ؛ فقال : النّاس
يتدحرجون من فوق إلى أسفل ، فكيف تدحرجت أنت إلى فوقٍ ؟ قال : فمن هذا أضحك
335 - قال صبي ليهودي : يا عمّ ! قف حتى أصفعك ! قال : أنا مستعجلٌ ، اصفع أخي
عنّي
336 - رئي فقيرٌ في قريةٍ ، فقيل : ما تصنع هنا ؟ قال : ما صنع موسى والخضر
يعني قوله : ! ( استطعما أهلها ) ! [ 18 سورة الكهف / الآية : 77 ]
337 - شتم رجلٌ رجلاً ، فقال المشتوم : إيش قلت لك ؟ فأوهمه أنّه يستفهمه ،
وإنّما ردّ عليه
338 - كان سابور وزير بهاء الدولة يكثر الولاية والعزل ، فولّى بعض العمّال
عكبرا ، فقال له : أيّها الوزير ! كيف ترى ؟ أستأجر السفينة مصعداً ومنحدراً ؟
فتبسم وقال : امض ساكتاً
339 - بلغني عن أبي سعدٍ ابن أبي عمامة ، وكان من المتماجنين ، أن رجلاً قال
له : رزقك الله قصراً يبين باطنه من ظاهره ؛ فقال : فنحن الآن قعودٌ في الطريق
340 - وقال له رجلٌ : تصدّق عليّ حتى أحيلك على من يرى ولا يرى ؛ فقال : إذا
لم ير ، فممّن أطلب ؟ 341 - قال رجلٌ لعض الظراف : قد لدغتني عقربٌ ، فهل عندك
لهذا دواءٌ ؟ فقال : الصياح إلى الصباح
342 - قال مصعب الزّبيري : أتي العريان بسكرانٍ ، فقال له : من أنت ؟ فقال : (
أنا ابن الذي لا ينزل الدّهر قدره ** وإن نزلت يوماً فسوف تعود ترى النّاس أفواجاً
إلى ضوء ناره ** فمنهم قيامٌ حولها وقعود ) فخلاّه ، فإذا به ابن
باقلاّويّ
343 - قال بعض الشعراء : ( إذا لم يكن في البيت ملحٌ مطيّبٌ ** وزيتٌ وخلٌّ
حول حبّ دقيق ولم يك في كيسي دراهم جمّةٌ ** تنفد حاجاتي بكل طريق فرأس صديقي في
حر أمّ قرابتي ** ورأس عدوّي في حر أم صديقي ) 344 - قيل لأبي الحارث جمّيز : ما
فعل فلانٌ ؟ قال : مات ، قيل : ما ورثت امرأته ؟ قال : أربعة أشهرٍ وعشراً
الباب الثاني فيما يذكر عن النساء من ذلك 345 - قالت عائشة : قلت : يا
رسول الله ! لو نزلت وادياً فيه شجرةٌ قد أكل منها ، ووجدت شجراً لم يؤكل منها ،
في أي شجرةٍ كنت ترتع بعيرك ؟ قال : ' في التي لم ترتعي منها '
يعني أن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] لم يتزوج بكراً غيرها
346 - قال ابن أبي الزّناد : كان عند أسماء بنت أبي بكرٍ قميصٌ من قمص رسول
الله [ صلى الله عليه وسلم ] ، فلمّا قتل عبد الله بن الزبير ذهب القميص فيما ذهب
مما انتهب ، فقالت أسماء : للقميص أشدّ عليّ من قتل عبدالله ؛ فوجد القميص عند
رجلٍ من أهل الشام ، فقال : لا أردّه أو تستغفر لي أسماء ؛ فقيل لها ، فقالت : كيف
استغفر لقاتل عبد الله ؟ قالوا : فليس يردّ القميص ! فقالت : قولوا له فليجيء
فجاء بالقميص ومعه عبدالله بن عروة ، فقالت : ادفع القميص إلى عبد الله
؛ فدفعه ، فقالت : قبضت القميص يا عبد الله ؟ قال : نعم ؛ قالت : غفر الله لك يا
عبد الله ؛ وإنّما عنت عبد الله بن عروة
347 - قال عبد الله بن مصعبٍ : قال عمر بن الخطاب : لا تزيدوا في مهور النساء
على أربعين أوقيّة ، وإن كانت بنت ذي الغصّة ،
يعني : يزيد بن الحصين الحارثيّ ، فمن زاد ألقيت الزيادة في بيت المال ؛
فقالت امرأة : ما ذاك لك ! قال : ولم ؟ قالت : لأنّ الله عزّ وجل قال : ( وءاتيتم إحداهنّ
قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً ) [ 4 سورة النساء / الآية : 20 ] فقال عمر : امرأة
أصابت ورجلٌ أخطأ
348 - قال أبو الحسن المدائني : دخل عمران بن
حطّان يوماً على امرأته ، وكان قبيحاً دميماً قصيراً ، وقد تزيّنت ، وكانت حسناء ،
فلم يتمالك أن أدام النّظر إليها ، فقالت : ما شأنك ؟ قال : لقد أصبحت والله
جميلةً ، فقالت : أبشر ! فإني وإيّاك في الجنة ؛ قال : ومن أين علمت ؟ قالت :
لأنّك أعطيت مثلي فشكرت ، وابتليت بمثلك فصبرت ، والصّابر والشاكر في الجنة
349 - قال القحذميّ : دخل ذو الرّمّة الكوفة ، فبينما هو يسير في بعض شوارعها
على نجيبٍ له ، إذ رأى جاريةً سوداء واقفةً على باب دار ، فاستحسنها ، فدنا منها ،
فقال : يا جارية ! اسقني ماءً ؛ فأخرجت إليه كوزاً ، فشرب وأراد أن يمازحها ، فقال : ما أحرّ ماءك !
فقالت : لو شئت لأقبلت على عيوب شعرك وتركت حرّ مائي وبرده ؛ فقال لها : وأي شعري
له عيبٌ ؟ فقالت : ألست ذا الرّمّة ؟ قال : بلى ! قالت :
( فأنت الذي شبّهت عنزاً بقفرةٍ ** لها ذنبٌ فوق استها أمّ سالم جعلت لها
قرنين فوق جبينها ** وطبيين مسّودين مثل المحاجم وساقين إن يستمكنامنك يتركا **
بجلدك يا غيلان مثل المناسم أيا ظبية الوعساء بين حلاحل ** وبين النّقا أأنت أم
أمّ سالم ) قال : نشدتك الله إلا أخذت راحلتي هذه وما عليها ولم تظهري هذا ؛ ونزل
عن راحلته ، فدفعها إليها ، وذهب ليمضي ، فدفعتها إليه ، وضمنت له أن لا تذكر لأحد
ما جرى
350 - عن ابن السّكّيت ، أن محمد بن عبد الله بن طاهر عزم على الحج ، فخرجت
إليه جاريةٌ شاعرةٌ ، فبكت لما رأت من آلة السفر ، فقال محمد بن عبد الله : (
دمعةٌ كاللؤلؤ الرّطب ** على الخدّ الأسيل هطلت في ساعة البين ** من الطّرف الكحيل
) ثم قال لها : أجيزي ، فقالت : ( حين هم القمر الباهر ** عنّا بالأفول إنّما
يفتضح العشاق ** في وقت الرّحيل ) 351 - قال الأصمعي : جاءت عجوزٌ إلى عبد الله بن
جعفر ، فقال : كيف حالك يا عجوز ؟ قالت : ما في بيتي جرذٌ ؛ فقال : لقد أطلقت
المسألة ، لأملأن بيتك جرذاناً . 352 - قال المبرّد : كنّا عند المازنّي ، فجاءته
أعرابية كانت تغشاه
ويهب لها ، فقالت : أنعم الله صباحك أبا عثمان ، هل بالرّمل أو شالٌ ؟
فقال لها : يجيء الله به ، فقالت : ( تعلمنّ والذي حجّ القوم ** لولا خيالٌ طارقٌ
عند النوم والشوق من ذكراك ما جئت اليوم ** ) فقال المازني : قاتلها الله ! ما
أفطنها ! جاءتني مستمنحةً ، فلمّا رأت أن لا شيء جعلت المجيء زيارةً تمنّ بها عليً
قال اليشكري : الأوشال جمع وشلٍ ، وهو : الماء القليل ، وهو مثلٌ هنا ،
أي عندكم من ندى ؟ 353 - وقف المهديّ على عجوزٍ من العرب ، فقال : ممّن أنت ؟ قالت
: من طيّىء ، قال : ما منع طيئاً أن يكون فيهم مثل حاتم ؟ فقالت : الذي منع الملوك
أن يكون فيهم مثلك ! فعجب من جوابها ، ووصلها
354 - قال المأمون لزبيدة لمّا قتل ابنها : لن تعدمي منه إلا عينيه ، وأنا
ولدك مكانه ؛ فقالت : إن ولداً أفادنيك جديرٌ أن أجزع عليه
355 - قال يموت بن المزرّع : قال لنا الجاحظ : كنت مجتازاً في بعض الطرقات ،
فإذا أنا بامرأتين ، وكنت راكباً على حمارةٍ ، فضرطت الحمارة ، فقالت إحداهما
للأخرى : ويّ ! حمارة الشيخ تضرط ! فغاظني قولها فأعننت ثم قلت : إنّه ما حملتني
أنثى قط إلا
ضرطت
فضربت بيدها على كتف الأخرى ، وقالت : كانت أمّ هذا منه تسعة أشهرٍ في
جهدٍ جهيد
356 - وقال الجاحظ : رأيت بالعسكر امرأةً طويلةً جدّاً ونحن على الطعام ،
فأردت أن أمازحها ، فقلت : أنزلي تأكلي معنا ، فقالت : وأنت فاصعد حتى ترى الدّنيا
356 - قال الزبير بن بكارٍ : قالت بنت أختي لأهلي : خالي خير رجلٍ لأهله ، لا
يتخّذ ضرّةً ، ولا يشتهي جاريةً ؛ قالت : تقول المرأة : والله لهذه الكتب
أشدّ عليّ من ثلاث ضرائر . 358 - قال أبو القاسم عبيد الله بن عمر البقال : تزوّج
شيخنا أبو عبد الله ابن المحرّم ، وقال لي : لمّا حملت إليّ
المرأة جلست في بعض الأيّام أكتب شيئاً على العادة ، والمحبرة بين يديّ ، فجاءت
أمّها ، فأخذت المحبرة ، فضربت بها الأرض ، فكسرتها ، فقلت لها في ذلك ، فقالت :
هذه شرّ على ابنتي من ثلاث مئة ضرّة
359 - أراد شعيب بن حربٍ أن يتزوّج امرأةً ، فقال لها : إني سيىء الخلق ،
فقالت : أسوأ خلقاً منك من يحوجك إلى أن تكون سيىء الخلق
360 - اعترض رجلٌ جاريةً ، ليشتريها ، فقال لها : بيدك صنعةٌ ؟ فقالت : لا !
ولكن برجلي ؛ تعني : إنها رقاصةً
361 - خاصمت امرأةٌ زوجها ، وقالت : طلقني ! فقال : فأنت حبلى ، إذا ولدت
طلقتك ! فقالت : ما عليك منه ! قال : فإيش تعملين به ؟ قالت : أقعده باب الجنة
فقاعى ؛ فقالوا لعجوز : ما معنى هذا ؟ قالت : تعني : إنّها تشرب ماء السذاب ،
وتتحمل به حتى يسقط ، فيلحق بالجنّة ، فيكون كالفقاعى
362 - عرض على المتوكل جاريةً ، فقال لها : بكرٌ أنت أم إيش ؟ فقالت : أم إيش
؛ فضحك وابتاعها
363 - عرض على رجل جاريتان : بكرٌ وثيبٌ ، فاختار البكر ، فقالت الثيب : ما بيني وبينها
إلا يومٌ ، فقالت البكر : ! ( وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ) ! [ 22 سورة
الحج / الآية : 47 ] فاشتراها
364 - خرج رجلٌ ، فقعد يتفرّج على الجسر ، فأقبلت امرأةٌ من جانب الرّصافة
متوجّهة إلى الجانب الغربي ، فاستقبلها شابٌ ، فقال لها : رحم الله علي بن الجهم ؛
فقالت المرأة : رحم الله أبا العلاء المعري ؛ ومرّا
قال : فتبعت المرأة ، وقلت لها : إن لم تقولي ما قلتما فضحتك
فقالت : قال لي : رحم الله عليّ بن الجهم يريد قوله : ( عيون المها بين
الرصافة والجسر ** جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري ) وأردت بترحمي على أبي العلاء
قوله : ( فيا دارها بالحزن إن مزارها ** قريبٌ ولكن دون ذلك أهوال ) 365 - غضب المأمون على
طاهر بن عبد الله ، فأراد طاهرٌ أن يقصده ، فورد كتابٌ له من صديقٍ له ، ليس فيه
إلا السلام ، وفي حاشيته : يا موسى ! فجعل يتأمّله ولا يعلم معنى ذلك ، وكانت له
جارية فطنةٌ ، فقالت : إنه يقول : ! ( يا موسى إن الملأ
يأتمرون بك ليقتلوك ) ! [ 28 سورة القصص / الآية : 20 ] فتثبط عن قصد
المأمون
366 - قال بعضهم : حضرت مغنيّتين ، فكانت إحداهما تعبث بكل من تقدر عليه ،
والأخرى ساكتةٌ ، فقلت للساكتة : رفيقتك هذه ما تستقر مع واحدٍ ؛ فقالت : هي تقول
بالسنّة والجماعة ، وأنا أقول بالقدر
367 - خاصمت امرأة زوجها في تضييقه عليها ، فقالت : والله ما يقيم الفأر في
بيتك إلا لحب الوطن ، وإلا فهن يسترزقن من بيوت الجيران
368 - جاءت دلالةٌ إلى رجلٍ ، فقالت : عندي امرأة كأنها طاقة نرجسٍ ؛ فتزوّجها
، فإذا هي عجوزٌ قبيحةٌ ، فقال للدلالة : غششتني ،
فقالت : لا والله ! إنما شبهتها بطاقة نرجسٍ لأنّ شعرها أبيضٌ ، ووجهها
أصفرٌ ، وساقها أخضر
369 - أعطت امرأة جاريتها درهماً ، وقالت : اشتري به هريسةً ؛ فرجعت ، وقالت :
يا سيدتي ! ضاع الدرهم ؛ فقالت : يا فاعلة ! أتكلميني بفمك كله وتقولين ضاع الدرهم
! فأمسكت الجارية بيدها نصف فمها ، وقالت بالنصف الآخر : وانكسرت الغضارة
370 - وقال رجل لجاريةٍ أراد شراءها : كم دفعوا فيك ؟ فقالت : ! ( وما يعلم
جنود ربك إلا هو ) ! [ 74 سورة المدثر / الآية : 31 ]
371 - قال أبو بكر ابن عيّاش : كان بالكوفة رجلٌ قد ضاق معاشه ، فسافر ، وكسب
ثلاث مئة درهم ، فاشترى بها ناقةً فارهةً ، وكانت زعرةً ، فأضجرته ، واغتاظ منها ،
فحلف بالطلاق ليبيعنّها يوم يدخل الكوفة بدرهم ، ثمّ ندم ، فأخبر زوجته بالحال ،
فعمدت إلى سنّور ، فعلّقتها في عنق النّاقة ، وقالت : ناد عليها : من
يشتري هذا السنور بثلاث مئة درهم والنّاقة بدرهم ! ولا أفرق بينهما ؛ ففعل ، فجاء
أعرابيٌّ ، فقال : ما أحسنك ! لولا هذا البتيارك الذي في عنقك
372 - قال زكريا بن يحيى السّاجيّ : اشترى رجلٌ من أصحاب القاضي العوفي جاريةً
، فعصته ولم تطعه ، فشكى ذلك إلى العوفي ،
فقال : انفذها إليّ حتى أكلمها ؛ فأنفذها إليه ، فقال لها : يا عروب !
يا لعوب ! يا ذات الجلابيب ! ما هذا التمنع المجانب للخيرات ، والاختيار للأخلاق
المشنوآت ؟ قالت له : أيّد الله القاضي ! ليست لي فيه حاجةٌ ؛ فمره يبيعني ! فقال
: يا منية كل حكيم ، وبحاثٍ عن اللّطائف عليم ، أما علمت أنّ فرط الاعتياصات ، من
الموموقات ، على طالبي المودّات ؟ فقالت له الجارية : ليس في الدنيا أصلح لهذه
العثنونات المنتشرات على صدور أهل الرّكاكات من المواسي الحالقات ؛ وضحكت وضحك أهل
المجلس ؛ وكان العوفي عظيم اللحية
373 - قال الجاحظ : طلب المعتصم جاريةً كانت لمحمود الورّاق ، وكان نخاساً ،
بسبعة آلاف دينارٍ ، فامتنع محمودٌ من بيعها ، فلما مات محمود اشتريت للمعتصم من
ميراثه بسبع مئة دينار ، فلما دخلت إليه ، قال لها : كيف رأيت ؟ تركتك
حتى اشتريتك من سبعة آلافٍ بسبع مئةٍ ! قالت : أجل ! إذا كان الخليفة
ينتظر لشهواته المواريث ، فإنّ سبعين ديناراً كثيرةٌ في ثمني فضلاً عن سبع مئةٍ ؛
فأخجلته
374 - قال رجلٌ لنسوةٍ : إنّكنّ صواحب يوسف ، فقلن : فمن رماه في الجبّ ، نحن
أو أنتم ؟ 375 - وقفت امرأة قبيحة على عطارٍ ماجنٍ ، فلما رآها ، قال :
! ( وإذا الوحوش حشرت ) ! [ 81 سورة التكوير / الآية : 5 ] فقالت : ! ( وضرب
لنا مثلا ونسي خلقه ) ! [ 36 سورة يس / الآية : 78 ]
376 - رأى رجلٌ امرأةً قد خضبت رؤوس أصابعها وشنترتها ، فقال : ما أحسن هذا
الزيتون ! فقالت : فكيف لو رأيت قالب الجبن ؟ ! 377 - حكي لنا أنّه كان لجعفر بن
يحيى ، خاتمٌ منقوشٌ عليه ( جعفر بن يحيى ) ، فنادى أن لا ينقش أحدٌ على خاتمه (
جعفر بن يحيى ) فجاءت جاريةٌ إلى نقّاش ، فقالت له : أريد أن تنقش لي على هذا
الخاتم إذا حضرت عندك ما أقوله لك ؛ فحضرت ، وقد أوصت خادمين أن يصيح أحدهما في
أوّل السوق : جعفر ، ويصيح الآخر في آخر السّوق : يحيى ! فقالت :
انقش لي ما تسمعه من أوّل صائح يصيح الآن ، فصاح أحدهما : جعفر ، فقال : ما
يمكنني أن أنقش جعفر ! فصاح الآخر : يحيى ، فقالت : انقش الآن جعفر بن يحيى ؛
فنقشه
387 - قال أبو حنيفة : خدعتني امرأة أشارت إلى كيس مطروح في الطريق ، فتوهّمت
أنّه لها ، فحملته إليها ، فقالت : احتفظ به حتى
يجيء صاحبه
379 - قال رجلٌ لامرأته : أمرك بيدك ؛ فقالت : قد كان في يدك
عشرين سنةً ، فحفظته ، فلا أضيعه أنا في ساعةٍ ، وقد رددته إليك ؛ فأمسكها
380 - بكت عجوزٌ على ميتٍ ، فقيل لها : بماذا استحق هذا منك ؟ فقالت : جاورنا
وما فينا إلا من تحل له الصّدقة ، ومات وما فينا إلا من تجب عليه الزكاة
381 - كان رجلٌ يقف تحت روشن امرأةٍ ، وهي تكره وقوفه ، فجاء في بعض الأيام
وعليه قميصٌ دبيقيٌ ، قد غسله عند المطري ، وسقاه نشاءً ، وهو لبيسٌ ، وتحته قميصٌ
روميٌّ كذلك ؛ وكان للنّاس أترجٌ سوسيٌ ، في الأترجة ثلاثون رطلاً ، فأخرجت بطيخة
كافور ، وأشارت إليه : تعال خذ هذه ؛ فجاء ، فوقف تحت الرّوشن ، فقالت : أمسك حجرك
صلباً حتى لا يقع فينكسر ؛ فلزم حجره ، فأخرجت البطيخة كأنها ترمي بها ، فرمت
أترجّته في حجره ، فلم يردّه شيءٌ سوى الأرض ، وبقي ما في القميص على رقبته
وأكتافه ، فهرب مستحيياً وما عاد بعدها
382 - قال رجلٌ لرجلٍ : قد جرحني المزين في رقبتي ؛ فقالت امرأة : هذا حتى لا
يتمرمر
تعني أنّه كذا يصنع بالقرع
الباب الثالث فيما ذكر عن الصبيان من ذلك 383 - قال الزبير بن بكارٍ :
كان ابن الزبير يلعب مع الصبيان وهو صبي ، فمر رجلٌ فصاح عليهم ، ففروّا ، ومشى
ابن الزبير القهقرى ، وقال : يا صبيان ! اجعلوني أميركم ؛ وشدوا عليه
384 - ومرّ به عمر بن الخطّاب وهو يلعب مع الصبيان ، ففرّوا ووقف ، فقال له : مالك لم تفرّ مع
أصحابك ؟ قال : يا أمير المؤمنين ! لم أجرم فأخاف ، ولم يكن الطريق ضيّقة فأوسع
عليك
385 - قال علي ابن المديني : خرج سفيان بن عيينة إلى أصحاب الحديث وهو ضجرٌ ،
فقال : أليس من الشقاء أن أكون جالست ضمرة بن سعيدٍ ، وجالس ضمرة أبا سعيد الخدريّ
؛ وجالست عمرو بن دينارٍ ، وجالس جابر بن عبد الله ؛ وجالست عبدالله بن دينارٍ ،
وجالس ابن عمر ؛ وجالست الزهري ، وجالس أنس بن مالكٍ ؛ حتى عدّ جماعة ، ثم أنا
أجالسكم ! فقال له حدثٌ في المجلس : انتصف يا أبا محمدٍ !
قال : إن شاء الله ؛ قال : والله لشقاء من جالس أصحاب رسول الله [ صلى الله
عليه وسلم ] بك أشدّ من شقائك بنا ؛ فأطرق وتمثّل بشعر أبي نواسٍ :
( خل جنبيك لرام ** وامض عنه بسلام مت بداء الصمت خيرٌ ** لك من داء
الكلام ) فسأل : من الحدث ؟ قالوا : يحيى بن أكثم ؛ فقال سفيان : هذا الغلام يصلح
لصحبة هؤلاء
يعني : السلاطين
386 - قال أبو عاصم النبيل : رأيت أبا حنيفة في المسجد الحرام يفتي وقد اجتمع
النّاس عليه ، وآذوه ، فقال : ما ههنا أحدٌ يأتينا بشرطيّ ؟ فقلت : يا أبا حنيفة !
تريد شرطياً ؟ ! قال : نعم ! فقلت : اقرأ عليّ هذه الأحاديث التي معي ؛ فقرأها ،
فقمت عنه ، ووقفت بحذائه ، فقال لي : أين الشرطيّ ؟ فقلت له : إنّما قلت : تريد ،
لم أقل لك : أجيء به ؛ فقال : انظروا ! أنا أحتال للنّاس منذ كذا وكذا ، وقد احتال
عليّ هذا الصبّي
387 - قال ثمامة : دخلت إلى صديق أعوده ، وتركت حماري على الباب ، ولم يكن معي
غلامٌ يحفظه ، ثمّ خرجت ، وإذا فوقه صبيّ ، فقلت : أركبت حماري بغير إذني ؟ ! قال : خفت أن يذهب
فحفظته لك ؛ قلت : لو ذهب كان أحب لي من بقائه ؛ قال : إن كان هذا رأيك فيه ،
فاعمل على أنّه قد ذهب وهبه لي واربح شكري ؛ فلم أدر ما أقول
388 - قال الأصمعي : قال رجلٌ من أهل الشّام : قدمت المدينة ؛ فقصدت منزل
إبراهيم ابن هرمة ، فإذا بنتٌ له صغيرةٌ تلعب بالطين ، فقلت لها : ما فعل أبوك ؟
قالت : وفد إلى بعض الأجواد ، فما
لنا منه علمٌ منذ مدةٍ ؛ فقلت : انحري لنا ناقةً ، فإنّا أضيافك ؛ قالت
: والله ما عندنا ، قلت : فشاةً ، قالت : والله ما عندنا ، قلت : فدجاجةً ، قالت :
والله ما عندنا ، قلت : فأعطنا بيضةً ، قالت : والله ما عندنا ، قلت : فباطلٌ ما
قال أبوك : ( كم ناقةٍ قد وجأت منحرها ** بمستهل الشؤبوب أو جمل ) قالت : فذاك
الفعل من أبي هو الذي أصارنا إلى ليس عندنا شيءٌ
389 - قال بشرٌ الحافي : أتيت باب المعافى بن عمران ، فدققت الباب ، فقيل لي :
من ؟ فقلت : بشرٌ الحافيٌ ؛ فقالت لي بنية من داخل الدار : لو
اشتريت نعلاً بدانقين ذهب عنك اسم الحافي
390 - قال الأصمعي : بينا أنا في بعض البوادي ، إذا أنا بصبي - أو قال : صبيةٍ
- معه قربةٌ قد غلبته ، فيها ماءٌ ، وهو ينادي : يا أبةِ أدرك
فاها ، غلبني فوها ، لا طاقة لي بفيها ؛ قال : فوالله قد جمع العربية في ثلاث
391 - قال الأصمعي : وقلت لغلامٍ حدثٍ من أولاد العرب : أيسرّك أن يكون
لك مئة ألف درهم وأنّك أحمقٌ ؟ قال : لا ، والله ؛ قلت : لم ؟ قال : أخاف
أن يجني عليّ حمقي جنايةً تذهب مالي وتبقي عليّ حمقي
392 - لقي صبي رجلاً غافلاً ، فقال له الصبي : إلى أين تمضي ؟
فقال : إلى المطبق ، فقال : أوسع خطواتك
393 - ركب المعتصم إلى خاقان يعوده ، والفتح صبي يومئذٍ ، فقال له المعتصم : أيّما أحسن : دار
أمير المؤمنين أو دار أبيك ؟ فقال : إذا كان أمير المؤمنين في دار أبي ، فدار أبي
أحسن ؛ وأراه فصّاً في يده ، فقال : رأيت يا فتح أحسن من هذا الفصّ ؟ فقال : نعم !
اليد التي هو فيها
394 - ذبح رجلٌ بخيلٌ دجاجةً ، فدعاه صديقٌ له ، فأمر بالدّجاجة فرفعت ، وبات
عند صديقه ، فلمّا جاء دعا بالدّجاجة ، فإذا هي منزوعة الفخذ ، فقال : من هذا الذي
تعاطى فعقر ؟ فامتنعوا أن يخبروه ، فقال لقهرمانه : اقطع خبزهم ونفقاتهم ؛ فوثب
غليمّ له صغير ، وقال : ! ( أتهلكنا بما فعل السفهاء منا ) ! [ 7 سورة الأعراف /
الآية : 155 ] فردّ عليهم خبزهم
395 - قعد صبيّ مع قومٍ يأكلون ، فجعل يبكي ، فقالوا : ما لك ؟ قال : الطعام
حارُّ ، قالوا : فدعه حتى يبرد ، فقال : أنتم ما تدعونه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق